خطبة عن (قيمة الشباب ومكانته في الإسلام)
يناير 19, 2017خطبة عن ( انْوِ الْخَيْرَ واحسد فاعله)
يناير 20, 2017الخطبة الأولى ( هل لك خبيئة ؟ ؟ )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تبارك وتعالى في وصف عباده المؤمنين ، وأصفيائه المقربين :(كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) ، وروى الإمام أحمد في الزهد وصححه الألباني . قال صلى الله عليه وسلم ( مَنِ استطاعَ منكم أنْ يكونَ لَهُ خَبْءٌ مِنْ عمَلٍ صالِحٍ فلْيَفْعَل) ،
إخوة الإسلام
اسألك أخي المسلم وأختي المسلمة : هل لك خبيئة ؟ وما هي خبيئتك التي ستدخل بها الجنة ؟ أو ما هي العبادة التي تتعبد بها لله ، و لا يعلَّمها أحد من الناس ؟ هل لك من استغفار بالأسحار ؟؟ هل لك من دمعة في خلوة من خشية الجبار؟؟ هل لك من صدقة في السر فلم تعلم شمالك ما أنفقت يمينك ؟؟ هل لك من إصلاح بين الناس ؟؟ أو صلاة بالليل والناس نيام ؟؟، فالخبيئة هي طاعة معينة تقوم بها ،لا يعلم بها أحد إلا الله . فكل ما لا يعلم به أحد من طاعاتك ولا تخبر به أحدًا ولا يعلمه إلا الله ، فهو خبيئة ( أي عمل في السر ، سترته وخبأته عن أعين الناس ) والخبيئة قد تكون ركعات في جوف الليل لا يعلم بها أحد ، أو صيام أيام لا يعلم بها أحد، أو تلاوة آيات من القرآن وختمات ، أو ذكر لله عز وجل بالآلاف ، أو دمعات على الوسادة ومناجاة لرب الأرض والسماء . فعمل السر من أعظم ما تتقرب به إلى ربك ، ويكون هذا العمل بينك وبين الله خبيئة مستورة لا يعلمها أحد من الخلق تدخرها لنفسك في يوم أحوج ما تكون فيه إلى ما يكسي عورتك ويطفئ ظمأك ويجعلك تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله. فالعبادات الخفية ، والأعمال الصالحة السرية ، كنز من كنوز الحسنات، فلا تغفل عنها واعقد العزم من الآن على أن تكون لك خبيئة من عمل صالح بحول الله وقوته. قال الزبير: أيكم استطاع أن يكون له خبيئة من عمل صالح فليفعل .
إخوة الإسلام
وأنا أقدم لكم اليوم نماذج لرجال صالحين ، كان لكل منهم خبيئة مع الله ، كانت هذه الخبيئة سببا في قربه من الله ، وفوزه برضاه ، وخلوده في دار كرامته ، ونتناول خبيئة هؤلاء القوم ، لنقتدي بهم ، ونسير على دربهم وطريقتهم فهذا رجل : كانت له خبيئته ، ممثلة في بره لوالديه ، ولكن بطريقة أدهشت العقول وحيرت الألباب ، فقد يبر أحدنا والديه ، ولكنه لن يستطيع أن يبلغ ما بلغه هذا الرجل ، وجاء ذكر هذا الرجل في حديث الثلاثة الذين أووا إلى الغار، والذي رواه الإمام البخاري في صحيحه « انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوُا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ فَقَالُوا إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ . فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمُ اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ ، وَكُنْتُ لاَ أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلاً وَلاَ مَالاً ، فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا ، فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا ، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلاً أَوْ مَالاً ، فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَىَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ ، فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ ، فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ » ، هكذا بلغ بره بوالديه ، إنه بر متميز لم يسبقه إليه أحد ، فبلغ بره بوالديه أنه لا يسقي أحدا قبلهما ، رغم أن صبيانه الصغار يتضاغون تحت قدميه من شدة الجوع طلبا للشراب ، وهو يحمل الإناء على يديه ليلة كاملة ينتظر استيقاظهما ، فكان الجزاء أن قبل الله عمله ، ورفع إليه وسيلته، وفرج بدعائه كربهم ،أما الرجل الثاني :وهو في نفس الحديث المتقدم ، فكانت خبيئته ترك المعصية وشهوة الفرج خشية من الله وخوفا منه ، بل وتصدق بما يملك من مال على من أراد بها الفاحشة ، فعل ذلك خشية من الله ، وصلة لرحمه ، وابتغاء العفو من الله ،(قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « وَقَالَ الآخَرُ اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَىَّ ، فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا ، فَامْتَنَعَتْ مِنِّى حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ ، فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّىَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا ، فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ لاَ أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ . فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا ، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهْىَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَىَّ وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِى أَعْطَيْتُهَا ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ . فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا ) ، هكذا كان جزاء عمله وخبيئته ، فعمله عمل متميز ، لا يستطيعه إلا ألو العزم من الرجال فكان جزاؤه ، أن تقبل الله منه واستجاب دعاءه ، وفرج كربه
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( هل لك خبيئة ؟ ؟ )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما خبيئة الرجل الثالث في الحديث المتقدم ، فكانت أمانته التي لم يماثله فيها أحد : (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – وَقَالَ الثَّالِثُ اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ ، غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِى لَهُ وَذَهَبَ فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَىَّ أَجْرِى . فَقُلْتُ لَهُ كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ . فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ لاَ تَسْتَهْزِئْ بِي . فَقُلْتُ إِنِّي لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ . فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا ، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ . فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ » ، فهذه خبيئة غير مسبوقة ، وعمل متميز وفريد ، فكان في وسع هذا الرجل أن يعزل لهذا الرجل الأجير أجره ، ويعطيه إياه متى طلبه ، لكن أن يثمره له وينميه حتى يبلغ هذا المال وديانا من الانعام ومعها العبيد ، ثم لا يأخذ منه شيئا ، فهذه أمانة ، وحفظ للحقوق ، وإحسان لمن لا يريد منه جزاء ولا شكورا ، فكان الجزاء أن تقبل الله خبيئته ، واستجاب دعاءه وفرج همه ، فكانت النهاية (فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ ) هذا جزاء الدنيا ، ولأجر الآخرة أبقى وأكبر : نموذج آخر لرجل كانت خبيئته وعمله الصالح الذي تقرب به لربه ، هو الإنفاق في سبيل الله ، فهذا الرجل عقد صفقة رابحة مع الله ، يقصها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ. فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ فَقَالَ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ قَالَ فُلاَنٌ. لِلاِسْمِ الَّذِى سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ فَقَالَ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِى فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِى هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ لاِسْمِكَ فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا قَالَ أَمَّا إِذَا قُلْتَ هَذَا فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ ». نموذج آخر للخبيئة والعمل الصالح ، فهذا الصحابي الجليل كانت خبيئته أمرا سهلا وميسورا ، ولكن ، قليل من يفعله ويفطن إليه ، إنه بلال بن رباح ، كانت خبيئته ركعات عقب كل طهور ، ولكنه داوم عليه ، لا يتركه ليلا أو نهارا ، ابتغاء مرضاة الله ،ففي صحيح البخاري ومسلم واللفظ له : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِبِلاَلٍ عِنْدَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ « يَا بِلاَلُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَي عَمَلٍ عَمِلْتَهُ عِنْدَكَ فِي الإِسْلاَمِ مَنْفَعَةً فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّيْلَةَ خَشْفَ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَىَّ فِي الْجَنَّةِ ». قَالَ بِلاَلٌ مَا عَمِلْتُ عَمَلاً فِي الإِسْلاَمِ أَرْجَى عِنْدِي مَنْفَعَةً مِنْ أَنِّى لاَ أَتَطَهَّرُ طُهُورًا تَامًّا فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ وَلاَ نَهَارٍ إِلاَّ صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي أَنْ أُصَلِّىَ.) ، وانظروا كيف كانت خبيئته سببا في أن يبشر بالجنة ، بل ويسبق غيره إليها ، ويسمع الرسول صلى االله عليه وسلم صوت حركة نعليه وهو يمشي في الجنة ،وماذا عن خبيئة الصالحين ، وعبادات المتقين ، وأسرار المقربين ؟ ذلك ما نستكمله في لقاء قادم إن شاء الله رب العالمين
الدعاء