درس في ( الإيمان بالله وأسباب الإلحاد)
يوليو 22, 2016خطبة عن ( فاطمة الزهراء بنت رسول الله)
يوليو 23, 2016دروس بعنوان ( وقفات مع آية من كتاب الله )
(قصة آية) 1
يقول الله تعالى في محكم آياته (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ.لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ.وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) مع قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ. وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) والمعنى (وَمِنَ النَّاسِ) أي هناك صنف من الناس (مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ).أي يبيع نفسه طلبا لمرضاة الله وطمعا في رحمته ودار كرامته.فتبين لنا الآيات أنه إذا كان المنافقون يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر.وقد امتلأت قوبهم بغضا وحقدا على الاسلام والمسلمين.وإذا كان الكفار يجحدون نعم الله ويخالفون أمره .فإن من الناس صنفا آمن بالله ورسوله وباع نفسه لله .وتخلى عن كل ما يملك في سبيل مرضاته.ويضحى في سبيل ذلك بكل غال فيقول سبحانه(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ). قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، نَزَلَتْ فِي صُهيب بْنِ سنَان الرُّومِيِّ وصهيب، صحابي جليل معروف. وهو مولى من الموالي .كان يعمل في مكة هو رومي الاصل من بلاد الروم وأقام في مكة وبدأ يتاجر فيها فكثرت أمواله وأصبح غنيا. فلما دعاه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الاسلام آمن به ودخل في الإسلام وكان من السابقين في الدخول في الاسلام فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أراد صهيب أن يهاجر بعد النبي صلى الله عليه وسلم .يقول صهيب (لَمَّا أردتُ الْهِجْرَةَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لِي قُرَيْشٌ: يَا صهيبُ، قَدمتَ إِلَيْنَا وَلَا مَالَ لك،وَتَخْرُجُ أَنْتَ وَمَالُكَ! وَاللَّهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ أَبَدًا. فَقُلْتُ لَهُمْ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ دَفَعْتُ إِلَيْكُمْ مَالِي تُخَلُّون عَنِّي؟ قَالُوا: نَعَمْ. فدفعتُ إِلَيْهِمْ مَالِي، فخلَّوا عَنِّي، فَخَرَجْتُ حَتَّى قدمتُ الْمَدِينَةَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: “رَبح صهيبُ، رَبِحَ صُهَيْبٌ” مَرَّتَيْنِ) فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ )
وكما يقول العلماء. العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. فإذا كانت هذه الآية نزلت في شأن هذا الصحابي الذي تنازل عن كل ماله ابتغاء مرضاة الله. فهي في نفس الوقت تعني كل مؤمن باع نفسه لله في كل زمان ومكان.هي تشمل كل مؤمن يرضي ربه ويضحي في سبيل ذلك بكل ما يملك .وبكل ما يستطيع..فهذا المجاهد في سبيل الله والذي باع أغلى مايملك باع روحه لله لينال الشهادة فهو (يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ).وهذا التاجر الصدوق الذي رفض الغش والخداع ورضي بالقليل من الربح خوفا من الله فهو (يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ). وهذا الموظف الذي عرضت عليه رشوة كبيرة ليخون أمانته فرفضها مع حاجته إلى المال. ورضي براتبه القليل طاعة لله فهو (يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ) وهذا الطبيب الذي رفض أن يخون أمانته فدفعوا له مبلغا كبيرا ليسقط الحمل.أو ليغير في التقرير الطبي فامتنع فهو (يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ) وهذه الفتاة التي رفضت الزواج بمن يريدها أن تظهر للناس مفاتنها فهي ممن(يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ) وهذا الشاب الذي رفض الزواج بمن تريد أن تعرض زينتها على مسارح اللهو والغناء طاعة لله فهو ممن (يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ) وهذا العالم الذي رفض أن يبيع دينه فأفتى بشرع الله فحلل الحلال وحرم الحرام وإن خالف هوى من استفتاه فهو ممن(يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ) وهذا الشاب الذي ترك العمل بالشركة أو بالمؤسسة أو بالقرية السياحية التي بها فساد ومعصية لله. طلبا لرضا الله فهو ممن (يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ
(وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ).فهو الذي هدى عباده لإسلام والإيمان ووفقهم للعمل الصالح واتباع سيد الأنام فهو الذي تفضل بالهداية والتوفيق ثم يدخلهم بعد ذلك الجنان.(وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) يتودد إلى خلقه.ويفرح بتوبتهم وهوغني عنهم (وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ).نعم. (وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) يعطف على عباده المذنبين، فيفتح لهم باب التوبة ما لم تغرغر النفس أو تطلع الشمس من مغربها فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ وعن أَبِي مُوسَى الأشعري، عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: (إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا)..(وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) يخفف عن عباده، فلا يكلفهم ما يشق عليهم أو يخرج عن وسعهم وطاقتهم..قال تعالى:(يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ( وقال )لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ.. ((وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) فكن أنت أيها المسلم رؤوفًا بالناس واملأ قلبك بالرحمة والرأفة التي تشمل عامة المسلمين وخاصتهم.. فعن عبد الله بن عمرو: أن رسول اللهِ قال (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )
(قصة آية) 2
.مع قوله تعالى(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) والآية نزلت في أعقاب غزوة أحد ففي غزوة أحد ولما خالف الرماة أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوا أماكنهم ونزلوا يجمعون الغنائم ظنا منهم أن العدو قد انسحب وأن المعركة قد انتهت .فاستغل الكفار اشتغال المسلمين بجمع الغنائم فأخذوهم على غرة. فقتلوا منهم وجرحوا فأصاب المسلمين بسبب ذلك ألم نفسي وحزن شديد.فأنزل الله (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا).أي حين أصابتكم مصيبة يوم أُحد.وقد أصبتم ضعفيها في بداية المعركة ويوم بدر ( قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا )أي قلتم من أين لنا هذا القتل وتلك الهزيمة ونحن مسلمون. ورسول الله فينا؟.وكيف نغلب ورسول الله بيننا.وهو ويحارب معنا (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ)أي قل لهم يا محمد الذى أصابكم هو من عند أنفسكم.الذي أصابكم بسبب مخالفتكم للرسول.صلى الله عليه وسلم.وأنفسكم هي التي أخلت بشرط الله وشرط رسوله صلى الله عليه وسلم في تحقيق النصر. وأنفسكم هي التي خالجتها الأطماع والهواجس. فهذا الذي تستنكرون أن يقع لكم، وتقولون: كيف هذا؟( قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ).فمن السنن الربانية التي لا تتغير ولا تتبدل .أن من آمن وأطاع الله ورسوله.وأعد ما استطاع من أسباب القوة فالنصر حليفه.ومن عصى الله ورسوله وتخاذل في طلب العدو. فالهزيمة والقتل نصيبه.ومن سنن الله أن المعصية توجب العقوبة .فمن عصى الله .عاقبه الله لا فرق في ذلك بين شخص وآخر.فسنن الله لا تحابي أحدا.ولا تجامل أحدا.ولا تحيد ولا تميل (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ) قال تعالى (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ).فهذا أبو البشر آدم.الذي كرمه الله.وخلقه بيده.قال له ربه (وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ).فلما عصى آدم ربه.وأكل هو وزوجه من الشجرة المحرمة.كانت العقوبة (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا).وهذا هو نبي الله يونس عليه السلام لما خالف أمر ربه وترك دعوة قومه ورحل عنهم قبل أن يأذن له ربه.كما قال سبحانه (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا)فكانت نتيجة المخالفة والمعصية.أن عاقبه الله. قال سبحانه(فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) وقال سبحانه (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).وكانت العقوبة بسبب الذنوب للأمم السبقة .فقال سبحانه (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).وهؤلاء هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما خالفوا أمر رسوله عاقبهم الله بما أصابهم يوم أحد ورسول الله بين أيديهم.فالجزاء من جنس العمل.يقول سبحانه (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ )
فهل فكرنا يوما في سبب ماحل بنا وبالمسلمين اليوم.هل سألت نفسك لماذا غير الله حالنا من الأمن إلى الخوف ومن الرغد في المعيشة إلى الغلاء ومن الوحدة إلى الفرقة.ولماذا هذه الخلافات والمعارك الملتهبة والدماء المهدرة في بلاد المسلمين.إنها العقوبة نعم عقوبة المعاصي عقوبة البعد عن الدين .عقوبة مخالفة رسول رب العالمين.عقوبة هجر القرآن الكريم واتباع الهوى. وموالات الكفرة والمشركين.ومعادات الصالحين.إنها السنن الكونية.يقول سبحانه(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ) ويقول سبحانه(ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ) والسؤال..ماهو الحل ؟ أقول لكم .انظروا.وتفكروا. وتأملوا. ماذا قال الله لنبيه يونس عليه السلام عندما عاقبه بحبسه في بطن الحوت.قال سبحانه (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ . فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ.لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).إذن.السنن الكونية تقول لنا.لن ترفع العقوبة إلا بالتوبة والإستغفار السنن الإلهية تقول(وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا)السنن الربانية تقول(وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ).فالله سبحانه ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب إلا طاعته. إذن فالحل بأيدينا.الحل.بالعودة الى الله والعمل بكتابه وسنة رسوله الحل.بتجديد التوبة والأوبة والإستغفار من الذنوب والدعاء والتضرع إلى علام الغيوب الحل كما جاء أيضا في قصة سيدنا يونس عليه السلام بعدما رجع إلى قومه ودعاهم مرة أخرى إلى الإيمان بالله .فآمنوا .فبدل الله حالهم وأصلح بالهم.قال تعالى(فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)…أما إذا ظل المسلمون على ما هم عليه الآن.فلا نصر ولا تأييد ولا أمن ولا رخاء.بل سوف يكون حالنا من السيء إلى الأسوأ وهذا ليس قولي ولكن قول ربنا (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) فالمعاصي سبب كل عناء، وطريق كل شقاء، المعاصي ما حلت بديار إلا أهلكتها، ولا فشت في مجتمعات إلا دمرتها، وما هلك من هلك إلا بالذنوب، وما نجا من نجا بعد رحمة الله. إلا بالطاعة والتوبة، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (ما نزل بلاء إلا بذنب .ولا رفع إلا بتوبة).وقال تعالى(وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) ويقول سبحانه(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )
(قصة آية) 3
مع قوله تعالى (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ. مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ . لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ) جاء في أسبابِ النزولِ أنَّ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله: هَؤُلاءِ الْكُفَّار لَهُمْ تجارة ، وَأَمْوَال فِي الْبِلاد , وهم في رخاء ولين عيش وَقَدْ هَلَكْنَا نَحْنُ مِنْ الْجُوع ; فَأنَزَ الله تعالى (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ . مَتَاعٌ قَلِيلٌ. ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ. وَبِئْسَ الْمِهَادُ). أَيْ .لا يَغُرَّنَّكُمْ سَلامَتُهُمْ بِتَقَلُّبِهِمْ فِي أَسْفَارهمْ ، وضربهم في الأرض .ورخاء عيشهم.لا تغتروا بكثرة أموالهم.وربح تجارتهم. لا تفتنوا بأحوالهم .ولا تنبهروا برواج تجارتهم (مَتَاعٌ قَلِيلٌ ) فما هم فيه فهو متاع قليل. متاع قليل بالنسبة لمتاع المؤمنين في الجنة .لا تنظروا لهذا المتاع الزائل المنقطع.ولكن انظروا للمتاع الدائم الخالد. فمتاع هؤلاء الكفار مهما بلغ فهو قليل ( ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ). نعم .فنهايتهم إلى النار. ومصيرهم إلى الجحيم. فلا خير في نعيم نهايته إلى الجحيم .ففي صحيح مسلم ( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِى النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ.وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِى الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِى الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِى بُؤُسٌ قَطُّ وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ».لذا أعقب الله الآيات بقوله تعالى (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ) وهكذا يدور الزمان دورته .فبعدما كان للمسلمين المجد والسؤدد. والغلبة والتمكين. والعز والرفاهية. أصبح كفار اليوم .الغلبة لهم والتمكين . أصبح كفار اليوم. متقلبين في البلاد. ومتسلطين ومتجبرين على العباد أصبحت لهم القوة والغلبة والهيمنة .وأصبح المسلمون عبيدا لهم وأذنابا.يأتمرون بأمرهم وينتهون بنهيهم .ويتحكمون فيهم كيفما شاءوا .وهنا يأتي نفس السؤال الذي سأله الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .فما أشبه الليلة بالبارحة.فيقول قائلنا (هؤلاء كفار اليوم. في رخاء ولين من العيش.وَقَدْ هَلَكْنَا نَحْنُ المسلمون مِنْ الْجُوع) هذه العبارة وغيرها. كثيرا ما نسمعها ويرددها شبابنا اليائس .أو يرددها الجاهل المفتون.أو المنافق المخادع.ولا نجد لهؤلاء إلا ردا واحدا (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ. مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) حينما يتسلل الإحباط ، واليأس إلى نفس المؤمن ، وهو يرى ما عليه الكفار اليوم من التمكين في الأرض ، وما يملكونه من القوة والهيمنة ، وعندما يرى جيوشهم ، وعددهم ، وعتادهم ، ويرى صناعاتهم وتقنيتهم. فينتابه شعور بالنقص إزاء ما حققّه القوم من رقي ، وتقدم في عالم الحضارة والمدنية ، ويصبح متأرجح التفكير في حاضر ظاهر جلي للعيان. يجسد ضعف أمة الإسلام وهوانها بين الأمم ؛ تأتي هذه الآية الحكيمة كالبلسم الشافي. تعيد إلى نفس المؤمن توازنها وتشعره بالعزّة ، وتضع الأمور في نصابها .في بيان حقيقة ومصير أولئك القوم .ومآلهم الذي سيصيرون إليه ؛ فتتحقق له الطمأنينة ويستشعر عزّة الإسلام ونعمة الإيمان. التي امتنَّ الله بها عليه يوم أن جعله مؤمناً بالله موحداً له، ومنزّهاً له عن الشرك إن الكفار مهما بلغوا من الرقي ومن التطور. ومهما ملكوا من الدنيا فإنه (مَتَاعٌ قَلِيلٌ) إذا ما قُورن بنعيم الآخرة ، ثم (ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) ، والسؤال الذي نسمعه كثيرا من أبنائنا ..أليس الله قادرا على تدمير أهل الكفر والفساد ؟.أليس الله قادرا على أن يمنعهم فضله .ويذيقهم سوء العذاب ؟ أليس هؤلاء الكفار بلغوا من الظلم والبغي والعدوان والتكبر والغطرسة مبلغه ؟ فلم لا يحاسبهم الله ببغيهم وظلمهم وفسادهم. والله عادل. لا يحب الفساد ؟ ..فأقول لإخوتي وأولادي.نعم هو قادر .ولكنك تجهل سنن الله الربانية. فلله سنن إلهية .لا تتغير ولا تتبدل .ومن هذه السنن. سنة الإملاء والاستدراج.وهو ما نتعرف عليه في اللقاء القادم ان شاء الله
(قصة آية) 4
مازلنا مع قوله تعالى(لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ. مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) وما نراه ونشاهد اليوم أن أهل الكفر والظلم والبغي والفساد يعيشون في رغد من العيش ويمتلكون الدنيا. بينما المؤمنون في فقر وجوع وذل وانكسار .وبمعنى آخر .الكافر منعم . والظالم يحكم .والمفسد يسعد .بينما المؤمن جائع مظلوم معتدى عليه .والسؤال الذي نسمعه كثيرا من أبنائنا ..أليس الله قادرا على تدمير أهل الكفر والفساد ؟.أليس الله قادرا على أن يمنعهم فضله .ويذيقهم سوء العذاب ؟ أليس هؤلاء الكفار بلغوا من الظلم والبغي والعدوان والتكبر والغطرسة مبلغه ؟ فلم لا يحاسبهم الله ببغيهم وظلمهم وفسادهم. والله عادل. لا يحب الفساد ؟..فأقول لإخوتي ولأولادي.نعم هو قادر سبحانه وتعالى .ولكنك تجهل سنن الله الربانية. فلله سنن إلهية .لا تتغير ولا تتبدل .ومن هذه السنن. سنة الإملاء والاستدراج.قال تعالى( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ .إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً. وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) .وقال تعالى ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا. سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ). هذه السنة الإلهية . تمد الظالمين بكل أنوع النعيم والرقي والحضارة. والتي تجعلهم يزدادون كفرا وفسادا وظلما ومحاربة لأهل الدين. ويجاهروا بالمعاصي .ومحاربة المصلحين .بل إنهم يكفرون برب العالمين . حتى إذا ظنوا أنهم ملكوا كل شيء .ملكوا الدنيا أخذهم الله بغتة . فصاروا إلى الجحيم .في مسند الإمام أحمد(قال صلى الله عليه وسلم« إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِى الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ ». ثُمَّ تَلاَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ).وقال سبحانه (وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ. وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ .وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) إنها سنة الإملاء والإستدراج .هذه السنة الإلهية.هي التي تعمل عملها في هذه الأوقات في معسكر أهل الكفر والنفاق هؤلاء الذين بلغ بهم الكبر والغطرسة والظلم والجبروت مبلغاً عظيماً ونراهم يزدادون يوماً بعد يوم في الظلم والبطش والكبرياء ومع ذلك نراهم ممكنين ولهم الغلبة الظاهرة كما هو الحاصل الآن من دول الكفر والطغيان في الغرب والشرق، لكن المسلم الذي يفقه سنن الله عز وجل يعلم أنهم الآن يعيشون سنة الإملاء والإستدراج والتي تقودهم إلى مزيد من الظلم والطغيان والغرور، وهذا بدوره يقودهم إلى نهايتهم الحتمية وهي الهلاك والدمار ولكن في الأجل والموعد الذي يحدده الله عز وجل قال تعالى(وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا .وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً). فالله سبحانه وتعالى ليس بغافل عما يعمل الظالمون . قال سبحان(وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ).بل هو سبحانه وتعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.فهوسبحانه يمهل ويؤخر ويؤجل .ولكنه سبحانه لايهمل.ففي صحيح مسلم(قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِى لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ ». ولنا فيمن سبقنا من الأمم آية ودليل. قال سبحانه (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ. إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ .الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ . وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ . وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ . الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ . فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ . فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ . إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ). فنهاية الظالمين قادمة. بل وهي قريبة. وأقرب مما تتصورون وبطريقة لا يتخيلها أحد. ولا يدركها عقل. لأن من السنن أن يأتيهم العذاب من حيث لا يتوقعون ومن حيث لا يشعرون.قال تعالى(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) وقال سبحانه (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ) فمهما طال ليل الظلم البهيم. إلا وبعده يسطع نور العدل المبين.ولكن الله سبحانه وتعالى لا يستجيب لعجلة المستعجلين. بل له سبحانه الحكمة البالغة.والسنة الماضية. التي إذا آتت أكلها أتى الكفرة ما وعدهم.فالله يعلم وأنتم لا تعلمون.وقال الله تعالى(فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) ثم أعقب الله هذه الآية. بآية أخرى. يبين فيها جزاء المؤمنين الصابرين .فقال وقوله الحق(لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ .لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ .خَالِدِينَ فِيهَا .نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ).فلا تحزن أيها المؤمن .فالعاقبة للمتقين.والدائرة تدور على الظالمين .فكن واثقا. مؤمنا بموعود رب العالمين.
