خطبة عن (من أدب العشرة، وحسن الصحبة)
نوفمبر 7, 2016خطبة عن (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ)
نوفمبر 8, 2016الخطبة الأولى ( مقياس التفاضل بين الناس التقوى ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13]، وروى الإمام أحمد في مسنده : ( عَنْ أَبِى نَضْرَةَ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ ». قَالُوا بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ) ،وفي سنن الترمذي : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا فَالنَّاسُ رَجُلاَنِ رَجُلٌ بَرٌّ تَقِىٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ وَفَاجِرٌ شَقِىٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ ». قَالَ اللَّهُ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) [الحجرات:13]، وروى البخاري في الأدب المفرد :(عن بن عباس قال : لا أرى أحدا يعمل بهذه الآية (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) فيقول الرجل للرجل أنا أكرم منك فليس أحد أكرم من أحد إلا بتقوى الله) قال الشيخ الألباني صحيح
إخوة الإسلام
الناس كلهم بنو رجل واحد .. وبنو امرأة واحدة .. المؤمن والكافر .. الأبيض والأسود .. العربي والأعجمي .. الغني والفقير .. الشريف والوضيع . والإسلام لا يلتفت إلى الفوارق في اللون , والجنس , والنسب فالناس كلهم لآدم وآدم خلق من تراب .. وإنما يكون التفاضل في الإسلام بين الناس بالإيمان والتقوى .. بفعل ما أمر الله به.. واجتناب ما نهى الله عنه , قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) الحجرات/13. وقال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ) النساء: 1 ، وقال تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ) الاعراف: 189 ، وفي سنن الترمذي (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « قَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِىٌّ وَفَاجِرٌ شَقِىٌّ وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ » . فالإسلام يسوي بين جميع الناس في الحقوق والواجبات .. فالناس أمام الشرع سواء كما قال سبحانه ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (97) ) النحل .
فالإيمان , والصدق , والتقوى كله في الجنة .. وهو حق لمن تخلق به .. ولو كان أضعف الناس ..أو أدنى الناس كما قال سبحانه ( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا ) الطلاق/11. والكفر والكبر , والطغيان كله في النار .. ولو كان صاحبه أغنى الناس ..أو أشرف الناس كما قال سبحانه (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) التغابن/10. وقد جمعت وزارة الرسول صلى الله عليه وسلم رجالاً مسلمين .. من قبائل وأجناس وألوان شتى .. يملأ قلوبهم التوحيد .. ويجمعهم الإيمان والتقوى .. كأبي بكر القرشي .. وعلي بن أبي طالب الهاشمي .. وبلال الحبشي .. وصهيب الرومي .. وسلمان الفارسي ..والغني كعثمان .. والفقير كعمار .. وأهل الثروة .. وأهل الصفة .. وغيرهم . وقد آمنوا بالله وجاهدوا في سبيله .. حتى رضي الله عنهم ورسوله ..أولئك المؤمنون حقاً، قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) البينة 7/ 8 .
