خطبة عن ( التوبة وأسباب تأخيرها )
يوليو 11, 2016خطبة عن ( خشية الله وأسباب قسوة القلب وعلاجها)
يوليو 11, 2016الخطبة الأولى ( الأمور المعينة على التوبة )
الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
اما بعد ايها المسلمون
في صحيح مسلم ((عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ « يَا عِبَادِى إِنِّى حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِى وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِى أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِى أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِى أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِى إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِى أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِى إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّى فَتَضُرُّونِى وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِى فَتَنْفَعُونِى يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِى مُلْكِى شَيْئًا يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِى شَيْئًا يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِى فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِى إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِى إِنَّمَا هِىَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ». ))
أيها المؤمن
الرحمن يناديك ، وباب التوبة ما زال مفتوحا أمامك ، فعجل بالتوبة ولا تأخرها ، ففي سنن الترمذي بسند صحيح (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِى قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ وَهُوَ الرَّانُ الَّذِى ذَكَرَ اللَّهُ ( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) » ، وأسوق إليك بعض الأمور المعينة على التوبة ،أولها : أن يستحضر العبد سعة رحمة الله سبحانه وتعالى ،فهو القائل : ( قُلْ ياعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]. وهو القائل جل في علاه في حديث قدسي أخرجه الترمذي : (عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ قَالَ « ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِى وَرَجَوْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ ابْنَ آدَمَ إِنْ تَلْقَنِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا لَقِيتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً بَعْدَ أَنْ لاَ تُشْرِكَ بِى شَيْئاً ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ إِنْ تُذْنِبْ حَتَّى يَبْلُغَ ذَنْبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ تَسْتَغْفِرُنِى أَغْفِرْ لَكَ وَلاَ أُبَالِى » .وهو القائل سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )[آل عمران:135]. وفي الصحيحين ( قَالَ عُقْبَةُ لِحُذَيْفَةَ أَلاَ تُحَدِّثُنَا مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – . قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ « إِنَّ رَجُلاً حَضَرَهُ الْمَوْتُ ، لَمَّا أَيِسَ مِنَ الْحَيَاةِ ، أَوْصَى أَهْلَهُ إِذَا مُتُّ فَاجْمَعُوا لِى حَطَبًا كَثِيرًا ، ثُمَّ أَوْرُوا نَارًا حَتَّى إِذَا أَكَلَتْ لَحْمِى ، وَخَلَصَتْ إِلَى عَظْمِى ، فَخُذُوهَا فَاطْحَنُوهَا ، فَذَرُّونِى فِى الْيَمِّ فِى يَوْمٍ حَارٍّ أَوْ رَاحٍ . فَجَمَعَهُ اللَّهُ ، فَقَالَ لِمَ فَعَلْتَ قَالَ خَشْيَتَكَ . فَغَفَرَ لَهُ » ،وفي صحيح البخاري : (عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ – رضى الله عنه – قَدِمَ عَلَى النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – سَبْىٌ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْىِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِى ، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِى السَّبْىِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ ، فَقَالَ لَنَا النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَتَرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِى النَّارِ » . قُلْنَا لاَ وَهْىَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ . فَقَالَ « اللَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا » ، فما أعظم رحمة الله، وما أوسع رحمة الله، رحمته سبحانه وتعالى وسعت كل شيء، ورحمته جل وعلا سبقت غضبه، فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، له سبحانه مائة رحمة، أنزل لنا في هذه الدنيا رحمة واحدة، فبها يتراحم الخلق كلهم، صغيرهم وكبيرهم، مؤمنهم وكافرهم، ناطقهم وأعجمهم، حتى إن الدابة لترفع رجلها ليرضع منها وليدها ثم يذهب بهذه الرحمة، فإذا كان يوم القيامة رفع الله هذه الرحمة إلى تسع وتسعين رحمة، حتى إن إبليس ليتطاول في ذلك اليوم، ويظن أن رحمة الله ستشمله. فيا من رحمتك وسعت كل شيء ارحمنا برحمتك. يا كثير العفو عمن كثر الذنب لديه جاءك المذنب يرجو الصفح عن جرمٍ لديه ، أنا ضيف وجزاء الضيف إحسان إليه ، ويروى أن رجلاً من بني إسرائيل أطاع الله أربعين سنة، ثم عصى الله أربعين سنة، فلما نظر في المرآة رأى الشيب في لحيته فقال: يا رب، أطعتك أربعين سنة، وعصيتك أربعين سنة، فهل تقبلني؟ فقيل له: أطعت ربك فقبلك، وعصيته فأمهلك، وإن عدت إليه قبلك. إن الملوك إذا شابت عبيدهم……في رقهم عتقوهم عتق أبرار ،وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً……قد شبت في الرق فأعتقني من النار
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الأمور المعينة على التوبة )
الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
اما بعد ايها المسلمون
ومن الأمور المعينة على التوبة : تذكر الموت والقدوم إلى الله والوقوف بين يديه سبحانه وتعالى. ذكر ابن قدامة في كتاب التوابين أن امرأة بغيا زانية كانت بارعة الجمال ولا تمكن من نفسها إلا بمائة دينار، رآها عابد ما عصى الله، فلما رآها أعجبته وفتنت قلبه وسلبت لبه، فذهب وعمل وكدَّ حتى جمع المائة الدينار، ثم جاء إليها في بيتها وقال لها: لقد أعجبتيني فاشتغلت واجتهدت في العمل حتى جمعت لك المائة الدينار، وها أنا ذا جئت بها، فقالت له: ادخل، وأخذت منه المائة الدينار، فدخل إلى غرفتها وكان لها سرير من ذهب، فجلست على سريرها ثم قالت له: هلم إليّ، فتذكر ذاك العابد مقامه بين يدي الله وقدومه إلى الله فأخذته رعدة ورعشة، وقال لها: اتركيني لأخرج ولك المائة الدينار، فقالت له البغي: عجباً لك زعمت أنك تكد وتكدح لتجمع هذه المائة الدينار، فلما قدرت عليّ فعلت ما فعلت!! قال: فعلته والله خوفاً من الله ومن مقامي بين يديه، فرق قلب تلك المرأة وخافت وارتعدت وتذكرت القدوم على الله، فقالت له: لا أدعك حتى آخذ عليك عهداً أن تتزوجني، فأعطاها العهد، وأعطاها مكانه وهو يريد الخلاص منها، فخرج من عندها نادماً على ما فعل، وهو لم يقارف الفاحشة، وتابت تلك المرأة وكان سبباً في توبتها، ولا زال في نفس تلك المرأة أن تتزوج بمن كان سبباً في توبتها، فذهبت وبحثت عن مكان ذلك الرجل، فلما وصلت إلى بيته طرقت عليه الباب وفتح لها الباب ذلك الرجل، فلما رآها تذكر ذلك اليوم الذي كاد أن يقدم فيه على عمل الفاحشة بهذه المرأة، وتذكر موقفه أمام الله وقدومه على الله فشهق شهقة عظيمة ومات، فحزنت عليه هذه المرأة التائبة حزناً عظيماً، وقالت: أما هذا فقد فاتني، فهل له من قريب أتزوجه؟ فقالوا لها: له أخ فقير تقي، فقالت: أتزوجه إن رضي حباً لأخيه، فتزوجته فكان من نسله ونسلها سبعة من الصالحين العابدين الزاهدين. ثالثا : ومن الامور المعينة على التوبة : البعد عن أصدقاء السوء ،وفي قصة هذا الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا خير دليل ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنَ تَوْبَةٍ فَقَالَ لاَ. فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ فَقَالَ نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلاَ تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ. فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ فَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلاً بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ. وَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ. فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِى صُورَةِ آدَمِىٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ. فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِى أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ »
الدعاء