خطبة عن (وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا)
ديسمبر 15, 2025الخطبة الأولى (الرِّضَا التَّرَاضِي)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا) البقرة:233، وقال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) النساء:29، وقال تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة:232، وقال تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) النساء:24،
إخوة الإسلام
(الرِّضَا) هو: (طيب النفس وقبول ما قسمه الله والاطمئنان إليه، مع عدم السخط أو الجزع، وهو حالة من القناعة الداخلية والسكينة النفسية التي تجلب السعادة والتوازن)، وهو ضد السخط، ويعني أنك راضٍ بما آتاك الله، لكن مع السعي للأفضل دون إخلال بالواجبات
و(التَّرَاضِي) هو: (التوافق والقبول المتبادل بين طرفين أو أكثر، على أمر ما، دون إكراه، والوصول إلى اتفاق يرضي الجميع، أو يرضي الأطراف المعنية)، وهو أساس في العقود والأحكام القانونية والشرعية، ويقوم على تطابق الإرادتين، لتحقيق أثر قانوني أو حل نزاع.
و(الرِّضَا التَّرَاضِي): من الأسس العامَّة، والمبادئ الكلِّية، التي قامت عليها المعاملات والعقود في الاسلام، فقاعدةَ الرّضا والتراضي من أعظم المبادئ، وأجلِّ الأسس التي دعا إليها الشرع الحكيم، وبنى عليها حلِّيَّة تبادل الأموال والحقوق، وسوَّغ بسببها انتقال المنافع والأعيان بين المتعاقدين، يقول الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ﴾ (النساء:29)، وفي سنن ابن ماجه: (أن أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ». وفي سنن الدارقطني: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسِهِ»،
ومن صور الرضا والتراضي كما وردت في القرآن الكريم: قوله تعالى: (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا) البقرة:233، فهذه الآية الكريمة تتحدث عن إرضاع الطفل، وقوله تعالى: “فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا” تعني: إذا أراد الأب والأم فطام الطفل عن الرضاع، وتم ذلك برضاهما معًا ومشورتهما، فلا حرج ولا إثم عليهما في تعجيل الفطام قبل إتمام العامين، مع مراعاة مصلحة الطفل.
ومن صور الرضا والتراضي: قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء:29، فهذا نهي صريح عن الاستيلاء على أموال الآخرين بأي طريقة غير شرعية، وقوله تعالى: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ): فهذا الاستثناء يوضح الطريقة المشروعة لكسب المال، وهي التجارة والمعاملات المالية، التي تتم بالتراضي التام بين الطرفين، ضمن إطار الشريعة الإسلامية، ويشترط في هذه التجارة:
أن يكون العقد صحيحًا شرعًا، وأن يكون البائع والمشتري راضيين تمام الرضا عن عملية التبادل (بيع أو شراء أو غيره) دون إكراه أو غرر (جهالة)، فتؤكد الآية على أهمية المعاملات المالية النظيفة، والقائمة على العدل والرضا المتبادل، وتحرم بشدة أي شكل من أشكال الاستغلال أو أخذ حقوق الآخرين بغير وجه حق.
