خطبة عن قوله تعالى (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً)
نوفمبر 24, 2016خطبة عن (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)
نوفمبر 27, 2016الخطبة الأولى ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ». وفي رواية له:« إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلاَ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ » .وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ.
إخوة الإسلام
في قوله صلى الله عليه وسلم « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ». فالنظر المنفيُّ هنا في هذا الحديث هو نظر المحبة، وليس نظر الإدراك والمراقبة ، فالله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية، وهو بكلِّ شيء بصير. فالمقصود : أنّ محطَّ العناية والمحبة والأجر والمثوبة من الله عزّ وجلّ لعباده، ليس هو أجسادهم ولا صورهم وأشكالهم ولا أموالهم، فقد وصف الله تعالى في كتابه الحكيم، قوماً ببهاء صورتهم وجمال منطقهم، فقال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} المنافقون 4؛ ثمّ قال في ختام الآية: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} المنافقون 4؛ ، وقد تبيّن سبب سخط الله عزّ وجلّ على هؤلاء القوم، في سياق الآية نفسها، إذ شُبِّهوا بالخُشب المسنّدة، قال تعالى: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} المنافقون 4؛ ، أي: (سُنِّدت إلى حائط أو نحوه، أي: أميلت إليه، فهي غليظة طويلة قوية، لكنها غير منتفع بها في سقف ولا مشدود بها جدار) ، فلو أنّها كانت أثمن ما يكون من أنواع الخشب، فلا فائدة تُرجى منها ما دامت مسندةً، لم تُستعمل في بناء ولا أثاث، فكذلك هؤلاء المنافقون حالهم كما قال حسان بن ثابت رضي الله عنه: لا بأسَ بالقوم من طُول ومن غلظ *** جسمُ البغال وأحلام العصافير
فالله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى أجسام العباد هل هي كبيرة أم صغيرة , أو صحيحة أو سقيمة , ولا ينظر إلى الصور , هل هي جميلة أو ذميمة , كل هذا ليس بشيء عند الله , وكذلك لا ينظر إلى الأنساب , هل هي رفيعة أو دنيئة , ولا ينظر إلى الأموال , ولا ينظر إلى شيء من هذا أبداً , فليس بين الله وبين خلقه صلة إلا بالتقوى , فمن كان لله أتقى كان من الله أقرب , وكان عند الله أكرم , إذاً لا تفتخر بمالك , ولا بجمالك , ولا ببدنك , ولا بأولادك , ولا بقصورك , ولا بشيء من هذه الدنيا أبدا . « وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ » , أي: إنما محطُّ العناية والمحبَّة والمثوبة من الله عزّ وجلّ، هي قلوبُ العباد، وقد ابتدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بذكر القلوب وما فيها من أعمال، ثم ثنّى بذكر ثمرة أعمال القلوب، وهي أعمال الجوارح، فإنها تابعة لعمل القلب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه في الصحيحين: ((أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وما المنظور إليه في القلب؟ هل المنظور إليه في القلب هو المضغة؟
لا ، إنَّما المنظورُ إليه في القلب ما عمَّرَ القلبَ من محبَّة الله وتعظيمه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم، وهو يشير إلى صدره الشريف: ((التَّقْوَى هَاهُنَا – وَيُشِيرُ إلَى صَدْرِهِ ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ) صحيح مسلم ،فلا يصل لله تعالى من عمل الجوارح شيءٌ، إنما يصله ما في قلوب العباد من تقوى ومحبة وتعظيم، لذلك يقول الله تعالى في المتقربين إليه بالذبائح: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} الحج 37 ،فنظر المولى عزّ وجلّ إلى القلب، لأنه محل التقوى، والتقوى هي وصية الله للأولين والآخرين وهي أشرف ما عمَّر القلوب، وهي التي تصلح بها الأعمال، فإذا صلحت هذه المضغة بالتّقوى، صلح الجسد كلُّه، وذلك بما يصدر عنه من العمل الصَّالح. فالقلوب هي التي عليها المدار , فكم من إنسان ظاهر عمله أنه صحيح وجيد وصالح , ولكنه لما بني على خراب صار خراباً , فالنية هي الأصل , تجد رجلين يصليان في صف واحد , مقتدين بإمام واحد , يكون بين صلاتيهما كما بين المشرق والمغرب , لأن القلب مختلف , أحدهما قلبه غافل , بل ربما يكون مرائياً في صلاته – والعياذ بالله – يريد بها الدنيا .والآخر قلبه حاضر يريد بصلاته وجه الله واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .فبينهما فرق عظيم , فالعمل على ما في القلب , وعلى ما في القلب يكون الجزاء يوم القيامة , كما قال الله تعالى : ((إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ﴿8﴾ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ )) الطارق : 8 ،9 , أي : تختبر السرائر لا الظواهر . ففي الدنيا الحكم بين الناس على الظاهر , لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ ، فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ ، فَمَنْ قَطَعْت لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . ولكن في الآخرة العلم على ما في السرائر , نسأل الله أن يطهر سرائرنا جميعاً . فالعلم على ما في السرائر : فإذا كانت السريرة جيدة صحيحة فأبشر بالخير , وإن كانت الأخرى فقدت الخير كله , وقال الله عز وجل : (( أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ ﴿9﴾ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ)) [ العاديات : 9 ,10 ] , فالعلم على ما في القلب . فالواجب على الإنسان أن يصلح نيته , ويصلح قلبه , وينظر ما في قلبه من الشك فيزيل هذا الشك إلى اليقين . كيف ؟ وذلك بنظره في الآيات : ((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ )) [ آل عمران : 190 ] , وقال تعالى : ((إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿3﴾ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ )) , [ الجاثية : 4 ] فإذا ألقى الشيطان في قلبك الشك فانظر في آيات الله . انظر إلى هذا الكون من يدبره , انظر كيف تتغير الأحوال , كيف يداول الله الأيام بين الناس؟ , حتى تعلم أن لهذا الكون مدبراً حكيماً عز وجل .
أيها المسلمون
وهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين لنا أن التفاضل بين الناس ليس بصورهم ولا أجسادهم ، ولكن بما وقر في قلوبهم من إيمان بالله ، وإخلاص ويقين ومراقبة وحب وخشية لله ، ففي صحيح البخاري : (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ « مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا » . فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ ، هَذَا وَاللَّهِ حَرِىٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ . قَالَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا » . فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، هَذَا حَرِىٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لاَ يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لاَ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا » – وروى ابن حبان في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا أبا ذر أترى كثرة المال هو الغنى؟)) قلت: نعم. قال: ((فترى قلة المال هو الفقر؟)) قلت: نعم، قال: ((إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب)). يقول أبو ذر: ثم سألني: ((هل تعرف فلاناً؟)) – عن رجل من قريش – قلت: نعم قال: ((كيف تراه))، قلت إذا سأل أُعطي، وإذا حضر أدخل قال: ثم سألني عن رجل من أهل الصفة فقال: ((هل تعرف فلاناً)). قلت: لا والله ما أعرفه يا رسول الله، فما زال يجليه وينعته حتى عرفته، فقلت: قد عرفته يا رسول الله. قال: ((كيف تراه))، قلت: هو رجل مسكين من أهل الصفة فقال: ((هو خير من طلاع الأرض من الآخر)) . – وعند دفن الشهداء كان صلى الله عليه وسلم يسأل أيهم أكثر أخذاً للقرآن فإن أشير إلى أحدهما، قدمه في اللحد. حتى في الدفن التكريم والتقديم لأهل القرآن؟! – وجاء في وصف إبراهيم عليه السلام: {إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين} [النحل:120]. وفي صحيح مسلم ( عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَبِلاَلٍ فِى نَفَرٍ فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا. قَالَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ فَأَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ « يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ ». فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ يَا إِخْوَتَاهْ أَغْضَبْتُكُمْ قَالُوا لاَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أُخَيَّ ). وفي سنن الترمذي وغيره (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِى مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « إِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا يَا عَائِشَةُ لاَ تَرُدِّى الْمِسْكِينَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ يَا عَائِشَةُ أَحِبِّى الْمَسَاكِينَ وَقَرِّبِيهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ يُقَرِّبُكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » – وأن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ يَسْبِقُونَ الأَغْنِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الْجَنَّةِ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا » صحيح مسلم.
– عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَعْثًا وَهُمْ ذُو عَدَدٍ فَاسْتَقْرَأَهُمْ فَاسْتَقْرَأَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ فَأَتَى عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا فَقَالَ « مَا مَعَكَ يَا فُلاَنُ ». قَالَ مَعِى كَذَا وَكَذَا وَسُورَةُ الْبَقَرَةِ. قَالَ « أَمَعَكَ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ». فَقَالَ نَعَمْ. قَالَ « فَاذْهَبْ فَأَنْتَ أَمِيرُهُمْ » رواه الترمذي وغيره . – عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ » صحيح مسلم .
أيها المسلمون
فهل طبق المجتمع المسلم النظرة القيمية الجديدة « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ». أم بقيت حبراً على ورق؟ ،للإجابة على هذا السؤال نذكر نماذج من هدي السلف ، نرى من خلالها كيف وقّر المجتمع المسلم أناساً لا يؤبه لهم في ميزان الدنيا ، وكان سبب توقيرهم الدين والتقوى والسابقة في الدين.
أ- فهذا ابن أم مكتوم الضرير كان رسول الله يؤمره في أسفاره على المدينة، كما أضحى سلمان الفارسي بعد فتح فارس أميراً على المدائن. ب- دخل عبد الله بن عمر على أبيه في خلافته مستعتباً فقال: فرضت لي ثلاثة آلاف ، وفرضت لأسامة أربعة آلاف ، وقد شهدت مالم يشهد أسامة فقال عمر: زدته لأنه كان أحب إلى رسول الله منك ، وكان أبوه إلى رسول الله من أبيك. ثم فرض للناس على قدر منازلهم وقراءتهم للقرآن وجهادهم . ولما جاءه خراج البحرين فرض للمهاجرين الأولين خمسة آلاف وللأنصار أربعة آلاف ، ولأزواج النبي عليه السلام اثني عشر ألفاً .
ج- عن عبد الله بن عمر قال: لما قدم المهاجرون الأولون العصبة (موضع بقباء) قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآناً)) . وبعد هجرة الرسول كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين وأصحاب النبي في مسجد قباء وفيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة وزيد وعامر بن ربيعة .
د- يقول عمر رضي الله عنه: (أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالاً ) . هـ – حضر الحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى عند عمر ومعهم بلال وصهيب وغيرهم فخرج آذنه فأذن لبلال وصهيب ونحوهما وترك الآخرين. فقال أبو سفيان: لم أر كاليوم إنه أذن لهذ العبيد وتركنا جلوساً ببابه لا يأذن لنا. فقال سهيل بن عمرو وكان رجلاً عاقلاً: أيها الناس إني والله لقد أرى الذي في وجوهكم ، فإن كنتم غضاباً فاغضبوا على أنفسكم ، دعي القوم ودعيتم ، فأسرعوا وأبطأتم ، أما والله لما سُبقتم إليه من الفضل أشد عليكم فوتاً في بابكم الذي تنافستم عليه.
