خطبة عن ( محبة الله: شروطها ومراتبها )
يوليو 11, 2016خطبة عن ( حاسب نفسك قبل أن تحاسب)
يوليو 11, 2016الخطبة الأولى ( الأنس بالله )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام أحمد في مسنده : ( عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « عَجِبَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ مِنْ رَجُلَيْنِ رَجُلٍ ثَارَ عَنْ وِطَائِهِ وَلِحَافِهِ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ وَحَيِّهِ إِلَى صَلاَتِهِ فَيَقُولُ رَبُّنَا أَيَا مَلاَئِكَتِى انْظُرُوا إِلَى عَبْدِى ثَارَ مِنْ فِرَاشِهِ وَوِطَائِهِ وَمِنْ بَيْنِ حَيِّهِ وَأَهْلِهِ إِلَى صَلاَتِهِ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِى وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِى. وَرَجُلٍ غَزَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَانْهَزَمُوا فَعَلِمَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْفِرَارِ وَمَا لَهُ فِى الرُّجُوعِ فَرَجَعَ حَتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِى وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِى فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَلاَئِكَتِهِ انْظُرُوا إِلَى عَبْدِى رَجَعَ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِى وَرَهْبَةً مِمَّا عِنْدِى حَتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ »
إخوة الإسلام
من علامات حب العبد لله أنسه بالله ، فالأنس بالله علامة من علامات حب العبد لله ، وحب الله للعبد ،والأنس بالله معناه : الطمأنينة ، والشعور بالراحة ، وعدم الوحشة ، الأنس بالله تعالى : حالة وجدانية تحمل على التنعم بعبادة الرحمن ، والشوق إلى لقاء ذي الجلال والإكرام ، الأنس بالله : مقام عظيم من مقامات الإحسان الذي قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح : ( أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ) .الانس بالله : هو اطمئنان العبد بطاعة مولاه وأن يستوحش مما سواه ، ” وقوة الأنس وضعفه على حسب قوة القرب ، فكلما كان القلب من ربه أقرب كان أنسه به أقوى ، وكلما كان منه أبعد كانت الوحشة بينه وبين ربه أشد ” ، والانس بالله : هو انبساط المحب نحو المحبوب وتلذذ الروح بذكر الله وأن يكون الرجاء غالبا على الخوف ،” وهذه المنزلة ، منزلة الأنس بالله ، من أعظم المنازل وأجلها ، ولكنها تحتاج إلى تدريج للنفوس شيئا فشيئا ، ولا يزال العبد يعودها نفسه حتى تنجذب إليها وتعتادها ، فيعيش العبد قرير العين بربه ، فرحا مسرورا بقربه ” . واذا رأيت الله عز وجل يؤنسك بذكره ويوحشك من خلقه فقد أرادك ، واذا رأيته يؤنسك بخلقه ويوحشك من ذكره فقد طردك ، فعليك بالأنس بالله وأن تستوحش مما سواه ، وإياك أن تطمع في الأنس بالله وأنت تحب الأنس بالناس ، وإياك أن تطمع في المنزلة عند الله وانت تحب المنزلة عند الناس ، فسرور المؤمن ولذته في الخلوة بمناجاة سيده ، ولذلك قيل لأحد الصالحين : (ألا تستوحش وحدك فقال كيف استوحش والله تعالى يقول في الحديث القدسي : ( مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِى )
أخي الموحد ، وأختي الموحدة
وأنت بمن تأنس ؟ هل تأنس بالقصص والحكايات ؟ هل تأنس بالأفلام والتمثيليات ؟ هل تأنس بالأصدقاء والخلان ؟ ، بمن تأنس ؟ وأين تجد راحتك ولذتك وسعادتك ؟ فأقول لك ناصحا أمينا ، إذا كنت محبا لله حقا ، فليكن أنسك بالله فإذا أنس الناس بالناس ، فأنس أنت برب الناس ،وإذا فرح الناس بالدنيا ، فافرح أنت بالله ، وإذا استغنى الناس بالدنيا فاستغني أنت بالله ،وليكن الله هو محبوبك ومبتغاك ، ليكن الله أنيسك في وحدتك ، وجليسك في غربتك ، ومغيثك في محنتك ، ومجيرك في كربتك ،