ومن صور الرضا والتراضي: قوله تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة:232، فالعضل معناه (المنع والتضييق)، والآية تخاطب أولياء أمور النساء (مثل الأب أو الأخ) اللواتي طُلّقن طلقة رجعية أو بائنة، وانقضت عدتهن، وأردن العودة إلى أزواجهن السابقين، بعقد ومهر جديدين، ورضي الطرفان بذلك بالمعروف والشرع، فلا تمنعوا هؤلاء النساء من الزواج بأزواجهن السابقين إذا اتفقوا وتراضوا على العودة بعقد جديد، طالما كان ذلك وفقاً للشرع والعرف الحسن، وسبب نزول هذه الآية كان في قصة معقل بن يسار رضي الله عنه عندما منع أخته من العودة لزوجها السابق بعد طلاقها وانقضاء عدتها، فنزلت الآية تنهى عن هذا الفعل
ومن صور الرضا والتراضي: قوله تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) النساء:24، فهذا الجزء من الآية يتعلق بأحكام المهور، والتراضي بين الزوجين بعد تحديد المهر. فقوله تعالى: “وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ”: أي لا إثم ولا حرج عليكم أيها الأزواج والزوجات “فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ”، والفريضة هنا هي (المهر) الذي تم تحديده مسبقًا في عقد النكاح، والمعنى: أنه بعد أن يتم تحديد المهر (الفريضة) ويصبح واجبًا، يجوز للزوجين أن يتراضيا على تغيير شيء من هذا المهر. فيمكن للزوجة أن تتنازل عن جزء من مهرها أو كله (بمحض إرادتها)، ويمكن للزوج أن يزيدها في المهر، أو يؤجل سداده، أو يتفقا على أي تعديل آخر يتراضيان عليه بالتراضي والقبول المتبادل، ولا حرج في ذلك شرعًا. فالآية تؤكد على مبدأ الرضا المتبادل بين الزوجين في كل ما يتعلق بأمور المهر بعد العقد، سواء كان ذلك بزيادة أو نقصان أو تأجيل
ولكي يتحقق مبدأ الرضا والتراضي في الزواج: فقد شرع الاسلام الخطبة، والرؤية للزوجين، فقال تعالى: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ) البقرة:235، وفي سنن الترمذي: (عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- «انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا»، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- «هَلْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي عُيُونِ الأَنْصَارِ شَيْئًا». قَالَ قَدْ نَظَرْتُ إِلَيْهَا). وفي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَالَ «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ».
والخطبة ليست زواجا، وإنما هي وعد بزواج، فإذا لم يتحقق الرضا والقبول حق للطرفين أن يفسخا الخطبة، لأن الاسلام أقام الارتباط بين الزوجين والمعاملات بين الناس على مبدإ الرضا والقبول والتراضي، وذلك كله بما لا يُحل حرامًا أو يحرِّم حلالًا،
أيها المسلمون
كما شرع الإسلام عددًا من الضوابط التي تُمَكِّن الأطرافَ من تحقيق التراضي والرضا التام بمضمونه، وعدم الشعور بالظلم أو الغبن فيه وخاصة في البيع والشراء والعقود، ومن هذه الضوابط :”الخيارات” التي تُشكِّل إطارًا واضحًا لتحقيق الرضا، ومعنى الخيار: أن يكون للطرفين الحق في إمضاء الأمر أو فسخه، ففي البيع والشراء: جاء في الصحيحين: (عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا»، وفي سنن البيهقي: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :«مَنِ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذَا رَآهُ»، فللطرفين الحق في فسخ البيع أو إمضائه إذا وَجَدَ أيٌّ من أطراف عيبًا فيما أخذه من الآخر، ولم يكن صاحبُه عالمًا به وقت العقد، فإذا لم تتوافر السلامة اختلَّ رضا العاقد بالعقد،
و(الرِّضَا التَّرَاضِي): أساس العقود، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ إِلَّا بَيَّنَهُ لَهُ» رواه ابن ماجه، ومرَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم برجل يبيع طعامًا، فأدخل يده فيه فإذا هو مبلول، فقال: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قال: “أصابتْه السماءُ يا رسولَ الله”، قال: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» رواه مسلم، فالإسلام يأمر بالرضا والتراضي، ويرفض الغش والخداع، ويرتِّب على ذلك بطلان المعاملات التي تقوم عليهما في الكثير من الحالات.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الرِّضَا والتَّرَاضِي)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ولكي يتحقق (الرِّضَا التَّرَاضِي): فمن الأمور التي يرفضها الإسلام، ويبطل بسببها العقود: الإكراه: وهو إجبار أو دفع شخص لفعل شيء يكره أن يقوم به، ومن الواضح أن الإكراه ينافي الرضا الذي هو ركن في العقد، وقد جعل الله تعالى ما يترتب على الإكراه ساقطًا، كأن لم يكن، قال تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ [النحل:106]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» رواه ابن ماجه. وقال ابن عباس: “ليس على المكروه، ولا المضطهد طلاق”. ورُوي أن رجلًا تدلَّى يشتار (يجمع) عسلًا في زمن عمر رضي الله عنه، فجاءته امرأتُه فوقَفَتْ على الحبل، فحلفت لتقطعنَّه أو لتطلقني ثلاثًا، فذكَّرَها اللهَ والإسلامَ، فأَبَتْ إلا ذلك، فطلَّقَها ثلاثًا. فلما ظهر أتى عمر فذَكَرَ له ما كان منها إليه ومنه إليها، فقال: “ارجع إلى أهلك فليس هذا بطلاق”.
