خطبة عن حديث : (ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )
أكتوبر 8, 2016خطبة عن حديث (أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ)
أكتوبر 8, 2016الخطبة الأولى ( العزم والعزيمة) ( فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (159) آل عمران ،وقال تعالى : ” فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ” [محمد: 21]
إخوة الإسلام
العزم: هو (إمضاء الرأي، وعدم التردد بعد تبين السداد) . وقال الهروي: (العزم تحقيق القصد طوعًا أو كرهًا) .
وقال ابن الأثير: العزيمة (هي ما وكدت رأيك وعزمك عليه، ووفيت بعهد الله فيه) ،ومن أمثال العرب: ( العزيمة حزم)، والعزم القطعُ على الأمر بعد الرَّويَّة فيه، ومن الحكمة : (إذا رأيت صواباً فلا تتردَّد فيه، ولكن امض عليه، فإن ذلك هو الحزم).
أيها المسلمون
وإذا تأملنا وتدبرنا قوله تعالى : (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ) تبين لنا أن الحق تبارك وتعالى يدعونا إلى العزم والاقدام والجرأة وحسم الأمور وعدم التردد ، فإنَّ التردّد وعدم حسم الأمور ليسا من شيم الرِّجال أصحاب الدَّعوات وحملة الرّسالات، وليسا من شيم الشباب المطّلعين إلى مستقبل مشرق بالإيمان والعلم، يقول المتنبي: إذا كنتَ ذا رأيْ فكُنْ ذا عَزِيمَةٍ فإنَّ فَسادَ الرَّأْيِ أنْ تَتَردَّدا …. وممّا ينسب إلى عليّ كرّم الله وجهه : وإن كنتَ ذَا عزمٍ فانْفِذْه عاجلاً فإنَّ فسادَ العزم أن يتقيَّدا ،ويقول الشيخ الغزالي : ( إنَّ الرّجولات الضخمة لا تعرف إلاَّ في ميدان الجرأة، وإنَّ المجد والنجاح والإنتاج تظل أحلاماً لذيذة في نفوس أصحابها، وما تتحوَّل حقائق حيَّة إلاَّ إذا نفخ فيها العاملون من روحهم، ووصلوها بما في الدنيا من حس وحركة ) . وكما أنَّ التردد خدش في الرجولة، فهو تهمة للإيمان، ومن هنا كان فعل الرّسول صلَّى الله عليه وسلّم في غزوة أحد مخافة أن تصطبغ شؤونه بطابع التردّد، أو التأرجح بين إرادات شتى،
ففي صحيح البخاري (فَإِذَا عَزَمَ الرَّسُولُ – صلى الله عليه وسلم – لَمْ يَكُنْ لِبَشَرٍ التَّقَدُّمُ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَشَاوَرَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – أَصْحَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْمُقَامِ وَالْخُرُوجِ ، فَرَأَوْا لَهُ الْخُرُوجَ فَلَمَّا لَبِسَ لأْمَتَهُ وَعَزَمَ قَالُوا أَقِمْ . فَلَمْ يَمِلْ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الْعَزْمِ وَقَالَ « لاَ يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ يَلْبَسُ لأْمَتَهُ فَيَضَعُهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ » . فالعزم على فعل الخير وعدم التردد والمسارعة لفعل الخيرات من شيم الصالحين، والعزيمة هي الدافع لفعل الخير، ولهذا حثَّ الله عليها في كتابه في غير آية ، كما حث رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته على العزم والحسم في الأمور كلها – فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلاَ يَقُلِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ ».[رواه البخاري ومسلم] . قال النووي : (عزم المسألة : الشدة في طلبها، والحزم من غير ضعف في الطلب، ولا تعليق على مشيئة ونحوها) وقيل معنى العزم في الحديث المتقدم : أن يحسن الظن بالله في الإجابة… وقال الداودي : معنى قوله ليعزم المسألة أن يجتهد ويلح، ولا يقل إن شئت كالمستثنى، ولكن دعاء البائس الفقير) – و(قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود – رضى الله عنه – لَقَدْ أَتَانِي الْيَوْمَ رَجُلٌ فَسَأَلَنِي عَنْ أَمْرٍ مَا دَرَيْتُ مَا أَرُدُّ عَلَيْهِ ، فَقَالَ أَرَأَيْتَ رَجُلاً مُؤْدِيًا نَشِيطًا ، يَخْرُجُ مَعَ أُمَرَائِنَا فِي الْمَغَازِي ، فَيَعْزِمُ عَلَيْنَا فِي أَشْيَاءَ لاَ نُحْصِيهَا . فَقُلْتُ لَهُ وَاللَّهِ مَا أَدْرِى مَا أَقُولُ لَكَ إِلاَّ أَنَّا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَعَسَى أَنْ لاَ يَعْزِمَ عَلَيْنَا فِي أَمْرٍ إِلاَّ مَرَّةً حَتَّى نَفْعَلَهُ ، ) [رواه البخاري] . قال بدر الدين العيني : (قوله : فيعزم علينا، أي : الأمير يشدد علينا في أشياء لا نطيقها )
