خطبة عن ( نظرة القرآن الكريم لليهود)
نوفمبر 10, 2016خطبة عن حديث ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ)
نوفمبر 12, 2016الخطبة الأولى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) آل عمران 110 ،وروى البخاري في صحيحه :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) قَالَ خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ ، تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلاَسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الإِسْلاَمِ ) . وروى الترمذي بسند حسن: (عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ فِي قَوْلِهِ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) قَالَ « إِنَّكُمْ تُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ » ، وروى الإمام أحمد في مسنده : (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ – أَنَّهُ سَمِعَ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أُعْطِيتُ مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ ». فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هُوَ قَالَ « نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ وَجُعِلَ التُّرَابُ لِي طَهُوراً وَجُعِلَتْ أُمَّتِى خَيْرَ الأُمَمِ »
إخوة الإسلام
يُخْبِر الله تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْأُمَّة الاسلامية الْمُحَمَّدِيَّة بِأَنَّها خَيْر الْأُمَم فَقَالَ تَعَالَى ” كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ” وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ خَيْر الْأُمَم وَأَنْفَع النَّاس لِلنَّاسِ وَلِهَذَا قَالَ ” تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر وَتُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ ”
وَإِنَّمَا حَازَتْ هَذِهِ الْأُمَّة قَصَب السَّبْق إِلَى الْخَيْرَات ،بِنَبِيِّهَا مُحَمَّد صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أَشْرَف خَلْق اللَّه ،وَأَكْرَم الرُّسُل عَلَى اللَّه، وَبَعَثَهُ اللَّه بِشَرْعٍ كَامِل عَظِيم لَمْ يُعْطِهِ نَبِيّ قَبْله وَلَا رَسُول مِنْ الرُّسُل . فَالْعَمَل عَلَى مِنْهَاجه وَسَبِيله يَقُوم الْقَلِيل مِنْهُ مَا لَا يَقُوم الْعَمَل الْكَثِير مِنْ أَعْمَال غَيْرهمْ مَقَامه ،ومن شواهد خيرية هذه الأمة ما رواه الإمام أحمد في مسنده عَنْ يَزِيد بْن مَيْسَرَة قَالَ : سَمِعْت أَبَا الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُول : سَمِعْت أَبَا الْقَاسِم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا سَمِعْته يُكَنِّيه قَبْلهَا وَلَا بَعْدهَا يَقُول ” إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول يَا عِيسَى إِنِّي بَاعِث بَعْدك أُمَّة إِنْ أَصَابَهُمْ مَا يُحِبُّونَ حَمِدُوا وَشَكَرُوا وَإِنْ أَصَابَهُمْ مَا يَكْرَهُونَ اِحْتَسَبُوا وَصَبَرُوا وَلَا حِلْم وَلَا عِلْم قَالَ : يَا رَبّ كَيْفَ هَذَا لَهُمْ وَلَا حَلْم وَلَا عِلْم ؟ قَالَ : أُعْطِيهِمْ مِنْ حِلْمِي وَعِلْمِي ” ومنها ما جاء في مسند احمد :(عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه ” أُعْطِيت سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّة بِغَيْرِ حِسَاب وُجُوههمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر قُلُوبهمْ عَلَى قَلْب رَجُل وَاحِد فَاسْتَزَدْت رَبِّي فَزَادَنِي مَعَ كُلّ وَاحِد سَبْعِينَ أَلْفًا ” فَقَالَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : فَرَأَيْت أَنَّ ذَلِكَ آتٍ عَلَى أَهْل الْقُرَى وَمُصِيب مِنْ حَافَّات الْبَوَادِي. ” وحَدِيث آخَر ” قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : (عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ” إِنَّ رَبِّي أَعْطَانِي سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّة بِغَيْرِ حِسَاب ” فَقَالَ عُمَر : يَا رَسُول اللَّه فَهَلَّا اِسْتَزَدْته فَقَالَ اِسْتَزَدْته فَأَعْطَانِي مَعَ كُلّ أَلْف سَبْعِينَ أَلْفًا ” قَالَ عُمَر : فَهَلَّا اِسْتَزَدْته قَالَ ” قَدْ اِسْتَزَدْته فَأَعْطَانِي مَعَ كُلّ رَجُل سَبْعِينَ أَلْفًا ”