أيها المسلمون
(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) هذا هو مقياس التفضيل في الاسلام ، فمن المعاني العظيمة التي أكّد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرّرها في حجة الوداع لزومَ تقوى الله عز وجل، والحرصَ على نيل رفيع الرتب، وعالي الدرجات بتحقيقها لا بالفخر بالأنساب والأحساب، فالكلُّ بنو آدم، وآدم من تراب، ولا فضل لعربي على عجمي، ولا عجمي على عربي إلاّ بتقوى الله عز وجل. وروى الإمام أحمد في مسنده ( عَنْ أَبِى نَضْرَةَ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ ». قَالُوا بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ) ،هكذا قرّر صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة العظيمة والبيان البليغ أن التفاضل ونيلَ الفضل إنما هو بتقوى الله عز وجل لا بأيِّ أمر آخر، فأكرم الناس عند الله أتقاهم له، أي: أكثرهم محافظة على طاعته، وانكفافاً عن معصيته، إذ التقوى هي العمل بطاعة الله على نور من الله رجاءَ ثواب الله، والبعدُ عن معصية الله على نور من الله خيفةَ عقاب الله. وعلى قدر منازل الناس من التقوى تكون منازلهم عند الله، والله جلَّ وعلا عليم خبير، يعلم من يقوم بتقواه ظاهراً وباطناً ممن لا يقوم، ويجازي كلاًّ بما يستحق. روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ قِيلَ لِلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ قَالَ « أَكْرَمُهُمْ أَتْقَاهُمْ » . قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ . قَالَ « فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ » . قَالُوا لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ . قَالَ « فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي » . قَالُوا نَعَمْ . قَالَ « فَخِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا » وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ » ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، فالناس إنما يتفاضلون عند الله بالتقوى لا بالأحساب والأنساب، والصور والأموال، والله عز وجل رتب الجزاء والثواب على تحقيق التقوى، والقيام بطاعته سبحانه، فبذلك تثقل الموازين وترتفع الدرجات. قال تعالى : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون:101-103]. وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: ((وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ».، ومعناه: أن العمل هو الذي يَبْلغ بالعبد درجات الآخرة كما قال تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} [الأنعام:132]، فمن بطّأ به عمله أن يبلغ به المنازل العالية عند الله تعالى لم يسرع به نسبه فيبلغ به تلك الدرجات، فإن الله رتب الجزاء على الأعمال لا على الأنساب، وقد أمر الله تعالى بالمسارعة إلى مغفرته ورحمته بالأعمال
كما قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:133]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون:57-61] ،فهذه الآيات ونظائرها كثيرٌ في القرآن تدل أن الفوز برضى الله، والسبق إلى المنازل العالية إنما هو بالأعمال الصالحات، والطاعات الزاكيات، والتقرب إلى الله بما يرضيه، وفعل طاعته وطاعةِ رسوله صلى الله عليه وسلم، لا أن يعول الإنسان على حسب أو نسب، أو مال أو جاه أو غير ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: ((إذ الفضل الحقيقي هو اتباع ما بَعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم من الإيمان والعلم باطناً وظاهراً، فكل من كان فيه أمكن كان أفضل، والفضل إنما هو بالأسماء المحمودة في الكتاب والسنة مثل: الإسلام والإيمان والبر والتقوى، والعلم والعمل الصالح، والإحسان ونحو ذلك، لا بمجرد كون الإنسان عربياً أو عجمياً أو أسود أو أبيض ولا بكونه قروياً أو بدوياً)) ويشهد لهذا كله ما في الصحيحين أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ يَقُولُ « إِنَّ آلَ أَبِى » – قَالَ عَمْرٌو فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ بَيَاضٌ – لَيْسُوا بِأَوْلِيَائِي ، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ . زَادَ عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ بَيَانٍ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – « وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أَبُلُّهَا بِبَلاَلِهَا » . يَعْنِى أَصِلُهَا بِصِلَتِهَا ) ،هكذا أخبر صلى الله عليه وسلم عن بطن قريب النسب أنهم ليسوا بمجرد النسب أولياء، إنما وليه الله وصالحو المؤمنين من جميع الأصناف، وأن الولاية لا تنال بالنسب وإن قرب، وإنما تنال بالإيمان والعمل الصالح، فمن كان أكمل إيماناً وعملاً فهو أعظم ولاية له. فالإسلام لا يفرق بين الناس بألوانهم ولا بأصولهم ولا بأنسابهم، وإنما يُفرِّق بينهم على أساس التقوى 🙁 إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13). ومن ذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: طاف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة على ناقته القَصْواء يستلم الأركان بمحجن في يده، فما وجد لها مناخًا في المسجد حتى نزل -صلى الله عليه وسلم- على أيدي الرجال، فخرج بها إلى بطن المسيل فأنيخت، ثم إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطبهم على راحلته، فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل ثم قال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا، فَالنَّاسُ رَجُلاَنِ: بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللهِ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ، قَالَ اللَّهُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ثم قال: (أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلكُم) (رواه الترمذي وابن حبان واللفظ له، وصححه الألباني). فهذه الأحاديث تقرر ميزان العدالة الذي جاء به الإسلام؛ فالعبرة بالأعمال، وليست بالأنساب؛ فمن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه، فليست العبرة أن يكون من نسب النبي الفلاني أو من الولي الفلاني أو من الشِعب الفلاني أو العرق الفلاني؛ وإنما العبرة بتقواه لله -تعالى-، وهذا يبطل النظرية السامية التي جاء بها اليهود، وهي من جملة الأباطيل التي اخترعها اليهود وصدقوها، حالهم كحال الذي كذب الكذبة وصدقها، وإلا فالسامية ليست حكرًا على اليهود وحدهم؛ بل هي للعرب أيضًا، وللبابليين، والآشوريين، والكنعانيين، والسوريين، والفلسطينيين، وكل من سكن هذه المنطقة من جزيرة العرب وما حولها، وهذا المقرر عند علماء التاريخ أن أولاد سام بن نوح -عليه السلام- من ذكرناهم وغيرهم، وليست حكرًا على اليهود. والعجب.. أن اليهود أقنعوا العالم بهذه الأباطيل بما يملكونه من السحر، أقصد: سحر البيان؛ فإن من البيان لسحرًا يقلب الحقائق ويزور التاريخ، وحتى لو قصرت هذه الصفة على اليهود أو على اليهود والعرب، أو غير ذلك؛ فهذا لا يعني أنهم من طينة أخرى غير الطينة التي خلق منها الناس، وهذا الفكر الشعوبي المقيت الذي يقسِّم الناس على أساس عرقي هو عين عبية الجاهلية التي نهى عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-. ففي الحديث عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّكُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ، لَيَنْتَهِيَنَّ قَوْمٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمْ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى الله مِنْ الجُعْلاَنِ) (رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني). وحديث آخر: روى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ أَنْسَابَكُمْ هَذِهِ لَيْسَتْ بِمَسَبَّةٍ عَلَى أَحدٍ، كُلُّكُمْ بَنُو آدَمَ، طَفُّ الصَّاعِ لَمْ تَمْلَئُوهُ، لَيْسَ لأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَضْلٌ إِلا بِدِينٍ أَوْ تَقْوَى، وَكَفَى بِالرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ بَذِيًّا بَخِيلا فَاحِشًا) (رواه أحمد، وصحح الألباني). وقد رواه ابن جرير، عن يونس، عن ابن وهب، عن ابن لَهِيعة به، ولفظه: (النَّاسُ لآدَمَ وَحَوَّاءَ كَطَفِّ الصَّاعِ لَمْ يَمْلأوهُ، إنَّ اللّهُ لا يسألُكُمْ عَنْ أحْسابِكُمْ وَلا عَنْ أنْسابِكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ، إن أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أتْقاكُمْ). فهذه