أيها المسلمون
ولا خير في عزم بغير حزم، فإنَّ القوة إذا لم يكن معها حذر أورطت صاحبها ،وللعزم فوائد متعددة وثمرات كثيرة ، ومن فوائد العزم والعزيمة : 1- مظنة قبول الدعاء : فقوة العزم والجزم في الدعاء، وعدم تعليقه بالمشيئة من آداب الدعاء وأرجى للقبول . 2- ومن فوائد العزم :أن قوة العزم والعزيمة من وسائل تهذيب النفس، وتحصيل الأخلاق الفاضلة : قال ابن قدامة : (وأشدُّ حاجة الرائض لنفسه، قوة العزم، فمتى كان مترددًا بعد فلاحه، ومتى أحس من نفسه ضعف العزم تصبر، فإذا انقضت عزيمتها عاقبها لئلا تعاود، كما قال رجل لنفسه : تتكلمين فيما لا يعنيك ؟! لأعاقبنك بصوم سنة) ومن صفات المؤمن القوي قوة العزم على الأمر . 3- ومن فوائد العزم : أن قوة العزم والعزيمة تعين على تحقيق التقوى : وذلك بحمل النفس على فعل المأمورات وترك المنهيات وهذه هي حقيقة التقوى قال تعالى : ” لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ” [آل عمران: 186] . 4- ومن فوائد العزم : أن قوة العزم والعزيمة تعين على ترك المعاصي . 5- ومن فوائد العزم وثمراته : أن العزم والعزيمة من وسائل التخلص من تلبيس الشيطان ووسوسته :
لأنه إذا كانت مهمة الشيطان هي الوسوسة، ومقصده منها (التشكيك والذبذبة والتردد، فإن عمومات التكليف تلزم المسلم بالعزم واليقين والمضي دون تردد، كما في قوله : ” فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ” [آل عمران: 159] وامتدح الله سبحانه وتعالى بعض الرسل بالعزم وأمر بالاقتداء بهم ” فقال تعالى ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) [الأحقاف: 35]… فمن هذا كله كانت دوافع العزيمة مستقاة من التكاليف، مما يقضي على نوازع الشك والتردد، ولم يبق في قلب المؤمن مجال لشك ولا محل لوسوسة) ،6- ومن فوائد العزم وثمراته: أن العزم على ترك الذنب من شروط قبول التوبة : فالتوبة واجبة من كل ذنب ولها ثلاثة شروط: ومنها العزم على عدم العودة للذنب أبدًا ،قال أبو حازم: (عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر وإذا عزم العبد على ترك الآثام أمَّه الفتوح)
أيها المسلمون
وهناك موانع تمنع الانسان من اكتساب صفة العزم والعزيمة ، ومنها : – مرض القلب وضعف النفس وانهزامها : فإذا فقد القلب عزمه خارت قوى الجسد مهما كان قويًّا، قال تعالى : ” فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ” [الحج: 46] . وقال تعالى : ” إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ” [ق: 37]
فإنَّ ضعف العزيمة من ضعف حياة القلب، وهي دليل على حياته، وعلى مرضه أو موته . – ومن موانع اكتساب صفة العزم والعزيمة العجز والكسل : فالعجز والكسل (هما العائقان اللذان أكثر الرسول من التعوذ بالله سبحانه منهما، وقد يعذر العاجز لعدم قدرته، بخلاف الكسول الذي يتثاقل ويتراخى مما ينبغي مع القدرة، قال تعالى : ” وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ” [التوبة: 46] وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ)) [رواه مسلم] . – ومن موانع اكتساب صفة العزم والعزيمة التسويف والتمني وترك الأخذ بالأسباب : (وهما صفة بليد الحس عديم المبالاة، الذي كلما همت نفسه بخير- وعزمت عليه- إما يعيقها بـ(سوف) حتى يفجأه الموت ” فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ” [المنافقون: 10] ،وإما يركب بها بحر التمني، وهو بحر لا ساحل له، يدمن ركوبه مفاليس العالم …وما أحسن ما قال أبو تمام : من كان مرعى عزمه وهمومه روض الأماني لم يزل مهزولا