قَالَ عُمَر : فَهَلَّا اِسْتَزَدْته قَالَ ” قَدْ اِسْتَزَدْته فَأَعْطَانِي هَكَذَا ” وَفَرَّجَ عَبْد الرَّحْمَن اِبْن أَبِي بَكْر بَيْن يَدَيْهِ وَقَالَ عَبْد اللَّه وَبَسَطَ بَاعَيْهِ وَحَثَا عَبْد اللَّه وَقَالَ هَاشِم : وَهَذَا مِنْ اللَّه لَا يُدْرَى مَا عَدَده . ” وفيه (عَنْ اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : أَكْثَرْنَا الْحَدِيث عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات لَيْلَة ثُمَّ غَدَوْنَا إِلَيْهِ فَقَالَ ” عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأَنْبِيَاء اللَّيْلَة بِأُمَمِهَا فَجَعَلَ النَّبِيّ يَمُرّ وَمَعَهُ الثَّلَاثَة وَالنَّبِيّ وَمَعَهُ الْعِصَابَة وَالنَّبِيّ وَمَعَهُ النَّفَر وَالنَّبِيّ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَد حَتَّى مَرَّ عَلَيَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَمَعَهُ كَبْكَبَة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل فَأَعْجَبُونِي فَقُلْت مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قِيلَ : هَذَا أَخُوك مُوسَى وَمَعَهُ بَنُو إِسْرَائِيل فَقُلْت : فَأَيْنَ أُمَّتِي ؟ فَقِيلَ اُنْظُرْ عَنْ يَمِينك فَنَظَرْت فَإِذَا الضِّرَاب قَدْ سُدَّ بِوُجُوهِ الرِّجَال فَقِيلَ لِي أَرَضِيت : فَقُلْت : رَضِيت يَا رَبّ – قَالَ : فَقِيلَ لِي إِنَّ مَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّة بِغَيْرِ حِسَاب ” فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” فِدَاكُمْ أَبِي وَأُمِّي إِنْ اِسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنْ السَّبْعِينَ أَلْفًا فَافْعَلُوا فَإِنْ قَصَّرْتُمْ فَكُونُوا مِنْ أَهْل الضِّرَاب فَإِنْ قَصَّرْتُمْ فَكُونُوا مِنْ أَهْل الْأُفُق فَإِنِّي قَدْ رَأَيْت ثَمَّ أُنَاسًا يَتَهَاوَشُونَ ” فَقَامَ عُكَّاشَة بْن مِحْصَن فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه اُدْعُ اللَّه أَنْ يَجْعَلنِي مِنْهُمْ أَيْ مِنْ السَّبْعِينَ فَدَعَا لَهُ فَقَامَ رَجُل آخَر فَقَالَ : اُدْعُ اللَّه يَا رَسُول اللَّه أَنْ يَجْعَلنِي مِنْهُمْ فَقَالَ ” سَبَقَك بِهَا عُكَّاشَة ” قَالَ : ثُمَّ تَحَدَّثْنَا فَقُلْنَا مَنْ تَرَوْنَ هَؤُلَاءِ السَّبْعِينَ الْأَلْف قَوْم وُلِدُوا فِي الْإِسْلَام وَلَمْ يُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا حَتَّى مَاتُوا فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ” هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ ” وقَالَ أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ : أن عُتْبَةَ بْن عَبْد السُّلَمِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” إِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِل الْجَنَّة مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَاب ثُمَّ يَشْفَع كُلّ أَلْف لِسَبْعِينَ أَلْفًا ثُمَّ يَحْثِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ بِكَفَّيْهِ ثَلَاث حَثَيَات ”
