خطبة عن ( وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً )
يناير 18, 2016خطبة عن ( الحلال بين والحرام بين )
يناير 18, 2016الخطبة الأولى ( فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ )
حمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما ( النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ : (إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ) ،
إخوة الإسلام
كان السلف الصالح يتحرون لدينهم ، فقد روى البخاري (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ كَانَ لأَبِى بَكْرٍ غُلاَمٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ ، وَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ الْغُلاَمُ تَدْرِى مَا هَذَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمَا هُوَ قَالَ كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ ، إِلاَّ أَنِّى خَدَعْتُهُ ، فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ ، فَهَذَا الَّذِى أَكَلْتَ مِنْهُ . فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ). وهذا كله محمول على تمكن الشبهة وعدم ظهور الحكم في المسألة أما إذا تبين للإنسان إباحة الشيء وزالت الشبهة عنه واطمأن قلبه لذلك فلا حرج حينئذ من تعاطيه. وموقف المسلم من هذا القسم أن يتوقف عنه تورعاً حتى يتبين له حكمه تغليباً لجانب التحريم وإيثاراً وبراءة الذمة، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِيِنِهِ وَعِرْضِهِ)) أي: طلب البراءة لدينه من النقص ولعرضه من الذم. والعرض: هو موضع المدح والذم من الإنسان، فمن تجنب الأمور المشتبهة فقد حصن عرضه من الذم والعيب، كما أنه قبل ذلك قد حصن دينه من النقص والخلل، وعلى الجاهل مع ذلك أن يسأل أهل العلم عما اشتبه عليه، قال تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(43) سورة النحل]. ، فسؤال أهل العلم يزيل الجهل ويتضح الحق لمن أراده، وكما أن في اجتناب الشبهات وقاية للدين والعرض، ففيه أيضاً حصول الحاجز بين الإنسان وبين الوقوع في الحرام، لأن من تورع عن المشتبهات كان متورعاً عن الحرام من باب أولى. وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يرى التمرة ساقطة في بيته أو في الطريق فلا يأكلها خشية أن تكون من الصدقة؛ لأن الصدقة محرمة عليه -صلى الله عليه وسلم-. وحذر منه سبطه الحسن بن علي -رضي الله عنهما-: كما في سنن الترمذي (عَنْ أَبِى الْحَوْرَاءِ السَّعْدِىِّ قَالَ قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ مَا حَفِظْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ ». ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- في الذي يأتي الشبهات ولا يتورع عنها مع اشتباهها: (وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ )) إما لأنه حينئذ يفقد الورع الذي يحجزه ويبعده عن الحرام، فإذا تجرأ على المشتبهات تجرأ على الحرام بالتدريج، وإما لأنه لا يؤمن أن يكون في تناوله للمشتبه وقع على القسم المحرم منه، فيكون قد وقع في الحرام حقيقة، وكل هذا لعدم مبالاته. أما قوله صلى الله عليه وسلم (كَالرَّاعِى يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ ) ، فقد ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- مثلاً شبه فيه هذا الذي لا يتورع عن الشبهات بالراعي الذي يرعى دوابه حول حمى حماه أحد الملوك، فمنع من الرعي فيه، فإن الراعي إذا سمح لدوابه أن ترعى قريباً من حدود هذا الحمى فإنه لا يأمن أن تدخل في الحمى وترعى فيه فيعاقبه الملك. كذلك فإن الله سبحانه له حمى منع الدخول فيه، وهو ما حرمه على عباده، فمن قارب حمى الله بتناول المشتبهات وقع في حمى المحرمات، وحلت عليه العقوبات، والله سبحانه حمى هذه المحرمات وسماها حدوده، فقال تعالى : {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا} [(187) سورة البقرة]. أي: لا تقربوا المحرمات التي حرمها، وقال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [(151) سورة الأنعام] ، وقال تعالى {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى} [(32) سورة الإسراء] ،وقال تعالى {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [(152) سورة الأنعام]. وأما الحلال فقد نهى الله عن تعديه، فقال: {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} البقرة (229). فقد حدد الله للناس الحرام والحلال، ونهى عن القرب من الحرام وعن تعدي الحلال.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ ) 2
حمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما حكم معاملة من في ماله حلال وحرام مختلط ، فأمره على أحوال : الأولى: أن يكون الحرام أكثر ماله ويغلب عليه فهذا مكروه قال الإمام أحمد :” ينبغي أن يتجنبه إلا أن يكون شيئا يسيرا أو شيئا لا يعرف “. أما إذا علم تحريم شيء بعينه فيحرم عليه تناوله إجماعا كما حكاه ابن عبد البر وغيره. الثانية: أن يكون الحلال أكثر ماله ويغلب عليه فيجوز معاملته والأكل من ماله بلا حرج ، فقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال في جوائز السلطان ” لا بأس بها ما يعطيكم من الحلال أكثر مما يعطيكم من الحرام ” وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعاملون المشركين وأهل الكتاب مع علمهم بأنهم لا يجتنبون الحرام كله. الثالثة: أن يشتبه الأمر فلا يعرف أيهما أكثر الحلال أم الحرام فهذا شبهة والورع تركه قال سفيان ” لا يعجبني ذلك وتركه أعجب إلي ” وقال الزهري : ” لا بأس أن يأكل منه مالم يعرف في ماله حرام بعينه ” ونص أحمد على جواز الأكل مما فيه شبهة ولا يعلم تحريمه وقوله صلى الله عليه وسلم ” وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ ” معناه أن الملوك من العرب وغيرهم يكون لكل منهم حمى يحميه عن الناس، ومن دخله أوقع به العقوبة، ولله تعالى حمى هو محارمه أي المعاصي التي حرمها، كالقتل والزنا والسرقة… ومن قارب شيئاً من ذلك يوشك أن يقع فيه
إخوة الإسلام
إنه لما قل الخوف من الله في هذا الزمان في قلوب كثير من الناس، وزال عنها الورع تجرأ كثير من الناس على فعل المحرمات وترك الواجبات، فكثر الظلم والعدوان، والزور والبهتان، وكثرت الخصومات الفاجرة والحيل الباطلة، وضاعة الأمانة وكثرت الخيانة، وأكل الربا، وأخذت الرشوة وكثر الغش والخديعة والكذب في المعاملات، وقطعت الأرحام، وأكلت أموال الأيتام، تباغضت القلوب، وتناكرت النفوس، وكثر في الناس تضييع الصلوات، ومنع الزكاة، والتهاون بالجمع والجماعات. وفشا في الناس عقوق الوالدين وقطيعة الأرحام، كل ذلك بسبب عدم التقيد بأحكام الحلال والحرام. والتورع عن المتشابه وما يجر إلى الآثام. ونستكمل الحديث في لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء