خطبة عن ( غزوة أحد – الأسباب والنتائج)
يوليو 17, 2016خطبة عن (غزوة الخندق أو الأحزاب الأسباب والنتائج)
يوليو 18, 2016الخطبة الأولى ( آيات ومواقف ودروس من غزوة الخندق( الاحزاب )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) (9 ): (11) الاحزاب
إخوة الإسلام
من المعجزات الباهرة في غزوة الأحزاب ما أجراه الله تعالى لنبيه -عليه الصلاة والسلام- من مباركة طعام قليل لا يشبع رهطًا، فيدعو فيه النبي عليه الصلاة والسلام، فيأذن الله تعالى أن يُشبع الجيش كله ويبقى منه بقية. فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رأيت بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَمَصًا شَدِيدًا، فَانْكَفَأْتُ إلى امْرَأَتِي فقلت: هل عِنْدَكِ شَيْءٌ، فَإِنِّي رأيت بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم خَمَصًا شَدِيدًا؟ فَأَخْرَجَتْ إليَّ جِرَابًا فيه صَاعٌ من شَعِيرٍ، وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ -أي: سمينة- فَذَبَحْتُهَا وَطَحَنَتْ الشَّعِيرَ، فَفَرَغَتْ إلى فَرَاغِي، وَقَطَّعْتُهَا في بُرْمَتِهَا، ثُمَّ وَلَّيْتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: لا تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَبِمَنْ معه. فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ فقلت: يا رَسُولَ الله، ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لنا وَطَحَنَّا صَاعًا من شَعِيرٍ كان عِنْدَنَا، فَتَعَالَ أنت وَنَفَرٌ مَعَكَ. فَصَاحَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أَهْلَ الْخَنْدَقِ، إِنَّ جَابِرًا قد صَنَعَ سُؤْرًا، فَحَيَّ هَلاً بكم». فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ، ولا تَخْبِزُنَّ عَجِينَكُمْ حتى أَجِيءَ»، فَجِئْتُ وَجَاءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقْدُمُ الناس، حتى جِئْتُ امْرَأَتِي فقالت: بِكَ وَبِكَ. فقلت: قد فَعَلْتُ الذي قُلْتِ، فَأَخْرَجَتْ له عَجِينًا فَبَصَقَ فيه وَبَارَكَ، ثُمَّ عَمَدَ إلى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ وَبَارَكَ، ثُمَّ قال: «ادْعُ خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعِي، وَاقْدَحِي من بُرْمَتِكُمْ ولا تُنْزِلُوهَا»، وَهُمْ أَلْفٌ، فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لقد أَكَلُوا حتى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا، وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كما هِيَ وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كما هو). وفي رواية: فلم يَزَلْ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَغْرِفُ حتى شَبِعُوا وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ، قال: «كُلِي هذا وَأَهْدِي؛ فإن الناس أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ» (رواه الشيخان). ومن الكرامات التي حدثت في غزوة الخندق قَالَتْ بْنِت بَشِيرٍ بن سعد: دَعَتْنِي أُمّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ ، فَأَعْطَتْنِي حَفْنَةً مِنْ تَمْرٍ فِي ثَوْبِي ، ثُمّ قَالَتْ : أَيْ بُنَيّةُ، اذْهَبِي إلَى أَبِيك وَخَالِك عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِغَدَائِهِمَا ، قَالَتْ فَأَخَذْتهَا ، فَانْطَلَقْت بِهَا ، فَمَرَرْتُ بِرَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَأَنَا أَلْتَمِسُ أَبِي وَخَالِي ، فَقَالَ : “تَعَالَيْ يَا بُنَيّةُ مَا هَذَا مَعَك ؟ ” قالت : يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا تَمْرٌ بَعَثَتْنِي بِهِ أُمّي إلَى أَبِي بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ وَخَالِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ يَتَغَدّيَانِهِ. قَالَ: ” هَاتِيهِ”، قَالَتْ :فَصَبَبْته فِي كَفّيْ رَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ – فَمَا مَلأتْهُمَا ! ثُمّ أَمَرَ بِثَوْبِ فَبُسِطَ لَهُ، ثُمّ دَحَا بِالتّمْرِ عَلَيْهِ فَتَبَدّدَ فَوْقَ الثّوْبِ، ثُمّ قَالَ لإنْسَانِ عِنْدَهُ: ” اُصْرُخْ فِي أَهْلِ الْخَنْدَقِ : أَنْ هَلُمّ إلَى الْغَدَاءِ !”.. فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَلَيْهِ فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْهُ! وَجَعَلَ يَزِيدُ! حَتّى صَدَرَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنْهُ وَإِنّهُ لَيَسْقُطُ مِنْ أَطْرَافِ الثّوْبِ!! ومن الكرامات في هذه الغزوة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل حذيفة -رضي الله عنه- ليستطلع خبر المشركين وقد آذتهم الريح، وأصابهم برد شديد، كان حذيفة -رضي الله عنه- ينعم دونهم بالدفء، ولا يجد أثر الريح والبرد لا في ذهابه إلى المشركين، ولا في رجوعه إلى المسلمين حتى قال رضي الله عنه: “فلما وَلَّيْتُ من عِنْدِهِ -أي من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم- جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي في حَمَّامٍ حتى أَتَيْتُهُمْ، فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِي ظَهْرَهُ بِالنَّارِ.. وفي عودته بعد أن أنهى مهمته قال رضي الله عنه: فَرَجَعْتُ وأنا أَمْشِي في مِثْلِ الْحَمَّامِ” (رواه مسلم).