فَكَبَّرَ عُمَر وَقَالَ : إِنَّ السَّبْعِينَ الْأَوَّل يُشَفِّعهُمْ اللَّه فِي آبَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ وَعَشِيرَتهمْ وَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلنِي اللَّه فِي إِحْدَى الْحَثَيَات الْأَوَاخِر ، وَرَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ ” نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْم الْقِيَامَة وَنَحْنُ أَوَّل مَنْ يَدْخُل الْجَنَّة ” ، وقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا اِبْن جُرَيْج أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْر أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول ” إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُون مَنْ يَتْبَعُنِي مِنْ أُمَّتِي يَوْم الْقِيَامَة رُبْع أَهْل الْجَنَّة ” قَالَ : فَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ :” أَرْجُو أَنْ يَكُونُوا ثُلُث النَّاس ” قَالَ : فَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ ” أَرْجُو أَنْ يَكُونُوا الشَّطْر ” وقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : عَنْ اِبْن بُرَيْدَة عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ” أَهْل الْجَنَّة عِشْرُونَ وَمِائَة صَفّ : هَذِهِ الْأُمَّة مِنْ ذَلِكَ ثَمَانُونَ صَفًّا ”
أيها المسلمون
فَهَذِهِ الْأَحَادِيث فِي مَعْنَى قَوْله تَعَالَى ” كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر وَتُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ ” فَمَنْ اِتَّصَفَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة بِهَذِهِ الصِّفَات دَخَلَ مَعَهُمْ فِي هَذَا الْمَدْح كَمَا قَالَ قَتَادَةُ : بَلَغَنَا أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي حَجَّة حَجَّهَا رَأَى مِنْ النَّاس دَعَة فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة ” كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ” ثُمَّ قَالَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُون مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة فَلْيُؤَدِّ شَرْط اللَّه فِيهَا رَوَاهُ اِبْن جَرِير . وَمَنْ لَمْ يَتَّصِف بِذَلِكَ أَشْبَهَ أَهْل الْكِتَاب الَّذِينَ ذَمِّهِمْ اللَّه بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) المائدة (79) ، وَلِهَذَا لَمَّا مَدَحَ الله تَعَالَى هَذِهِ الْأُمَّة عَلَى هَذِهِ الصِّفَات شَرَعَ فِي ذَمّ أَهْل الْكِتَاب وَتَأْنِيبهمْ فَقَالَ تَعَالَى ” وَلَوْ آمَنَ أَهْل الْكِتَاب ” أَيْ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّد ” لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرهمْ الْفَاسِقُونَ” أَيْ قَلِيل مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ وَأَكْثَرهمْ عَلَى الضَّلَالَة وَالْكُفْر وَالْفِسْق وَالْعِصْيَان .
أيها المسلمون
نعم، إننا خير أمة أخرجت للناس؛ نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر. فنحن من أخرج الله بنا الناس من عبادة العباد لعبادة رب العباد، ونحن من حكمنا الناس بكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبسنة رسوله ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى؛ فعم الرخاء والأمن وانتشر العدل بين الناس، ولم نكره أحدا على دخول ديننا، بل لقد دخلوا طواعية في دين الله لما شاهدوا بأعينهم خيرية تلك الأمة، ونحن من رفعنا عن الأمم طغاتها بدماء قادتنا وجنودنا، ونحن من منع ديننا وأد البنات، ونحن من نحافظ على الحقوق فنقطع كل يد تمتد على حقوق الآخرين، ونحن من منع ديننا الرذيلة بين الناس وحافظنا على الأعراض والأنساب من الاختلاط فجلدنا ورجمنا بأمر من الله، ونحن من حملنا الدين للناس بالدعوة والجهاد وراء خلفائنا نعطي كلا منهم بيعته، ونحن من احترمنا حقوق المرأة الشرعية وجعلنا لها صوتا مسموعا فقال لها خليفتنا: “أصابت امرأة وأخطأ عمر”، ونحن من جعل نبينا لأهل الكتاب ذمة نعطيهم حقوقهم ولا نظلم منهم أحدا، ولو قهرناهم ما بقي في ديار الإسلام يهودي ولا نصراني … فهل عرفت من نحن؟، ولماذا نحن خير أمة أخرجت للناس ؟ ، وليعلم القاصي والداني أن من يمارس على هذه الأمة من قهر وبطش وقتل وحرب فكرية ، لن يمنعها من صحوتها ، ولن يفت في عضدها، وستعود لها هيبتها عن قريب؛ فتقطع كل لسان يتعدى على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ بالغمز واللمز