5- ومن موانع اكتساب صفة العزم والعزيمة الفتور والغفلة : فالفتور والغفلة هما رأس البلاء، ومكمن الداء، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد « إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَةً وَلِكُلِّ شِرَةٍ فَتْرَةً فَمَنْ كَانَتْ شِرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ ». [صححه الالباني في صحيح الجامع] . ومن مظاهر الفتور والغفلة في سلوكنا: – تضييع الوقت وعدم الإفادة منه، وتزجيته بما لا يعود بالنفع، وتقديم غير المهم على المهم، والشعور بالفراغ الروحي والوقتي وعدم البركة في الأوقات، وعدم إنجاز شيء من العمل مع طول الزمن . – عدم الاستعداد للالتزام بشيء، والتهرب من كل عمل جدي . – الفوضوية في العمل: فلا هدف محدد، ولا عمل متقن، الأعمال ارتجالية، التنقل بين الأعمال بغير داع . – خداع النفس؛ بالانشغال مع الفراغ، وبالعمل وهي عاطلة، الانشغال بجزئيات لا قيمة لها ولا أثر يذكر، ليس لها أصل في الكتاب أو السنة، وإنما هي أعمال تافهة ومشاريع وهمية لا تسمن ولا تغني من جوع . – النقد لكل عمل إيجابي؛ تنصلًا من المشاركة والعمل، وتضخيم الأخطاء والسلبيات؛ تبريرًا لعجزه وفتوره، تراه يبحث عن المعاذير، ويصطنع الأسباب؛ للتخلص والفرار ، كما قال تعالى عن بعض المنافقين ” وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ” [التوبة: 81]
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( العزم والعزيمة) ( فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الوسائل المعينة على تقوية العزم والعزيمة في قلب المؤمن : 1- التوكل على الله وحسن الظن به سبحانه في الوصول للهدف : أرشدنا الله سبحانه لهذا بقوله سبحانه : ” فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ” [آل عمران: 159] ،وإن من آثار عقيدة التوحيد في نفس المؤمن قوة العزم والصبر والثبات لعلمه أن الله معه وأنه مؤيده وناصره، فهو يردد قول الله تعالى : ” حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ” [آل عمران: 173] التي قالها إبراهيم عندما أُريد إلقاؤه في النار، ومحمد صلى الله عليه وسلم عندما خوِّف بصناديد المشركين، وقول هود عليه السلام لقومه : ” فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ ” [هود: 55-56] ، 2- ومن الوسائل المعينة على تقوية العزم والعزيمة في قلب المؤمن الدعاء : فقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد وغيره ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ)) . 3- ومن الوسائل المعينة على تقوية العزم والعزيمة في قلب المؤمن الاقتداء بأصحاب العزائم من أهل الصلاح والدين : قال تعالى : ” فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ” [الأحقاف: 35] وقال تعالى في الاقتداء بالصالحين ” قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ” [الممتحنة: 4] . 4- ومن الوسائل المعينة على تقوية العزم والعزيمة في قلب المؤمن مصاحبة أهل العزائم القوية، والهمم العالية : فالمرء على دين خليله، قال ابن تيمية : (الناس كأسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض)
وقال لقمان الحكيم لابنه : (من يقارن قرين السوء لا يسلم، ومن لا يملك لسانه يندم، يا بني كن عبدًا للأخيار، ولا تكن خليلًا للأشرار) ومن [ديوان الإمام الشافعي]
أحبُّ الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي وإن كنا سواء في البضاعة
