خطبة عن (التحذير من مجالسة المستهزئين (فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
نوفمبر 8, 2016خطبة عن ( نظرة القرآن الكريم لليهود)
نوفمبر 10, 2016الخطبة الأولى ( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا، وَأَكِيدُ كَيْدًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) (17) الطارق ،وقال تعالى : (ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ) (18) الانفال ، وقال تعالى : (وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) (25) غافر ، وقال تعالى : (هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (40) المرسلات
إخوة الإسلام
بداية ، وقبل أن نتناول هذه الآيات بشيء من الشرح والبيان والتوضيح ، فيجب علينا أن نعلم أن مذهب السلف الصالح ، والذي عليه الصحابة والتابعون وأئمة المسلمين من بعدهم هو أن الله تعالى يوصف بما وصف به نفسه في كتابه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكليف ولا تمثيل. وهذا هو المذهب الحق الذي دل عليه السمع والعقل، أي دل عليه الشرع والعقل؛ وذلك لأن صفات الله سبحانه وتعالى مجهولة لنا، ما نعلم منها إلا ما أخبرنا الله تعالى عن نفسه، وما أخبرنا به عن نفسه فهو حق؛ لأنه خبر صادق ممن هو أعلم بنفسه من غيره؛ ولأننا لا ندرك ما يجب لله تعالى وما يجوز وما يستحيل عليه على وجه التفصيل إلا عن طريق الكتاب والسنة. وعلى هذا فإن ما وصف الله به نفسه وجب علينا قبوله والإيمان به، لكننا لا نحيط به على وجه الحقيقة، بمعنى أننا لا نحيط كيفيته؛ فالله سبحانه وتعالى لا يُسمَّى كائداً، ولا يسمَّى ماكراً، ولا يُشتقُّ من هذين الحديثين اسمان لله عزَّ وجل ،فلله الأسماء الحسنى، ولكن مثل قاضٍ رفعت له قضية قتل والقاتل ظالم، فأمر بقتل القاتل، فهل يسمَّى القاضي قاتلاً؟ لا، أما حكمه فعادل، ردَّ على هذه الجريمة بجزاءٍ عادل، فلا يسمَّى القاضي قاتلاً لأنه حكم بالعدل، وكذلك عندما يكيد إنسان لأهل الحق فالله عزَّ وجل يدافع عن الذين آمنوا، فكيدُ الكفار مكشوفٌ عند الله، أما كيد الله التدبير المضاد لهؤلاء الكفار فناجحٌ مئة في المئة، لذلك قالوا: لا تجوز على الله حيلة. فهذا الكيد الذي قاله الله عن نفسه هو ردٌ على كيدهم، كيده محكم لأنّهم لا يعلمونه، وكيدهم مخفِق لأنّه مكشوفٌ عند الله عزَّ وجل: ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً*َوَأَكِيدُ كَيْداً ﴾ ،فانظر معي عندما تبع كفار قريش محمداً عليه الصلاة والسلام إلى غار ثور، فبين أن يروه وعدم رؤيتهم له حركةً قليلة، قال سيدنا الصديق: لو نظر أحدهم إلى موطن قدمه لرآنا. وقفوا أمام رؤوسهم. ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً*َوَأَكِيدُ كَيْداً ﴾ ، وعندما تبع سيدنا سراقة محمداً عليه الصلاة والسلام ليقتله غاصت قدما فرسه في الرمل، أول مرة والثانية والثالثة: ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً*َوَأَكِيدُ كَيْداً ﴾، فقوله تعالى : ﴿إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً﴾. فإنهم يعني المكذبون للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يكيدون للنبي صلى الله عليه كيداً عظيماً ولكن الله تعالى يكيد بهم كيداً أعظم. وتأمل قوله: ﴿ يكيدون ﴾ أتت بصيغة الجمع، ﴿وأكيد ﴾ حيث أتت بصيغة الإفراد؛ وفيه اشارة على أن كيد الله تعالى أعظم من كيد جميع كيودهم مهما بلغت. وقد كاد الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم مع هؤلاء المشركين المكذبين به كيداً عظيماً كما هو معلوم من قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم.