(قصة آية) 5
مع قوله تعالى( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).فقد جاء في أسباب نزول هذه الآية الكريمة كما عند الإمام أحمد (أن الْحَارِثَ بْنَ ضِرَارٍ الْخُزَاعِىَّ قَالَ قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَانِى إِلَى الإِسْلاَمِ فَدَخَلْتُ فِيهِ وَأَقْرَرْتُ بِهِ فَدَعَانِى إِلَى الزَّكَاةِ فَأَقْرَرْتُ بِهَا وَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْجِعُ إِلَى قَوْمِى فَأَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ فَمَنِ اسْتَجَابَ لِى جَمَعْتُ زَكَاتَهُ فَيُرْسِلُ إِلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَسُولاً لإِبَّانِ كَذَا وَكَذَا لِيَأْتِيَكَ مَا جَمَعْتُ مِنَ الزَّكَاةِ فَلَمَّا جَمَعَ الْحَارِثُ الزَّكَاةَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لَهُ وَبَلَغَ الإِبَّانَ الَّذِى أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبْعَثَ إِلَيْهِ احْتَبَسَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ فَلَمْ يَأْتِهِ فَظَنَّ الْحَارِثُ أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ فِيهِ سَخْطَةٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ فَدَعَا بِسَرَوَاتِ قَوْمِهِ(أي أشرافهم) فَقَالَ لَهُمْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ وَقَّتَ لِى وَقْتاً يُرْسِلُ إِلَىَّ رَسُولَهُ لِيَقْبِضَ مَا كَانَ عِنْدِى مِنَ الزَّكَاةِ وَلَيْسَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْخُلْفُ وَلاَ أَرَى حَبْسَ رَسُولِهِ إِلاَّ مِنْ سَخْطَةٍ كَانَتْ فَانْطَلِقُوا فَنَأْتِىَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ إِلَى الْحَارِثِ لِيَقْبِضَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِمَّا جَمَعَ مِنَ الزَّكَاةِ فَلَمَّا أَنْ سَارَ الْوَلِيدُ حَتَّى بَلَغَ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَرِقَ(أي خاف وفزع) فَرَجَعَ. فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الْحَارِثَ مَنَعَنِى الزَّكَاةَ وَأَرَادَ قَتْلِى.( وفي رواية (فَسَمِعَ بِذَلِكَ الْقَوْمُ، فَتَلَقَّوْهُ يُعَظِّمُونَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَحَدَّثَهُ الشَّيْطَانُ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ، قَالَتْ: فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ:إِنَّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ قَدْ مَنَعُونِي صَدَقَاتِهِمْ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ) (فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْبَعْثَ إِلَى الْحَارِثِ فَأَقْبَلَ الْحَارِثُ بِأَصْحَابِهِ إِذِ اسْتَقْبَلَ الْبَعْثَ وَفَصَلَ مِنَ الْمَدِينَةِ لَقِيَهُمُ الْحَارِثُ فَقَالُوا هَذَا الْحَارِثُ فَلَمَّا غَشِيَهُمْ قَالَ لَهُمْ إِلَى مَنْ بُعِثْتُمْ قَالُوا إِلَيْكَ. قَالَ وَلِمَ قَالُوا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ بَعَثَ إِلَيْكَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ فَزَعَمَ أَنَّكَ مَنَعْتَهُ الزَّكَاةَ وَأَرَدْتَ قَتْلَهُ.قَالَ لاَ وَالَّذِى بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ مَا رَأَيْتُهُ بَتَّةً وَلاَ أَتَانِى. فَلَمَّا دَخَلَ الْحَارِثُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « مَنَعْتَ الزَّكَاةَ وَأَرَدْتَ قَتْلَ رَسُولِى » قَالَ لاَ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَأَيْتُهُ وَلاَ أَتَانِى وَمَا أَقْبَلْتُ إِلاَّ حِينَ احْتَبَسَ عَلَىَّ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَشِيتُ أَنْ تَكُونَ كَانَتْ سَخْطَةً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ. قَالَ فَنَزَلَتِ الْحُجُرَاتُ ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) فكم من الأحكام نصدرها على الناس بمجرد سماع كلمة من هنا أو كلمة من هناك ,وكم تقطعت من علاقات وأواصر وكم تفككت من أُسر, وتباعدت من قرابات و تحولت المحبة إلى عداوات والقرب إلى بعد.والألفة والمودة إلى جفوة وغلظة.كل هذا بسبب كلمات سمعها المسلم عن أخيه المسلم ولم يتبين ولم يتثبت من صحت وقوعها و هذه الآية التي استمعنا إليها من كتاب الله ترسم لنا الطريق الصحيح في التعامل مع الأخبار إنها قاعدة قرآنية ربانية عظيمة الصلة بواقع الناس الآية تقول لك لا تصدر أحكاما قبل أن تتثبت من الأمر.ولا تتحامل ولا تغضب على الآخرين.قبل أن تسمع منهم .فمثلا .إذا نقل إليك محدثك خبرا تكرهه عن زوجتك أو والديك أوعن جيرانك أو عن أحد من أرحامك أو أصدقائك.أو عن زميلك في العمل.فتثبت أولا من صحة الخبر تبين قبل أن تتكلم بكلمة فقد يكون الخبر غير صحيح. بل ويعلمنا القرآن كيف نتصرف إذا ما سمعنا خبرا أو إشاعة فيها إساءة إلى الآخرين
.أولا: لا نصدق الخبر أو الإشاعة بل ونظن الخير بمن سمعنا عنه.ونقول هذا كذب .قال تعالى (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا.وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ). ثانيا لا نتكلم به أبدا ولا ننقله إلى غيرنا ولا نحدث به أحدا أبدا فإن قلت. قل لي فلان أو فلانة. فقد شاركت أنت في نقل الخبر والاشاعة وارتكبت ذنبا عظيما وأنت لا تدري.وقد يقول قائل (وأنا مالي.أنت قلت ماسمعت) أقول لك.لا تقل كل ما تسمع خاصة لو كان فيه إساءة للآخرين قال الله تعالى (وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ).وفي صحيح مسلم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ » وفي رواية عند غير مسلم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ » ويبين لنا الحق تبارك وتعالى عظم ذنب من تكلم بما لم يتثبت منه.ولا علم له به. فيقول وقوله الحق(وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَعِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)
أخي في الإسلام إن شئت فقل .نحن الآن في عصر الأخبار الكاذبة .بل والملفقة. فأغلب ما يتناقل إلى مسامعنا من أخبار في وسائل الاعلام ووسائل الاتصال فهو عار من الصحة بل قد يكون على العكس من ذلك.لذا أقول لكم ناصحا لا تصدقوا كل ما تسمعوا ولا تتناقلوا كل ما تقرأوا أو تسمعوا قبل أن تتثبتوا.حتى لاتشاركوا في نقل خبر كاذب وتقعوا بسبب ذلك في المعصية وأنتم لا تقصدون.وفي النهاية أذكركم بقوله تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).
(قصة آية) 6
مع قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) الآية (77)(من سورة آل عمران)
اليمين وسيلة من وسائل إثبات الحقوق أو براءة من ادُّعي عليه، والمطلوب من المؤمن أن يكون صادقًا في يمينه، فلا يحلف بالله على أمر إلا وهو صادق فيما يقول، لأن اليمين هي تعظيم لله وإجلال لله, فلا يليق بك أن تكذب فيها وأن توقعها على غير موقعها, لأنك بذلك تستهين بمن حلفت به ولكن للأسف نرى ونسمع بعض الناس يحلفون بالله بأيمان كاذبة ليستولي على حقوق وأملاك الآخرين أو ليثبت تهمة على برئ تنكيلا به. ولا يبالي مثل هؤلاء بعاقبة أيمانهم الكاذبة وما توعدهم الله به من العذاب الأليم والخسران المبين .هؤلاء قد يجمعون الدنيا الفانية لكنهم خسروا الآخرة الباقية . مثل هؤلاء أرضوا أنفسهم ولبوا رغباتهم أو نكلوا بأعدائهم ولكنهم أسخطوا خالقهم .وأوجبوا على أنفسهم العذاب الأليم ففي صحيح البخاري (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ ، هُوَ عَلَيْهَا فَاجِرٌ لَقِىَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ،فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى(إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً) وفي صحيح البخاري(قَالَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ كَانَ بَيْنِى وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ أَرْضٌ فَجَحَدَنِى،فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم«أَلَكَ بَيِّنَةٌ». قَالَ قُلْتُ لاَ.قَالَ فَقَالَ لِلْيَهُودِىِّ« احْلِفْ» . قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذًا يَحْلِفَ وَيَذْهَبَ بِمَالِى قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى(إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) فمن أنكر حقوق الناس في الدنيا فلا نصيب له في نعيم الآخرة ولا يكلمه الله كلام المحب المشفق ولا ينظر إليه برحمته ولا يطهر قلبه من النفاق وله عذاب أليم وموجع.وفي صحيح البخاري (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى رضى الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَقَامَ سِلْعَةً ، وَهُوَ فِى السُّوقِ ، فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا مَا لَمْ يُعْطَ ، لِيُوقِعَ فِيهَا رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَنَزَلَتْ (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً).وفي مسند الإمام أحمد (خَاصَمَ رَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ يُقَالُ لَهُ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ عَابِسٍ رَجُلاً مِنْ حَضَرَمَوْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى أَرْضٍ فَقَضَى عَلَى الْحَضْرَمِىِّ بِالْبَيِّنَةِ فَلَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَقَضَى عَلَى امْرِئِ الْقَيْسِ بِالْيَمِينِ فَقَالَ الْحَضْرَمِىُّ إِنْ أَمْكَنْتَهُ مِنَ اليَمِينِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَتْ وَاللَّهِ أَوْ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ أَرْضِى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ أَخِيهِ لَقِىَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ ». قَالَ رَجَاءٌ وَتَلاَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم(إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً) فَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ مَاذَا لِمَنْ تَرَكَهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « الْجَنَّةُ » قَالَ فَاشْهَدْ أَنِّى قَدْ تَرَكْتُهَا لَهُ كُلَّهَا) وقد توعد الله تبارك وتعالى من سلب الناس حقوقهم .ولو كان ذلك في أمر قليل ففي صحيح مسلم(عَنْ أَبِى أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ». فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ ». واليمين الغموس الفاجرة التي يقتطع بها المرء مال أخيه، فهي لا كفارة لها أبدا، وإنما تنحل بالتوبة من الخطيئة وردّ المظلمة إلى أهلها،لا كفارة لها إلا ذلك. فعظموا القسم بربكم،ووفروا اليمين في خصوماتكم،واحفظوا أيمانكم،ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم،ولا تجعلوا أيمانكم ذريعة إلى معاصيكم؛ فإن شأن اليمين عند الله عظيم وفي سنن البيهقي(عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ« لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ.مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ فَلْيَصْدُقْ وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللَّهِ فَلْيَرْضَ وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللَّهِ فَلَمْ يَرْضَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ» .فالحذر الحذر من اليمين الكاذبة.الحذر الحذر من الإستيلاء على حقوق الآخرين فالله سبحانه وتعالى حرم الظلم وجعله محرما ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ « يَا عِبَادِى إِنِّى حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِى وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا) فإياك أن تستحل ما للغير ولو حكمت لك به المحكمة ففي البخاري رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَمِعَ خُصُومَةً بِبَابِ حُجْرَتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ « إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّهُ يَأْتِينِى الْخَصْمُ ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَدَقَ ، فَأَقْضِىَ لَهُ بِذَلِكَ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِىَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ فَلْيَتْرُكْهَا »
(قصة آية) 7
مع قوله تعالى(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) وفي صحيح البخاري (عَنْ أَبِى سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ كُنْتُ أُصَلِّى فِى الْمَسْجِدِ فَدَعَانِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى كُنْتُ أُصَلِّى. فَقَالَ « أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ ). في هذه الآية الكريمة يأمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بسرعة الإستجابة والأمتثال لأمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذا هو أول لوازم الإيمان التصديق والإستجابة والطاعة.وهذا هو ما بايع عليه الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي البخاري(عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِى الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ) ومعنى قوله (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ).أي اعملوا بالكتاب والسنة فالقرآن هو الحق وفيه صلاحكم وحياة قلوبكم.وحياة أجسامكم وأرواحكم وعقولكم.وأنا أسألكم وأسأل نفسي.هل استجبتم لنداءات الرحمن لأهل الإيمان هل قلتم سمعنا وأطعنا قال تعالى(إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).فالله سبحانه وتعالى ينادي على عباده المؤمنين في كتابه الكريم نداءات قاربت على المئة فهلا استجبنا لها .يقول الله في كتابه الكريم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} فهل استجبنا لله واتقيناه بفعل الأوامر وترك النواهي.وصدقنا في إيماننا.أم أننا آمنا بألسنتنا ولم تؤمن قلوبنا وجوارحنا.وقال الله(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.فهل استجبنا لله واستعنا في الشدائد بالصبر والتحمل محتسبين عند الله الأجر وهل نلجأ إلى الله بالصلاة والدعاء أم أننا نلجأ ونحتمي ونطلب الغوث والمدد والفرج من المخلوقين. وقال الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ).فهل استجبنا لنداء الله وخالفنا الشيطان والنفس والهوى أم كنا من أوليائه وأتباعه فأمرنا بالفحشاء والمنكر.وقال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً)فهل استجبنا لله وذكرناه كثيرا كما أمر أم كنا عن ذكره غافلين.وقال الله {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} فهل استجبنا لله ورسوله ولهجت ألسنتنا بالصلاة عليه .وقال الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ) فهل استجبنا للنداء ونطقت ألسنتنا بالسديد من القول أم كنا من الكذابين والنمامين والمغتابين وقال الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) فهل استجبنا ونصرنا الله بالقول والفعل أم نصرنا أهل الباطل والضلال.وقال سبحانه{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).فمن منا استجاب للنداء وتثبت من الأخبار قبل أن يحكم على الناس.ويتبين الحق من الضلال ويقول سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.فهل كنت من الصائمين أم كنت من المتهاونين ويقول ربنا تبارك وتعالى ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ).فهل استجبنا وطبقنا شرائع الاسلام كلها أم اخترنا من الاسلام ما يوافق هوانا وتركنا كثيرا من الأحكام. وقال سبحانه ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.فهل استجبنا للنداء وهل انفقنا مما رزقنا الله في سبيله وفيما يرضاه ويقول سبحانه{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى).فهل أدينا الصدقات دون أن نمن علي الفقراء بالعطاء.ويقول ربنا{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).فهل استجبنا لله ورسوله وتركنا التعامل بالربا وقلنا سمعنا واطعنا.أم.اختلقنا الأعذار وتمسحنا بالظروف.ويقول سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ).فهل استجبنا لنداء الرحمن وخالفنا أهل الكتاب أم قلدناهم في كل شيء حتى في الموضة وتسريحة الشع.ويقول سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونٍَ} فمن منا حقق درجات المتقين.وعبد ربه حتى أتاه اليقين. وقال الله ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ) فهل استجبنا للنداء أم انقلبنا على أعقابنا خاسرين.
