خطبة عن ( صفات الحاكم المسلم )
يوليو 7, 2016خطبة عن ( حرمة التبرج )
يوليو 7, 2016الخطبة الأولى ( أسباب النصر والتمكين )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام….. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ.. كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ.. وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ..وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا.. يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ) النور 55..
إخوة الإسلام
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ ..يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ ..وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) الروم 4، 5.. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ..قد فرح حينما نصره الله على يهود خيبر ..وفتح حصونها ..وفي نفس اليوم ..عاد اليه ابن عمه جعفر من الحبشة ..ففي المستدرك عن جابر رضي الله عنه قال : لما قدم رسول الله من خيبر قدم جعفر رضي الله عنه من الحبشة تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل جبهته ثم قال : « والله ما أدري بأيهما أنا أفرح بفتح خيبر أم بقدوم جعفر » ، وقال أبو بكر الصديق حينما اختاره الصحابة خليفة للمؤمنين وهي قوله (أما بعد أيها الناس فإنى قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينونى وإن أسأت فقومونى… أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم) ، وقال الله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ.. كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ.. وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ..وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا.. يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ) النور 55.. فالله سبحانه وتعالى يُمكِّن لأوليائه المؤمنين الصالحين, فإذا مكَّن المسلمون لدين الله في قلوبهم وأصبح هذا الدين يملأ جوارحهم وأخلاقهم ومعاملاتهم مكن الله لهم في الأرض ونصرهم على أعدائهم.. فإن من أهم أسباب النصر والتمكين طاعة الله سبحانه ونعالى وطاعة رسوله.. فليس المقياس مقياس عدد وعدة ..وإن كان ذلك مهما، إنما المقياس مقياس قرب من الله وبعد عنه، لهذا لما طارد فرعون بجنوده وملئه موسى عليه السلام وقومه، وقال قوم موسى في خوف وفزع : ( إِنَّا لَمُدْرَكُونَ )، قال موسى العبد الواثق بربه: ( قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ ) الشعراء 62.. ولما غلب سيدنا نوح من قومه وكذبوه.. كان النصر من الله قال تعالى : ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ .. فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ .. فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ .. وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) القمر 9 : 12 ، إذاً.. فطاعة الله حصن عظيم.. يلجأ إليه الصالحون في الشدائد فينصرهم الله وينجيهم من كل كيد… لهذا كان عمر بن الخطاب رضيَ الله عنه يقول لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لمّا أمَّره على أحدِ الجيوش الإسلامية: (أمّا بعد: فإنِّي آمرُك ومَن معك من الأجناد بتقوى الله في كلِّ حال، فإنّ تقوى الله أفضلُ العدّة على العدوّ وأقوى المكيدَة على الحرب، وآمرُك ومن مَعك أن تكونوا أشدّ احتراساً منكم من عدوِّكم، فإنَّ ذنوبَ الجيش أخوفُ عليهم من عدوّهم، وإنّما ينتصِر المسلمون بمعصية عدوّهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوّة؛ لأنَّ عددَنا ليس كعددِهم، وعدّتنا ليست كعدَّتهم، فإن استوينَا في المعصيَة كان لهم الفضل علينا في القوّة، وإن لم نُنْصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوَّتنا، واعلموا أنَّ عليكم في سيركم حفظَةً من الله يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا عدوّنا شرٌّ منّا فلن يسلَّط علينا، فربّ مسلَّط عليهم من هو شرّ منهم) .. ويقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه أيضاً للجُند: (إنّكم لن تنتصِروا على عدوِّكم إلا بعدَ تقرّبكم من الله وبُعدِهم عنه، فإذا تساويتم ـ أي: في المعاصي ـ كانت الغلبَة لأكثرِكم عدّةً وعتادًا)… وفي غزوة أحد حينما خالف الرماة أمر رسول الله ،انقلب النصر إلى هزيمة، وتراجع المسلمون بعد أن كانوا متقدمين .. وهذه بسبب مخالفة واحدة، رغم أنهم متبعون لرسول الله في كل الأمور، فكيف نرجو النصر والتمكين ونحن نخالفه صلى الله عليه وسلم في عباداتنا وفي هدينا