أيها المسلمون
وكيد الكفار والمكذبين والمعاندين للإسلام والمسلمين لا ينقطع أبدا فهو مستمر إلى يوم الدين ، فهم يكيدون للإسلام والمسلمين ، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ، والله يكيد لهم بالاستدراج حتى يأتي موعد إهلاكهم ، و يكيد الله عز وجل لكل من انتصر لدينه، فإنه يكيد له ويؤيده، قال الله تعالى: ( كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ) (يوسف: من الآية76) ، يعني: عملنا له عملاً حصل به مقصوده دون أن يشعر به أحد. وهذا من فضل الله عز وجل على المرء، أن يقيه شر خصمه على وجه الكيد والمكر على هذا الخصم الذي أراد الإيقاع به. وقال تعالى:﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً*َوَأَكِيدُ كَيْداً* فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً ﴾ أي فمهل يا محمد، والنبي لا يمهل، الله هو الذي يمهل ، فالفعل بيده، فهذا إكرامٌ له، أي أنا يا محمد – اللهمّ صلّ عليه – لا أسوق لك الشدائد لضعفي، لا، ولا لهوانٍ لك عندي، لا، أنت حبيبي كما يقولون، ولكن أسوق هذه الشدائد لأمتحن أتباعك، فإذا كانوا صادقين كانوا مؤهَّلين للنصر، فالأمر بيدك أنت مهّلهم، وليس: أنا سأمهلهم : ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً*َوَأَكِيدُ كَيْداً* فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً ﴾ أي إلى أن ينضج الذين معك وإلى أن يمتحن صدقهم وإلى أن تظهر همَّتهم وإلى أن يظهر ثباتهم، فالكفار مهملون إلى أن يحين الوقت لغلبتهم:﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً*َوَأَكِيدُ كَيْداً ﴾ ،وانظر معي في هذه المواقف : ففي الخندق الكفار قاموا بترتيب خطة جهنمية، فجمعوا عشرة آلاف مقاتل للقضاء نهائياً على محمد وأصحابه في حرب إبادة، واليهود نقضوا عهدهم مع النبي عليه الصلاة والسلام،
وبقي للإسلام ساعات وسينتهي، إلى أن قال أحدهم: أيعدُنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته.. ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً*َوَأَكِيدُ كَيْداً ﴾ كيد عظيم، وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال، فالله عزَّ وجل عن طريق صحابي جليل أسلم وقتها وهو نعيم بن مسعود قال للرسول عليه الصلاة والسلام: أنا أسلمت يا رسول الله، ماذا أفعل مُرْني؟ فقال له: خذِّل عنا ما استطعت. فذهب لقريش وتكلَّم بكلام لهم، وبكلام لليهود فأوقع بينهم العداوة، وهبَّت رياحٌ قلعت خيامهم وأطفأت نيرانهم وقلبت قدورهم، وكفى الله المؤمنين القتال. هذا كيد الله عزَّ وجل. اجتمعوا ليجتثوا الإسلام، فالله أرخى لهم الحبل لآخر لحظة، حتى بدا لبعض المسلمين أن الإسلام انتهى.. فأي إسلام هذا، وأي نبي ورسول هو، فقال: صاحبكم، ولم يصبح رسول الله.. ولكن في آخر لحظة جاء نصر الله عزَّ وجل وكاد الله للكفّار وعادوا مخفقين وحبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة. كن مع الله ترَ الله معك : فرعون كاد لسيدنا موسى، فتبعه إلى البحر ليقضي عليه، وفتح البحر فعبر سيدنا موسى وأصحابه، وتبعهم فرعون، وخرج سيدنا موسى من البحر من الطرف الآخر، ثم عاد البحر بحراً.. ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً*َوَأَكِيدُ كَيْداً ﴾ أي خطّتهم أعرفها أما خطتي لا يعرفونها،
ولذلك إذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان الله عليك فمن معك؟ ما من مخلوقٍ يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيَّته، فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً، وما من مخلوقٍ يعتصم بمخلوقٍ دوني أعرف ذلك من نيَّته إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه، وقطَّعت أسباب السماء بين يديه. إذا كنت في كل حالٍ معي فعن حمل زادي أنا في غنى
أيها المسلمون
ولنعلم أيضا أن هذه الآيات لا تخص الرسول صلى الله عليه وسلم فقط، (فالعبرة كما يقولون بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ) فالآيات ترسي قاعدة عظيمة لأهل الإيمان، في كل زمان، ومكان.. فالكفار يكيدون كيدا.. والله يكيد ويكيد.. وفي هذا رسالة طمأنة لكل نفس مؤمنة بأن الله يكيد لها، وكفى بكيده كيدا. فالله تعالى يكيد لأعداء الاسلام كما يكيدون، ويظهر الحق كما يخفونه، وينتقم منهم من حيث لا يشعرون.. “فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا”، أي: أنظرهم، ولا تعجل عليهم، في انتظار حلول نقمة الله بهم. إن كيد الله لأعدائه يفتح باب الأمل أمام الإنسان المؤمن ويشحذ همته، ويصحح تصوره، ويجعله ينظر إلى الأشخاص والأحداث والأشياء بالمنظور الإيماني، والمنطق القرآني، فلا يصاب باليأس ولا الإحباط من تقلب الفاسدين والمفسدين، ومكر الماكرين، وظلم الظالمين، واعتداء المعتدين، وسحر الساحرين؛
وحينما يرى المسلم الباطل منتفشاً، والإجرام منتشراً، فإنه لا يجزع، ولا يتململ، ولا ييأس؛ لأنه يعلم أن أساس الباطل فوق الأرض، فينتفش ويهيج لكنه سرعان ما ينفجر أو يكون هباء؛ لأنه لا يستند إلى ركن ركين وقرار مكين، أما الحق، فهو ثابت لا يتغير، أصله في أعماق الأرض، وفرعه في سدرة المنتهى، لا يتحول ولا يتغير، ولا يزول ولا يحول؛ لأن الله قال:” فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ” الرعد 17.
