خطبة عن حديث: (مَنْ ظَلَمَ مِنَ الأَرْضِ شَيْئًا)
أكتوبر 15, 2016خطبة عن (الدليل على أن الإسلام هو الدين الحق)
أكتوبر 15, 2016الخطبة الأولى ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (26) يونس ،وقال تعالى : (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (195)) البقرة ،وقال تعالى : (وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ) القصص 77
إخوة الإسلام
إن الإسلام هو دين الإحسان، نعم دين إحسان وإكرام وتكاتف وترابط، وتعاون على البر والتقوى، بل وتسامح وتجاوز ما لم تنتهك حرمات الله، وقد أمر الله تعالى فيه بالإحسان في غير ما آية من كتابه تعالى، وفي غير ما حديث على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (( وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )) [البقرة:195]، وقال تعالى: (( وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ )) [القصص:77]، وقال تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ )) [النحل:90].
وروى مسلم في صحيحه (عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ». وقد رغب الله تعالى في الإحسان ، وأبان آثاره، وجزاءه، وعظيم مردوده على أهله في الآجل والعاجل، لنسارع ونتنافس في طلب ما وعد الله أهله في الآخرة من جنات عالية، ونعيم دائم، ولذة دائمة، وما وعدهم به قبل ذلك في الدنيا من أنه سيكلؤهم، ويحفظهم وينصرهم ويظهرهم على من ناوأهم أو خالفهم، قال تعالى في الترغيب في جزاء الإحسان والدعوة إليه: (( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ )) [الذاريات:15-16]، الآية. وقال تعالى : (( إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ )) [يوسف:90].
أيها المسلمون
والإحسان هو ضد الإساءة، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) [النجم:31]. والإحسان كما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين :
« أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ » ،فتستشعر رقابة الله لك، في كل قول ينطق به لسانك، أو عمل تقوم به جوارحك، أو فكر يهيم به قلبك. وأيضا معنى (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ) ، أن يعبد العبد ربه مستحضرا لقربه منه واطلاعه عليه، وأنه بين يديه كأنه يراه، وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم، ويوجب أيضا إخلاص العبادة لله وتحسينها وإكمالها، ومن بلغ هذه المرتبة فقد بلغ أعلى مراتب الدين. فالمسلم مطالب بالإحسان في كل عمل( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) ، فالمسلم مطالب بالإحسان في القول ، قال تعالى : {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} الاسراء 53. والمسلم مطالب بالإحسان في العمل، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه» رواه الطبراني . والإحسان في التحية {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} النساء 86.
والإحسان في مجادلة الخصوم: { وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} النحل 125. بل إن المسلم مطالب بالإحسان في مواطن القتال ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داود والبيهقي : وَلاَ تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا وَلاَ طِفْلاً وَلاَ صَغِيرًا وَلاَ امْرَأَةً وَلاَ تَغُلُّوا وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ وَأَصْلِحُوا وَأَحْسِنُوا (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ». والمؤمن يدرك أنه كلما أحسن في عبادته لخالقه، وفي تعامله مع الخلق: عظم الجزاء، فمن زرع حصد ، قال تعالى : {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} الرحمن 60. فثمرة ذلك مسطور في كتابه، ثقيل في ميزانه يوم القيامة: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} الاسراء 7. والمؤمن مطالب أن يحسن إلى عباد الله كما أحسن الله إليه.. فيتصدق عليهم من مال الله الذي وهبه.. وأن يعلمهم من علم الله الذي آتاه. وأن يحسن خلقه معهم، ويكف أذاه عنهم ، قال تعالى : {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ} القصص 77. فالله تعالى يأمر بالإحسان ويحض عليه، ويرغب فيه ويدعو إليه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} النحل 90. وأخبر سبحانه أنه يحب المحسنين {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} البقرة 195. والإحسان الذي أراده الله تعالى من المؤمنين ليس قاصرا على البشر، بل تعدى هذا إلى الحيوان: فقد فقد دخلت بغي من بغايا بني إسرائيل الجنة في كلب سقته، ففي الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِىٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِى إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ ». بل والاحسان إلى الجماد ، ففي الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ »
أيها المسلمون
ومن أنواع الإحسان: الإحسان في العمل بأن يكون موافقا لما شرعه الله على لسان رسوله خاليا من البدع والمخالفات، قال تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:112]،
وقال تعالى: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) [لقمان:22]. وإسلام الوجه لله، وإلى الله، معناه: إخلاص العمل من الشرك. والإحسان للعمل معناه: متابعة السنة فيه ومجانبة البدعة، وأي عمل لا يتوفر فيه هذان الشرطان يكون هباءً منثورا ووبالا على صاحبه. ومن أنواع الإحسان: – الإحسان إلى الخلق من الآدميين والبهائم. – إغاثة الملهوف . – إطعام الجائع – التصدق على المحتاج – إعانة العاجز. – التيسير على المعسر. -الإصلاح بين الناس. وقد أمر الله سبحانه بالإحسان إلى هذه الأصناف بإيصال الخير إليهم ودفع الشر عنهم، وقال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ* وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [الذاريات:15-19]. فبين الله سبحانه سبب حصولهم على هذه الكرامة العظيمة وأن ذلك بما أسلفوه من الإحسان في الدنيا من صلاة الليل والاستغفار بالأسحار والتصدق على المحتاجين، وقال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ* وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ* كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ* إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ) [المرسلات:41-44].
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى : ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ) يبين الله تعالى لنا جزاء المحسنين في الدنيا والآخرة ، ( فزيادة الدنيا ) هي تضعيف ثواب الأعمال بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، وأما (زيادة الآخرة ) فهي فوق ما يعطيهم الله في الجنان من القصور والحور والرضا عنهم ، وما أخفاه لهم من قرة أعين ، وفوق ذلك كله وأعلاه النظر إلى وجهه الكريم ، فإنه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه ، لا يستحقونها بعملهم ، بل بفضله ورحمته ،فقد روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه، عَنْ صُهَيْبٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ – قَالَ – يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ – قَالَ – فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ ». وقال ابن رجب رحمه الله: وهذا مناسب لجعله جزاء لأهل الإحسان، لأن الإحسان هو أن يعبد المؤمن ربه في الدنيا على وجه المراقبة لله وحضور القلب كأنه يراه وينظر إليه، فكان جزاء ذلك النظر إلى وجه الله عيانا في الآخرة، وعكس هذا ما أخبر الله به عن الكفار في الآخرة بقوله: (كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) المطففين:15 ،فمنتهى أمل المؤمن، وغاية قصده، ومنى عينه أن يظفر برؤية وجه ربه الذي خشاه في غيبه ومشهده مع عدم رؤيته، وخاف الرجوع إليه والوقوف بين يديه، ورجا الزلفى عنده والوفادة إليه، ورأى في حياته عظيم منته، وجليل صنعه، وقديم إحسانه، وتجدد آلائه، ولطيف حفظه. سنون مضت، أودع فيها من صالحات العمل ما يرجو به لقاء ربه، والتنعم برؤية وجهه، والتلذذ بالاستماع لخطابه في الجنة، لا حرمنا الله ذلك بفضله! قال الحسن البصري: ” لو علم العابدون في الدنيا أنهم لا يرون ربهم في الآخرة لذابت أنفسهم في الدنيا “، وقال الشافعي: ” لو لم يوقن محمد بن إدريس – يعني نفسه – أنه يرى الله لما عبد الله – عز وجل – “، وقال أبو موسى الداراني: ” أي شيء أراد أهل المعرفة؟ والله ما أرادوا إلا ما سأل موسى عليه السلام -أي: حين قال لربه:﴿ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ﴾ [الأعراف: 143].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما تفاصيل تلك الرؤية؛ زمنًا، ومكانًا، وكيفية، فقد جلّاها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في أحاديث عدة؛ فرؤية المؤمنين لربهم في عرصات القيامة بيّنها حديث أبي هريرة – رضي الله عنه –: أن أُنَاسًا قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَقَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ (أي: يضر بعضكم بعضًا بالزحام) فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟» قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟» قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ” فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ القَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتْبَعُونَهُ ” رواه البخاري ومسلم. وعلامة معرفة المؤمنين ربَّهم في ذاك الموضع أوضحها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في قوله: ” فَيَأْتِيهِمُ الجَبَّارُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَلاَ يُكَلِّمُهُ إِلَّا الأَنْبِيَاءُ، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ؟ فَيَقُولُونَ: السَّاقُ، فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا ” رواه البخاري. ورؤية الله – جل وعلا – في الجنة لا يمنع منها إلا رداء الكبرياء على وجهه – تبارك وتقدس -، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا، وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا، وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ» رواه مسلم. وكشف ذلك الحجاب بيّنه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في قوله: ” إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ اللهُ – تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ – عَزَّ وَجَلَّ – ” ثم تلا رسول الله: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ [يونس: 26] رواه مسلم. وسأل أبو رزين – رضي الله عنه – رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقال:: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَرَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ وَمَا آيَةُ ذَلِكَ فِي خَلْقِهِ؟ قَالَ: «يَا أَبَا رَزِينٍ، أَلَيْسَ كُلُّكُمْ يَرَى الْقَمَرَ مُخْلِيًا بِهِ؟ »، قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «فَاللَّهُ أَعْظَمُ، وَذَلِكَ آيَةٌ فِي خَلْقِهِ» رواه ابن ماجه وحسنه الألباني. وما أجمل قول من قال :
أو ما سمعت منادي الإيمان يخبر عن منادي جنة الحيوان يا أهلها لكمُ لدى الرحمن وعدٌ وهو منجزه لكم بضمان
قالوا أما بيضت أوجهنا كذا أعمالَنا أَثقلتَ في الميزان وكذاك قد أدخلتنا الجنات حين أجرتنا من مدخل النيران
فيقول عندي موعد قد آن أن أعطيكموه برحمتي وحناني فيرونه من بعد كشف حجابه جهرًا روى ذا مسلم ببيان
وإذ رآه المؤمنون نسوا الذي هم فيه مما نالت العينان فإذا توارى عنهمُ عادوا إلى لذاتهم من سائر الألوان
فلهمْ نعيم عند رؤيته سوى هذا النعيم فحبذا الأمران أو ما سمعت سؤال أعرف خلقه بجلاله المبعوث بالقرآن
شوقًا إليه ولذةَ النظر التي بجلال وجه الرب ذي السلطان فالشوق لذة روحه في هذه الدنيا ويوم قيامة الأبدان
تلتذّ بالنظر الذي فازت به دون الجوارح هذه العينان والله ما في هذه الدنيا ألذ من اشتياق العبد للرحمن
وكذاك رؤية وجهه سبحانه هي أكمل اللذات للإنسان
أيها المؤمنون
وإن لأهل الجنة موعدًا كلَّ جمعة يرون فيه ربهم، يقول ابن مسعود – رضي الله عنه -: ” إن الله يبرز لأهل الجنة في كل جمعة في كثيب من كافور أبيض ” رواه الدارقطني وصححه شيخ الإسلام. وأفضلهم منزلة من يُكرم برؤية ربه مرتين كلَّ يوم، كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ فِي مُلْكِهِ أَلْفَ سَنَةٍ، وَإِنَّ أَفْضَلَهُمْ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ فِي وَجْهِ رَبِّهِ – عَزَّ وَجَلَّ – فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ ” رواه الطبري وصححه الحاكم. فيا من سمت نفسه بطلب رؤية وجه الله – سبحانه -، وكَلَفَتْ روحه بالاشتياق إليه؛ تنزّه عمّا قد يحول بينه وبين ذاك النعيم، ولم يسلم قياده لضلال عقيدة تنفي رؤية وجه الله أو تحرفه عن حقيقته، ولم يعد أسيرًا لنظرة محرمة قد تحرمه لذة النظر إلى ربه جزاءً من جنس ما عمل. فاتقوا الله عباد الله، وأحسنوا يحسن إليكم، أحسنوا في نفوسكم، وفي أمتكم، وفيمن ولاكم الله عليهم، وأحسنوا إحساناً متوجهاً به إلى الله، ومتبعاً فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومبتعداً به وفيه عن كل ما قد يشوبه أو يبطله من المن به والأذى، أو من السمعة به والرياء، يتحقق لكم وعد صادق الوعد جل شأنه في قوله: (( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ))[الرحمن:46]، إلى أن قال: (( هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ ))[الرحمن:60].
الدعاء