5- ومن الوسائل المعينة على تقوية العزم والعزيمة في قلب المؤمن المسارعة في التنفيذ، وعدم التردد بعد عقد العزم على العمل : قال تعالى : ” فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ” [محمد: 21]
أيها المسلمون
وأسوق إليكم نماذج من عزم الأنبياء والمرسلين : فلقد نال الأنبياء والمرسلين من قومهم الأذى الشديد، ولكنهم صبروا مما لقوه من المكاره وواصلوا مهمتهم بالعزم والإصرار، وقد أشاد القرآن بعزمهم الصادق في قوله : ( فاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ )[الأحقاف: 35] وأولو العزم من الرسل هم الذين صبروا وجدوا في سبيل دعوتهم
فهذا نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام والعزم على طلب العلم : قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ) [الكهف: 60] . (فيخبر تعالى عن نبيه موسى عليه السلام، وشدة رغبته في الخير وطلب العلم، أنه قال لخادمه لا أزال مسافرًا وإن طالت علي الشقة، ولحقتني المشقة، حتى أصل إلى مجمع البحرين، وهو المكان الذي أوحي إليه أنك ستجد فيه عبدًا من عباد الله العالـِمِين، عنده من العلم ما ليس عندك
” أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ” أي : مسافة طويلة، وهذا عزم منه جازم، فلذلك أمضاه) ولم يمنعه من الاستمرار في رحلته قوله
” لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ” أي تعبًا، وكذلك لم يثنِ عزمه صلى الله عليه وسلم أنهم أخطأوا الطريق ”
( قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ” [الكهف: 64-66] . وهذه نموذج من عزم النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ الرسالة : فلقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل تبليغه للرسالة أشد الأذى والمحن، فصبر، مع عزم لا يلين، ممتثلًا لأمر الله عز وجل له :
” فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ” [الأحقاف: 35] وقد تجلت عزيمة النبي صلى الله عليه وسلم في مثابرته وجهاده ودعوته إلى الله عز وجل .ففي الصحيحين (أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ فَقَالَ « لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِى عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِى فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ قَالَ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَىَّ. ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ فَمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ ». فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
« بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ». وأذكركم بنموذج من عزم الصحابة رضي الله عنهم : فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلاَمَهُ سَبْعَةٌ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبُو بَكْرٍ وَعَمَّارٌ وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ وَصُهَيْبٌ وَبِلاَلٌ وَالْمِقْدَادُ فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِعَمِّهِ أَبِى طَالِبٍ
وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِقَوْمِهِ وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمُ الْمُشْرِكُونَ وَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ وَصَهَرُوهُمْ فِي الشَّمْسِ فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ وَاتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا إِلاَّ بِلاَلاً فَإِنَّهُ قَدْ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللَّهِ وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ فَأَخَذُوهُ فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ أَحَدٌ أَحَدٌ.) [حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه] .
الدعاء