خطبة عن ( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً)
يوليو 9, 2016خطبة عن ( هَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟)
يوليو 9, 2016الخطبة الأولى ( قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْىٍ )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما : (حدثني أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَنِ الْخَيْرِ ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي . فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ « نَعَمْ » . قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ « نَعَمْ ، وَفِيهِ دَخَنٌ » . قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ « قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ » قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ « نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا » . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا فَقَالَ « هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا » قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ « تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ » . قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ قَالَ «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ»
أيها المسلمون
توقفت معكم في اللقاء السابق عند قول حذيفة رضي الله عنه قلت : (فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ « نَعَمْ » قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ « نَعَمْ ، وَفِيهِ دَخَنٌ » . قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ « قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْىٍ ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ »، فذكر أنه سيكون شر بعد الخير الذي كان الناس عليه في عهد النبوة وفي عهد الخلافة الراشدة ولا سيما خلافة الخلفاء الأولين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم ، ولكن مع وجود بدايات الشر، وقوله (وَفِيهِ دَخَنٌ) يعني الخير الثاني ليس خيرا خالصا ، فهناك كدر ، وهناك شرور ، فليس ذلك الخير صافيا ولا خالصا كالخير الأول .. قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ « قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْىٍ ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ »، هكذا أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سوف يأتي على الناس زمان يهتدون بغير هدى الله ولا هدي رسول الله ، فهم ضلوا السبيل ، ومع ذلك ( تعرف منهم وتنكر ) أي تعرف أن بعض صفاتهم وأعمالهم موافقة للدين ، وأخرى تنكرها عليهم لأنها تخالف الدين ، فمثلا : (هو يقول أنا مسلم علماني ؟ ، أنا مسلم لبرالي ؟ ، يقيم الصلاة ويأتي المنكرات من غناء ورقص ؟ فهم يدعون تمسكهم بالسنة ، ويأتون أفعالا تخالف السنة : ( تعرف منهم وتنكر ) ، قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ( أي هل بعد هذا الخير العكر الغير صافي من شر ؟ ،قَالَ « نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا » . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ، فَقَالَ « هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا » ، إنها فتنة عمياء، فهؤلاء مسلمون لسانهم لسان المسلمين ، وأوصافهم أوصاف المسلمين، مسلمون في الظاهر وأسماؤهم أسماء المسلمين، فليسوا أجانب ولا غرباء على أهل الإسلام، فمن هم إذاً؟ هم أهل البدع- والمحدثات التي أضلت الناس، وأحدثت لهم في دين الله ما لم يشرعه الله؛ دعاةٌ على أبواب جهنم، يخطبون في الناس ، وقد تكون خطبهم على المنابر ، أو على المسارح ، أو في الكتب والصحف والمجلات والقصص والروايات ، أو في الأفلام والتمثيليات والمسرحيات ، أو على منابر الإذاعة والتلفاز ، أو في مواقع النت وغيرها ، إنهم دعاة ، دعوتهم وطريقتهم ومنهجهم إفساد البلاد والعباد ، والتخلي عن الأخلاق وهدم الدين ، دعاة إلى الرزيلة والتحرر من الفضيلة ، وصح عنه صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي أنه قال: « إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِى الأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ » ، فأئمة الضلال هم دعاةٌ على أبواب جهنم. إنهم دعاة الفتنة ، وهم أيضا الذين يُوقدون الفتنة , ويُحرضون الناس على الشر ويدعون الناس إلى خلاف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فمنهم من يدعو إلى الكفر بالله تعالى والإلحاد، وأنتم ترون دعاة الشيوعية والاشتراكية والقومية والعلمانية واللبرالية وغيرها من الدعوات المخالفة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنهم دعاة يدعون إلى أنواع الفواحش كالزنا وشرب الخمر والمخدرات