وفي أخلاقنا وفي معاملاتنا وداخل بيوتنا وخارجها.. فلابد لنا إذا اردنا التمكين أن نطيع الله ورسوله .. ولا ينبغي لعبد يريد التمكين من الله أن يثق في حوله وقوته البشرية أو يثق في عدده أو عدته، بل يثق في الله وحده ويبتعد عن الإعجاب بنفسه. ولقد علم الله المسلمين درساً عملياً في غزوة حنين على أن العدد والعدة ليست كل شيء، و أن الله قادر على أن يهزمهم إذا هم اعتمدوا على قوتهم واغتروا بها، فقد كان المسلمون يوم حنين معجبين بأنفسهم فقالوا: لن نغلب اليوم عن قلة وكانوا يومئذ اثني عشر ألف رجل، ففاجأهم المشركون الذين كانوا يختبئون في جنبتي الوادي، فانهزم جيش المسلمين بالكامل، ولم يبق إلا رسول الله على بغلته الشهباء وحوله عشرة من المسلمين..قال تعالى (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ) التوبة 25، 26.. إنها سنن كونية إلهية لا تتغير ولا تتبدل، التمكين يحتاج إلى تمكين، والنصر يحتاج إلى نصر، كي يكون التمكين في الأرض لابد أن يتمكن الإيمان من القلب، ولكي يكون النصر على الأرض لابد أن ينتصر دين الله في القلب، والصالحون هم الأعلون، وهم المنتصرون .. يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه أحمد : ((بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب))، ويقول سبحانه: ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّالِحُونَ ) الانبياء 105
أ قول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من أسباب النصر والتمكين )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام….. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
اذا تمسكنا بديننا وحققنا العبودية لله فان النصر آت لا محالة فهذا وعد الله والله لا يخلف الميعاد .. فعندما لجأ رسولنا إلى الغار، واقترَب الأعداء حتى كانوا قابَ قوسين أو أدنى شاهرِين سيوفَهم، قال أبو بكر رضي الله عنه: لو أنَّ أحدَهم رفع قدمَه رآنا، فردّ عليه رسولنا بكل ثقة: ((ما ظنّك باثنَين اللهُ ثالثُهما)، فالدين محفوظٌ بحفظ الله، قال تعالى ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر 9 ، فلا تخشَ على الإسلام، ولكن اخشَ على نفسك وإيمانِك وثباتك، قال تعالى: ( وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَالَكُم ) محمد 38 ، وإنَّ المبشِّرات بنصر الله لا تَعني تركَ العمَل والتواكُل والكسَل، فنصرُ الله لا يتنزَّل على نفوسٍ لُوِّثت بالمعاصي، وقلوبٍ مستعبَدَة للشهوات، مدنَّسةٍ بالحِقد والغلِّ والحسَد، وأُخوَّةٍ دبّ فيها داء الفرقة والتنازع والتناحر والتمزّق، هذه سنّة الله التي يجِب أن نفقهَها ونتعامل معها، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ) الرعد 11.. ويُخطئ من يحصُر معنَى النصر في صورةٍ واحدة وهي النصر في الحروب فقط ..ولكن للنّصر مفهومًا أوسَع وصوَرًا أشمَل، فالذي يلتزم بالإسلام ويتغلّب على لذَّاتِه المحرَّمة ونفسِه الأمّارة بالسّوء يغدو منتصِراً. ومِن معاني النصرِ أن يلقى المسلم ربَّه وهو راضٍ عنه. ومن معاني النّصر الثباتُ على الدّين في المِحن والعزّة بالإيمان في المِحن، فإبراهيم عليه السلام ألقي في النّار بعدَ أن كشف زيفَ الباطل وثبَت على عقيدتِه، وكان هذا أنصارًا، قال تعالى: ( قُلْنَا يانَارُ كُونِى بَرْداً وَسَلَامَا عَلَى إِبْراهِيمَ وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأخْسَرِينَ ) الانبياء 69 ، 70… وسحرةُ فرعون هدّدهم بالقتل وهدَّدهم بالتعذيب، (فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ ) آل عمران 146 ، وكان هذا نصرًا للعقيدة والدّين، ( قَالُواْ لاَ ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبّنَا مُنقَلِبُونَ إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ) الشعراء 50 ، 51… والغلامُ المؤمن في قومِه ماتَ منتصرًا، فقد أحيا الله بموتِه أمّةً مِن النّاس حين آمنوا بالله ربِّ الغلام
اخوة الاسلام
إذا أراد المسلمون نصرَ الله فسبيل ذلك أن ينصُروا اللهَ أولاً في أنفسِهم، أن ينصروا اللهَ في أُسرِهم وبيوتِهم، أن ينصُروا لله في مجتمَعهم وفي معاملاتِهم، فيحكِّموا شرعَه ويطبِّقوا شريعتَه. إنَّك بهذا تهزِم عدوَّك نفسيًّا من داخِله باعتزازِك بدينك وثباتِك على منهجك والدعوةِ إلى الله، إنّه يريدك أن تكون من حزبِه، قال تعالى: ( وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ ) النساء 89..، وقال تعالى: ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِى أُوحِىَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) الزخرف 43
الدعاء