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقوله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾ [آل عمران:110]
يتبين لنا من خلالها أن من شروط دوام الخيرية لهذه الأمة ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هي مناط خيرية هذه الأمة، وسفينة نجاتها، فبها سمت، وبها ارتفعت على غيرها من الأمم، وبها يحصل النجاة من الهلكة، وقد تواترت النصوص التي أوجبت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي بيّنت عظيم فضلها وكبير منزلتها وتنوعت دلالتها على ذلك، ولذا جاء عند الترمذي قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنه سمِع النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلم يقولُ في قولِه تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال :{ إنكم تُتِمُّونَ سبعينَ أمةً ، أنتم خيرَها وأكرمَها على اللهِ}. فهذه الأمة كأنها مستقاة ومستوحاة من بين الأمم لفضيلتها ، ثم لو تأملنا فيما بعدها ، قال عز وجل { أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } كأن هذه الأمة وهي أمة محمد صلى الله عليه وسلم أخرجت واصطفيت من بين الأمم من أجل أن تكون خيرا للناس . وقد حوت هذه الآية على جملة من المقاصد العظيمة نوجزها فيما يلي: 1- أفضلية هذه الأمة على سائر الأمم الأخرى، قال السيوطي: “استدل – بالآية- على أن هذه الأمة أفضل من غيرها، وعلى أن الصحابة أفضل الأمم لأنهم المخاطبون بها حال النزول، وعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء لأن شرف الأمة بشرف نبيها” . وقال الشوكاني: “وفي-الآية- دليل على أن هذه الأمة الإسلامية خير الأمم على الإطلاق، وأن هذه الخيرية مشتركة ما بين أول هذه الأمة، وآخرها بالنسبة إلى غيرها من الأمم، وإن كانت متفاضلة في ذات بينها. 2- إن خيرية هذه الأمة مرهونة بقيامها بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال القرطبي: “قوله تعالى: ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ مدح لهذه الأمة ما أقاموا ذلك واتصفوا به، فإذا تركوا التغيير وتواطئوا على المنكر زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذم، وكان ذلك سببا لهلاكهم”. ولهذا كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه إذا قرأ هذه الآية يقول: “يا أيها الناس مَنْ أراد أن يكون من هذه الأمةِ فليُؤَدِّ شَرْط الله فيها”
3- وجوب القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان فضله ومكانته وعظيم منزلته وقدره وأنه أساس خيرية الأمة وأفضليتها على غيرها، فإذا تخلت عنها زال عنها هذا الوصف وصارت أشبه بأهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله : ﴿كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ﴾ [المائدة:79] أي: لا ينهى بعضهم بعضاً عن ارتكاب المآثم والمحارم، ثم ذمهم على ذلك لنحذر من ارتكاب مثل الذي ارتكبوه فقال: ﴿لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ مؤكداً بلام القسم تقبيحاً لصفتهم، وتحذيراً من سوء فعلهم. 4- قوله ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾…وهذا ما ينبغي أن تدركه الأمة المسلمة; لتعرف حقيقتها وقيمتها, وتعرف أنها أخرجت لتكون طليعة, ولتكون لها القيادة, بما أنها هي خير أمة. والله يريد أن تكون القيادة للخير لا للشر في هذه الأرض. ومن ثم لا ينبغي لها أن تتلقى من غيرها من أمم الجاهلية. إنما ينبغي دائما أن تعطي هذه الأمم مما لديها. وأن يكون لديها دائما ما تعطيه. ما تعطيه من الاعتقاد الصحيح, والتصور الصحيح, والنظام الصحيح, والخلق الصحيح, والمعرفة الصحيحة, والعلم الصحيح.. هذا واجبها الذي يحتمه عليها مكانها, وتحتمه عليها غاية وجودها. واجبها أن تكون في الطليعة دائما, وفي مركز القيادة دائما. ولهذا المركز تبعاته, فهو لا يؤخذ ادعاء, ولا يسلم لها به إلا أن تكون هي أهلا له.. 5- ويجب على هذه الامة وهى تقوم على صيانة الحياة من الشر والفساد.. وأن تكون لها القوة التي تمكنها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر; فهي خير أمة أخرجت للناس. لا عن مجاملة أو محاباة, ولا عن مصادفة أو جزاف تعالى الله عن ذلك كله علوا كبيرا وليس توزيع الاختصاصات والكرامات كما كان أهل الكتاب يقولون: ﴿نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة:18] .