أيها الموحدون
يقول ذو النون المصري 🙁 الأنس بالله نور ساطع ، والأنس بالناس غم واقع ) ،وقال آخر “( مساكين أهل الدنيا ، خرجوا منها وما ذاقوا ألذ ما فيها ، قيل : وما ألذ ما فيها؟ ، قال : الأنس بالله ، والتلذذ بمخاطبته ، والوقوف بين يديه ) ،وقد روى ابن حبان في صحيحه (عن عطاء قال دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فقالت لعبيد بن عمير قد آن لك أن تزورنا فقال أقول يا أمه كما قال الأول زر غبا تزدد حبا قال فقالت دعونا من رطانتكم هذه قال بن عمير أخبرينا بأعجب شئ رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فسكتت ثم قالت :لما كان ليلة من الليالي قال يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي قلت والله إني لأحب قربك وأحب ما سرك قالت فقام فتطهر ثم قام يصلي قالت فلم يزل يبكي حتى بل حجره قالت ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل لحيته قالت ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي قال يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر قال أفلا أكون عبدا شكورا لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها :(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) الآيات ،آل عمران )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الأنس بالله )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
الأنس بالله يعني أنك تجد لذتك وأنت مع الله ، تجد سعادتك وأنت خاشع في صلاتك ، وأنت متذلل بين يدي مولاك الأنس بالله ، تجده في دموع الخشية من الله ، تجده في الاستغراق في ذكر الله ، تجده في الطاعات وقلبك متوجه إلى الله ، تجده في بر الوالدين ، والإحسان إلى الجار ، وكفالة اليتيم ، تجده في الاخلاص في العمل ، وفي التيسير على المعسرين ، والتفريج عن المكروبين ، ومسح دمعة اليتيم والفقير والمسكين ، تجده وأنت تبتعد عن المنكرات ، تجده وانت ترتل القرآن وتذكر الله في انقطاع ،الأنس بالله تجده وأنت ترفع يديك إلى السماء في ضراعة وذل واستسلام وهكذا
إخوة الاسلام
ومن الأقوال المأثورة عن الإمام عَلِيٍّ : أنه كان يقول : (من فَقَدَ أُنْسَهُ بين الناس ، ووَجَدَهُ في الوحْدة فَهُوَ صادِقٌ ضعيف ) ، فمثلا : إذا كان يصلي وَحْده بكى، وإذا قرأ القرآن تأثَّر تأثُّراً شديداً ، وإذا ذكر الله يتألَّق ، أما مع الناس فله حال آخر ! فَهُوَ صادِقٌ ضعيف قال : ومن وَجَدهُ بين الناس وفَقَدَهُ في الخَلْوة فَهُوَ مَعْلول ( هذه مُشْكلة ) فهو بين الناس يتألَّق ويأنَسُ، أما في حال الخَلْوة لا يشْعر بِشَيْء ، قرأ القرآن فلم يتأثَّر ، وذكر الله فلم يشعر بِشَيْء، فهذا لَدَيْه عِلَّة ، ومصاب بمرض في القلب ، وإذا كان الإنسان مع الناس لا يسْتطيع أن يتكَلَّم كلمة واحدة ، لكن في خَلْوَتِهِ يتأثَّر ، فهذا جيِّد ولكن ضعيف ، هذا الأُنْس من فَقَدَهُ بين الناس ، وفقده في الخَلْوَة معاً فهو ميِّتٌ مطْرود قال تعالى (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) : [النحل : الآية 21] ،ومن وَجَدَهُ في الخلوة والناس معاً فَهُوَ المُحِبُّ الصادِقُ القَوِيّ ، فالذي في خَلْوَتِهِ له صِلَة بالله ويتأثَّر و له مشاعر عالية وكذا بين الناس يتألَّق فهذه حالةٌ عالِيَة جداً ، فهذا قَوِيٌّ ومُخْلِص ومَوْصولٌ بالله عز وجل ، هذه أعْلى حالة
الدعاء