وعقوق الوالدين والخروج عن طاعة الأزواج وغير هذا من الكبائر والفواحش التي هي من كبائر الإثم والفواحش ودعاتها كثير. وكذلك دعاة يدعون إلى إفساد أخلاق الناس بأعمالهم لا بأقوالهم ، لذلك فإن هؤلاء هم الدعاة على أبواب جهنم، وأبواب جهنم هي الفواحش، ففي جهنم سبعة أبواب كل باب له جزء مقسوم من الناس ففيها باب للزنا وباب لشرب الخمر وباب للقذف وباب للعقوق إلى غيرها من الأبواب. وقوله: على أبواب جهنم، أبواب جهنم هي السبل والمداخل إلى جهنم ، وهي : المعاصي والذنوب والكفر والكبائر، فدُعاةُ هذه الفتنة مَن أجابهم وانخدعَ بدعوتهم قذفوه في أتون الفتنة، وعرَّضوه لعذاب النار، من أجابهم إليها قذفوه فيها لا يُبالون. وقوله صلى الله عليه وسلم : ( قومٌ من جَلدتنا ) يعني من قومنا , ومن أهل لغتنا يتكلمون بألسنتنا , من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا يعني عرباً، قيل: إنه يؤخذ من هذا أنهم من العرب وأن هذه الفتنة المشار إليها تكون من العرب أو تكون بين العرب، قال حذيفة رضي الله عنه : (قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ « تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ » . قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ قَالَ «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ» ، والإمام هو الحاكم الذي يحكم بالكتاب والسنة، هو الحاكم المسلم الذي يطبق شرع الله, فالزم الحاكم ،والجماعة: وهم العلماء والفقهاء الذين يكونون ملتقين ومحيطين بهذا الحاكم ، وذلك لأن الأصل أن العلم والحكم واحد، فأولي الأمر هم العلماء والأمراء، قال تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] ،من هم أولي الأمر؟ هم العلماء والأمراء، والأصل أن العالم والأمير أمرهما واحد، والعالم هو الذي يقود الأمة ويوجهها ويرشدها.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْىٍ )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {الزم جماعة المسلمين وإمامهم} قال: إن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ -بمعنى خسروا الاثنتين لا يوجد حاكم يحكم بالشرع, ولا يوجد علماء يرفعون راية الكتاب والسنة ويدعون الناس إلى الحق قال: اعتزل تلك الفرق الضالة كلها، لا تتبع أحد من هذه الفرق، ولو أن تعض على جذع شجرة حتى يأتيك الموت، وأنت على ذلك ،إذاً فالحديث أفاد أنه إن وجدت جماعة المسلمين وإمامهم الزم جماعة المسلمين وإمامهم وإن وجدت الإمام الذي يحكم بالكتاب والسنة؛ لكن ليس حوله علماء وفقهاء يرفعون الراية فالزم العالم الحاكم الذي يحكم بالكتاب والسنة ،وإن لم تجده لكن وجدت العالم الذي يدعو إلى الكتاب والسنة، فالزم العالم أيضاً ،وإن لم تجد لا حاكماً يحكم بالشرع ولا عالماً يدعو إلى الشرع, فاعتزل الفرق كلها إن لم تستطع أن تقوم بجهد كأن تكون عالماً ناشراً للسنة, قامعاً للبدعة, فاعتزل هذه الفرق ولا تفكر باتباع الفرق الضالة حتى لو دعاك الأمر إلى الاعتزال الكلي. نعم تعتزل الفرق المتصارعة والمختلفة :{فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت ) ،( وأنت على ذلك} أي متمسكا بالكتاب والسنة ، ومعتزلا للفرق الضالة ” فالسنة هي سفينة نوح، من ركبها نجا” كما قال الإمام مالك. ومن أحسن حكماً من الله؟ ومن أعلم بمراد الله من كتابه بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ لا أحد، هذا هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- {فاعتزل تلك الفرق كلها} وفي هذا دليلٌ على أن الفرقة والجماعة شيءٌ واحد ، ويزيده وضوحاً الحديث الذي رواه ابن ماجه وغيره (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِى عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ قَالَ « الْجَمَاعَةُ ». فالجماعة الناجية هي واحدة من الفرق الإسلامية، وهي التي قال فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- {الجماعة} ، وفي رواية {من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي}. فالفرقة الناجية واحدة وهي فرقة الكتاب والسنة الصحيحة ، وقد روى مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِى أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ مَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ ». فإذا عُدمت الجماعة-جماعة المسلمين وإمامهم- «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ» وقوله صلى الله عليه وسلم : (وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ ) يعني، ولو تلزم شجرة وكنّى النبي صلى الله عليه وسلم: بالعض : عن اللزوم , وهي تماما كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : وعضوا عليها بالنواجذ … أي السنة , يعني الزموا السنة , وهنا قال: « وأن تعض على أصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك )
الدعاء