خطبة عن ( منزلة العدل ومجالاته )
يناير 12, 2016خطبة عن ( من أسباب ضياع خلق العفة)
يناير 12, 2016الخطبة الأولى ( خلق العدل)
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) النحل 90 ، وقال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) النساء 58، وروى مسلم في صحيحه (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا ».
إخوة الإسلام
العدل هو إعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقه، وهو خُلق كريم يعني التزامَ الحق والإنصاف في كل أمرٍ من أمور الحياة، والبُعد عن الظلم والبغي والعدوان، وهو من الأخلاق العظيمة والكريمة والمحببة للنفس ، ذلك الخُلق الذي يبعث في النفس الأمان والطمأنينة إذا تم تطبيقه في الحياة، فلا يخاف المظلوم من عدم إنصافه، ولا يجد الظالم إلا أن يكف ظلمه عن البشر، ولذلك أمرنا الله تعالى بإقامة العدل مهما كانت درجة القرابة، والبعد عن اتباع الهوى مهما كانت درجة الغنى أو الفقر، فسبحانه ولي الجميع، فقال تعالى في محكم آياته: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء:135]. فالعدل يعيد الأمور إلى نصابها، وبه تؤدى الحقوق لأصحابها ، وبه يسعد الناس ، وتستقيم الحياة، وما وجد العدل في قوم إلا سعدوا، وما فقده آخرون إلا شقوا. والعدل خلق العظماء ، وصفة الأتقياء ، ودأب الصالحين ، وطريق الفلاح للمؤمنين في الدنيا ويوم الدين ، تحلى به الأنبياء والصالحون والقادة والمربون ، وكان أعظمهم في ذلك ،وأكثرهم قدراً ونصيباً سيد العالمين ، وخاتم الرسل أجمعين ، محمد بن عبدالله عليه أفضل صلاة وأزكى السلام ، لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من أقام العدل وحكم بالقسط بين الناس أيًا كانت مكانتهم، حتى مع غير المسلمين فقد كان صلوات ربي عليه ينصفهم إن كان الحق معهم.. وكان العدل من أهمِّ بنود رسالته المُشرقة الهادفة إلى نشْر العدالة الاجتماعية بين الناس؛ يقول ابن القيِّم – رحمه الله -: “فإنَّ الله أرسل رُسله وأنزل كُتبه؛ ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به السماوات والأرض، فإذا ظهَرت أمَارات الحق، وقامَت أدلة العقل، وأسفَر صُبحه بأيِّ طريق كان، فثمَّ شرعُ الله ودينه، ورضاه وأمره، والله تعالى لم يَحصُر طُرق العدل وأدلَّته وأَماراته في نوعٍ واحد، وأبطل غيره من الطرق التي هي أقوى منه وأدلُّ وأظهر، بل بيَّن بما شرَعه من الطرق أنَّ مقصوده إقامة الحق والعدل، وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استُخرِج بها الحق ومعرفة العدل، وجَب الحكم بموجبها ومقتضاها”؛ “إعلام الموقعين ، فقال صلى الله عليه وسلم مبينًا قيمة العدل: كما في مسند أحمد : « عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِنَّ الْمُقْسِطِينَ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَنَابِرَ مِنْ لُؤْلُؤٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَىِ الرَّحْمَنِ بِمَا أَقْسَطُوا فِي الدُّنْيَا » ، هذه هي منزلة المقسط العادل يوم القيامة، فما أروعها من مكانة عالية ينالها كل من تخلق بهذا الخلق الرفيع..
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( خلق العدل)
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين أما بعد أيها المسلمون
للأسف في زمننا وحاضرنا الذي نعيشه نجد أن خُلق العدل أصبح يُطبق حسب الهوى، فإن كان الظالم صاحب سلطة أو جاه فلا يؤخذ للمظلوم حقه ولا يتم إنصافه، بل بالعكس قد يُعذب أو يُقتل لمجرد أنه اشتكى وطلب القصاص لنفسه! أما إذا كان الظالم فقير لا سلطة له ولا جاه اُقيم عليه الحد بكل دقة! في حين أن رسول البشرية صلوات ربي عليه عندما تعرض لموقف مثل هذا وجاءه أسامة بن زيد يتوسط للمرأة المخزومية التي سرقت، فماذا قال؟ ففي صحيح البخاري ومسلم (عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ ، فَفَزِعَ قَوْمُهَا إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَسْتَشْفِعُونَهُ ، قَالَ عُرْوَةُ فَلَمَّا كَلَّمَهُ أُسَامَةُ فِيهَا تَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ : « أَتُكَلِّمُنِى فِى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ » . قَالَ أُسَامَةُ اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَلَمَّا كَانَ الْعَشِىُّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – خَطِيبًا ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ : « أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ ، وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا » . ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ ، فَقُطِعَتْ يَدُهَا ، فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَتَزَوَّجَتْ ) هذا هو العدل أن يُقام الحد على الجميع مهما كانت مكانته. ولنا مع خلق العدل لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء