خطبة عن (تأملات في قوله تعالى: (فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ)
يناير 8, 2017خطبة عن ( أنت الجماعة، ولو كنت وحدك)
يناير 9, 2017الخطبة الأولى (العلاقة بين الأمن والإيمان (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) الأنعام 81، 82 ، وقال سبحانه: ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا ) البقرة 126 ، وقال سبحانه: ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) [العنكبوت: 67]. وقال تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً) [البقرة: 125]. وقال تعالى ( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) 3،4 قريش
إخوة الإسلام
نعمة الأمن والأمان من أجل نعم الله تعالى على عباده ، ولقد امتن الله بهذه النعمة على أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى 🙁 وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الأنفال: 26]. ولأهمية الأمن والأمان ، فقد أكرم الله به أولياءه في دار كرامته؛ لأنهم لو فُقدوا الأمن فُقد فقدوا النعيم، قال رب العالمين لأهل الجنة : (ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ) (الحجر: 46)، وقال تعالى: (يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ) (الدخان : 55)، وقال تعالى: (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) (سبأ : 37). فالإسلام هو دين الأمن والأمان ، ولا يمكن أن يتحقق الأمن والأمان للناس إلا إذا دانوا بهذا الدين العظيم، فقد حرم الاسلام قتل النفس، وسرقة المال وأكله بالباطل، بل ونهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ترويع المسلم، ففي صحيح مسلم (عَنِ ابْنِ سِيرِينَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ ». وقال صلى الله عليه وسلم: «وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ». قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائقَه» رواه البخاري ومسلم. ولعن صلى الله عليه وسلم من أشار بالسلاح لأخيه المسلم ، وحرم علينا الجنة حتى نؤمن ويحب بعضنا بعضاً، وأخبر بأن ذلك يتحقق بإفشاء السلام الذي يأمن الناس معه، وهو من شعائر الإسلام العظيمة، وقال: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» البخاري ومسلم. وقال في حق الكافر المعاهد: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا» رواه البخاري. وقال: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوْ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه أبو داود. وأعظم أمنٍ يجب على الناس أن يسعوا لتحقيقه الأمن من عذاب الله. قال تعالى: (أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (فصلت : 40). والأمن من عذاب الله يكون بالسَّيْر على دروبِ الخير، وبالإكثار من الحسنات، قال تعالى: (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) (النمل: 89)
أيها المسلمون
وللإيمان بالله تعالى دور هام في تحقيق الأمن النفسي للإنسان ، وكل بحسب درجة إيمانه، فكلما زاد الإيمان زادة الطمأنينة الحاصلة للإنسان وزاد انتفاعه بهذا الإيمان، وآثار الإيمان بالله في تحقيق الأمن النفسي كثيرة متنوعة متجددة من أبرزها: تحقيق الأمن والهداية للإنسان فتحصنه وتحميه من مزالق خطيرة ومنغصات متعددة يقول تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام82]. ومن آثار الإيمان بالله : الإيمان بالله تعالى يورث الإنسان الحياة الطيبة المطمئنة خالية من المنغصات النفسية والاضطرابات الروحية، فروح الإنسان المؤمن هادئة طيبة ،تعيش منسجمة مع ذاتها ومع محيطها، تحيطها السكينة والأمن، محصنة من عوادي النفس الإمارة بالسوء، يقول تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل:97]. يقول ابن كثير رحمه الله: ( هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا – وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه من ذكر أو أنثى من بني آدم، وقلبه مؤمن بالله ورسوله، وإن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله – بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة. والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت ). ومن آثار الإيمان بالله : إن الإيمان بالله تعالى وحده يزكي النفس ويطهرها من أدران الشرك ومتعلقاته، تلك الأدران التي تمرض الروح وتوهن النفس وتجعلها عرضة لكل أنواع الاضطرابات النفسية، فإذا صلح الاعتقاد أمكن صلاح الباقي؛ لأن المرء إنسان بروحه لا بجسمه ). ابن عاشور
ومن آثار الإيمان بالله : الإيمان بالله يورث النفس الهداية للخير عند حلول المصائب التي تطيش بعقل وروح الإنسان فلربما أهلكته ودفعته إلى أفعال كارثية عليه أو على غيره، فالأيمان بالله يورث هداية للنفس تخرجه من مصيبته وتهديه للتعاطي الإيجابي مع هذه المصيبة فتزيده خيرا على خير، قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ التغابن 11. وفي صحيح مسلم (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ». ومن آثار الإيمان بالله : الإيمان بالله جالب لفتح أبواب الخير من البركات السماوية والأرضية، الروحية والجسدية، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]. وفي هذا دلالة على أن الله يجازي عباده الصالحين المؤمنين به بطيب العيش ظاهراً وباطناً، حساً ومعناً، جسداً وروحاً. ومن آثار الإيمان بالله : الإيمان بالله تعالى يدخل الإنسان المؤمن في حمى الله تعالى، ومن كان تحت رعاية الله وحفظه ما كان ليضيع، وهذا الشعور يورث الإنسان السكينة والأنس، ويشعره بالأمن والطمأنينة وراحة البال وطيب العيش من جميع العوادي الحسية، بل والمعنوية والروحية أيضاً، قال تعالى:﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ الحج 38. ومن آثار الإيمان بالله : الإيمان بالله وحده يصلح البال والقلب والعقل والنفس قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ﴾ محمد 2 ، فالإيمان بالله يقيم قلوب وعقول ونفوس المؤمنين، فلا يفكرون إلا صالحاً، ولا يتدبرون إلا ناجحاً.
