خطبة عن صرخة تائب:(وَيْلِي إِنْ لَمْ يَرْحَمْنِي رَبِّي)
أغسطس 5, 2017خطبة عن حديث (طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ
أغسطس 22, 2017الخطبة الأولى ( أين الدين الحق ؟ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) (20) آل عمران ، وقال تعالى (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (112) البقرة ، وقال تعالى : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) (83) آل عمران ، وقال تعالى : (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) (15) الأنعام ، وقال تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (85) آل عمران
إخوة الإسلام
إن دين الله واحد، ومبناه على معرفة الله وتوحيده وإفراده بالعبادة، ونبذ كل ما يعبد من دونه، والاستسلام والانقياد لأمره، فليس لأحد معه حكم، ولا يملك حق التحريم والتحليل إلا هو. ولا يوجد دين على وجه الأرض فيه هذه المعاني غير الإسلام، فاليهود والنصارى ينسبون لله الولد، وكفى بذلك طغيانا وظلما، يقول الله تعالى: ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ* اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ {التوبة:31،30} ، فانظر كيف استوى اليهود والنصارى مع الكفار في شركهم وكفرهم، بنسبة الولد لله تعالى، وهذا من أعظم الظلم والكفر، بخلاف المسلمين الذين يعتقدون تفرد الله تعالى بالألوهية والربوبية والكمال المطلق، وأن كل ما السموات والأرض إنما هو عبد لله خلقه من العدم. ،قال تعالى: ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا *لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا* تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا* أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا* وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا*إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ) {مريم:93،92،91،90،89،88} ، ولم يكتف اليهود والنصارى بذلك حتى جمعوا معه اتخاذ علمائهم وعبادهم أربابا من دون الله، يحلون لهم ما حرم الله، ويحرمون عليهم ما أحل الله، ويشرعون لهم من الشرائع والأقوال المنافية لدين الرسل فيتبعونهم عليها. فجاء الله بالإسلام ليهديهم صراطا مستقيما، ويبين لهم طريقا قويما، ويقيم عليهم بذلك الحجة، ويوضح لهم المحجة. كما قال عز وجل: ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ).{المائدة:16،15} وقال تعالى: ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) {المائدة:19} ، فما جاء الإسلام لأهل الكتاب إلا بالكلمة السواء التي تتفق عليها العقول المستقيمة والفطر السليمة. كما قال سبحانه: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) {آل عمران : 64} وهذه الكلمة هي التي اتفق عليها الأنبياء والمرسلون، ولم يخالفها إلا المعاندون والضالون، ليست مختصة بأحدنا دون الآخر، بل مشتركة بيننا وبينكم، وهذا من العدل في المقال والإنصاف في الجدال، ثم فسرها بقوله { أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا } آل عمران . فمن رحمة الله بأهل الكتاب أن أرسل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، كما قال تبارك وتعالى: ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ*رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً* فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ) {البينة:3،2،1}فلم يكن أهل الكتاب (مُنْفَكِّينَ ) عن كفرهم وضلالهم الذي هم عليه، أي لا يزالون في غيهم وضلالهم، لا يزيدهم مرور السنين إلا كفرا {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ } الواضحة والبرهان الساطع، ثم فسر تلك البينة فقال: { رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ } أي: أرسله الله، يدعو الناس إلى الحق، وأنزل عليه كتابا يتلوه، ليعلم الناس الحكمة ويزكيهم، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ولهذا قال: { يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً } أي: محفوظة. ثم إنه من أصول الإسلام أن أتباعه يؤمنون ويعظمون جميع الأنبياء والرسل، ويحكمون بكفر من جحد ولو نبوة نبي واحد، فهم يؤمنون بأن عيسى عبد الله ورسوله كغيره من الأنبياء: نوح وإبراهيم وموسى وخاتمهم محمد صلوات الله وسلامه عليهم جميعا. قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا* أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا* وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) {النساء:152،151،150} ،وقال سبحانه: ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) {البقرة : 285} ، أما اليهود فيجحدون نبوة عيسى ومحمد، وأما النصارى فيجحدون نبوة محمد. فاستحق الفريقان بذلك الحكم السابق، فنحن إذاً عندنا الإيمان بالله وحده وبجميع أنبياءه ورسله. فأعظم الفروق بين الإسلام وبين اليهودية والنصرانية، في قضية الإيمان بالرسل، وقبل ذلك في قضية التوحيد، فإنه لا يوجد ملة على وجه الأرض تعرف الله تعالى وتوحده وتمجده وتثني عليه بما هو أهله، وتثبت له جميع صفات الكمال وتنزهه عن كافة صفات النقص إلا الإسلام،
أيها المسلمون
فمن هو الله ؟ وما هي صفاته؟ فنحن -المسلمين- نقول في جواب ذلك أوجز العبارات وأسهلها، فنتلو سورة قصيرة من كتاب ربنا تبارك وتعالى فنقول: ( قل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) { الإخلاص: 4،3،2،1} ، فهو الأحد المنفرد بالكمال، الذي له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة، الذي لا نظير له ولا مثيل. { اللَّهُ الصَّمَدُ } أي: المقصود في جميع الحوائج. فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم، ويرغبون إليه في مهماتهم،لأنه الكامل في أوصافه، العليم الذي قد كمل في علمه، الحليم الذي قد كمل في حلمه، الرحيم الذي كمل في رحمته الذي وسعت رحمته كل شيء، وهكذا سائر أوصافه، ومن كماله أنه { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } لكمال غناه {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } لا في أسمائه ولا في أوصافه، ولا في أفعاله، تبارك وتعالى.