فمن وقع تحت تهديد يعلم أن صاحبه قادر على تنفيذه ففعل ما يطلبه منه دون أن يؤذي أو يقتل غيره لينجو بنفسه، كأن وقَّعَ على عقد بيع شيء يملكه أو طلَّق امرأته وأشباه ذلك، فإن ما وقع تحت الإكراه لا يكون نافذًا.
ولكي يتحقق (الرِّضَا التَّرَاضِي) والقبول: فقد رفض الإسلام الغش والخداع، وما يرتِّب على ذلك من بطلان المعاملات التي تقوم عليهما، فمن اشترى شيئًا، فاكتشف أنه خُدِعَ فيه، بأنْ كان بغير المواصفات المتفق عليها، فإنَّ هذه المعاملة باطلة، ويلزم قبول رد السلعة، وإعادة الحقوق المتوسَّل إليها بالغش والخداع لأصحابها، وهو ممنوع منعًا مطلقًا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» رواه مسلم، إذ الغش والخداع يهدم الثقة بين المتعاملين، ويجعل الحياة التجارية والاجتماعية في اضطراب.
ولكي يتحقق (الرِّضَا التَّرَاضِي) والقبول: فقد حرم الاسلام التدليس، أو التغرير: وهو إغراء العاقد وخديعته، ليُقْدِمَ على العقد، ظانًّا أنه في مصلحته، والواقع خلاف ذلك، والتغرير: إيهام خلاف الواقع، بوسائل مغرية، أو وصف المبيع للمشتري بغير صفته الحقيقية: كطلاء الأثاث القديم وبيعه على أنه جديد، أو التلاعب بعداد السيارة، لتبدو غير مستهلكة بصورة كبيرة، أو الكذب بقول البائع عن سلعته: إنه لا يوجد مثلها في السوق، دفعًا للمشتري ليُتِمَّ الصفقة، أو بكتمان عيب فيها، وكل ذلك حرام شرعاً باتفاق الفقهاء،
ولكي يتحقق (الرِّضَا التَّرَاضِي) والقبول: فقد حرم الاسلام الغبن: وهو أن يكون أحد العوضين غير متعادل مع الآخر، بأن يكون أقل من قيمته أو أكثر منها، وإذا كان الغبن يسيرًا، كأن اشترى شيئًا بعشرة وقيمته تسعة فالبيع جائز.
وهكذا نرى كيف اعتمد التشريع الإسلامي مبدأ (الرِّضَا التَّرَاضِي) كأساس للمعاملات بين الناس، وكيف أحاط هذه المعاملات بالضمانات التي تكفل تحقق الرضا، مما ييسر معاملات الناس ويوفر لهم الاستقرار، ويرفع النزاع والخلاف بشأنها، مع الأخذ في الاعتبار أن (الرِّضَا التَّرَاضِي) لا يحل حرامًا، أو يحرم حلالًا.
أيها المسلمون
وإذا كان الاسلام قد أمر (بالرِّضَا التَّرَاضِي)، والايجاب والقبول، فقد حرم التَّعدِّي والعدوان، وأكل أموال الناس وحقوقهم بالباطل، ففي صحيح مسلم: (في حديث حجة الوداع: (حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ. فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ. وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّى فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ». قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ « اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ». ثَلاَثَ مَرَّاتٍ)
الدعاء
