خطبة عن قوله تعالى (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)
أغسطس 22, 2017خطبة عن ( نداء إلى المذنبين)
أغسطس 22, 2017الخطبة الأولى ( إياك وخبيئة السوء )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) (10) فاطر
إخوة الإسلام
أن تقع في المعصية، فهذا أمرٌ واردٌ في حقك كعبدٍ ضعيفٍ ، وأن تستغفر من ذنبٍ ثم تعود إليه، ثم تستغفر منه وتعود إليه ، فهذا أيضاً واردٌ في حقك كعبدٍ ضعيفٍ ،أما أن تترك (بسبب عجزك) مساحة في قلبك (ولو يسيرة) لهذه المعصية؛ كي تتأصل فيه (كنوع من الاستسلام أمام هذا العجز) فإنك بذلك تكون قد بذرت من حيث لا تدري نبتة خبيثة، تسمى : (خبيئة السوء) وتركت أمامها المجال؛ لكي تنمو وتترعرع في قلبك مع مرور الأيام، طالما لم تعمل بصدق على اجتثاث جذورها ،ولمن لا يعرف . . فإن (خبيئة السوء) هذه، تعتبر بمثابة سرطان النفس والقلب معاً
• فهي التي تنخر في الحواجز والأسوار المحيطة بإخلاص قلبك لله؛ لتهدمها ،• وهي التي تثير بواعث السوء في نفسك؛ كي تتجرأ على معصية الله، وترتكبها ،• وهي التي تلقى على عقلك أستاراً من حجب الغفلة؛ لتحول بينك وبين إدراكك لهول وعظم تلك المعصية؛ فتقترفها ،• وهي التي تنبت في قلب العبد نبتة النفاق؛ التي تجعله يعيش ازدواجية مقيتة، بين حقيقة نفسه وعجزها، وبين ما يظن فيه الناس من الخير الظاهر ،• وهي التي يدخرها الشيطان للانقضاض بها على العبد لحظة احتضاره (عياذاً بالله) أملاً في قوة تأثيرها عليه في تلك اللحظة الفاصلة؛ بما استفحلت في قلبه على مدى أيام عمره؛ ليحول بينه وبين حسن الخاتمة (نسأل الله العافية) ،لذا ينبغي على العبد الصادق في طلب النجاة؛
أن يجري عمليات مسح شامل لقلبه ما بين كل وقتٍ وحينٍ؛ لاجتثاث ما نبت من جذورها؛ لأن قلبه هو البضاعة الوحيدة التي ستؤهله للنجاة برحمة الله غداً؛ يوم يلقى الله ،قال تعالى : (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)) الشعراء
أيها المسلمون
ولهذا المسح الشامل العديد من الآليات، أهمها : • الصدق مع النفس في تحديد الداء ،• البحث عن الأسباب التي أدت بوصول هذا الداء إلى القلب ،• السؤال عن الأسباب الشافية من هذا الداء ،• شدة مراقبة القلب؛ للتأكد من تطبيق أسباب الشفاء؛ للقضاء على الداء ، • صدق اللجوء إلى الله؛ لطلب العون والقدرة على محو آثار الداء ،وهذه الآلية الأخيرة؛ من أهم الآليات؛ حيث يمكنها أن تؤهله بفضل الله – حسب إخلاص العبد لربه – إلى الوصول إلى (خبيئة الخير) التي تجعل بينه وبين الله حال؛ بما كان من : • تنهيدات القلب (رغبة ورهبة) في ظلمة السحر ،• صدق اللجوء إلى الله، وغرس محبته في قلبه ، • قطع الرجاء في الخلق، وتعلق القلب بالله وحده سبحانه وبحمده ،• البعث بأشواق النفس إلى اللقاء المأمول في جنة الفردوس، ومرافقة الأحبة (محمداً صلى الله عليه وسلم وصحبه) ،• الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة ، • الاستغناء بالله، والاستعلاء بدين الله، والشعور بالمنعة والحفظ والرعاية الربانية في كل وقت وحين ، وهذه كلها من الخيرات المترتبة على سعي العبد في الوصول إلى (خبيئة الخير)، والتي من أبرز نتائجها بإذن الله على مسيرته في هذه الحياة؛ أن يرزقه الله في نهاية المطاف (بتأصيلها في قلبه) نعمة (حسن الخاتمة) التي بها سعادته الحقيقة التي لا يشقى بعدها بإذن الله أبداً
أيها المسلمون