ثانياً: أثر الإيمان بالملائكة في تحقيق الأمن النفسي: فالإيمان بالملائكة يورث الإنسان الاستقامة على أمر الله حين يعلم بأن هناك من يدون ويسجل كل تصرفاته وأعماله، فيحرص على سلامة سجله مما يشن ويدين فيثمر ذلك تصحيح العمل والأوبة إلى الله تعالى، مما يورث الأمن والسكينة النفسية للإنسان، قال تعالى: ﴿ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 17، 18]. والإيمان بالملائكة وأنها تحفظه وتحرسه من أمر الله، تورث الإنسان الطمأنينة بأن هناك من يراعه ويحميه ويحفظه من كل سوء وأذى، قال تعالى: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ الرعد 11. وفي الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ ، وَيَجْتَمِعُونَ فِى صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِى فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ » والإيمان بالملائكة وأنها تقف بالمرصاد لوساوس الشيطان بتحريك بواعث الخير في النفس، تورث الإنسان الأمن النفسي الروحي من جهة أن الإنسان غير متروك لوساوس الشيطان المزين للشهوات والسيئات فقط، بل هناك أيضاً ملك طاهر زكي يأمر النفس بفعل الخير والبعد عن الشر، ففي الحديث:” عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ ». قَالُوا وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « وَإِيَّاىَ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِى عَلَيْهِ فَلاَ يَأْمُرُنِى إِلاَّ بِحَقٍّ » رواه احمد. وفي سنن الترمذي (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ثُمَّ قَرَأَ (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) » [البقرة: 268]، والإيمان بالملائكة وأنهم يصلون على المؤمنين بالدعاء لهم، والاستغفار لهم يورث النفس الهدوء والطمأنينة والسكينة والمبادرة إلى فعل الخيرات الجالبة لدعاء الملائكة الأبرار المستجاب عند الله، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب:43]. والإيمان بالملائكة وأنهم يقاتلون مع المؤمنين ويثبتونهم في حروبهم، يورث الأمن والثبات لدى المؤمن عند حلول المصائب والنكبات، قال تعالى: ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ الانفال 12. كما ثبت في الصحاح: ( فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – مِنَ الْخَنْدَقِ وَضَعَ السِّلاَحَ وَاغْتَسَلَ ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ – عَلَيْهِ السَّلاَمُ – وَهْوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنَ الْغُبَارِ فَقَالَ قَدْ وَضَعْتَ السِّلاَحَ وَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ ، اخْرُجْ إِلَيْهِمْ . قَالَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – « فَأَيْنَ » . فَأَشَارَ إِلَى بَنِى قُرَيْظَةَ ) البخاري ومسلم
ثالثاً: أثر الإيمان بالكتب في تحقيق الأمن النفسي: إن الإيمان بالكتب السماوية تمنح النفس الشعور بالأمن والسكينة من جهة أن الله تعالى لم يترك الخلق يتخبطون في البحث عن السبل القويمة التي تجلب لهم المصالح وتدفع عنهم المفاسد، فأنزل كتبه التي تضم أحكامه وشرائعه، قال تعالى: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: 48].