كلا! / إنما هو العمل الإيجابي لحفظ الحياة البشرية من المنكر, وإقامتها على المعروف, مع الإيمان الذي يحدد المعروف والمنكر (وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾ – فلا بد من الإيمان بالله ليوضع الميزان الصحيح للقيم, والتعريف الصحيح للمعروف والمنكر. – وهذا ما يحققه الإيمان, بإقامة تصور صحيح للوجود وعلاقته بخالقه. وللإنسان وغاية وجوده ومركزه الحقيقي في هذا الكون.. 6- ومن هذا التصور العام تنبثق القواعد الأخلاقية. ومن الباعث على إرضاء الله وتوقي غضبه يندفع الناس لتحقيق هذه القواعد. ومن سلطان الله في الضمائر, وسلطان شريعته في المجتمع تقوم الحراسة على هذه القواعد كذلك. ثم لا بد من الإيمان أيضا ليملك الدعاة إلى الخير, الآمرون بالمعروف, الناهون عن المنكر, أن يمضوا في هذا الطريق الشاق, ويحتملوا تكاليفه. وهم يواجهون طاغوت الشر في عنفوانه وجبروته, ويواجهون طاغوت الشهوة في عرامتها وشدتها, ويواجهون هبوط الأرواح, وكلل العزائم, وثقلة المطامع.. وزادهم هو الإيمان, وعدتهم هي الإيمان. وسندهم هو الله.. وكل زاد سوى زاد الإيمان ينفد. وكل عدة سوى عدة الإيمان تفل, وكل سند غير سند الله ينهار! 7- وفي القرآن الكريم مواضع كثيرة تقرر هذه الحقيقة، وفي السنة كذلك فمن أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم وتوجيهاته نقتطف بعضها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ ». رواه مسلم ، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَمَّا وَقَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الْمَعَاصِي نَهَتْهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا فَجَالَسُوهُمْ فِى مَجَالِسِهِمْ وَوَاكَلُوهُمْ وَشَارَبُوهُمْ فَضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَلَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ». قَالَ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ « لاَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ حَتَّى تَأْطِرُوهُمْ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا » رواه الترمذي وأحمد
وعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ » . رواه الترمذي وأحمد ، فالله سبحانه وتعالى يقول يا أمة محمد إن عصيتم واعتديتم وتركتم إيمانكم وأمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر فحالكم كحال اليهود ، من الذلة والمهانة والمسكنة ، لأنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه حسب ولا نسب ، إنما هو بالتقوى ، ولذلك لو آمن من آمن من اليهود فإن هذه الصفات المذمومة تتخلى عنهم .
أيها المسلمون
{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } وهذا ما ينبغي أن تدركه الأمة الإسلامية , لتعرف حقيقتها وقيمتها , وتعرف أنها أخرت لتكون طليعة , ولتكون لها القيادة , بما أنها خير أمة .ولتعرِف أن الله عز وجل اختارها لتكون شاهدة على الناس , أمة تغفو نعم , لكنها لا تنام , أمة تمرض نعم لكنها لا تموت , أمة تهزم نعم لكنها لا تقهر .ويوم يقلِّب المرء صفحات الماضي ويقارنه بواقعنا يتحسر , يومئذ يجد البَون شاسعا والفرق عظيما , يتحسر بعد أن يرى الأمة التي بعد أن كانت رائدة , إذا بها تصير مسخا , تابعة إمَّعة . لكن ليس من الحكمة أن نظل نندُب واقعنا , وأن نظل نبكي على أطلال ماضينا , إن الحكمة كل الحكمة أن نبدأ في البناء , وأن نبدأ في إعادة مجد هذه الامة , وأول خُطوة على هذا الطريق أن نعيد ثقة الأمة في نفسها وفي منهجها لتعلم أن العز سيكون حليفها إن تمسكت بهذا الدين .
الدعاء