فليحذر الإنسان من خبيئة السوء في القلب، فيتجمل الإنسان في العلانية بالدين أمام الناس، وإذا خلا بالله رب العالمين جعل الله أهون الناظرين إليه، ففي سنن ابن ماجة (عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ : « لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِى يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ». قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ. قَالَ : « أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ». هذا هو الداء الخفي، خبيئة سيئة انطوت عليها القلوب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! وعلاجها أن تقطع دابرها، وأن تستأصل سببها وموردها ومصدرها، نعم. فإذا كان القلب مبتلى بحب الربا فلا علاج له إلا بقطعه، وإذا كان القلب يهوى الغناء فلا علاج له إلا بقطعه، أحرق أشرطة الغناء وأشرطة الفيديو التي فيها الرقص والغناء، لكن يأتيك الشيطان ويقول لك: لا تحرقها، استفد منها، سجل عليها أشياء مفيدة، ثم بعد ذلك إذا تركت ولم تكسر كما حطم موسى العجل الذهبي، وكان بإمكان موسى أن يأخذ هذا الذهب فيبيعه في سوق الذهب، ويأخذ المال يشتري به السلاح للجهاد، ولكنه حرقه ونسفه في اليم نسفاً، لكي يستأصله من جذور القلوب. فالذي يحب الغناء عليه أن ينقطع عنه، والذي يعشق الأفلام الخليعة في الفيديو عليه أن يُكسِّر هذه الأفلام ويحرقها، والذي يهوى العزف على العود لا علاج له إلا أن يكسر هذه الآلة ويقطع دابرها، والذي يحب الجلوس مع النساء وهي أشد فتنة تواجه أمة محمد، ولا يوجد ألذ ولا أحلى ولا أجمل من الجلوس في حضرة النساء، من هذه كلمة، ومن هذه ابتسامة، وقد يأتيك الشيطان، يقول: مرهن بالمعروف وانههن عن المنكر لعل الله أن يهديهن، ثم يكون والعياذ بالله في يوم من الأيام لا دين له ، ففي الصحيحين (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إياك وخبيئة السوء )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولنا في سليمان عليه السلام عبرة، لقد كان يحب الخيل حباً عظيماً، فعرضت عليه الخيل بطوابيرها وألوانها، تضرب بسنابكها الأرض، تسير بخيلاء، والذي يعشق الخيل يعرف حقيقة ما أقول، وفاتته صلاة العصر، فماذا فعل؟
كسر دابر هذه الهواية التي ألهته عن طاعة الله، فأمر بإعادة الخيل إليه مرة ثانية بعد أن صلى، ثم أمر بقطع رقابها كلها، وتركها سبيلاً لمن يريد أن يأكلها؛ لأن لحم الخيول يؤكل. قال تعالى (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ) (33) ) ص ، أحبتي في الله: أرأيتم كيف قطع دابر هذه الجرثومة الخبيثة التي كادت أن تودي بدينه؟
والرسول صلى الله عليه وسلم يبين لنا هذه الحقيقة، ففي سنن الترمذي : (عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ « يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا قَالَ « نَعَمْ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أَصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ ». وصدق الله إذ يقول في كتابه الكريم:
(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ) [التوبة:115] ،ورحم الله الخليفة المهدي، كان يهوى تربية الحمام الذي فتن به كثيرٌ من الناس، لهم ديوانية تباع فيها بالآلاف، وتركوا زوجاتهم وأولادهم والمساجد وصلاة الجماعة من أجل هذا الحمام. كان المهدي جالساً؛ فدخل عليه أحد المحدثين -رواة الحديث- ثم وجد بيد الخليفة حمامة أصيلة يقلبها، فقال له الخليفة: حدثنا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر أو جناح) يريد أن يداهن الخليفة حتى يقبض منه الثمن، ولكن الخليفة يحفظ الحديث، قال: كذب على رسول الله من أجل حمامة، اذبحوا حمامي كله ولا تبقوا منه واحدة كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا تعالج الأمور.
فاحرص أخي الحبيب على تأصيل (خبيئة الخير) في قلبك ،وإياك ثم إياك من (خبيئة السوء) أعاذنا الله وإياكم منها
الدعاء