خطبة عن ( وصايا على فراش الموت )
يوليو 7, 2016خطبة عن ( أسماء بنت أبي بكر )
يوليو 7, 2016الخطبة الأولى (أويس بن عامر القرني )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (100) التوبة
إخوة الإسلام
حديثنا اليوم إن شاء الله عن رجل من التابعين ، وولي من أولياء الله الصالحين ،حديثنا عن رجل أخبر عنه المصطفى أنه مستجاب الدعوة ، وأنه من المقربين ، حديثنا عن رجل عرف حقيقة الدنيا ، فهرب منها ، وعرف الآخرة ، فهرب إليها أنه ( أويس بن عامر القرني ) ، فمن هو أويس ؟ وإلى أي البلاد والقبائل ينتمي ؟، وما هي صفاته الخلقية والخلقية ؟ وكيف وصل إلى هذه المرتبة الإيمانية ؟ ،وماذا قال عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم ، كل ذلك وغيره سوف أحاول الإجابة عليه إن شاء الله تعالى : فهو أويس بن عامر القرني ، من قبيلة قرن ، من بلاد اليمن ، عاش فقيرا يرعى إبل الأغنياء ، واكتفى من الدنيا بالقليل من الزاد ، لأن تقوى الله كانت له خير زاد ، استمتع بالقرب من ربه ، فأغناه ذلك عن زخارف الحياة ، كان مجهولا عند أهل الأرض ، معروفا لدى أهل السماء ، فهو كثير التعبد ، طويل التفكر ، شديد الخوف من الله ، فعرف أن الدنيا دار فناء ، وأن الآخرة هي دار البقاء ، فاستعد للرحيل ، وجمع زاده للسفر الطويل قيل عنه ، أنه كان يقول لنفسه : يا نفس ، هذه ليلة الركوع ، فيركع ويظل راكعا حتى الصباح ، ويوم آخر يقول لها : هذه ليلة السجود ، فيسجد حتى يصبح ، ويبكي حتى تبتل الأرض من دموع عينيه ، وكان يأكل من عمل يده ، يغزل الصوف ، ويرعى الإبل ، ليطعم نفسه وأمه من عمل يده وعرق جبينه ، وكان بارا بأمه ، تلك الأم العجوز ، التي أطاعها ، وأبرها ، وطلب رضا الله في رضاها ، لذا ، فقد قربه الله إليه وأدناه ، لبره بوالدته ، وطاعته لمولاه ،أما كيف جاء ذكر أويس القرني على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم ، مع أنهما لم يلتقيا قط ،ففي صحيح مسلم : (عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَفَدُوا إِلَى عُمَرَ وَفِيهِمْ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ يَسْخَرُ بِأُوَيْسٍ فَقَالَ عُمَرُ هَلْ هَا هُنَا أَحَدٌ مِنَ الْقَرَنِيِّينَ فَجَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَقَالَ عُمَرُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ قَالَ « إِنَّ رَجُلاً يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ لاَ يَدَعُ بِالْيَمَنِ غَيْرَ أُمٍّ لَهُ قَدْ كَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَدَعَا اللَّهَ فَأَذْهَبَهُ عَنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ الدِّينَارِ أَوِ الدِّرْهَمِ فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ ». وفي مسند أحمد (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى قَالَ نَادَى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يَوْمَ صِفِّينَ أَفِيكُمْ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ قَالُوا َنعَمْ . قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ مِنْ خَيْرِ التَّابِعِينَ أُوَيْساً الْقَرَنِيَّ »، وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم (عن أسير بن جابر قال : لما أقبل أهل اليمن جعل عمر رضي الله عنه يستقري الرفاق فيقول : هل فيكم أحد من قرن ؟ حتى أتى عليه قرن فقال : من أنتم ؟ قالوا : قرن ، فرفع عمر بزمام أو زمام أويس فناوله عمر فعرفه بالنعت ، فقال له عمر : ما اسمك ؟ قال : أنا أويس ، قال : هل كان لك والدة ؟ قال : نعم ، قال : هل بك من البياض ؟ قال : نعم ، دعوت الله تعالى ، فأذهبه عني إلا موضع الدرهم من سرتي لأذكر به ربي ، فقال له عمر : استغفر لي ، قال : أنت أحق أن تستغفر لي ، أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن خير التابعين رجل يقال له أويس القرني ، وله والدة ، وكان به بياض ، فدعا ربه فأذهبه عنه ، إلا موضع الدرهم في سرته » قال : فاستغفر له ، قال : ثم دخل في أغمار الناس ، فلم يدر أين وقع ؟ قال : ثم قدم الكوفة ، فكنا نجتمع في حلقة فنذكر الله ، وكان يجلس معنا فكان إذ ذكرهم وقع حديثه من قلوبنا موقعا لا يقع حديث غيره ، ففقدته يوما ، فقلت لجليس لنا : ما فعل الرجل الذي كان يقعد إلينا ؟ لعله اشتكى ، فقال رجل : من هو ؟ فقلت : من هو ؟ قال : ذاك أويس القرني ، فدللت على منزله ، فأتيته فقلت : يرحمك الله ، أين كنت ؟ ولم تركتنا ؟ فقال : لم يكن لي رداء فهو الذي منعني من إتيانكم ، قال : فألقيت إليه ردائي ، فقذفه إلي ، قال : فتخاليته ساعة ، ثم قال : لو أني أخذت رداءك هذا فلبسته فرآه علي قومي ، قالوا : انظروا إلى هذا المرائي ، لم يزل في الرجل حتى خدعه وأخذ رداءه ، فلم أزل به حتى أخذه ، فقلت : انطلق حتى أسمع ما يقولون ، فلبسه فخرجنا ، فمر بمجلس قومه ، فقالوا : انظروا إلى هذا المرائي لم يزل بالرجل حتى خدعه وأخذ رداءه ، فأقبلت عليهم ، فقلت : ألا تستحيون لم تؤذونه ؟ والله لقد عرضته عليه فأبى ، أن يقبله ، قال : فوفدت وفود من قبائل العرب إلى عمر فوفد فيهم سيد قومه ، فقال لهم عمر بن الخطاب : أفيكم أحد من قرن ؟ فقال له سيدهم : نعم ، أنا فقال له : هل تعرف رجلا من أهل قرن يقال له أويس من أمره كذا ومن أمره كذا ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ما تذكر من شأن ذاك ومن ذاك ، فقال له عمر : ثكلتك أمك ، أدركه مرتين أو ثلاثا ، ثم قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا : « إن رجلا يقال له أويس من قرن من أمره كذا ومن أمره كذا » فلما قدم الرجل لم يبدأ بأحد قبله فدخل عليه ، فقال : استغفر لي ، فقال : ما بدا لك ؟ قال : إن عمر ، قال لي : كذا وكذا ، قال : ما أنا بمستغفر لك حتى تجعل لي ثلاثا ، قال : وما هن ؟ قال : لا تؤذيني فيما بقي ، ولا تخبر بما قال لك عمر أحدا من الناس ، ونسي الثالثة )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (أويس بن عامر القرني )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي المستدرك أيضا : (جاء رجل من مراد إلى أويس القرني ، فقال : السلام عليكم ، قال : « وعليكم » ، قال : كيف أنتم يا أويس ؟ قال : « الحمد لله » ، قال : كيف الزمان عليكم ؟ قال : « لا تسأل الرجل إذا أمسى لم ير أنه يصبح ، وإذا أصبح لم ير أنه يمسي يا أخا مراد ، إن الموت لم يبق لمؤمن فرحا ، يا أخا مراد ، إن عرفان المؤمن بحقوق الله لم تبق له فضة ولا ذهبا ، يا أخا مراد ، إن قيام المؤمن بأمر الله لم يبق له صديقا ، والله إنا لنأمرهم بالمعروف ، وننهاهم عن المنكر ، فيتخذوننا أعداء ، ويجدون على ذلك من الفاسقين أعوانا حتى والله لقد يقذفوننا بالعظائم ، ووالله لا يمنعني ذلك أن أقول بالحق »
أيها المسلمون
هذه هي كلمات ووصايا أويس القرني لإخوته في الله ، إنه يدعوهم لطاعة الله ، وأداء الحقوق ، وقول الحق ، وإن ترتب عليه هجر الناس له وأذاهم ،فما أطيب الكلام عن الصالحين ، وما أحسن سيرة هؤلاء العظام ، وكما قال القائل
أحب لقاء الأحباب في كل ساعة لأن لقا الأحباب فيه المنافع
فيا قرة الأعين تالله إنني على عهدكم باق وللوصل طامع
لقد نبتت في القلب منكم محبة كما نبتت في الراحتين الأصابع
حرام على قلبي محبة غيركم كما حرمت لموسى يوما المراضع
وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم (عن عبد الله بن أبي الجدعاء ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم » قال الثقفي : قال هشام : سمعت الحسن ، يقول : « إنه أويس القرني » ، فهؤلاء هم التابعون لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتلك هي صفاتهم وأخلاقهم ووصاياهم ، فهم « الشَّعِثَةُ رُءُوسُهُمْ الشَّحِبَةُ وُجُوهُهُمْ الدَّنِسَةُ ثِيَابُهُمْ لاَ يُفْتَحُ لَهُمُ السُّدَدُ وَلاَ يَنْكِحُونَ الْمُتَنَعِّمَاتِ الَّذِينَ يُعْطُونَ كُلَّ الَّذِى عَلَيْهِمْ وَلاَ يَأْخُذُونَ الَّذِى لَهُمْ »
الدعاء