(قصة آية) 8
وما زلنا قوله تعالى(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) وفي سنن الترمذي (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَلَى أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « يَا أُبَىُّ ». وَهُوَ يُصَلِّى فَالْتَفَتَ أُبَىٌّ وَلَمْ يُجِبْهُ وَصَلَّى أُبَىٌّ فَخَفَّفَ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ مَا مَنَعَكَ يَا أُبَىُّ أَنْ تُجِيبَنِى إِذْ دَعَوْتُكَ ». فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى كُنْتُ فِى الصَّلاَةِ. قَالَ « أَفَلَمْ تَجِدْ فِيمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَىَّ أَنِ (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) ».قَالَ بَلَى وَلاَ أَعُودُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ) في هذه الآية الكريمة يأمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بسرعة الإستجابة والأمتثال لأمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وقال الله فهل استجبتم لنداءات الرحمن لأهل الإيمان يقول الله تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) فهل استجبنا لأمر الله أم أكلنا الأموال بالرشوة والهدايا والاكرامية والغش والخداع.وقال الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ).فهل حكمنا بالقسط والعدل أم كنا من أهل الجور والضلال.وقال الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)فهل استجبنا لله ورسوله ووفينا بعقود البيع والشراء والزواج.أم كنا من الخائنين وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ) فكم مرة ذكرت نعمة الله عليك وكم مرة كنت من الشاكرين.وقال تعالى وقال الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).فهل استجبت لله ورسوله وحرمت المسكرات والقمار وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.فكم مرة أديت الأمانة وكم كنت من الخائنين. وقال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} فهلا نصرت هذا الدين وجاهدت من أجل اعلاء كلمة الحق .أم كنت من المتخاذلين.وقال الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فهل لحقت بركب العابدين الراكعين الساجدين أم كنت من المستهزئين والمفرطين.وقال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا) فهلا تعلمت آداب الاستئذان أم كنت من الذين للبيوت كاشفين وقال الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ ).وقال الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً).فهل استجبنا لله ورسوله لهذا النداء فانتهينا عن السخرية والاستهزاء بالأخرين أم أننا نسخر من الغادين والرائحين وهل نظن بالناس الخير أم السوء وأين نحن من الغيبة وأكل لحوم الناس
يقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ).فكيف حالنا في سرنا ونجوانا.وكيف حالنا في مجالسنا ونوادينا .وقال الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ) فهل نحن مستعدون للقاء رب العالمين وما ينتظرنا في يوم الين.وقال الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ).فهل استجبنا لأمر رب العالمين ولم نوال ونحب الكافرين أم كنا لهم محبين بل ومن المقربين.وقال الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ).فهلا استجبنا وكانت افعالنا تطابق أقوالنا أم كنا من الذين يقولون ما لا يفعلون. وقال الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ)وقال{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ).فهلا استجبنا لله عند النداء وتركنا البيع والشراء أم كنا من المتأخرين فلا نأتي إلا عند إقامة الصلاة.وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ).فهل استجبنا لهذا النداء ودعونا أولادنا وأزواجنا إلى طاعة الله وبصرناهم بما ينقذهم من نار الجحيم أم تركناهم بلا نصيحة فكانوا من الغاوين الهالكين ايها الموحدون
هذا هو الفهم الصحيح لقول ربنا (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )
(قصة آية) 9
مع قوله تعالى(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) يُخْبِرُ الله تبارك وتَعَالَى أَنَّ عُلَمَاءَ أَهْلِ الْكِتَاب ِمن أحبار اليهود وعلماء النصارى يعرفون صدق رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ويعرفون أن توجهه إلى البيت الحرام حق ويَعْرِفُونَ صِحّة مَا جَاءَهُمْ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ] أي كَمَا يَعْرِفُ أحدُهم وَلَدَهُ،وَيُرْوَى أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ: أَتَعْرِفُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَعْرِفُ وَلَدَكَ ابْنَكَ، قَالَ: نَعَمْ وَأَكْثَرَ، نَزَلَ الْأَمِينُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الْأَمِينِ، فِي الْأَرْضِ بِنَعْتِهِ فَعَرَفْتُهُ، وَإِنِّي لَا أَدْرِي مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ.وفي صحيح البخاري(عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضى الله عنهما قُلْتُ أَخْبِرْنِى عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى التَّوْرَاةِ.قَالَ أَجَلْ،وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِى التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِى الْقُرْآنِ يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا،وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ،أَنْتَ عَبْدِى وَرَسُولِى سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ،لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ وَلاَ سَخَّابٍ فِى الأَسْوَاقِ،وَلاَ يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا،وَقُلُوبًا غُلْفًا).وكما يقال فإن الحق ما شهدت به الأعداء .فهذا هو أبو سفيان قبل إسلامه يلتقي مع هرقل عظيم الروم ويسأله عن شأن محمد فيقر أنه نبي وأنه سوف تفتح له البلاد ففي البخاري( أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِى رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ .. فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ فَدَعَاهُمْ فِى مَجْلِسِهِ ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِى يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِىٌّ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا . فَقَالَ أَدْنُوهُ مِنِّى،وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ.ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُمْ إِنِّى سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذَبَنِى فَكَذِّبُوهُ.فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَىَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِى عَنْهُ أَنْ قَالَ كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ.قَالَ فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ قُلْتُ لاَ.قَالَ فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ لاَ.قَالَ فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَقُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ . قَالَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ قُلْتُ بَلْ يَزِيدُونَ . قَالَ فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ قُلْتُ لاَ.قَالَ فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ قُلْتُ لاَ.قَالَ فَهَلْ يَغْدِرُ قُلْتُ لاَ،وَنَحْنُ مِنْهُ فِى مُدَّةٍ لاَ نَدْرِى مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا . قَالَ وَلَمْ تُمْكِنِّى كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ.قَالَ فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ قُلْتُ نَعَمْ.قَالَ فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ قُلْتُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ.قَالَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ قُلْتُ يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ،وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا،وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ.فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ قُلْ لَهُ سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ،فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِى نَسَبِ قَوْمِهَا،وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِى بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ،وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، قُلْتُ فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ ، وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ ، وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ،وَكَذَلِكَ أَمْرُ الإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ،وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ،وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدِرُ،وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ،وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا،وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ،وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ.فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَىَّ هَاتَيْنِ،وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ،لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ ، فَلَوْ أَنِّى أَعْلَمُ أَنِّى أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ .ثُمَّ دَعَا هرقل بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم… فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ.سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى،أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّى أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ ، يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ،فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ وَ(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ،وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ،وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا،فَقُلْتُ لأَصْحَابِى حِينَ أُخْرِجْنَا لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِى كَبْشَةَ ، إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِى الأَصْفَرِ.فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَىَّ الإِسْلاَمَ…. …..فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِى دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ ، ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الرُّومِ ، هَلْ لَكُمْ فِى الْفَلاَحِ وَالرُّشْدِ وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِىَّ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ وَأَيِسَ مِنَ الإِيمَانِ قَالَ رُدُّوهُمْ عَلَىَّ .وَقَالَ إِنِّى قُلْتُ مَقَالَتِى آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ ، فَقَدْ رَأَيْتُ.فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ ) ثُمَّ أَخْبَرَ الله تَعَالَى أَنَّهُمْ مَعَ هَذَا التَّحَقُّقِ من صفاته إلا أنهم {لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ} أَيْ: يحجبون عن النَّاس مَا فِي كُتُبِهِمْ مِنْ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَهُمْ يَعْلَمُونَ}
(قصة آية) 10
