خطبة عن (خلق التواضع وأحوال المتواضعين
أكتوبر 28, 2017خطبة عن (الرشوة : صورها وعقوبتها )
أكتوبر 28, 2017الخطبة الأولى ( خلق التواضع )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ..ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام….. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) القصص 83 ،وقال تعالى مخاطبا رسوله محمدا ” وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ” (الشعراء: 215) ،وروى مسلم في صحيحه :« وَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَىَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلاَ يَبْغِى أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ » ، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي والبيهقي وابن ماجه: (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِى مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » يقول ابن الأثير : أراد به التواضع والإخبات، وأن لا يكون من الجبارين
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع خلق : ( التواضع) ، والتواضع مأخوذ من مادة (وضع)، التي تدل على الخفض للشيء وحطه، وأما في الاصطلاح فهو: إظهار التنزل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه. وقيل: هو تعظيم من فوقه لفضله. وفي مدارج السالكين: قال الجنيد بن محمد رحمه الله: “التواضع هو خفض الجناح ولين الجانب”. وفيه : “سئل الفضيل بن عياض- رحمه الله عن التواضع؟ فقال: ( يخضع للحق، وينقاد له ويقبله ممن قاله، ولو سمعه من صبي قبله، ولو سمعه من أجهل الناس قبله). وقال أبو يزيد البسطامي: (هو أن لا يرى لنفسه مقاما ولا حالا، ولا يرى في الخلق شرا منه ). وقال ابن عطاء: هو قبول الحق”. وسئل الحسن البصري رحمه الله عن التواضع. فقال: “التواضع أن تخرج من منزلك ولا تلقى مسلما إلا رأيت له عليك فضلا” ، فالتواضع مفهومه تذلل في القلب وافتقار ، يكسب الجوارح خضوعاً وسكوناً ، فيحمل صاحبه على احترام الناس ، وتقديرهم ، وحسن التعامل معهم على حدٍ سواء ، لا يفرق بينهم في التعامل ما داموا مسلمين ، ولا ينظر إليهم باعتبارات خاصة. ويحمل صاحبه أيضاً على قبول الحق مهما كان من أي شخص ولو كان أدنى منه منزلة.
أيها المسلمون
والتواضع صفة محمودة تدل على طهارة النفس، وتدعو إلى المودة والمحبة والمساواة بين الناس، وينشر الترابط بينهم، ويمحو الحسد والبغض والكراهية من قلوب الناس، وفوق هذا كله فإن التواضع يؤدي إلى رضا المولى -سبحانه-. قال الله تعالى : ” وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا “ (الفرقان: 63) : أي بسكينة ووقار، متواضعين، غير أشرين، ولا مرحين ولا متكبرين. قال الحسن : علماء حلماء . وقال محمد بن الحنفية : أصحاب وقار وعفة لا يسفهون، وإن سفه عليهم حلموا (مدارج السالكين). وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي : ذكر أن صفاتهم أكمل الصفات ونعوتهم أفضل النعوت، فوصفهم بأنهم يمشون على الأرض هونًا، أي ساكنين متواضعين لله وللخلق، فهذا وصف لهم بالوقار والسكينة، والتواضع لله ولعباده ،وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ ». وقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالتخلق بهذا الخلق فقال تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) الحجر 88 ،وقال سبحانه : (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) الشعراء 215.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( خلق التواضع )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ..ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام….. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
أما بعد أيها المسلمون
والتواضع خلق محبب لربكم ولذاك ربى عليه الحق تبارك وتعالى أنبياءه فخاطب حبيبنا ونبينا محمداً صلى الله عليه وسلم آمراً له بالتواضع بقوله: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } ، وربى عليه موسى عليه السلام يوم أن قال أنه أعلم أهل الأرض ، ففي البخاري :« قَامَ مُوسَى النَّبِيُّ خَطِيبًا فِي بَنِى إِسْرَائِيلَ ، فَسُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ فَقَالَ أَنَا أَعْلَمُ . فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ ) وربى عليه سليمان عليه السلام الذي أوتي من الملك مالم يؤته أحد من العالمين فجاءه الهدهد وهو طائر صغير في مملكته ليقول له: {..أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ) (النمل 22) وغيرهم من أنبياء الله ورسله، وامتدح الله من يربون أولادهم على التواضع في صورة تخليده لوصية لقمان لابنه في آيات تتلى إلى يوم القيامة والتي قال فيها لقمان لابنه : {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18} (لقمان) ، وحذر الجبار جل جلاله من يتكبر على شريعته وعبادته بقوله:{وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ(60}(غافر) ،وامتدح من عباده المؤمنين من طبقوا التواضع في حياتهم بقوله: ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ” (الفرقان: 63) ،والتواضع يكون مع الله ومع رسوله ومع الخلق أجمعين؛ فالمسلم يتواضع مع الله بأن يتقبل دينه، ويخضع له سبحانه، ولا يجادل ولا يعترض على أوامر الله برأيه أو هواه، ويتواضع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يتمسك بسنته وهديه، فيقتدي به في أدب وطاعة، ودون مخالفة لأوامره ونواهيه. والمسلم يتواضع مع الخلق بألا يتكبر عليهم، وأن يعرف حقوقهم، ويؤديها إليهم مهما كانت درجتهم، وأن يعود إلى الحق ويرضى به مهما كان مصدره. ولنا مع خلق التواضع لقاء آخر إن شاء الله
الدعاء