النصوص من الكتاب والسنة متعاضدة على أن الناس يتمايزون، وأنهم لا يستوون؛ فالمؤمن التقي ليس عند الله وعند المؤمنين كالمجرم الشقي، قال -تعالى-: (لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) (الحشر:20)، وقال -تعالى-: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ . مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (القلم:35-36). وإن هذا التمايز مبني على أسس من العدل؛ فالإسلام دين العدل وليس دين المساواة كما يدعي البعض، فالعدل كل العدل ألا يتمايز الناس من أجل أن هذا أبيض أو أن هذا أسود، أو أن هذا عربي وذاك أجنبي؛ فهذا لا قيمة له؛ لأنهم في النهاية كلهم لآدم، وآدم من تراب؛ فالتكبر والتعاظم بالأنساب والأحساب، والانتساب للقوميات والعصبيات المختلفة… هذه عبية الجاهلية وتعاظمها بالآباء التي نهانا عنها إسلامنا الحنيف.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مقياس التفاضل بين الناس التقوى ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
الغرض المقصود أن الناس في الإسلام يتمايزون بقربهم من الله، والتزامهم بأمره، وعملهم بشرعه، وحرصهم على مرضاته؛ عندئذ يتمايز الناس، وهذا هو قمة العدل والسمو الإنساني أن يتمايز الناس على أساس حبهم للذي خلقهم وأوجدهم من العدم، وامتن عليهم بصنوف النعم، ولا قيمة لاختلاف الصور والألوان، و… في تقسيم الناس. والأخوة في الإنسانية وإن كانت متحققة؛ لكنها لا تجدي نفعًا إذا كانت على حساب الإيمان بالله وتصديق رسوله -صلى الله عليه وسلم-، كما قال -تعالى-: (أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ) (هود:60)، بعد أن ذكر -جلّ وعلا- أخوتهم في النسب والإنسانية: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُم هُودًا) (هود:50). وهذه الروابط القائمة على أساس الإخوة في الإنسانية تتهاوى عند أول محك لها على أرض الواقع؛ ففي الواقع هناك شعوب ترى لنفسها الفضل على بقية البشر لا لشيء إلا لأصلها وعنصرها؛ فبعيدًا عن الدعاوى الفارغة نرى الناس يُعاملون في المجتمعات المدنية المعاصرة على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية والثالثة لأجل الأصول والألوان، وهذا نقض لتلك المساواة المزعومة. بل الذي وصلت إليه البشرية اليوم بسبب الشعوبية والتعالي تستحيي أن تفعله الوحوش في البراري؛ فالدماء تراق هنا وهناك، وليس ما حصل لأسطول الحرية منا ببعيد، شعوب تقتل من الجوع والحصار تحت مرأى ومسمع الجميع، والرجل في أوروبا وأمريكا يبكي من أجل الكلب الذي لا يجد العناية التي تليق به في أحد أكبر التجمعات الكلبية الكبرى في تلك البلاد؛ فأي تناقض أعظم من هذا التناقض؟! فالمسلمون كانوا وما زالوا هم أصحاب القيم الثابتة التي لا تتغير مع تغير الأزمان وتبدل العصور، وهذه القيم هي التي ترفع من مستوى البشرية وتجعل الإنسان أكثر قربًا من الله، وفي هذا صلاح القلوب والأعمال والمجتمعات، فكلما كان الإنسان أتقى لله كلما كانت مكانته في الإسلام أعظم، وقد كان أئمة المسلمين الذين نقلوا الدين وعلموا الدنيا الإسلام من الموالي، يعني من الدول التي فُتحت على أيدي المسلمين، ودخل أبناؤها في الإسلام وإن كانوا ليسوا من العرب، فهذا لا قيمة له عند المسلمين. فإن قوله تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ،
وقوله صلى الله عليه وسلم (« فَخِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا » ، فهذا الربط بين الخيرية وبين التقوى هو الميزان الذي يجب علينا كمسلمين أن نزن به الناس على ظواهرهم ونحسبهم والله حسيبهم، فمن ابتغى غيره فقد خاض في عفن الجاهلية ولم يرد إلا الحياة الدنيا. وختام الآية بقوله تعالى: (عليم خبير ) أي: عليم بكم، خبير بأموركم، فيهدي من يشاء، ويضل من يشاء، ويرحم من يشاء، ويعذب من يشاء، ويفضل من يشاء على من يشاء، وهو الحكيم العليم الخبير في ذلك كله، والمعنى. فلستم أنتم من تعطون الناس مقاماتهم عند الله، بل يختار وينزل من رحمته على من يشاء من عباده. فالناس ينظرون بمنظار المصلحة والوجاهة والعطاء المشبوه من الأموال، والله ينظر إلى الناس بمنظار الحق والعدل والإنصاف، فأين قلب محمد صلى الله عليه وسلم من الوليد بن المغيرة.