مع قوله تعالى ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) فأمة الإسلام هي الأمة الوسط .هي الأمة المعتدلة .الأمة الشاهدة على جميع الأمم قبلها.ففي البخاري(عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « يَجِىءُ نُوحٌ وَأُمَّتُهُ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى هَلْ بَلَّغْتَ فَيَقُولُ نَعَمْ ، أَىْ رَبِّ . فَيَقُولُ لأُمَّتِهِ هَلْ بَلَّغَكُمْ فَيَقُولُونَ لاَ ، مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِىٍّ.فَيَقُولُ لِنُوحٍ مَنْ يَشْهَدُ لَكَ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَأُمَّتُهُ ، فَنَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ ، وَهْوَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ ». فبين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الوسطية تعني العدل وتعني الإستقامة وعدم الميل وكذا الإعتدال في الدين فلا إفراط ولا تفريط كما في مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِى الدِّينِ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِى الدِّينِ »ووسطية الإسلام تشمل نواحي متعددة أولهاوسطية في العقيدة، قال تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ}.ووسطية في الأخلاق والسلوك، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} ووسطية في التشريع، قال تعالى{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}. ووسطية في العبادات.ففي البخاري ( جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ.قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّى أُصَلِّى اللَّيْلَ أَبَدًا.وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ.وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا.فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ « أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّى لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّى أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصَلِّى وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِى فَلَيْسَ مِنِّى » وفي رواية لمسلم (أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَمَلِهِ فِى السِّرِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ آكُلُ اللَّحْمَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ. فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ. فَقَالَ « مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا لَكِنِّى أُصَلِّى وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِى فَلَيْسَ مِنِّى » وفي صحيح البخاري (آخَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ سَلْمَانَ،وَأَبِى الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ،فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنُكِ قَالَتْ أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِى الدُّنْيَا.فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا.فَقَالَ كُلْ.قَالَ فَإِنِّى صَائِمٌ قَالَ مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ.قَالَ فَأَكَلَ.فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ.قَالَ نَمْ.فَنَامَ ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ.فَقَالَ نَمْ.فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ قُمِ الآنَ.فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا،وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا،فَأَعْطِ كُلَّ ذِى حَقٍّ حَقَّهُ فَأَتَى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ،فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «صَدَقَ سَلْمَانُ » فالاسلام هو دين الوسطية والإعتدال.أما اليهودية فهي تميل الى المادية الصرفة فكانت وما تزال ترى أن المال هو الغاية وأن المادة هي الهدف الأسمى.ولذا فهي حريصة على الحياة المادية أكثر من كل شيء.حتى إن عيسى عليه السلام كان يخاطبهم قائلاً(لا تعبدوا ربين: الله والمال) ويقول تعالى مخاطبا اليهود {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ويقول سبحانه{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} أما النصرانية فقد بالغت في الجانب الروحي بدعوة الزهد والترهبن قال تعالى{وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}.أما الإسلام فقد جمع بين المادة والروح ويهدي الناس إلى أقوم السبل وأعدل الطرق وهو سبيل الوسط بين المادة والروح ليعطي كل ذي حق حقه، قال تعالى{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}،وقال سبحانه {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}،وقال تعالى {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) فالوسطية في الإسلام شاملة لكل قضايا الإنسان ففي مجال العقيدة نجد أن اليهودية والمسيحية بالغت في تحريف عقيدة التوحيد، وادعوا ما ليس من حقهم، قال تعالى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ)فلما جاء الإسلام بالوسطية والإعتدال جاء بعقيدة التوحيد الخالص وخاطب اليهود والنصارى ودعاهم إلى تصحيح معتقداتهم وعبادة الله وحده قال تعالى{ قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا
مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ )
أيها الموحدون لقد جاء الإسلام بالتيسير والسماحةِ والرِّفق ورفعِ الحرَج أو الحنيفيّة السَّمحة، كما قال النبيّ لأميرَيه معاذٍ وأبي موسى الأشعريّ رضي الله عنهما لمّا بعثهما إلى اليمَن: ففي البخاري(أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى الْيَمَنِ قَالَ « يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا ، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا ، وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا »ويقول ابنُ القيم رحمه الله(فما أمرَ الله بأمرٍ إلاَّ وللشّيطان فيه نزغتان؛ إمّا إلى تفريط وإضاعة، وإمّا إلى إفراطٍ وغلوّ، ودينُ الله وسَطٌ بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين جبَلين والهدَى بين ضلالتين والوسطِ بين طرفين ذميمين)
(قصة آية) 11
مع قال تعالى (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ). في هذه الآية الكريمة يأمر الله عباده المؤمنين بالنفقة في سبيل الله وألا يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة بترك النفقة والجهاد في سبيل الله .وفي سنن أبي داود (عَنْ أَسْلَمَ أَبِى عِمْرَانَ قَالَ : غَزَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ نُرِيدُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَالرُّومُ مُلْصِقُو ظُهُورِهِمْ بِحَائِطِ الْمَدِينَةِ فَحَمَلَ رَجُلٌ عَلَى الْعَدُوِّ فَقَالَ النَّاسُ : مَهْ مَهْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يُلْقِى بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ : إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ لَمَّا نَصَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَأَظْهَرَ الإِسْلاَمَ قُلْنَا : هَلُمَّ نُقِيمُ فِى أَمْوَالِنَا وَنُصْلِحُهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَنْفِقُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فَالإِلْقَاءُ بِالأَيْدِى إِلَى التَّهْلُكَةِ أَنْ نُقِيمَ فِى أَمْوَالِنَا وَنُصْلِحَهَا وَنَدَعَ الْجِهَادَ.)وفي رواية في سنن الترمذي بسند حسن (قَالَ كُنَّا بِمَدِينَةِ الرُّومِ فَأَخْرَجُوا إِلَيْنَا صَفًّا عَظِيمًا مِنَ الرُّومِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُهُمْ أَوْ أَكْثَرُ وَعَلَى أَهْلِ مِصْرَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ فَصَاحَ النَّاسُ وَقَالُوا سُبْحَانَ اللَّهِ يُلْقِى بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِىُّ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الآيَةَ هَذَا التَّأْوِيلَ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ لَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ الإِسْلاَمَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ سِرًّا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَزَّ الإِسْلاَمَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ فَلَوْ أَقَمْنَا فِى أَمْوَالِنَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا قُلْنَا (وَأَنْفِقُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فَكَانَتِ التَّهْلُكَةُ الإِقَامَةَ عَلَى الأَمْوَالِ وَإِصْلاَحَهَا وَتَرَكْنَا الْغَزْوَ فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوبَ شَاخِصًا فِى سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى دُفِنَ بِأَرْضِ الرُّومِ ).وقَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: إِنْ حملتُ عَلَى الْعَدُوِّ وَحْدِي فَقَتَلُونِي أَكُنْتُ ألقيتُ بِيَدِي إِلَى التَّهْلُكَةِ؟ قَالَ: لَا .قَالَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ} وَلَكِنَّ التَّهْلُكَةَ أَنْ يُذْنِبَ الرجلُ الذنبَ، فَيُلْقِي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَلَا يَتُوبُ) ويدخل في عموم هذه الآية ألا يلقي الإنسان بنفسه في المخاطر كأن يعرض نفسه للأمراض أو يعرض نفسه للمهالك إلا ما استثناه أهل العلم من المخاطرة في الجهاد التي تحصل بها نكاية في العدو أو كلمة الحق عند السلطان الجائر؛ لما في ذلك من النفع العظيم، كما في سنن الترمذي(عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ ».ومن أسباب الهلكة الإنشغال بالدنيا والغفلة ونسيان الآخرة ففي سنن الترمذي (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فَقَدِمَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ وَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِى عُبَيْدَةَ فَوَافَوْا صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ فَتَعَرَّضُوا لَهُ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَآهُمْ ثُمَّ قَالَ « أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَىْءٍ ». قَالُوا أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّى أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ »وأيضا في صحيح مسلم(إِنِّى لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِى وَلَكِنِّى أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا وَتَقْتَتِلُوا فَتَهْلِكُوا كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ »
ومن أسباب التهلكة كثرة الاختلاف في الدين ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ « أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا ». فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلاَثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم« لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ثُمَّ قَالَ ذَرُونِى مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَىْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَىْءٍ فَدَعُوهُ ».وفي مسلم (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ هَجَّرْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا قَالَ فَسَمِعَ أَصْوَاتَ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِى آيَةٍ فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْرَفُ فِى وَجْهِهِ الْغَضَبُ فَقَالَ«إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلاَفِهِمْ فِى الْكِتَابِ »وفي مسند الإمام احمد(صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « أَتَانِى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ أُمَّتَكَ مُخْتَلِفَةٌ بَعْدَكَ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ فَأَيْنَ الْمَخْرَجُ يَا جِبْرِيلُ قَالَ فَقَالَ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ يَقْصِمُ اللَّهُ كُلَّ جَبَّارٍ مَنِ اعْتَصَمَ بِهِ نَجَا وَمَنْ تَرَكَهُ هَلَكَ مَرَّتَيْن قَوْلٌ فَصْلٌ وَلَيْسَ بِالْهَزْلِ لاَ تَخْتَلِقُهُ الأَلْسُنُ وَلاَ تَفْنَى أَعَاجِيبُهُ فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَفَصْلُ مَا بَيْنَكُمْ وَخَبَرُ مَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُمْ ».ومن أسباب الهلكة الشح والبخل عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ « إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالشُّحِّ أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخَلُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا ».ومن أسباب الهلاك التنطع في الدين ومعنى التنطع أي المبالغة والتعمق في الدين ففي سنن أبي داود (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ«َلاَ هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ ».ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.).ومن أسباب الهلاك عدم تبليغ العلم وأنقطاعه كما في سنن الدارمي(عَنْ سَلْمَانَ قَالَ:لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا بَقِىَ الأَوَّلُ حَتَّى يَتَعَلَّمَ أَوْ يُعَلِّمَ الآخِرَ فَإِذَا هَلَكَ الأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ يُعَلِّمَ أَوْ يَتَعَلَّمَ الآخِرُ هَلَكَ النَّاسُ).وفيه ايضا (حَدَّثَنَا هِلاَلٌ قَالَ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قُلْتُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا عَلاَمَةُ هَلاَكِ النَّاسِ؟ قَالَ إِذَا هَلَكَ عُلَمَاؤُهُمْ) أيها المسلمون اعملوا بهذه الآية في حياتكم فلا تلقوا بأيديكم الى التهلكة وتجنبوا الأسباب التي تؤدي إليها وكونوا من المحسنين كما قال ربنا (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