وقال الحسن: لا يجعل الله عبداً أسرع إليه كعبد أبطأ عنه . ز- لما أراد قتيبة بن مسلم قتال الترك سأل عن محمد بن واسع فقيل: هو ذاك في الميمنة جامح على قوسه يبصبص بإصبعه نحو السماء، قال: (تلك الإصبع أحب إلي من مائة ألف سيف شهير وشاب طرير). و- كان منادي بني أمية في الحج يصيح لا يفتي في الحج إلا عطاء بن أبي رباح ، ووصفه بعض من عرفه فقال: كان عطاء أسود أعور أفطس أشل أعرج ثم عمي
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
واعلموا أن الجمال ينقسم إلى قسمين : ظاهر وباطن ، فالجمال الباطن هو المحبوب لذاته وهو جمال العلم والعقل والجود والعفة والشجاعة وهذا الجمال الباطن هو محل نظر الله من عبده وموضع محبته ،وهذا الجمال الباطن يزين الصورة الظاهرة وإن لم تكن ذات جمال فتكسوا صاحبها من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتست روحه من تلك الصفات ،فإن المؤمن يعطى مهابة وحلاوة بحسب إيمانه فمن رآه هابه ومن خالطه أحبه وهذا أمر مشهود بالعيان فإنك ترى الرجل الصالح المحسن ذا الأخلاق الجميلة من أحلى الناس صورة وإن كان أسود أو غير جميل ولا سيما إذا رزق حظا من صلاة الليل فإنها تنور الوجه وتحسنه ،وقد كان بعض النساء تكثر صلاة الليل فقل لها في ذلك فقالت إنها تحسن الوجه وأنا أحب أن يحسن وجهي ،ومما يدل على أن الجمال الباطن أحسن من الظاهر أن القلوب لا تنفك عن تعظيم صاحبه ومحبته والميل إليه ،وأما الجمال الظاهر فزينة خص الله بها بعض الصور عن بعض وهي من زيادة الخلق التي قال الله تعالى فيها ” يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (1) فاطر قالوا هو الصوت الحسن والصورة الحسنة والقلوب كالمطبوعة على محبته كما هي مفطورة على استحسانه ،ففي صحيح مسلم (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ».
قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ « إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ». فبطر الحق جحده ودفعه بعد معرفته ،وغمط الناس النظر إليهم بعين الازدراء والاحتقار والاستصغار لهم ، ولا بأس بهذا إذا كان لله ، وعلامته أن يكون لنفسه أشد ازدراء واستصغارا منه لهم ، فأما إن احتقرهم لعظمة نفسه عنده ، فهو الذي لا يدخل صاحبه الجنة وكما أن الجمال الباطن من أعظم نعم الله تعالى على عبده فالجمال الظاهر نعمة منه أيضا على عبده يوجب شكرا فإن شكره بتقواه وصيانته ازداد جمالا على جماله ،وإن استعمل جماله في معاصيه سبحانه ، قلبه له شيئا ظاهرا في الدنيا قبل الآخرة فتعود تلك المحاسن وحشة وقبحا وشينا وينفر عنه من رآه ،فكل من لم يتق الله عز وجل في حسنه وجماله انقلب قبحا وشينا يشينه به بين الناس، فحسن الباطن يعلو قبح الظاهر ويستره ، وقبح الباطن يعلو جمال الظاهر ويستره
يا حسن الوجه توق الخنا … لا تبدلن الزين بالشين
ويا قبيح الوجه كن محسنا … لا تجمعن بين قبيحين
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى جمال الباطن بجمال الظاهر ،وقال بعض الحكماء ينبغي للعبد أن ينظر كل يوم في المرآة فإن رأى صورته حسنة لم يشنها بقبيح فعله وإن رآها قبيحة لم يجمع بين قبح الصورة وقبح الفعل ،ولما كان الجمال من حيث هو محبوبا للنفوس معظما في القلوب لم يبعث الله نبيا إلا جميل الصورة حسن الوجه كريم الحسب حسن الصوت كذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ،وكان النبي صلى الله عليه وسلم أجمل خلق الله وأحسنهم وجها ، وفي البخاري 🙁 سُئِلَ الْبَرَاءُ أَكَانَ وَجْهُ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – مِثْلَ السَّيْفِ قَالَ لاَ بَلْ مِثْلَ الْقَمَرِ ) .وفي صحيح مسلم : (فَقَالَ رَجُلٌ وَجْهُهُ مِثْلُ السَّيْفِ قَالَ لاَ بَلْ كَانَ مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَكَانَ مُسْتَدِيرًا )، وفي صفته كأن الشمس تجري في وجهه يقول واصفه لم أر قبله ولا بعده مثله ،وفي صحيح مسلم في حديث الإسراء والمعراج يقول صلى الله عليه وسلم : (فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِىَ شَطْرَ الْحُسْنِ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ) .
أيها المسلمون
ومن أقوال العلماء أيضا في بيان معنى حديث : « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ». قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في شرحه لرياض الصالحين ” فالله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى العباد إلى أجسامهم هل هي كبيرة أو صغيرة أو صحيحة أو سقيمة ولا ينظر إلى الصور هل هي جميلة أو ذميمة . كل هذا ليس بشيء عند الله، وكذلك لا ينظر إلى الأنساب هل هي رفيعة أو دنيئة، ولا ينظر إلى الأموال ولا ينظر إلى شيء من هذا أبداً . ليس بين الله وبين خلقه صلة إلا بالتقوى، فمن كان لله أتقى كان من الله أقرب وكان عند الله أكرم إذن لا تفخر بمالك ولا بجمالك ولا ببدنك ولا بأولادك ولا بقصورك ولا بسيارتك ولا بشيء من هذه الدنيا أبداً، إنما إذا وفقك الله للتقوى فهذا من فضل الله عليك فاحمد الله عليه) ، وقال العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله ” يخبر تعالى أنه خلق بني آدم، من أصل واحد، وجنس واحد، وكلهم من ذكر وأنثى، ويرجعون جميعهم إلى آدم وحواء، ولكن الله تعالى بث منهما رجالا كثيرا ونساء، وفرقهم، وجعلهم شعوبًا وقبائل أي: قبائل صغارًا وكبارًا، وذلك لأجل أن يتعارفوا، فإنهم لو استقل كل واحد منهم بنفسه، لم يحصل بذلك، التعارف الذي يترتب عليه التناصر والتعاون، والتوارث، والقيام بحقوق الأقارب، ولكن الله جعلهم شعوبًا وقبائل، لأجل أن تحصل هذه الأمور وغيرها، مما يتوقف على التعارف، ولحوق الأنساب، ولكن الكرم بالتقوى، فأكرمهم عند الله، أتقاهم، وهو أكثرهم طاعة وانكفافًا عن المعاصي، لا أكثرهم قرابة وقومًا، ولا أشرفهم نسبًا، ولكن الله تعالى عليم خبير، يعلم من يقوم منهم بتقوى الله، ظاهرًا وباطنًا، ممن يقوم بذلك، ظاهرًا لا باطنًا، فيجازي كلا بما يستحق.” ، وقال الحافظ ابن الأثير ـ رحمه الله ـ (معنى النَّظَر ها هنا الاخْتِيار والرحمة والعَطْف لأنَّ النظر في الشاهد دليلُ المحبَّة وتَرْك النظر دليل البُغْض والكراهة ومَيْلُ الناس إلى الصور المُعْجِبة والأموال الفائقة واللَّه يَتَقَدّس عن شَبَه المخلوقين فجَعَل نَظَره إلى ما هو السِّرُّ واللُّبُّ وهو القلب والعَمل .والنَّظَر يقع على الأجسام والمعاني فما كان بالأبصار فهو للأجسام وما كان بالبَصائر كان للمعاني
وقال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم – ” ومعنى نظر الله هنا مجازاته ومحاسبته أي انما يكون ذلك على ما في القلب دون الصور الظاهرة ونظر الله رؤيته محيط بكل شيء لأن القلوب هي محل النظر والعمل، وأما الصور والأموال فلا قيمة لها إن لم يستعن بها على طاعة الله ، ولكن محل النظر القلوب إذا استقامت على محبة الله والإخلاص له وخوفه ورجاءه وصلحت الأعمال وصارت خالصة لله موافقة