أيها المسلمون
وإن سب الناس أمر ليس بالهين لكنه عندما يكون عن سخرية واحتقار وتنقص فإن أمره أعظم لما يدل عليه من خبث السريرة وقلة الحياء من الله ومن الناس. فمن سبك واحتقرك ونال من عرضك فقد وصل به الجرم ما يبينه حديث البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الرِّبا اثَنانِ و سبعونَ بابًا، أَدْناها مثلُ إِتْيانِ الرجلِ أُمَّهُ، و إِنَّ أَرْبَى الرِّبا اسْتِطَالَةُ الرجلِ في عِرْضِ أَخِيهِ )) صححه الألباني. فإن كان الربا عظيم فإن هناك ما هو أشنع منه أن تقتطع من لحم أخيك طعام تستسيغه لكبر وتطاول في نفسك. وإن الإنسان ببذله ونبله ليصل إلى مقامات العزة والشرف ولا شك فهذا سلمان الفارسي نال الشرف في حديث: عمرو بن عوف المزني: (( أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَطَّ الخندقَ من أحمرَ السَّبْخَتَينِ طرفَ بني حارثةَ عامَ حربِ الأحزابِ حتى بلغ المَداحجَ فقطع لكل عشرةٍ أربعينَ ذراعًا واحتج المهاجرون والأنصارُ في سلمانَ الفارسيِّ وكان رجلًا قويًّا فقال المهاجرون سلمانُ منا وقالت الأنصارُ منا فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سلمانُ منا أهلَ البيتِ)) حسنه لترمذي. فالمرء يقاس بمقدار صلاحه واستقامته على منهج الله ، وقيمة الإنسان في المجتمع إنما هي بمقدار نفعه لمجتمعه ، وخدمته لأمته ، واستغلال ما آتاه الله من نعم وما مكنه فيه في نشر الخير ومساعدة المحتاج وإعانة الضعيف ، وسره على مصالح الأمة ومعرفته بحقوق الآخرين ، فيجب علينا أن نحترم الناس على هذا المقياس ، ونزنهم بهذا الميزان العادل . فالإنسان الصالح ولو كان من الموالي أجدر بالاحترام من إنسان عريق النسب لا يعرف للصلاح مسلكا ولا للخير سبيلا ، والإنسان الفقير صاحب الأخلاق والقيم أجدر بالتقدير من غني لا يرعى حقوق الله ولا حقوق العباد في ماله ، والعامل المخلص في عمله يستحق الاحترام أكثر من الموظف الكبير الذي لا يرعى مسئوليته في العمل ، والابن المحترم عالي الأخلاق الذي لم تسمح له الظروف بالحصول على الشهادات العالية أجدر بالاحترام من قبل أبويه من الابن العاق صاحب الشهادة الجامعية ، وهكذا ،فالواجب على الإنسان أن يقيس الناس بالمقاييس الثابتة الراسخة الجذور في الدنيا والآخرة التي تَعَبَّــدَنَا الله بتقدير الأشخاص استنادا إليها (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ))
أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه : (عَنْ سَهْلٍ قَالَ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا » . قَالُوا حَرِىٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ . قَالَ ثُمَّ سَكَتَ فَمَرَّ رَجُلٌ مِنَ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ « مَا تَقُولُونَ فِى هَذَا » . قَالُوا حَرِىٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لاَ يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لاَ يُسْتَمَعَ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا » وإلى مثل هذا المعنى يقول الله تعالى في محكم آياته (( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ )) (البقرة:204) ، وما نراه اليوم من تشريف الوضيع الظاهر الوضاعة ، والفاسق المجاهر بالفسق ، أو الكافر الداعي إلى الكفر. وهذا لا نحتاج أمثلة عليه في هذه السنوات الخداعة ، فلا يخفى علينا حال النجوم ، والمغنين والمغنيات ، والراقصين والراقصات ، والفاسقين والفاسقات ، والمفسدين والمفسدات ، والمنجمين والمنجمات ، والساحرين والساحرات ، والمحللين والمحللات ،نعم : (( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ )) (البقرة:204)
الدعاء