خطبة عن ( أدب الحوار في الإسلام )
يناير 11, 2016خطبة عن ( فضائل الصلاة على النبي )
يناير 11, 2016الخطبة الأولى (أدب الحوار في الإسلام )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ) (41): (48) مريم
إخوة الإسلام
من أدب الحوار في الإسلام: ( التواضع للمحاور وحسن الاستماع له ، والإصغاء إليه ، وترك مقاطعته ).: يقول عطاء بن أبي رباح( إن الرجل ليحدثني بالحديث، فأنصت له، كأني لم أسمعه، وقد سمعته قبل أن يولد). وقال الحسن بن علي لابنه رضي الله عنهم أجمعين : ( يا بنيّ إذا جالست العلماء ؛ فكن على أن تسمع ، أحرص منك على أن تقول ، وتعلًم حُسْنَ الاستماع ، كما تتعلم حسن الكلام ، ولا تقطع على أحد حديثاً ، وإن طال ، حتى يُمسك ) أما الأدب الثالث من آداب الحوار مع الآخرين ، فهو احترام الآخر : فينبغي في مجلس الحوار التأكيد على الاحترام المتبادل من الأطراف ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، والاعتراف بمنزلته ومقامه ، فيخاطب بالعبارات اللائقة ، والألقاب المستحقة والأساليب المهذبة ، ولنا في قصص السابقين عبر ،فهذا مؤمن آل فرعون يعطينا درسا في ذلك ، فعندما خاطب قومه، كان يقول لهم مع كل نصيحة: { يَاقَوْمِ }.ولم يقل لهم مثلا : ( يا كفرة. أو يا فسدة) أو غير ذلك من الألفاظ المنفرة. وهذا لقمان يقول لابنه (يَا بُنَيَّ ). وذلك ترقيقا لقلبه ، وليسمع منه نصحه ، ويستجيب لوعظه ، واستمع معي إلى هذه المحاورة الراقية بين الابن المؤمن ، والأب الكافر. قال تعالى : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا . إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا. يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا. يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا . يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا). مريم 40 : 47، وهكذا يجب عليك أيها المسلم ، أن تحترم من تحاوره ، فتقول له مثلا : (يا صديق ، أو يا أخي ، يا ابن العم . يا قريبي . يا سيدي . يا أستاذي . يا شيخي ، يا مولاي ، يا دكتور ، يا مهندس ، يا سيادة المدير وهكذا ، الخ ). فهذه الألفاظ وتلك الجمل تجعل المحاور يستمع لقولك ، وقريبا من قلبك ، أما الأدب الرابع من آداب الحوار مع الآخر فهو: الصبر على أخطاء المحاور أثناء كلامه والتلطف معه والغض عن إساءته ومقابلتها بالإحسان : فإذا أردت أن يستمر الحوار ويثمر ، فلا تجعل من أخطاء من تحاوره فرصة لإنهاء الحوار، بل عليك بالتجاوز عن أخطائه، ليظل الحبل موصولا. ولك في رسول الله أسوة وقدوة ، فانظر إلى ما صنعه النبي صلى الله عليه وسلم مع النفر من اليهود ، الذين أتوا إليه يحاورونه ، ففي صحيح مسلم،عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ اسْتَأْذَنَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِى الأَمْرِ كُلِّهِ ». قَالَتْ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ : « قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ ». ومثل هذا الأدب صنعه النبي صلى الله عليه وسلم حين قسم الرسول قسماً فقال رجل: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله كما في صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَاسًا فِى الْقِسْمَةِ فَأَعْطَى الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ وَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِى الْقِسْمَةِ فَقَالَ رَجُلٌ : وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا وَمَا أُرِيدَ فِيهَا وَجْهُ اللَّهِ. قَالَ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ قَالَ فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ حَتَّى كَانَ كَالصِّرْفِ ثُمَّ قَالَ : « فَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ يَعْدِلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ »قَالَ ثُمَّ قَالَ : « يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِىَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (أدب الحوار) 2
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما الأدب الخامس من آداب المحاورة : فهو الإعراض ما أمكن عن المنازعة مع المحاور ولو بالإعراض عن الإجابة ، فأثناء الحوار قد يعرض عليك المحاور حلا أنت لا ترضاه ، ولا توافق عليه . فلا تقطع معه الحوار، بمجرد سماعك ما لا يرضيك منه ، واستمر معه ولا تجيبه بالقبول أو بالرفض. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ، فقد روى عن ابن عباس أن قريشاً دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يعطوه مالاً، فيكون أغنى رجل فيهم، ويزوجوه ما أراد من النساء، ويطأون عقبه أي يسودوه.فقالوا: هذا لك عندنا يا محمد، وكفَّ عن شتم آلهتنا، فلا تذكرها بسوء، فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة، وهي لك ولنا فيها صلاح، قال: ما هي؟ ، قالوا تعبد آلهتنا سنة اللات والعزى، ونعبد إلهك سنة. قال:(حتى أنظر ما يأتيني من ربي) فجاءه الوحي من الله: { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ . لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) إلى آخرها ” ، فقوله صلى الله عليه وسلم (حتى أنظر ما يأتيني من ربي) نوع من التلطف في الخروج من الموضوع ، وهو يعلم في نفس الوقت ، أن قولهم غير مقبول ، ولن يوافق عليه ، ومثاله قوله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم :{ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ }.(سبأ:24 ، 25). فانظر : لما تحدث عن نفسه قال (َ عَمَّا أَجْرَمْنَا) ولما تحدث مع المحاور لم يقل أجرمتم وإنما قال (عَمَّا تَعْمَلُونَ ) ، مع أن بطلانهم ظاهر ، وحجتهم داحضة. وماذا عن أدب الحوار في الإسلام ؟ ذلك ما نستكمله في اللقاء القادم إن شاء الله
الدعاء