(قصة آية) 12
مع قوله تعالى(لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)والمعنى لن تنالوا أيها المتصدقون البر(والبر هو الخير.وأعلى درجات الخير هي الجنة) فلَنْ تَنالُوا الْبِرَّ ولن تبلغوا حقيقة البرّ، ولن تكونوا أبراراً .ولن تنالوا الجنة وتتنعموا بما فيها وتبلغوا درجاتها حتى تنفقوا من أفضل أموالكم ونفيسها وأجودها وأحسنها في سبيل الله وطلبا لرضاه.لذا فقد فهم الصحابة معنى الآية وسارعوا في تطبيقها تطبيقا عمليا ففي البخاري(أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضى الله عنه يَقُولُ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ ، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ،وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ(لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.ِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ(لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِى إِلَىَّ بَيْرُحَاءَ،وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ،فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ .قَالَ.فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم« بَخْ ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ،ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّى أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِى الأَقْرَبِينَ ».فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِى أَقَارِبِهِ وَبَنِى عَمِّهِ وجاء زيد ابن حارثة بفرس له كان يحبها فقال:هذه في سبيل اللَّه، فحمل عليها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أسامة بن زيد، فكأن زيداً وجد في نفسه وقال:إنما أردت أن أتصدق به.فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:أما إن اللَّه تعالى قد قبلها منك وكتب عمر رضى اللَّه عنه إلى أبى موسى الأشعرى أن يبتاع له جارية من سبى جلولاء يوم فتحت مدائن كسرى، فلما جاءت أعجبته فقال:إن اللَّه تعالى يقول(لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) فأعتقها ونزل بأبى ذرّ ضيف فقال للراعي ائتني بخير إبلى فجاء بناقة مهزولة.فقال:خنتني قال:وجدت خير الإبل فحلها،فذكرت يوم حاجتكم إليه فقال:إنّ يوم حاجتي إليه ليوم أوضع في حفرتي.وقرأ عبد اللَّه:(حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ).فلن تنالوا الخير الكامل الذى تطلبونه ويرضاه الله تعالى، إلا إذا بذلتم مما تحبون وأنفقتموه فى سُبُل الله المتنوعة، وإن كان الذى تنفقونه قليلا أو كثيراً، نفيساً أو غيره، فإن الله يعلمه لأنه العليم الذى لا يخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء.وفي السنن(عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ رضى الله عنه قَالَ جَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أَصَبْتُ مَالاً لَمْ أُصِبْ مِثْلَهُ قَطُّ كَانَ لِى مِائَةُ رَأْسٍ فَاشْتَرَيْتُ بِهَا مِائَةَ سَهْمٍ مِنْ خَيْبَرَ مِنْ أَهْلِهَا وَإِنِّى قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَتَقَرَّبَ بِهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.قَالَ « فَاحْبِسْ أَصْلَهَا وَسَبِّلِ الثَّمَرَةَ ».ومعنى سبل أي اجعلها فى سبيل الله وقال الحسن البصرى (إنكم لن تنالوا ما تحبون إلا بترك ما تشتهون،ولا تدركون ما تؤملون إلا بالصبر على ما تكرهون) أيها المؤمنون عليكم بالإنفاق في سبيل الله وأكثروا من الصدقات فإن من ثمار الصدقات أنها تستر بها العورات، وتفرج بها الكربات، وتدفع بها الشدائد، فكم من صدقة دَفعت عن صاحبها أبوابا من البلايا، وكم من صدقة رحم الله بها معذبا، وفرّج بها عن المهموم همومه فإذا عظمت على الإنسان ذنوبه،وكثرت منه خطاياه وعيوبه،فما عليه إلا أن يكثر من الصدقات رجاء أن يرحمه الله بها.ولكي يتقبل الله صدقتك ينبغي أن تراعي أمورا أولها أن تخلص الصدقة لله:،قال تعالى (وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) فإنك إن لم تقصد وجه الله وقصدت بها الرياء والسمعة لم تقبل منك،
ومن شروط قبول الصدقة أن تتخير الأجود من الحلال الطيب الذي تحبه فتنفقه قال تعالى(لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)وفي صحيح مسلم(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم«أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا )وعن سعيد بن هلال أن ابن عمر رضي الله عنهما نزل الجحفة وهو مريض فاشتهى سمكا، فلم يجدوا إلا سمكة واحدة، فلما قربت إليه أتى مسكين حتى وقف عليه، فقال له ابن عمر: خذها، فقال له أهله: سبحان الله! قد عنيتنا ومعنا زاد نعطيه. فقال: إن عبد الله يحبه!!ووقف سائل على باب الربيع فقال: أطعموه سكراً فقالوا: ما يصنع هذا بالسكر؟ نطعمه خبزا أنفع له قال: ويحكم أطعموه سكرا فإن الربيع يحب السكر!!ومن شروط قبول الصدقة أن تقدم ذوي الحاجة من أقربائك وذوي رحمك،ففي مسند الامام أحمد (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم« الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَهِىَ عَلَى ذِى الْقَرَابَةِ اثْنَتَانِ صِلَةٌ وَصَدَقَةٌ »ومنها أن تتحرى بصدقتك أهل الدين الذين يستعينون بهذه الصدقة على طاعة الله،ولا ينفقونها في معصيته فتكون معاونا لهم على المعصية والإثم.ومن شروط قبول الصدقة أن تسر بصدقتك ما استطعت، إلا إذا كان في إعلانها مصلحة راجحة فأعلنها،قال تعالى (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)وذكر من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله« وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ»وعليك أخي المتصدق أن تتصدق بما سهل عليك وإن كان قليلا، المهم أن لا ترد السائل ولو بأيسر شئ، فعن جابر رضى الله عنه(يَقُولُ مَا سُئِلَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَىْءٍ قَطُّ فَقَالَ لاَ وعليك أخي أن تعود نفسك على الصدقة ولو كنت فقيرا، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ « جَهْدُ الْمُقِلِّ وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ». أي صدقه الفقير.أما عن جزاء المتصدقين فموعدنا في اللقاء القادم
(قصة آية) 13
ونواصل حديثنا عن قوله تعالى(لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ).وحديثنا اليوم إن شاء الله عن ثمرة الصدقات وجزاء المتصدقين فللإنفاق في سبيل الله والصدقة ثمرة وجزاء في الدنيا والآخرة من أعظمها وأجلها رحمة الله لك، وغفرانه لسيئاتك: فعن أبي هريرة أن النبي قال:(غُفِرَ لإمْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ -بئر- يَلْهَثُ، كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنَ الْمَاءِ فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ)رواه البخاري.فلقد غفر الله لهذه المرأة البغي من بغايا بني إسرائيل، لأنها سقت كلبا شربة ماء، وإذا كان هذا في كلب بهيم فكيف بمن يسقي إنسانا يذكر الله تعالى؟! كيف بمن يفرج همَّ بيت من بيوت المسلمين،فلذلك أول ما يجنيه الإنسان من الصدقة رحمة الله عز وجل به.وأما الخصلة الثانية التي تجنيها من صدقتك فهي محبة الناس ودعاؤهم لك:فإن القلوب فطرت على حب من أحسن إليها، وكم من أناس أنفقوا أموالهم في الطاعات ماتوا وكأنهم لا زالوا في الناس أحياء،وكم من أناس أنفقوا لوجه الله ما زالت الناس تذكرهم بصالح الدعوات،حتى بعد وفاتهم ومماتهم، فالله عز وجل يجعل لأهل الصدقات من حسن الذكر وجميله الشيء الكثير. وأما الخصلة الثالثة التي تجنيها من الصدقات: فهي أنها تدفع النار عنك يوم القيامة:فعن عدي بن حاتم عن النبي أنه قال(اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ، ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ثَلاَثًا، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ) رواه البخاري.وفي صحيح مسلم(عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ جَاءَتْنِى مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا فَأَطْعَمْتُهَا ثَلاَثَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِى كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا فَأَعْجَبَنِى شَأْنُهَا فَذَكَرْتُ الَّذِى صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ«إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ»ومن ثمرات الصدقات:أنها تظلك يوم القيامة وتحول بينك وبين حر الشمس حينما تدنو من رؤوس العباد،كما جاء في الحديث الصحيح أن النبي قال(كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ، أَوْ قَالَ يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ، قَالَ يَزِيدُ:وَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لَا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ إِلَّا تَصَدَّقَ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَلَوْ كَعْكَةً أَوْ بَصَلَةً أَوْ كَذَا)رواه الإمام أحمد.ومن ثمرات الصدقات:أنها تدخلك الجنة من باب الصدقة، كما قال النبي(وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ)متفق عليه ومن ثمرات الصدقات أن الله يضاعف لك أجرها إلى سبعمائة ضعف يوم القيامة روى مسلم عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىِّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ فَقَالَ هَذِهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم« لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُمِائَةِ نَاقِةٍ كُلُّهَا مَخْطُومَةٌ».وعن أبي هريرة أن النبي قال(مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ- فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ -صغير الخيل- حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ)رواه البخاري] وإذا كان الله تعالى قد رغب في الإنفاق، فقد حذر من البخل والإمساك، وأخبر أن الممسكين عن الإنفاق سيندمون في ساعة لا ينفع فيها الندم، وهم على فراش الموت قادمين على الله تعالى، روى الترمذي عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس قال: (مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يُبَلِّغُهُ حَجَّ بَيْتِ رَبِّهِ، أَوْ تَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَمْ يَفْعَلْ يَسْأَلِ الرَّجْعَةَ عِنْدَ الْمَوْتِ) فَقَالَ رَجُلٌ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ اتَّقِ اللَّهَ، إِنَّمَا يَسْأَلُ الرَّجْعَةَ الْكُفَّارُ، قَالَ: سَأَتْلُو عَلَيْكَ بِذَلِكَ قُرْآنًا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) وحتى لا نقع في الحسرة والندم في ساعة لا ينفع فيها الندم ،تصدقوا قبل أن لا تقبل صدقاتكم ففي البخاري (صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « تَصَدَّقُوا ، فَسَيَأْتِى عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يَمْشِى الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَيَقُولُ الرَّجُلُ لَوْ جِئْتَ بِهَا بِالأَمْسِ لَقَبِلْتُهَا مِنْكَ ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلاَ حَاجَةَ لِى فِيهَا » وفي البخاري عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ فِى ظِلِّ الْكَعْبَةِ « هُمُ الأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ، هُمُ الأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ » قُلْتُ مَا شَأْنِى أَيُرَى فِىَّ شَىْءٌ مَا شَأْنِى فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ وَهْوَ يَقُولُ ، فَمَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَسْكُتَ ، وَتَغَشَّانِى مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَقُلْتُ مَنْ هُمْ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « الأَكْثَرُونَ أَمْوَالاً ، إِلاَّ مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا » . وقال سلمان الفارسي: إذا مات السخي قالت الأرض والحفظة: رب تجاوز عن عبدك في الدنيا بسخائه، وإذا مات البخيل قالت: اللهم احجب هذا العبد عن الجنة كما حجب عبادك عما في يديه من الدنيا. – وفي صحيح مسلم (عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَقْرَأُ (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) قَالَ « يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِى مَالِى قَالَ – وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ ».