أيها المسلمون
وهناك ضوابط نميز بها بين الدين الحق والدين الباطل ، ومنها : الأول : أن يكون الدين من عند الله أنزله بواسطة مَلَك من الملائكة على رسول من رسله ليبلغه إلى عباده ؛ لأن الدين الحق هو دين الله , والله – سبحانه – هو الذي يدين ويحاسب الخلائق يوم القيامة على الدين الذي أنزل إليهم , قال تعالى : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ) النساء /163 , وقال سبحانه : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (25) الأنبياء , وبناء على ذلك فأي دين يأتي به شخص ما وينسبه إلى نفسه لا إلى الله فهو دين باطل لا محالة . الضابط الثاني : أن يدعو إلى إفراد الله سبحانه بالعبادة , وتحريم الشرك , وتحريم الوسائل المفضية إليه ؛ لأن الدعوة إلى التوحيد هي أساس دعوة جميع الأنبياء والمرسلين و كل نبي قال لقومه : (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) سورة الأعراف/73 , وعليه فإن أي دين اشتمل على الشرك وأشرك مع الله غيره من نبي أو ملك أو ولي فهو دين باطل ولو انتسب أصحابه إلى نبي من الأنبياء . الضابط الثالث : أن يكون متفقاً مع الأصول الذي دعت إليها الرسل من عبادة الله وحده , والدعوة إلى صراطه , وتحريم الشرك , وعقوق الوالدين وقتل النفس بغير حق , وتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن , قال تعالى : ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) (25) الأنبياء , وقال جل ثناؤه : ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) الأنعام/151 , وقال تعالى : ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) الزخرف/45 . الضابط الرابع : ألا يكون متناقضاً ولا مختلفاً بعضه مع البعض الآخر , فلا يأمر بأمر ثم ينقضه بأمر آخر , ولا يحرم شيئاً ثم يبيح ما يماثله من غير علة , ولا يحرم أمراً أو يجيزه لفرقة ثم يحرمه على أخرى قال تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) النساء/82 . الضابط الخامس : أن يتضمن الدين ما يحفظ على الناس دينهم وأعراضهم وأموالهم وأنفسهم وذرياتهم بما يشرع من الأوامر والنواهي والزواجر والأخلاق التي تحفظ هذه الكليات الخمس . الضابط السادس : أن يكون الدين رحمة للخلق من ظلم أنفسهم وظلم بعضهم لبعض , سواءً أكان هذا الظلم بانتهاك الحقوق , أم بالاستبداد بالخيرات , أم بإضلال الأكابر للأصاغر , قال – تعالى – مخبراً عن الرحمة التي ضمنها التوراة التي أنزلها على موسى عليه السلام : ( وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ) الأعراف/154 , وقال سبحانه مخبراً عن مبعث عيسى عليه السلام (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا ) مريم/21 . وقال جل ثناؤه عن صالح عليه السلام : (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً ) سورة هود/63 , وقال عز من قائل عن القرآن : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) الإسراء/82 . الضابط السابع : أن يتضمن الهداية إلى شرع الله , ودلالة الإنسان على مراد الله منه , وإخباره من أين أتى وإلى أين المصير ؟ قال تعالى مخبراً عن التوراة : ( إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ .. ) سورة المائدة/44 , وقال عز شأنه عن الإنجيل : ( وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ) المائدة/46 , وقال جل ثناؤه عن القرآن الكريم : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ) التوبة/33 , والدين الحق هو الذي يتضمن الهداية إلى شرع الله ويحقق للنفس الأمن والطمأنينة , حيث يدفع عنها كل وسوسة , ويجيب عن كل تساؤل , ويبين عن كل مشكل . الثامن : أن يدعو إلى مكارم الأخلاق والأفعال كالصدق والعدل والأمانة والحياء والعفاف والكرم , وينهى عن سيئها كعقوق الوالدين وقتل النفس وتحريم الفواحش والكذب والظلم والبغي والبخل والفجور . الضابط التاسع : أن يحقق السعادة لمن آمن به قال تعالى : (طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) طه/1-2 , وأن يكون متفقاً مع الفطرة السوية : (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) الروم/30 , وأن يكون متفقاً مع العقل الصحيح لأن الدين الصحيح هو شرع الله , والعقل الصحيح هو خلق الله , ومحال أن يتناقض شرع الله وخلقه . الضابط العاشر : أن يدل على الحق ويحذر من الباطل , ويرشد إلى الهدى وينفر من الضلال , وأن يدعو الناس إلى صراط مستقيم لا التواء فيه ولا اعوجاج , قال تعالى مخبراً عن الجن أنهم حينما سمعوا القرآن قال بعضهم لبعض : ( قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ) (30) الأحقاف , فلا يدعوهم إلى ما فيه شقاؤهم , ولا يأمرهم بما فيه هلاكهم قال تعالى : (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) النساء/29 , ولا يفرق بين أتباعه بسبب الجنس أو اللون أو القبيلة قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) الحجرات/13 , فالمعيار المعتبر للتفاضل في الدين الحق هو تقوى الله .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أين الدين الحق ؟ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فالدين الحق كما هو واضح جلي هو دين الإسلام ، وقد ذكرت لكم بعض الدلائل النقلية من كتاب الله ولكن هناك دلائل عقلية قاطعة تُثبت أن الإسلام هو الدين الحق ، منها: الدليل الأول: يقوم المسلمون بعبادة الله –عز وجل-، وليس بعبادة المعبود، فكل العبادات التي يدعو بها الدين الإسلامي تكون خالصة لعبادة الله –عز وجل- مثل: الصلاة، والصيام، والدعاء، والتوبة، والزكاة، والتوبة، والصدقات، والعمرة، والحج. فجميع المسلمين يؤمنون بأن الله هو الواحد الأحد، وهو الله الذي خلق الكون بجميع ما فيه من السماوات والأرض، والله هو الرازق لجميع البشر. والمسلم يؤمن بجميع الرسل الذين جاءوا قبل رسولنا الكريم –صلى الله عليه وسلم-، ولا يفرقوا بين أحد من الأنبياء؛ لأن جميعهم جاءوا لسبب واحد وهو عبادة الله –عز وجل-. الدليل الثاني: لا يستطيع أي بشر أن يكتب كلمة في القرآن الكريم، أو يأتي بمثلها لأنه هو منهج إلهي جاء من عند الله –عز وجل-، فلم يقدر أي بشر أن يأتي بسورة من سور القرآن حيث قال الله في كتابه العزيز: { وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ. فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (البقرة: 23-24). الدليل الثالث: عدم احتواء القرآن الكريم على أي اختلافات، أو أخطاء. حيث أن إذا كان بشر هو الذي قام بكتابة القرآن فلابد له من الخطأ؛ لأن لا يوجد بشر معصوم من الخطأ، ولكن مع وسائل التقدم والتطور التي وصل إليها البشر الآن لم يجدوا أي خطأ في القرآن الكريم فهو من عند الله كما يقول –سبحانه وتعالى-: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} (النساء: 82). الدليل الرابع: البشارات الموجودة في الكتب السماوية التي تسبق الدين الإسلامي عن مجيء سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم-.
أيها المسلمون
ونأتي إلى هذا السؤال: هل القرآن هو كتاب الله المقدس ، وهو كلام الله؟ فنقول نعم فلقد تحدى الله سبحانه وتعالى الإنس والجن ولو اجتمعوا على أن يأتوا بمثله. كما قال تعالى: ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) {الإسراء : 88}. وتحداهم على الإتيان ولو بسورة واحدة من سور القرآن بعد أن صرح بأن هذا القرآن لا يمكن أن يكون له مصدر غير الله الخلاق العليم، فقال تعالى: (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) {يونس:38،37} ورغم ذلك فلم يستطع العرب وهم أرباب البيان والفصاحة، وكذلك كل الأمم من بعدهم إلى يومنا هذا. وهذا بلا شك من أعظم الحجج على أن القرآن كلام الله. ومن الدلائل الواضحة أيضا على صدق القرآن ما فيه من الإخبار عن الغيب الذي لا يعلمه الخلق، ولا يمكنهم افتراؤه، وما فيه من الإعجاز العلمي الذي لم يكتشف إلا مؤخرا، كأطوار الجنين في بطن أمه، ووجود الحاجز المائي بين العذب والمالح في البحر،
الدعاء