والإيمان بالقرآن الكريم يورث الأمن التام من جهة أنه كتاب هداية أنزله الله للبشر، ونور ينير لهم الطريق.قال تعالى: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [ طه:123-124]. قال ابن عباس – رضي الله عنهما- في تفسير الآيتين: ( تضمن الله لمن قرأ القرآن، واتبع ما فيه أن لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة ) ، والإيمان بالقرآن الكريم يورث الأمن التام من جهة أنه كتاب معصوم من الخطأ قوله تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران:103]. وفي صحيح مسلم : (من حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ.) ، والإيمان بالقرآن الكريم يورث الأمن التام من جهة أنه كتاب يقود إلى الجنة فعن جابر – رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “القرآن مُشَفَّعٌ، وماحِلٌ مُصَدَّقٌ، من جعلهُ إمامهُ قادهُ إلى الجنة، ومن جعله خلفَ ظهرهِ ساقهُ إلى النار” صحيح ابن حبان ، والإيمان بالقرآن الكريم يورث الأمن التام من جهة أن للقرآن قدرة على شفاء أمراض القلوب بشقيها:( الشبهات، والشهوات) لما فيه من البينات، والأدلة القطعية التي تزيل كل مرض وآفة. رابعاً: أثر الإيمان بالرسل في تحقيق الأمن النفسي: فالإيمان بالرسل يورث الأمن التام والسكينة من جهة عصمة الأنبياء والرسل فقد (اجتمع كل من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم على أنه معصومٌ، فيما يبلغه عن الله، والإيمان بالرسل يورث الأمن التام والسكينة من جهة أن خضوع الإنسان لتعاليم الأنبياء وتشريعاتهم تحقق السعادة والأمن التام للإنسان في الدارين. قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]. والإيمان بالرسل يورث الأمن التام والسكينة من جهة أن الرسل إنما جاؤوا بشرائع مقصودها حفظ:( الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال) وحفظ هذا الضروريات يورث الاستقرار النفسي التام، ويمنح النفس السكينة والأمن. والإيمان بالرسل يورث الأمن التام والسكينة من جهة أن الرسل إنما جاؤوا بالفرقان الذي يفرق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وهذا التفريق يحقق السعادة والاستقرار والأمن. والإيمان بالرسل يورث الأمن التام والصحة النفسية للإنسان من جهة أن الرسول المعصوم قد دل على الطريق القويم، فمن سلكه واستقام عليه نال الخير عاجلاً وآجلاً، فعن الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ قَالَ وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدْ إِلَيْنَا قَالَ « قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِى إِلاَّ هَالِكٌ وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفاً كَثِيراً فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْداً حَبَشِيًّا عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الأَنِفِ حَيْثُمَا انْقِيدَ انْقَادَ » رواه احمد
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (علاقة الأمن بالإيمان (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
خامساً: أثر الإيمان باليوم الآخر في تحقيق الأمن النفسي: فالإيمان باليوم الآخر يورث الأمن التام والصحة النفسية للإنسان من جهة حصول الطمأنينة للمستقيم على شرع الله بالحياة الأبدة الطيبة في جنة عرضها السموات والأرض بعد عبور هذه الدنيا المليئة بالمنغصات والمكدرات قال تعالى:﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل:32]. الإيمان باليوم الآخر يورث الأمن التام والصحة النفسية للإنسان من جهة أنه اليوم الحق الذي يقتص للمظلوم من الظالم، ويعود الحق إلى أصحابه، وهذا اليوم الذي يقام فيه ميزان العدل ويظهر كمال عدل الله سبحانه: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ﴾ [الأنبياء:47]. وفي سنن الترمذي (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلاً قَعَدَ بَيْنَ يَدَىِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَمْلُوكَيْنِ يُكْذِبُونَنِى وَيَخُونُونَنِى وَيَعْصُونَنِى وَأَشْتُمُهُمْ وَأَضْرِبُهُمْ فَكَيْفَ أَنَا مِنْهُمْ قَالَ « يُحْسَبُ مَا خَانُوكَ وَعَصَوْكَ وَكَذَبُوكَ وَعِقَابُكَ إِيَّاهُمْ فَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ كَانَ كَفَافًا لاَ لَكَ وَلاَ عَلَيْكَ وَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ دُونَ ذُنُوبِهِمْ كَانَ فَضْلاً لَكَ وَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ فَوْقَ ذُنُوبِهِمُ اقْتُصَّ لَهُمْ مِنْكَ الْفَضْلُ ». قَالَ فَتَنَحَّى الرَّجُلُ فَجَعَلَ يَبْكِى وَيَهْتِفُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَمَا تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ) الآيَةَ. فَقَالَ الرَّجُلُ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجِدُ لِى وَلِهَؤُلاَءِ شَيْئًا خَيْرًا مِنْ مُفَارَقَتِهِمْ أُشْهِدُكُمْ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ كُلَّهُمْ ». والإيمان باليوم الآخر يورث الأمن التام والصحة النفسية للإنسان من جهة أنه اليوم الذي يضحك فيه المؤمنون من الكافرين الظالمين، فهو يوم تشفى فيه صدور ونفوس المظلومون من الظالمين، وهو يوم الفرح الأكبر: ﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾. (34) :(36) المطففين، والإيمان باليوم الآخر يورث الأمن التام والصحة النفسية للمسلم من جهة حصول الأمن والوقاية من شرور وويلات يوم القيامة قال تعالى: ﴿ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ﴾ [الإنسان:11]. والإيمان باليوم الآخر يورث الأمن التام والصحة النفسية للمسلم من جهة أن فيه تسلية للمؤمن الذي فاته شيء من نعيم الدنيا وملذاتها، بما سيناله من نعيم الآخرة قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً * أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً ﴾ [الكهف:30-31]. والإيمان باليوم الآخر يورث الأمن التام والصحة النفسية للمسلم من جهة مراقبته ومحاسبته لنفسه من أن تحيد عن الاستقامة، فهذا الخوف من الانحراف والضلال وعدم الوقوع في المعاصي التي تمرض النفوس وتهلكها، يثمر استقامة ونوراً وطمأنينة وأمنا واستقرار للنفس.
