خطبة عن (اخْرُجِي أَيَّتُهَا الروح) (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ)
ديسمبر 19, 2016خطبة عن (السعادةُ والحَيَاةُ الطَيِّبَةُ)
ديسمبر 20, 2016الخطبة الأولى ( إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته عن المعذبين من أهل النار : ( إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ) (33) الحاقة ،وقال تعالى : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) (74) الواقعة
إخوة الإسلام
هل هناك فرق بين من يؤمن بالله ، ومن يؤمن بالله العظيم ؟؟؟؟ ،إن المتأمل في قوله تعالى 🙁 إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ) يجد أن الله تبارك وتعالى لم يقل (إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ) فحسب ، بل قال سبحانه : ( إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ) ، وتأملوا معي : فإبليس عليه اللعنة يؤمن بالله ، والدليل على ذلك ، قول الله تعالى على لسان إبليس (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (36) الحجر ، فهو يؤمن بأن الله ربه ، وفي وقوله (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)82، 83 ص ، فإبليس يقسم بعزة الله وقوته ، ومع ذلك منعه كبره أن يستجيب لأمر الله ،
فقال تعالى (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا) (61) الاسراء ، فهو لم يستجب لأمر الله رغم أنه يؤمن بالله ، ولكنه تكبر ، والمتكبر من الخلق جاهل بنفسه لأنه لا يمتلك أسباب الكبرياء فهو ناقص في كل شيء ، وهو جاهل بعظمة ربه ، فإبليس يؤمن بالله ، ولكنه لا يؤمن بالله العظيم ، وهو أيضا نازع الله تبارك وتعالى في كبريائه وعظمته ، وفي مسند أحمد (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَعْنِى « قَالَ اللَّهُ الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَن نَازَعَنِي وَاحِداً مِنْهُمَا أَدْخَلْتُهُ جَهَنَّمَ » ، وفي مسند أحمد وغيره كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ « سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ». ثُمَّ قَالَ « الْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ ». والملائكة خير من يعلم عظمة الله من الخلق ، ولذلك فهم ( لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (6) التحريم فقال تعالى في شأنهم : (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ) (38) فصلت ، وقال تعالى : (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (5) الشورى ،وقال تعالى : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) 7 غافر ،
وقال تعالى (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (75) الزمر ، ويقول الله تبارك وتعالى في محكم آياته في وصف عباده المؤمنين : ﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ(15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (16) ﴾ السجدة
أيها المسلمون
غالب الظنِّ أنَّ الكثير من أهل المعاصي ، وأهل البغي والظلم والفساد في هذا الزمان ، قد يؤمن أحدهم بالله، و لكنه لا يؤمن بالله العظيم، والدليل على ذلك أنه لم يعظم الله، ولم يطعه فيما أمر أو نهى ، بل نراه يريد أن يشارك الله في عظمته وكبريائه ، ونسمع منهم من يقول في كلامه ( والله ، لو نزل الله من السماء ما فعلت كذا ) ،فهذه الكلمات وأشباهها الكثير والكثير ، تبين أن أولئك لا يؤمنون بالله العظيم ، ولو علم هؤلاء عظمة الله ، ما تلفظت ألسنتهم بكلمات الكفر هذه ، ولعلموا أن الله علي عظيم ،فسبحان ربي القائل في كتابه العزيز (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (67) الزمر وقال تعالى:(مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) [نوح: 13، 14]. فالله سبحانه وتعالى عظيم شأنه ، رفيع قدره ، أوجَد العبادَ من العدَم وأمدَّهم بالنعم، وكشفَ عنهم الكروب والخُطوب، فله سبحانه وتعالى الكمالُ المُطلقُ في كل شيء؛ لذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: « لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ ». رواه مسلم. وله – عز وجل – الخلقُ والأمرُ وحده، وأتقنَ ما صنَعَ ، وأبدَعَ ما خلق، وقدَّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، والحكمُ حكمُه ولا يشرَكه في ذلك أحد، لا رادَّ لقضائه، ولا مُعقِّب لحكمه، حيٌّ لا يموت، جميعُ الخلق تحت قهره وقبضته، يُميتُهم ويُحييهم، ويُضحِكُهم ويُبكِيهم، ويُغنيهم ويُفقِرُهم، ويُصوِّرُهم في الأرحام كيف يشاء، سبحانه، قال تعالى ( مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ) [هود: 56]، يُدبِّرُها كيف شاء، وقلوبُ العباد بين أُصبعَيْه يُقلِّبُها كيف شاء، ونواصيهم بيده، وأزِمَّةُ الأمور معقودةٌ بقضائه وقدَره، لا يُنازِعُه مُنازِع، ولا يغلِبُه غالب. ففي سنن الترمذي بسند صحيح (وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ »
فسبحانه سبحانه ، لا رادَّ لعذابه إن نزل، ولا رافع له إن حلَّ سواه، يخلق ما يشاء ويختار ، ويفعل ما يُريد، لا يُسأل عما يفعل ،والخلقُ يُسألون، قائمٌ بنفسه، مُستغنٍ عن خلقه، ومُهيمنٌ عليهم جميعًا، مفاتيحُ الغيب عنده لا يعلمُها إلا هو، وأخفَى علمَها حتى عن الملائكة، هو ملكٌ عظيم يُدبِّر أمرَ عباده، يأمرُ وينهَى، ويُعطِي ويمنع، ويخفِضُ ويرفع،
أوامرُه مُتعاقبةٌ على تعاقُب الأوقات، نافذةٌ بحسب إرادته ومشيئته، فما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن، قال تعالى ( يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) [الرحمن: 29]. هو سبحانه عظيم رحيم كريم عليم حكيم ، يُفرِّج كربًا، ويجبِر كسيرًا، ويُغنِي فقيرًا، ويُجيبَ دعوةً، قال عن نفسه: قال تعالى (وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ) [المؤمنون: 17]. علمُه وسِعَ كل شيء، يعلمُ ما كان وما يكون وما لم يكن، لا تتحرَّك ذرَّةٌ فما فوقها إلا بإذنه، ولا تسقط ورقةٌ إلا بعلمه، لا تخفى عنده خافية، استوى عنده السرُّ والعلانية، قال – سبحانه -:( سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ) [الرعد: 10].يسمعُ أصواتَ المخلوقين وهو على عرشه، روى أحمد وغيره (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِى وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- تُكَلِّمُهُ وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ مَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) إِلَى آخِرِ الآيَةِ [المجادلة: 1]. وأفعالُ العباد في ظُلمة الليل البَهيم لا تخفى عليه، قال – جل شأنه -: (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) [الشعراء: 218، 219]، ويرى وهو فوق سماواته دبيبَ النملة السوداء، على الصخرة الصمَّاء، في الليلة الظلماء. خزائنُه ملأى في السماوات والأرض، ويَداه مبسوطتان بالسخاء، سحَّاءُ الليل والنهار يُنفِقُ كيف يشاء، كثيرُ العطاء واسعُ الجُود، يُعطِي قبل السؤال وبعده، وينزل إلى السماء الدنيا كل ليلةٍ في الثُّلث الأخير من الليل ويقول: «من يسألني فأُعطيَه»، ومن لم يسأله يغضَب عليه. وأبوابُ عطائه فتحَها لخلقه فسخَّر بحارًا وأجرى أنهارًا وأدرَّ أرزاقًا، ساق للخلق أرزاقهم؛ فرزَقَ النملة في قرار الأرض، والطيرَ في الهواء، والحيتان في الماء،
( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) [هود: 6]، ورزقُه وسِع الجميع؛ فساق إلى الجنين رزقَه وهو في رحِمِ أمه، وإلى الجلْد القوي في مُلكه، كريمٌ يحبُّ العطاء والكرم، إذا سُئِل أعطى، وإذا رُفِعت إلى غيره حاجة لا يرضى، وكل خيرٍ فهو منه، (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ) النحل: 53. سبحانه فهو العظيم الكريم، رِزقه لا ينفَد، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ قَالَ لِي أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ». وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَمِينُ اللَّهِ مَلأَى لاَ يَغِيضُهَا سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُذْ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِى يَمِينِهِ ». قَالَ « وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الأُخْرَى الْقَبْضُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ ».رواه مسلم. ولو سأله العبادُ جميعًا فأعطاهم ما سألوه ، لم ينقص ذلك من مُلكه شيئًا، قال النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في الحديث القدسي : « يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ »؛ رواه مسلم. فهو العظيم الكريم ، الثوابُ على العمل يُضاعِفُه، والحسنةُ عنده بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضِعفٍ إلى أضعافٍ كثيرة، والقليلُ من زمن الطاعة يُكثِّره؛ وهو سبحانه قويٌّ لا يُعجِزُه شيء، إذا أراد شيئًا قال له: كن، فيكون، وأمرُه كلمحِ البصر بل هو أقرب، وله جنودٌ لا يعلمها أحدٌ سواه، قلَبَ قُرى قوم لوطٍ وجعل عاليَها سافلَها، ولما امتنع بنو إسرائيل عن قبول ما في التوراة رفع جبلاً فوق رؤوسهم كأنه ظُلَّةٌ وظنُّوا أنه واقعٌ بهم، وتجلَّى – سبحانه – لجبلٍ فجعله دكًّا، ولما رأى موسى ذلك خرَّ صعِقًا. وهو سبحانه عظيم قدير ، الأرضُ إذا انقضى الدهرُ يرُجُّها رجًّا، ويدُكُّها دكًّا، وينسِفُ الجبالَ نسفًا، وبنفخةٍ واحدةٍ في الصور ينفُخ فيه إسرافيل يفزعُ الخلق، وبنفخةٍ أخرى يُصعَقون، وبثالثةٍ يقومون للحشر. فهو عظيم قدير ، واقرأ قدرته وعظمته في الشمس الساطعة , وفي النجوم الزاهية , عظمة تلمحها في خمائل النبات , وجداول الماء ، بل وفي حقول الزرع وسنابل الحَب والبذور , وفي الورقة واليرقة، وفي الحشرة والشجرة .. هو العظيم ، كسا العظام لحماً واللحم جلداً وألبس البهائم صوفاً ووبراً , والثمرة غطاءً وقشراً .. سبحانه من عظمته وبالغ معجزته , أن خلق الماء حياة للمخلوقات ، وأهلك به قوم نوح – عليه الصلاة والسلام – , وأوجد النار منفعةً ، وأحرق بها أعداءَه , وكوّن البحر رزقاً وأغرق فيه فرعون وجنده , وأرسل الرياح لواقح ودمر بها عاداً .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن عظمة الله لا يعلمها إلا الله جل وعلا، ولكن الله جل وعلا بين لنا ما يدل على عظمته بقدر ما تتسع له عقولنا ، وإلا فإن عظمة الله تعالى لا يحيط بها ولا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، وقد عرفنا الله سبحانه وتعالى بعظمته في قرآنه الكريم ، من أجل أن نجله ونعظمه، ونعبده حق عبادته. فإذا قيل لك بما عرفت ربك فقل بآياته ومخلوقاته ، قال تعالى
{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [فصلت: من الآية37]، ومن مخلوقاته السماوات السبع والأرضين السبع وما فيهن. ومن مخلوقاته ما ذرأه في هذا الكون من البحار والجبال والبراري والأشجار والأنهار وغير ذلك مما لا تحيط به العقول، ولا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. فإذا تأملت في هذا الكون وتدبرته ،عرفت عظمة خالقه وحكمته وقدرته ورحمته ،قال تعالى {قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101]، أولم يتفكروا فيما خلق الله في السماوات والأرض، فالله جل وعلا أمرنا أن نتفكر وننظر فيما خلق، وأولي الألباب يتفكرون في خلق السماوات والأرض ويقولون: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: من الآية 191]. فعلى العاقل أن يتفكر في خلق السماوات والأرض والبر والبحر بل ويتفكر في خلقه هو قال تعالى {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21]، وكذلك يتفكر في آيات الله المقروءة في القرآن الكريم ليعرف بذلك عظمة الله سبحانه وتعالى يقول عبد الله بن مسعود : (ما بين السماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله عز وجل فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه) أخرجه الدارمي . ويقول النبي عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام: ((ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة)) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات .وروى ابن جرير في تفسيره بسنده عن ابن عباس أنه قال:
(ما السموات السبع والأرضون السبع في يد الله إلا كخردلة في يد أحدكم)
أيها الموحد
وينبغي أن تعلم أنك في غاية الذلة والافتقار والحاجة والانكسار إلى الله، وهكذا يجب أن تكون بين يدي الله عز وجل.
وينبغي -أيها الأحبة- أن نتعود التضرع إلى الله، وأن نتعود الشكوى إلى الله، وأن نتعود اللجوء إلى الله، وأن نتلذذ عندما نسجد لله، فأنت لا تسجد لغيره سبحانه ، ولا ترضى أن تركع لغيره، ولا ترضى أن تنحني لغيره، وهكذا الانكسار، وهكذا الانقياد، وهكذا المناجاة في حال السجود، وفي صحيح مسلم يقول صلى الله عليه وسلم « أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ ».
أنا إن ضللت فمنك نور هدايتي وإذا مرضت ففي رضاك شفاء
وإذا عطشت فمن نعيمك أستقي أو جعت كان بما رزقت غناء
وإذا عريت فأنت وحدك ساتري وجميل عفوك جنة ورداء
وإذا تنكبت الطريق رجعت في ندم إليك ففي حماك نجاء
وسعت مكارمك العباد برحمة وتتابعت من فيضك الآلاء
يا رب خيرك للبرية نازل وإليك يصعد منهم الإيذاء
لكأنها تلك القلوب جلامد وكأنما آذانهم صماء
الدعاء