للسنة هذا هو الذي ينفع صاحبه، صلاح القلب وصلاح الأعمال. وقال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب ـ قدس الله روحه ـ في كتابه الكبائر :أي إن الله لا يجازيكم على صوركم وأجسادكم ولا على أموالكم الخالية من الخيرات أي لا يثيبكم عليها ولا يقربكم منه سبحانه ، وإنما ينظر إلى قلوبكم التي هي محل التقوى . والجمال قسمان : ظاهري وباطني كجمال علم وعقل وكرم وهذا محل نظر الله وموضع محبته فيرى صاحب الجمال الباطن فيكسوه من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتسبت روحه من تلك الصفات فإن المؤمن يعطى حلاوة ومهابة بحسب إيمانه فمن رآه هابه ومن خالطه أحبه وإن كان أسود مشوها وهذا أمر مشهود بالعباد . وقال الغزالي رحمه الله : قد أبان هذا الحديث أن محل القلب موضع نظر الرب فيا عجبا ممن يهتم بوجهه ، الذي هو نظر الخلق فيغسله وينظفه من القذر والدنس ، ويزينه بما أمكن ، لئلا يطلع فيه مخلوق على عيب ، ولا يهتم بقلبه الذي هو محل نظر الخالق ، فيطهره ويزينه ، لئلا يطلع ربه على دنس أو غيره . ” ا.هـ
أيها المسلمون
وفي هذا الحديث فوائد كثيرة ومتعددة ، فمن الفوائد والدروس والعبر التي نستلهمها من هذا الحديث : أنّ جمال صورة المرء وحسنها وبهاءَها، وما يمتلكه من متاع الحياة الدنيا وزينتها، لا يغني شيئاً عند الله تعالى إذا كان القلب خاوياً من التقوى والإيمان، وإذا كان العمل متأخّراً عن طاعة الرحمن. – وأعظم وظيفةٍ يقوم بها الإنسان في الدنيا، هي أن يعتني بإصلاح قلبه وتزكية نفسه. – وصلاح القلب، يكون بالتّفكّر في عظمة الله عزّ وجلّ، والمواظبة على الصّلوات والأذكار، والأعمال الصالحة، وذلك كلّه يستهدف تطهير القلب من الشرك والبدعة والفسق والهوى، وتحليته بمحبة الله وتعظيمه والتعبد له جل وعلا بالخوف والرجاء والتوكل والإخبات والخشية، وسائر المعاني القلبية التي بها صلاح العمل. – وصلاح القلب مؤذن بصلاح العمل، والعيش الهنيء والحياة السعيدة، يقول الله تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد 28. – وكون الله عزّ وجلّ لا ينظر إلى الأجساد والصور والأشكال والأموال، لا يعني الغضّ من أهميّة هذه الأمور، بل هي نعمٌ من الله عزّ وجل تستوجب الشكر، وإنما يعرف نعمة الله ويشكرها، من صلح قلبه بالتّقوى، وأما من كان قلبه فاسداً، فلن تجديه هذه النّعم شيئاً. – وإنّ جمال الأجساد والصور، أمرٌ مرغوب فيه، فقد روى ابن مسعودٍ رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قوله: « إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ » مسلم. لكن ينبغي للمؤمن أن يعتني أول ما يعتني بجمال قلبه، فجمال صورة المرء ومظهره محلّ نظر الناس، بينما جمال القلب وإيمانه وتقواه، محلّ نظر الله عزّ وجلّ.
الدعاء