أيها المسلمون
وإن الصراع بين الحق والباطل سنة من سنن الله في كونه وخلقه! وعاقبة هذا الصراع قد أخبرنا الله بها في مثل قوله:
﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ غافر 51 ، وقوله تعالى : ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ الروم 47 ، وقوله تعالى : ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ يونس 103. وإن لهذا الدين رباً يحميه! وينصره، وهو سبحانه قادرٌ على أن يبعث على أعداء دينه جميعاً عذاباً من فوقهم ومن تحت أرجلهم وأن يأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، بل هو قادرٌ على أن لا يجعل على الأرض من الكافرين والمنافقين دياراً!! وما ذلك على الله بعزيز.
ولأننا واثقون من ذلك كله مؤمنون به فنحن على يقين من نصر الله وإن طال الليل وأحاطت بنا الفتن ﴿ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) ﴾ المعارج ، فإذا خطر على قلب مسلم هذا السؤال: متى نصر الله ؟ ،فإنه يردد قول الحق: ﴿ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ البقرة 214 ، وقد تعلمنا من كتاب الله : ﴿ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ الشرح 6. وليس عجيباً أن يحارب الإسلام من أعدائه! فإن الهجمة الشرسة التي تقودها أمريكا – رائدة التنصير في العالم – ومعها أوربا ضد الإسلام هي امتداد للحروب الصليبية! والحروب الصليبية امتداد لعداوة الفرس والروم ، وهم : ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ (32) التوبة ، وحقيقتهم: ﴿ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾ آل عمران 118 ، فقد حذر قادتهم من الإسلام القادم ونصحوا بضرورة التعجيل بالقضاء عليه! وعمل بنصيحتهم أعداء الإسلام في الشرق والغرب، لأنه لا أحد يقبل بوجود الإسلام في أوربا!! وأن مهمتهم الأولى هي منع إقامة دولة إسلامية في أوربا ، ولكنهم: ﴿ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ﴾ المائدة 64. وما أشبه الليلة بالبارحة ! فلقد جمعت قريش من كل قبيلة رجلاً للقضاء على الإسلام بقتل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم! واليوم جمع أعداء الإسلام من كل دولة جيشاً للقضاء عليه! فهل تعرف دولة غير مسلمة لا تحارب الإسلام؟ حتى الذين لا يحاربونه بالسيف فإنهم يعملون جاهدين على تدمير أخلاق المسلمين واقتصادهم .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا، وَأَكِيدُ كَيْدًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
لقد كتب الله عز وجل لهذا الدين العظيم دين الإسلام الرفعة والسناء والمجد والريادة ، فهو الدين الذي ارتضاه ملك الملوك الرب العظيم للبشرية دينا ، وهو الملة السمحاء التي فرق بها عز وجل بين الناس فمنهم مؤمن ومنهم كافر ، وهو الدين الذي لا يقبل الله عز وجل ممن لا يؤمن به عملا ولا قربة مهما بلغت حجمها ذلك لأن أجل ما يتقرب به العباد إلى الباري عز وجل هو تحقيق العبودية له جل وعلا من خلال الإيمان الكامل والتسليم المطلق لهذا الدين والخضوع لجميع أحكامه ، قال تعالى ” إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ” آل عمران 19 ، وقال تعالى ” وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (85) ” آل عمران . وإن ما شهده التأريخ منذ بزوغ فجر هذا الدين العظيم من مؤامرات للقضاء عليه أمر لم يتعرض له أي دين آخر وأي ملة أخرى ،ويكفي لمعرفة مدى ما يتعرض له الإسلام من مكر كبار النظر فيما يتعرض له ديننا في هذا الزمن من محاولات الاجتثاث والإقصاء والتشويه والإبعاد ومع ذلك نرى هذا الدين لا يزداد إلا انتشارا وقبولا عند الناس ،والمعادلة تقول كلما ازداد الكيد لهذا الدين كلما ازداد عدد المقبلين عليه وكيف لا يكون كذلك وهو دين الفطرة ، كيف لا يكون كذلك وهو الدين الذي فيه الحلول الناجعة لجميع مشكلات البشرية وعللها . هذا الدين العظيم جميع المنحرفين يكيدون له ، اليهود يكيدون له الكيد تلو الكيد ، والنصارى يكيدون له ، والوثنيون يكيدون له ، والمنافقون يكيدون له ، والشهوانيون والزنادقة والملاحدة والمبتدعة يكيدون له ، ومع ذلك فجميع هذه النحل على اختلاف مشاربها تكيد كيدا نهايته إلى الخسران والبوار :