(قصة آية) 14
مع قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) والمعنى أن هناك صنفا من الناس دَخَلَ فِي الدِّينِ عَلَى حرف .أي على طَرَف فلم يتمكن الاسلام من قلبه، فَإِنْ وَجَدَ مَا يُحِبُّهُ من متاع الدنيا استمر واسْتَقَرَّ ،وإن لم يجد ما يلبي شهواته ورغباته ترك دينه وكفر فهذا الصنف من الناس لم يتمكن الإيمان من قلبه، بل هو مزعزع العقيدة، تتحكم مصالحه فى إيمانه، فإن أصابه خير فرح به واطمأن، وإن أصابته شدة فى نفسه أو في ماله أو في ولده ارتد إلى الكفر، فخسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران الحقيقى الواضح المبين وفي صحيح البخاري(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قَالَ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ ) قَالَ كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ الْمَدِينَةَ ، فَإِنْ وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلاَمًا ، وَنُتِجَتْ خَيْلُهُ قَالَ هَذَا دِينٌ صَالِحٌ . وَإِنْ لَمْ تَلِدِ امْرَأَتُهُ وَلَمْ تُنْتَجْ خَيْلُهُ قَالَ هَذَا دِينُ سُوءٍ)..وهكذا ينظر بعض الناس إلى الدين .ينظر إليه على أنه رغد في العيش وسعة في الرزق يجلب النفع، ويدر الضرع، وينمي الزرع، ويربح التجارة، ويكفل الرواج. فإذا أصابه ما يكره لم يصبر عليه، ونكص على عقبيه وخسر دينه ودنياه .والتعبير القرآني «عَلى حَرْفٍ» يعني غير متمكن من العقيدة، ولا متثبت في العبادة. والله يريدك أيها المؤمن عبداً له في الخير وفي الشر، في السراء وفي الضراء، فكلاهما فتنة واختبار، وما آمنتَ بالله إلا لأنك علمتَ أنه الإله الحق وأنه حكيم عادل قادر، ولا بد أنْ تأخذ ما يجري عليك من أحداث في ضوء هذه الصفات.فإنْ أثقلتْك الحياة وأصابك منه ما تكره فاعلم أن وراء هذا حكمة .فلا بُدَّ أنْ تؤمن بحكمة ربك في كل ما يُجريه عليك، سواء أكان نعيماً أو بُؤْساً، سواء ما يسعدك أو ما يحزنك .ونسأل الله أن يرضينا بقضائه وأن يرزقنا شكر نعمائه.
والآية الكريمة تحذرنا من ضعف الإيمان وركاكته .وتحثنا على تقوية الإيمان وتثبيته .فضعف الإيمان ظاهرة منتشرة بين المسلمين وكثيرا ما نسمع هذه العبارات(أحس بقسوة في قلبي) (لا أجد لذة للعبادات)(أشعر أن إيماني في نقص) ( لا أتأثر بقراءة القرآن ) (أقع في المعصية بسهولة)(أتكاسل عن الطاعات والعبادات)(لا أغضب إذا انتهكت محارم الله)(يشرد ذهني أثناء الصلاة وتلاوة القرآن)(لا أستطيع تدبر القرآن وفهم معانيه).( كثيرا ما أغفل عن ذكر الله) وهذه كلها من علامات ضعف الإيمان ولضعف الإيمان أسباب منهاالبعد عن الأجواء الإيمانية ، من حضور مجالس الذكر ، والصلاة في جماعة ، ومجالسة الصالحين ، يقول الحسن البصري: “إخواننا عندنا أغلى من أهلينا ، أهلونا يذكروننا الدنيا ، وإخواننا يذكروننا الآخرة”.ومنها فقدان القدوة الصالحة ، لذلك لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم قال الصحابة رضي الله عنهم:”فأنكرنا قلوبنا” ومنها الاختلاط بأهل الفسق والفجور وكذلك الانشغال الشديد بأمور الدنيا ومنهاطول الأمل الإفراط في المباحات من أكل،وشرب ونوم وكلام أما وسائل تقوية الايمان الإيمان يزيد وينقص يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي والموبقات ومن أسباب تقوية الإيمان معرفة الله تبارك وتعالى بأسمائه وصفاته وتلاوة القرآن وتدبره ومعرفة النبى صلى الله عليه وسلم و سيرته و معجزاته والتفكر فى خلق الله والإكثار من النوافل وذكر الله تعالى والقرب من بيئة الطاعة
إخوة الاسلام
والذي يعبد الله على حرف يكون عرضة للإرتداد عن دينه وتكون خاتمته سيئة.وقد تأثرت بهذه القصة التي أوردها الإمام القرطبي في كتابه (التذكرة)حيث جاء فيه(أنه كان بمصر رجل ملتزم مسجداً للأذان والصلاة. وعليه بهاء العبادة وأنوار الطاعة، فرقي يوماً المنارة على عادته للأذان،وكان تحت المنارة دار لنصراني ذمي،فاطلع فيها فرأى ابنة صاحب الدار، فافتتن بها وترك الأذان، ونزل إليها ودخل الدار فقالت له: ما شأنك ما تريد؟ فقال:أنت أريد.قالت:لماذا؟قال لها قد سلبت لبي وأخذت بمجامع قلبي قالت لاأجيبك إلى ريبة.قال لها أتزوجك قالت له: أنت مسلم وأنا نصرانية وأبي لا يزوجني منك قال لها:أتنصر.قالت إن فعلت أفعل. فتنصر ليتزوجها، وأقام معها في الدار.فلما كان في أثناء ذلك اليوم رقي إلى سطح كان في الدار فسقط منه فمات، فلا هو بدينه نجا ولا هو بها استمتع).وصدق رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حيث يقول كما في صحيح مسلم « إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ
(قصة آية) 15
موعدنا اليوم إن شاء اللهمع قوله تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ).والمعنى ثم جعلنا هذا القرآن الذى أوحيناه إليك يا محمد ميراثاً منك لأمتك ، التى اصطفيناها على سائر الأمم،وجعلناها أمة وسطا.وقد أورثنا أمتك هذا الكتاب لتنتفع بهداياته.وتسترشد بتوجيهاته وتعمل بأوامره ونواهيه .والمؤمنون من أمتك يا محمد ليسوا على درجة واحدة ، ولكن.منهم ضعيف الإيمان ظالم لنفسه ، ومنهم متوسط الإيمان مقتصد،ومنهم قوي الإيمان سابق لغيره بفعل الخيرات .وذلك هو الفوز الكبير تبين لنا الآية الكريمة أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أهل القرآن على ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ فانظر من أي الأنواع أنت {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} وهذا هو الصنف الأول:مؤمن مُفَرِّطُ فِي فِعْلِ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ، الْمُرْتَكِبُ لِبَعْضِ الْمُحَرَّمَاتِ {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} وهذا هو الصنف الثاني:وهو الْمُؤَدِّي لِلْوَاجِبَاتِ، التَّارِكُ لِلْمُحَرَّمَاتِ،{وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} وهذا هو الصنف الثالث وهو أعلاها قدرا وأعظمها أجرا وَهُوَ: الْفَاعِلُ لِلْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ، التَّارِكُ لِلْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ .وجاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)، قَالَ: هُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَّثهم اللَّهُ كُلَّ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ، فَظَالِمُهُمْ يُغْفَر لَهُ بشفاعة الشافعين، وَمُقْتَصِدُهُمْ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا، وَسَابِقُهُمْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ.وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: السَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَالْمُقْتَصِدُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ،وَالظَّالِمُ لِنَفْسِهِ وَأَصْحَابُ الْأَعْرَافِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويصدق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (شَفَاعَتِى لأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِى).وفي مسند الْإِمَام أَحْمَد:عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،.رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:”قَالَ اللَّهُ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ}فَأَمَّا الَّذِينَ سَبَقُوا فَأُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ،وَأَمَّا الَّذِينَ اقْتَصَدُوا فَأُولَئِكَ.يُحَاسِبُونَ حِسَابًا يسيرا،وأما الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ يُحْبَسُونَ فِي طُولِ الْمَحْشَرِ، ثُمَّ هُمُ الَّذِينَ تَلَافَاهُمْ بِرَحْمَتِهِ، فَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ).وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ صُهْبَان الهُنَائي قَالَ:سَأَلْتُ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،عَنْ قَوْلِ الله:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} الْآيَةَ، فَقَالَتْ لِي: يَا بُنَيَّ، هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّةِ، أَمَّا السَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ فَمَنْ مَضَى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،، شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَيَاةِ وَالرِّزْقِ، وَأَمَّا الْمُقْتَصِدُ فَمَنِ اتَّبَعَ أَثَرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى لَحِقَ بِهِ، وَأَمَّا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ فَمِثْلِي وَمِثْلُكُمْ. قَالَ: فَجَعَلَتْ نَفْسَهَا مَعَنَا.وَهَذَا مِنْهَا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، مِنْ بَابِ الهَضْم وَالتَّوَاضُعِ، وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ أَكْبَرِ السَّابِقَيْنِ بِالْخَيْرَاتِ؛ لِأَنَّ فَضْلَهَا عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ.