سادساً: أثر الإيمان بالقضاء والقدر في تحقيق الأمن النفسي: والإيمان بالقضاء والقدر يورث المسلم الصحة النفسية والاستقرار الروحي من جهة أن المرء إذا أيقن بأن كل شيء حادث إنما هو بقضاء الله وقدره، وأسلم نفسه لهذا اليقين، فإنه لا يحزن ولا يصيبه القلق والاضطراب عند حصول مكروه، أو فاته إدراك مرغوب ومحبوب، قال تعالى:﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن:11]. وقال سبحانه: ﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد:22]. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا فَقَالَ « يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ».رواه الترمذي، والإيمان بالقضاء والقدر يورث المسلم الصحة النفسية والاستقرار الروحي من جهة تخفيف المصائب والفتن التي تقع عليه لعلمه بأن ذلك من عند الله سبحانه، وأن ذلك يتضمن حكماً وفوائد تعود عليه بالخير عاجلاً أو آجلاً، كما جاء في صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم « عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ». والإيمان بالقضاء والقدر يورث المسلم الصحة النفسية والاستقرار الروحي من جهة ،تحرير الإنسان من الخضوع لسلطان الكهان والعرافين والدجالين ذلك لاعتقاده بأن الكون وما فيه إنما هو بقضاء الله وقدره يسير، وذلك الأمر غيب لا يطلع عليه أحد إلا الله تعالى. وتحرير الإنسان من الكبر والتعالي على الخلق: فالقضاء والقدر يظهر عجز الإنسان في معرفة ما ينتظره في مستقبل أيامه، كما يظهر عجزه وافتقاره إلى الله سبحانه. وتحرير الإنسان من الحسد والضغينة: فالعبد إذا علم أن الله هو مقسم الأرزاق، قنع بما لديه وكف أذاه على من أنعم الله عليه بالرزق. وتحرير الإنسان من الخوف: فالإيمان يثمر استقراراً لدى الإنسان فهو يعلم بأن الله مدبر هذا الكون بما فيه وأنه وحده القادر على جلب النفع له، ومنع الضر عنه، منحه ذلك شعوراً بالأمن على رزقه وحياته ومعاشه في هذه الدنيا. وتحرير الإنسان من عدم اليأس من روح الله، فلا تتسرب إلى نفسه مشاعر الاضطراب وفقدان الأمل حتى ولو كان ظاهر الأمر الذي أصابه فيه شر، قال تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ البقرة 216.
والإيمان بالقضاء والقدر يورث المسلم الصحة النفسية والاستقرار الروحي من جهة (أنه يعلم أنه ما وصل إليه من الخير على أيّ صفة كان وبيد من اتفق فهو منه عز وجل، فيحصل له بذلك من الحبور والسرور ما لا يقدر قدره، لما له سبحانه من العصمة التي تضيق أذهان العباد عن تصوّرها، وتقصر عقولهم عن إدراك أدنى منازلها ، والإيمان بالقضاء والقدر يورث المسلم الصحة النفسية والاستقرار الروحي من جهة أنه يفضي إلى الاستقامة على منهجٍ سواءٍ في السّراء والضرّاء، لا تبطره النعمة، ولا تيئسه المصيبة، فهو يعلم أن كل ما أصابه من نعم وحسنات فمن الله لا بذكائه وحسن تدبيره، وإذا أصابه الضراء والبلاء علم أن هذا بتقدير الله ابتلاءً منه، فلا يجزع ولا ييأس، بل يحتسب ويصبر، فيسكب هذا الإيمان في قلب المؤمن الرضا والطمأنينة. والإيمان بالقضاء والقدر يورث المسلم الصحة النفسية والاستقرار الروحي من جهة أن المؤمن بالقدر دائماً على حذر من أن يأتيه ما يضله، كما يخشى أن يختم له بخاتمة سيئة، وهذا لا يدفعه إلى التكاسل والخمول، بل يدفعه إلى المجاهدة الدائبة للاستقامة، والإكثار من الصالحات، ومجانبة المعاصي والموبقات، كما يبقى قلب العبد معلقاً بخالقه، يدعوه ويرجوه ويستعينه، ويسأله الثبات على الحقّ كما يسأله الرشد والسداد.
الدعاء