أيها المسلمون
إن غزوة الأحزاب كانت امتحانًا صعبًا، نجح فيه أهل الإيمان، وأخفق فيه أهل النفاق..كان امتحانًا ابتلي فيه المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديدًا، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، ولكن الله تعالى ثبت المؤمنين بصدقهم ويقينهم، وخذل المنافقين بشكهم وارتيابهم، وردَّ الكافرين بغيظهم لم ينالوا من المسلمين نصرًا ولا غنيمة قال تعالى {وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25]. وفي أثناء حصار المشركين للمدينة، وخيانة اليهود، وتخذيل المنافقين وإرجافهم، واشتداد الكرب، وعِظَم البلاء؛ كان اليقين بالله تعالى يملأ قلب النبي عليه الصلاة والسلام، فأخذ يبشر أصحابه -رضي الله عنهم- بما سيفتح الله تعالى عليهم من عواصم الدول الكبرى آنذاك، وهذا اليقين هو من تأييد الله تعالى للمؤمنين، وتثبيته لهم، وربطه على قلوبهم.. فعَنِ الْبَرَاءِ بن عَازِبٍ -رضي الله عنه- قال: أَمَرَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ، قال: وَعُرِضَ لنا صَخْرَةٌ في مَكَانٍ مِنَ الْخَنْدَقِ لاَ تَأْخُذُ فيها الْمَعَاوِلُ، قال: فَشَكَوْهَا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عَوْفٌ: وَأَحْسِبُهُ قال: وَضَعَ ثَوْبَهُ ثُمَّ هَبَطَ إلى الصَّخْرَةِ فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ فقال: «بِاسْمِ الله»، فَضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ وقال: «الله أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، والله إني لأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ من مكاني هذا». ثُمَّ قال: «بِاسْمِ الله»، وَضَرَبَ أُخْرَى فَكَسَرت ثُلُثَ الْحَجَرِ فقال: «الله أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، والله إني لأُبْصِرُ الْمَدائِنَ وَأُبْصِرُ قَصْرَهَا الأَبْيَضَ من مكاني هذا». ثُمَّ قال: «بِاسْمِ الله»، وَضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَقَلَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ فقال: «الله أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، والله إني لأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ من مكاني هذا» (رواه أحمد).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( آيات ومواقف ودروس من غزوة الخندق( الاحزاب )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الدروس والعبر المستفادة من هذه الغزوة : 1- أن اجتماع الأحزاب وأعداء الإسلام على الدين وأهله عادة ماضية في كل زمان ومكان، فلا تنقطع عداوتهم، وفي ذلك حكمة بالغة في الرجوع إلى الله، وصدق التوكل عليه، والإنابة والذل وإظهار الحاجة، وبذل الغالي لهذا الدين، قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}التوبة:32. 2- ومن الدروس أن الله -عز وجل- يحفظ عباده المؤمنين في معاركهم ويمدهم بجيش من عنده ولا يضيعهم، كما أنزل عليهم الملائكة يوم بدر، وأرسل الريح في غزوة الأحزاب. كما قال: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}الروم:47 وقال:{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} الحج:38. وهنا في الأحزاب قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}(9) سورة الأحزاب. 3- ومن الدروس أيضاً أن المؤمن لا تزيده الكروب والشدائد إلا إيماناً ويقيناً وصلابة بخلاف الذين في قلوبهم مرض، وفي ظل هذه الغزوة، وهذا الجو الشديد، والكرب العظيم، انقسم الناس إلى قسمين: قسم آمن بوعد الله ونصره، كما قال تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً}الأحزاب:22. وأما المنافقون والذين في قلوبهم مرض فقد زاغت قلوبهم، عندما رأوا جموع الكفار وعدتهم، كما صور ذلك سبحانه وتعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً}الأحزاب:13. وقال المنافقون: “كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط”4 وتنصلوا من الجهاد وهربوا منه.{وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً}الأحزاب:113. 4- ومن الدروس المستفادة من هذه الغزوة أن على القائد أن يستشير أصحابه، ويأخذ آراءهم، كما استشار النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، فأشار سلمان الفارسي -رضي الله عنه– وقال: يا رسول الله: “إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خندقنا علينا”. فاستحسن رسول الله هذا الرأي منه وعمل به، وكان مما لم تعرفه العرب. 5- ومن الدروس المستفادة أنه يجب على المسلمين إعداد العدة، واتخاذ وسائل القوة الممكنة مهما كان مصدرها، لأن الحكمة ضالة المؤمن، فحيثما وجدها أخذها، فحفر الخندق يدخل في مفهوم القوة لقوله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (60) سورة الأنفال). 6- ومن الدروس أن على المسلم الاستسلام لله ورسوله فإنه سبب للثبات عند الشدائد، كما جاء في سورة الأحزاب: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِيناً} آية 36 الأحزاب. وهذه الآية تؤكد على هذا المعنى وهو الاستسلام لله تعالى والامتثال لأوامره وأوامر رسوله، ولو لم يعرف المسلم الحكمة من وراء ذلك، فهو عبد لله وطاعته لازمة وواجبة. 7- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطى مثلاً حياً على رأفته بالمؤمنين، حيث شاركهم في حفر الخندق، ويوم أشركهم معه في طعام جابر، ولم يستأثر به. 8– أن المعجزات الكثيرة التي أجراها الله على يد نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- في هذه الغزوة، سواء التي كانت في حفر الخندق، أو تكثير طعام جابر، أو الرياح التي كانت عذاباً من الله على المشركين، لهي من تأييد الله لرسوله والمؤمنين، ولإقامة الحجة على أعداء الدين ، 9- ومن الدروس مشروعية قضاء الفائتة فإن المشركين لما شغلوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه عن صلاة، صلوها قضاء بعد المغرب. 10- ومن الدروس أن النصر في المعارك لا يكون بكثرة العدد، ووفرة السلاح، وإنما يكون بقوة الروح المعنوية لدى الجيش، والإيمان المتقد، والفرح بالاستشهاد، والرغبة في ثواب الله وجنته، 11- ومن الدروس أيضاً أن الخدعة في حرب الأعداء مشروعة، إذا كانت تؤدي إلى النصر ، وروى مسلم في صحيحه : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْحَرْبُ خَدْعَةٌ ». 12– وفي تقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- الصفوف في هذه المعركة، وفي كل معركة، وخوضه غمارها معهم إلا فيما يشير به أصحابه، دليل على أن مكان القيادة لا يحتله إلا الشجاع المتثبت، وأن الجبناء خائري القوى لا يصلحون لرئاسة الشعوب، ولا لقيادة الجيوش، ولا لزعامة حركات الإصلاح، ودعوات الخير، 13– ومن الدروس المستفادة أن المنح تخرج من رحم المحن، فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الظرف القاسي والشديد، والصحابة في حصار وجوع، وخوف شديد يضرب الصخرة، ويبشرهم بكنوز كسرى، ودخول المدائن، وفتح اليمن، الله أكبر! إن زراعة الأمل في مثل هذا الظرف ليدل على مدى ثقة القائد بوعد الله ونصره ورباطة الجأش والطمأنينة الكبيرة. فما أشد حاجتنا في هذا العصر إلى استلهام هذا الدرس العظيم من تلك الغزوة المباركة؛ فنزداد بالله تعالى إيمانًا ويقينًا، ونُصَدِّق بوعده، ونثبت على دينه، فلا نبدِّل ولا نغيِّر، مهما عظم الكرب واشتد البلاء، مستعينين بالله تعالى على ذلك، خاصة وقد اشتدت حملات الكافرين والمنافقين على المؤمنين، وهي تزداد يومًا بعد يوم.
الدعاء