أمة الاسلام
إعلموا أن أمتكم أمة مفضلة على كل الأمم وقد اختصها الله تبارك وتعالى بالعطايا والمنح والجوائز ما لم يعط لغيرها من الأمم وفي البخاري(عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُوتِىَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ عَجَزُوا ، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِىَ أَهْلُ الإِنْجِيلِ الإِنْجِيلَ فَعَمِلُوا إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ ، ثُمَّ عَجَزُوا ، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا ثُمَّ أُوتِينَا الْقُرْآنَ فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَأُعْطِينَا قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ،فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ أَىْ رَبَّنَا أَعْطَيْتَ هَؤُلاَءِ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ وَأَعْطَيْتَنَا قِيرَاطًا قِيرَاطًا،وَنَحْنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلاً،قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَىْءٍ قَالُوا لاَ، قَالَ فَهْوَ فَضْلِى أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ »وفي رواية (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالاً فَقَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِى إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ ، ثُمَّ عَمِلَتِ النَّصَارَى عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ ، ثُمَّ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَعْمَلُونَ مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغَارِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ،فَغَضِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلاً وَأَقَلُّ عَطَاءً،قَالَ هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا قَالُوا لاَ.فَقَالَ فَذَلِكَ فَضْلِى أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ »
وعن عمر بن الخطاب أنه قال ألا أن سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له. وعن كعب، قال: يلوموني أحبار بني إسرائيل أني دخلت في أمة فرقهم الله تعالى أولاً ثم جمعهم فأدخلهم الجنة جميعاً، ثم تلا هذه الآيات (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) أيها المسلمون ثم بين الحق تبارك وتعالى جزاء الأصناف الثلاثة ممن أورثوا الكتاب فقال وقوله الحق(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ)
أيها المؤمنون كونوا من المسارعين إلى القربات والسابقين في الخيرات بطاعة رب الأرض والسموات فيكون الجزاء جنة عرضها الأرض والسموات ففي البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ نُودِىَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ،هَذَا خَيْرٌ.فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ،وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ »
(قصة آية) 16
مع قوله تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)ففي هذه الآية الكريمة يؤدَّبَ اللَّهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بأدب التعامل مع الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّوْقِيرِ وَالِاحْتِرَامِ وَالتَّبْجِيلِ فَقَالَ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) ويؤيد ذلك ما جاء في البخاري (أن عَبْد اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِى تَمِيمٍ عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَمِّرِ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ . قَالَ عُمَرُ بَلْ أَمِّرِ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا أَرَدْتَ إِلاَّ خِلاَفِى . قَالَ عُمَرُ مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ .فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فَنَزَلَ فِى ذَلِكَ(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)ومن معاني(لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أي(لَا تتسْرعُوا فِي الأحكام والفتاوى قَبْلَ رسول الله، بَلْ كُونُوا تَبَعًا لَهُ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ.ولَا تَقُولُوا خِلَافَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ولَا تَقْضُوا أَمْرًا دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ شَرَائِعِ دِينِكُمْ.فالله يقول الحق ويهدي السبيل.وفي هذه القصة التى وردت في البخاري خير دليل(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ لَمَّا حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الطَّائِفَ فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا قَالَ « إِنَّا قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ».فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا نَذْهَبُ وَلاَ نَفْتَحُهُ وَقَالَ مَرَّةً نَقْفُلُ فَقَالَ « اغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ » فَغَدَوْا فَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ فَقَالَ « إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ ».فَأَعْجَبَهُمْ.فَضَحِكَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم).نعم.(لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) فخافوا الله في قولكم وفعلكم أن يخالَف أمر الله ورسوله، وعليكم بالاقتداء والاتباع ، وإياكم والابتداع فإن الله سميع لأقوالكم، عليم بنياتكم وأفعالكم.وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَاسًا كَانُوا يَقُولُونَ: لَوْ أُنْزِلَ فِي كَذَا كَذَا، لَوْ صُنِعَ كَذَا، فَكَرِهَ اللَّهُ ذَلِكَ ودعاهم ألا يقدموا بين يدي الله ورسوله.وقال الحسن: هم قوم نحروا قبل أن يصلي النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم( أي صلاة عيد الأضحى)، فأمرهم النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يعيدوا الذبح.
أيها المؤمنون
لن يعظم الله تعالى من لم يعظم أمره سبحانه، ولن يوقره تعالى من لم يوقر شريعته عز وجل، ولن يقدره حق قدره من لا يستسلم لحكمه، ولا يخضع لشرعه. ومن حكَّم أهواء الناس على الشرع فهو جاهل بربه مغتر ببشر مثله .والآية تدعوا المؤمنين الى تعظيم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو هريرة «يَا ابْنَ أَخِي، إِذَا سَمِعْتَ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَضْرِبْ لَهُ مَثَلًا» رواه الترمذي فالمؤمن إذا سمع قول الله أو قول رسوله فعليه ألا يقدم رأيه على حكم الله ورسوله وفي صحيح مسلم (قال سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ«لاَ تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا ». قَالَ فَقَالَ بِلاَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ. قَالَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ وَقَالَ أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَقُولُ وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ).وفي صحيح البخاري (أن عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم « الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِى إِلاَّ بِخَيْرٍ » فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ مَكْتُوبٌ فِى الْحِكْمَةِ إِنَّ مِنَ الْحَيَاءِ وَقَارًا وَإِنَّ مِنَ الْحَيَاءِ سَكِينَةً . فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتُحَدِّثُنِى عَنْ صَحِيفَتِكَ) كيف لا والحق تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)
وقد يقدم الكثير من الناس اليوم بين يدي الله ورسوله بعلم أو بجهل ويعرضوا بذلك أنفسهم للعقاب فمن التقدُّم بين يدي الله ورسوله البدع بجميع أنواعها، لقوله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا }. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ » ومن البدع التي نراها حولنا بناء المساجد على القبور وقراءة القرآن عند الأموات والإستغاثة بغير الله والنذر لغير الله والحلف بغير الله والإسراف في زينة المساجد وخروج النساء متبرجات .واختلاط الرجال بالنساء وسماع الأغاني والمزامير والتغني بقراءة القرآن والذبح للأموات والقطعية والأربعين والحولية والبناء فوق القبور والطواف حولها وغيرها الكثير والكثير فكل من يفعل ذلك فهو مبتدع في الدين ويقدم بين يدي الله ورسوله ويخالف الكتاب والسنة فالحذر الحذر
(قصة آية) 17
مع قوله تعالى(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ. لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا .أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) أيها المؤمنون هناك الكثير من الناس غرتهم الحياة الدنيا وألهتهم المعاصي فراحوا يجمعون الأموال بطرق محرمة وبأساليب رخيصة إنهم يجمعون الأموال ببيع اللهو الفاضح والغناء المحرم الفاحش.فهذه المغنية أو ذاك المغني الذي يلهي الناس بغنائه عن ذكر الله ويتاقاضى على ذلك أجرا كبيرا فهو آثم ومكسبه حرام لأنه تسبب في إفساد البلاد والعباد فهو يضلهم عن سبيل الله ويشغلهم عن طاعته وعن الصلاة ويبعدهم عن صراط الله المستقيم بل ويستهزئ بما حذر منه رب العالمين.وكذلك الذي يرفع سماعات اللغو والغناء في وسائل المواصلات أو بأجهزة (الدي جي )أو غيرها.هؤلاء جميعا توعدهم الله في الدنيا والآخرة بالعذاب المهين.وكذلك الذين يشترون هذه الأغاني الهابطة أو يستمعون إليها أو يدفعون للمغنين أجرا مقابل غنائهم أو يدفعون أجرا لصاحب السماعات أو أسطوانة الغناء الفاضح فهم أيضا يضلون الناس عن سبيل الله ويستهزؤن بدينه ولهم في الآخرة عذاب مهين مالم يتوبوا إلى رب العالمين وقد سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ قَوْله تَعَالَى(وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) فَقَالَ الْغِنَاءُ،وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ يُرَدِّدُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ،وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قال هُوَ الْغِنَاءُ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أُنْزِلَتْ هذه الآية {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ}فِي الْغِنَاءِوَالْمَزَامِيرِ. وقد نص الشافعي في كتاب(أدب القضاء)أن الرجل إذا داوم على سماع الغناء ردت شهادته وبطلت عدالته.أما عن الأشعار المهذبة والحُداء والانشاد الديني والوطني والجهادي فهي من الأمور المباحة فلاخلاف في إباحتها وكذلك غناء الحجيج وهم ينشدون في الطريق الى الحج أشعاراً يصفون فيها الكعبة وزمزم والمقام، كل ذلك هو مباح
إخوة الإسلام إن من جملة ما سيسأل عنه العبد يوم القيامة (سمعه) يقول الله تعالى(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) فهذه الأذن التي أنعم الله بها عليك لتسمع بها ما يصلحك في دنياك وآخرتك ولتشكر واهب النعم وتعبده هذه الأذن سوف تسأل عنها يوم القيامة.ماذا سمعت بها فيما استخدمتها؟ أفيما يرضي الله أم فيما يسخطه ؟ فالمؤمن لا يسمع الغناء الهابط ولا اللغو الفاحش قال تعالى (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) وسأل رجل عبد الله بن عباس عن الغناء، فأجاب السائل بقوله: أرأيت إن كان يوم القيامة، وجيء بالحق والباطل، مع من يكون الغناء؟ قال السائل: مع الباطل، فقالوا له: اذهب فقد أفتيت نفسك..فحرمة الغناء الهابط لا تحتاج إلى فتاوى لأن مفاسد الغناء في المجتمعات ظاهرة لنا وواضحة جلية.فالغناء رقية الزنا الغناء طريق الشيطان إلى معصية الرحمن. الغناء ينبت في القلب النفاق وسوء الأخلاق. ومن المؤلم والمؤسف أن الكثير من الرجال والنساء الذين ضعف إيمانهم وخفت عقولهم،شغلوا أوقاتهم وملأوا أرجاء بيوتهم بأصوات المغنين والمغنيات .بل وألصقوا صورهم حبا لهم وإعجابا بهم.وهذا من مصائب هذا الزمان أن نرى هؤلاء يلقون إجلالا وتعظيما للمغنيين والمغنيات والراقصين والراقصات.حتى لقد أصبح كثير من الشباب يعرف عن هؤلاء المغنين والمغنيات وأغنياتهم كل شيء ولو سألته عن معنى لا إله إلا الله لقال: هاه هاه لا أدري.ولو سألته عن مواقيت الصلاة لقال:لا أدري ولو سألته عن كتاب الله وعن بعض السور القصيرة لقال: لا أدري بل إن بعضهم لا يفرق بين الآية والحديث ولو سئل عن أبسط جزئيات الدين لقال:لا أدري وكيف يدري ومن أين يدري؟ وهمته متجهة للمغنيين والمغنيات والراقصين والراقصات وجل أوقاته يضع السماعات في أذنه ليستمع إلى كلمات الحب والهيام أو وصف العيون وكلمات الغرام.نعم (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ )
(أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)،ووصف العذاب بأنه (مُهِينٌ ) مقصود هنا.للرد على سوء الأدب والاستهزاء بمنهج الله وسبيله القويم فكانت العقوبة بإهانة هؤلاء الساخرين من الدين وأهله.في الدنيا والآخرة كما قال سبحانه(فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ) .وروى البخاري في صحيحه عن أبي مالك الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِى أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ ومعنى يستحلون:إما أنهم يفعلون هذه المحرمات، فعل المستحل لها بحيث يكثرون منها ولا يتحرجون من فعلها وإما أنهم يعتقدون حلها وقد يكون هذا بسبب فتوى ضالة من فتاوى أصحاب الأهواء والمراد بالمعازف في الحديث آلات اللهو والموسيقى وجاء في السلسلة الصحيحة للألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ليكونن في هذه الأمة خسف، وقذف، ومسخ، وذلك إذا شربوا الخمور، واتخذوا القينات، وضربوا بالمعازف).فيامن تبيع الأغاني أو تسمعها للناس عن طريق الكمبيوتر أو التلفاز أوالراديو أومواقع النت وغيرها وغيرها. اعلم أنك تفعل حراما وتنشر فسادا وكسبك خبيثا وأن عليك وزر كل من يسمع الغناء فتب إلى الله واستبدل بها الكلم الطيب النافع من كتاب الله وسنة رسوله والمواعظ النافعة والخطب والمحاضرات المفيدة وأنت يا من تشتري هذه الأغاني أو تستأجرها أو تستمع إليها أنت ممن ضل عن سبيل الله وممن يستهزئ بشرع الله ولك العذاب الأليم المهين في الدنيا والآخرة مالم تتب إلى الله قال تعالى(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )