خطبة عن ( الرحمة وصورها )
يناير 11, 2016خطبة عن ( كيف نصلح بين المتخاصمين ؟)
يناير 12, 2016الخطبة الأولى (من صفات المصلح بين المتخاصمين)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى في محكم آياته : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الحجرات (10)
إخوة الإسلام
فلابد للمصلحين بين المتخاصمين من القيام بواجبهم تجاه الأسر المتفككة بالسعي في الإصلاح بين الأزواج، ولا ينبغي ترك الخصومة بين الزوجين لتشتد حتى يكون الطلاق نتيجتها، ويكون الأولاد ضحيتها. و لئلا تبلغ الخصومة بين الزوجين هذا المبلغ فإن الشارع الحكيم شرع الصلح بين الزوجين، وأمر بتحكيم حَكميْن من أهلهما للقضاء على الخصومة، وإزالة أسباب التوتر والشقاق، والحفاظ على استقرار الأسْرة، وسلامة الأولاد، فقال ربنا سبحانه: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾ [النساء: 35]. فعلى الحَكم من أهل الزوج أن يُذَكِّرَ الزوج بقول ربنا سبحانه ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]. وبوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنساء، بقوله صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي وغيره : « خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي)، وكذلك ينبغي للحَكَم مِن أهل الزوجة أن يُكلم الزوجة بمعاني الإسلام، ويذكّرها بأحكامه المتعلقة بالزوجة في علاقتها بزوجها، وأن يذكرها بعظيم حق الزوج عليها، وأن من حسن معاشرتها له بالمعروف أن تُسْمعه الكلمة الطيبة اللينة، وأن تسارع إلى طاعته فيما أوجبه الشرع عليها من طاعته. وما رواه الطبراني عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْوَدُودُ، الْوَلُودُ، الْعَؤُودُ عَلَى زَوْجِهَا، الَّتِي إِذَا آذَتْ أَوْ أُوذِيَتْ، جَاءَتْ حَتَّى تَأْخُذَ بيَدِ زَوْجِهَا، ثُمَّ تَقُولُ: وَاللهِ لَا أَذُوقُ غُمْضًا حَتَّى تَرْضَى».، فتذكير الطرفين بحق كل واحدٍ منهما على الآخر وبالمعاشرة بالمعروف التي أمر الله بها، مما يجعل أمرهما ليناً سهلاً، والصلح بينهما قريبا ووشيكاً. ولْيتسلح المصلح في إصلاحه بالعلم والحكمة، حتى لا يفسد من حيث يريد الإصلاح، وحتى لا يشتت الشمل من حيث يريد جمعه. ولْيسألْ أهل العلم فيما يحتاج إلى سؤال؛ ليتبين الظالم من المظلوم، والمخطئ من المصيب، فينبه الظالم على ظلمه، ويدل المخطئ على خطئه. ويقترح ما فيه مصلحة الطّرفين.، روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأرْضَ وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ، وَقَالَ الَّذِي لَهُ الأرْضُ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا، فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ قَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلامٌ، وَقَالَ الآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ، قَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلامَ الْجَارِيَةَ وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقَا».. وعلى المصلح أن يختار من الكلام أحسنه وأفضله للموقف ، فقد أذن الشرع للمصلح أن يختار من الكلمات ما يُطَيِّبُ به خاطر الخصمين، ويُزيلُ الأحقاد والضغائن من النفوس. كأن يقول لأحد الخصمين مثلا: إن فلاناً لا يقصد أذيّتك، إنما خانه التعبير فلم يختر اللفظ المناسب، إنه نادم على فعله وقوله، وهو الآن مستعد للصلح معك… ونحو ذلك من الكلام الطيّب الذي يسكن به الغضب، وتزول به الكراهية، وينتهي به الهجر والقطيعة وعلى المصلح أن يختار من الكلام ما يرقق القلوب، ويؤثر في النفوس، ويبين للخصمين حقارَة الدنيا وما فيها، فلا تستحق أن يتعادى الإخوان من أجلها، ولا أن تقطع القرابة بسببها، ويذكرهما بالموت وما بعده من الحساب والوقوف بين يدي الله عز وجل، فماذا يقول القاطع لرحمه؟ الهاجر لإخوانه؟ المسيء إلى جيرانه؟.. ففي الصحيحين عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قالت: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَ خُصُومٍ بِالْبَابِ، عَالِيَةٍ أَصْوَاتُهُمَا، وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الآخَرَ، ـ أي يَسْأَلهُ أنْ يَضَعَ عَنْهُ بَعضَ دَيْنِهِ ـ وَيَسْتَرْفِقُهُ فِي شَيْءٍ، ـ أي يَسأَلُهُ الرِّفْقَ ـ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لاَ أَفْعَلُ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَيْنَ المُتَأَلِّي عَلَى اللَّهِ لاَ يَفْعَلُ المَعْرُوفَ؟»، فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَهُ أَيُّ ذَلِكَ أَحَب ). فقد وعظه عليه الصلاة والسلام فقال: أين الذي يحلف بالله ألا يفعل الخير؟ فاستحيا الرجل وقال: أنا يا رسول الله، فله أيّ ذلك أحب، أيْ: فما أراده من عفو عن بعض المال فأنا راضٍ به ، فكان عليه الصلاة والسلام يعظ في أمر الصلح ويرغب فيه. ، وربّما احتجّ أحد الخصمين بأنه نذر أن لا يتنازل، أو حلف على أن لا يصالح، وهذا كثيرا ما يقع بين الغرماء والمتخاصمين، فمن نذر فليعلم أن النذر الذي يجب الوفاء به إنما هو نذر الطاعة، لا نذر المعصية. ففي صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يَعْصِهِ». ومن حلف على هجر أخير أو قطيعة رحمه فليُكِّفرْ عن يمينه، وليصالِح أخاه، وليصل رحمه، فربنا سبحانه وتعالى يقول: ﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة:224] قال ابن عباس رضي الله عنهما: (هو الرجل يحلف ألاّ يصلَ قرابته فجعل الله له مخرجا في التكفير، وأمره ألاّ يعتلّ بالله، وليكفرْ عن يمينه). وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ ».. وكفارة اليمين معلومة قال تعالى عنها: ﴿ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون ﴾ [المائدة: 89].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (من صفات المصلح بين المتخاصمين)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وعلينا أحبتي في الله إذا أتانا المصلح .. الذي يريد الإصلاح .. أن نفتح له أبوابنا وقلوبنا وأن ندعو له وأن نقول له : جزاك الله عنا خيرا .. ثم بعد ذلك نكون سهلين في يده .. نكـون ليّنين في يده .. وإذا طلب منا طلباً أو طلب منا أن نتنازل عن شيء فعلينا أن نُقبل وأن نستجيب إلى طلبه ، ولا نرده خائبا ..
إخوة الإسلام
نريد مجتمعاً تسوده الشفقة والعطف والرحمة. نريد من المتهاجرين صفحة جديدة، وبداية سعيدة، ونسياناً لذلك الركام الهائل من الأخطاء والمشاكل. نريد تجافياً عن الزلات، وتعافياً عن الهفوات، وإقالة للعثرات. ومَن كانت حاله كذلك فلن يُعدَم الأجر الكثير، والذكر الجميل، والشكرَ الجزيل. فلا يكنْ للشيطان نصيب منا في قطيعة الأرحام، والتناحر بين الجيران، ونقص في الإيمان. فهيا معشر المسلمين إلى التلاحم والصفاء، وهلموا إلى هجر القطيعة وترك الضغينة، وعليكم بالصداقة والإخاء حيث الصفاء والنقاء.. هلموا إلى سلامة الصدر وطهارة القلب.. فإنها من أفضل الأخلاق ، ولنذكر دوما قول الله تعالى ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾..
الدعاء