أيطفئ نور الله نفخة فاجر **** تعالى الذي بالكبرياء تفردا ، وقول الله تعالى أجل وأبلغ : ” يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (9) ” الصف، ويقول جل وعلا : ” إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (36) ” الانفال ، نعم : ” إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا “.
أيها المسلمون
وإن كيد الأعداء ومخططاته منكوسة ، وإن ظهرت جعجعته في عالم الناس لفترة من الزمن أو لحظات من الوقت ، ذلك لأن الله عز وجل لا يصلح عمل المفسدين ،وإن محاربة الإسلام أعظم فساد يمارس على وجه الأرض وهو فساد تكفل الله عز وجل بإبطاله ورد كيد منفذيه إلى نحورهم لأن الدين دينه الذي ارتضاه للبشرية دينا . ولقد جاءت البشائر النبوية بنصرة هذا الدين وظهوره على الدين كله ، ومثل هذه البشائر تشيع الأمل في النفوس وتزرع بذور التفاؤل في الأرواح التي يؤلمها ماحل بالمسلمين من المصائب والنكبات ، وهي بشائر أيضا تثبت اليقين في القلوب وتستحث الهمم من أجل مزيد من العمل للدين ومن ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِى سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِىَ لِي مِنْهَا وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّى لأُمَّتِي أَنْ لاَ يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ وَأَنْ لاَ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَإِنَّ رَبِّى قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لاَ يُرَدُّ وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَنْ لاَ أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ وَأَنْ لاَ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا – أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا – حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ». فياله من مللك عظيم وعز كريم ينتظر هذه الأمة المبشرة بالرفعة والسناء والتمكين في الأرض كما في مسند أحمد : ” عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « بَشِّرْ هَذِهِ الأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ وَالدِّينِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الأَرْضِ ». وإننا مع ما نشاهده كمسلمين من مكر كبار لهذا الدين إلا أن ذلك المكر يجب أن لا ينسينا حقيقة إيمانية وقاعدة ربانية تخبرنا بأن هذا الدين لايزال في زيادة ولا يمكن أن يرجعه أعدائه إلى نقص وبوار ، فهذا الدين بنيان شامخ وصرح عظيم قائم لا تهزه الرياح ، ولا تزعزعه العواتي ، منصور بعون الله عز وجل بثلة من أوليائه ،ممن يغرسهم الله عز وجل ليستعملهم في طاعته ،والمنافحة عن دينه ، إن مثل هذه المبشرات لابد أن تصنع في نفوسنا الأمل الذي يحركه العمل ،وليس مهما أن نرى بأنفسنا ثمرة نصر الإسلام أو تمكينه ،بل المهم هو أن نعمل من أجل الإسلام وأن نسأل أنفسنا دائما : ماذا قدمنا للدين ؟ كيف ننصر ديننا؟ ماهي المجالات التي نستطيع القيام بها وهي تخدم ديننا؟ ، فالإسلام محتاج إلى جهود أتباعه وإلى طاقاتهم فمجالات الخير واسعة ومتعددة ولكنها محتاجة فقط إلى من يرشد إليها ، وهذا ما يوجب علينا أن نطلق من حيز جلد الذات والبكاء على الأطلال إلى حيز العمل والعمل والعمل .
الدعاء