خطبة عن حديث (أَلاَ وَخَيْرُهُمْ بَطِيءُ الْغَضَبِ سَرِيعُ الْفَيْءِ)
يناير 11, 2017خطبة عن ( قَبْل أَنْ تَدْعُونِي فَلاَ أُستجِيبُ لكُمْ)
يناير 14, 2017الخطبة الأولى ( المجاملات ، والنفاق ، والفرق بينهما )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (35) فصلت
وقال تعالى : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا) آل عمران 159، وروى البخاري في صحيحه (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَلَمَّا رَآهُ قَالَ « بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ ، وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ » . فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا ، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ »
إخوة الإسلام
لقد ألزم الإسلام أتباعه بحُسن التعامل ، ولين الجانب في كافة تعاملاتهم الانسانية والاجتماعية ، وفي علاقاتهم مع بعضهم البعض ،حتى في تعاطيهم مع مفردات حياتهم اليومية، فالإسلام دائماً يحث على الأسلوب المتحضر للتعامل بين البشر ، ومع ذواتهم ،ثم مع المحيطين بهم ،والإسلام حين يفرض حسن التعامل مع الغير ، فلا بد أن يكون ذلك في حدود الضوابط والالتزام بتشريع الدين وأحكامه ،ومن هنا ، فمن الواجب أن يكون تعامل الأفراد وتطبيقهم للمبادئ الأخلاقية في حدود التشريع الأخلاقي التي يتسم بها الاسلام ،ولنعلم أن التجاوز في التعامل الصحيح بين الناس ، سوف يحدث خللا في الاتساق المطلوب لمعاني السماحة واليسر في الدين ، وإذا ما أراد الانسان أن يعامل بالحسن واللين والطيب ، فعليه أن يكون تعامله بنفس ما يرغب أن يعامل به. وكثيراً ما نضطر إلى استعمال أسلوب المجاملة لتحقيق أهدافنا، ومع تطور الحياة ، انتشرت المجاملة وأصبحت تدخل بين الأب وابنه وبين الأم وابنتها، وبين الموظف ورئيسه في العمل. فالمجاملة في حياتنا أصبحت أمرا يحتاج إليه الناس ، كل في مجاله ، سواء في العلاقات الأسرية ،أو الاقتصادية ، بل والسياسية. … والسؤال الذي نطرحه في بداية لقائنا اليوم إن شاء الله : ما هي حدود المجاملة التي وضعها الشرع الإسلامي؟ ، وما هي الحدود الفاصلة بين المجاملة والنفاق؟ ، فلابد أن نضع حدا فاصلا بين المجاملة والنفاق. حيث يخطئ كثير من الناس بجعل هاتين الكلمتين مترادفتين. حيث اختلط الأمر على الكثيرين ، وصاروا يعدونهما نوعا مختلطا من الكذب والخداع والمغالطة والتضليل. وهناك من يعتبر المجاملة هي قول الكذب.ولفك هذا الاشتباك، نذهب إلى المعجم وفيه نجد أن تعريف كلمة ، المنافق: من يظهر خلاف ما يبطن. والمنافق: من يخفى الكفر ويظهر الإيمان. والمنافق: من يضمر العداوة ويظهر الصداقة». أما معنى المجاملة : فجامله: أي عامله بالجميل، وجامله: أحسن عشرته، وجمله: حسنه وزينه . فالمجاملة «هي أدب اجتماعي خلقي من أهم صفاته: الصدق والإخلاص والمودة واللباقة والعبارات المهذبة. أما النفاق فهو «وحده الذي يجمع بين الصفات القبيحة كالكذب والخداع والتضليل والغدر والمكر وإظهار المرء للناس من قوله وفعله بعكس ما يبطن». ومن علامات المنافق ، التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ » .. والفرق بين المجاملة والنفاق واضح جلي ، ومنها :
أولاً: إذا أُطلق لفظ النفاق فإنه يستوحي معانيَ الشر كلها، ولم يكن النفاق يوما محمودا ولو من وجه ما، ويعرِّفُه علماء السلوك بأنه إظهار الخير للتوصل إلى الشر المضمر. فالمنافق لا يبتغي الخير أبدا، وإنما يسعى للإضرار بالناس وخيانتهم وجلب الشر لهم، ويتوصل إلى ذلك بإظهار الخير والصلاح، ويلبَسُ لَبوس الحب والمودة. يقول سبحانه وتعالى في التحذير من صحبة المنافقين: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ. هَا أَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ» (آل عمران/ 118-119). وهكذا كل من يصاحب الناس فيظهرُ لهم الخير والمودة، وفي حقيقة أمره إنما يسعى في أذاهم، ويتمنى النيل منهم، ويطلبُ الشرَّ لهم، فهو من المنافقين . ثانياً: أما المُدَارِي :(أو المُجَامِلُ ) فلا يُضمِرُ الشر لأحد، ولا يسعى في أذية أحد في ظاهر ولا في باطن، ولكنه قد يظهر المحبة والمودة والبِشر وحسن المعاملة ليتألف قلب صاحب الخلق السيء، أو ليدفع أذاه عنه وعن غيره من الناس، ولكن دون أن يوافقه على باطله، أو يعاونَه عليه بالقول أو بالفعل. قال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله -:وقيل لابن عقيل في فنونه: أسمع وصية الله عز وجل (ادْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، وأسمع الناس يعدون من يظهر خلاف ما يبطن منافقا، فكيف لي بطاعة الله تعالى والتخلص من النفاق؟ فقال ابن عقيل: «النفاق هو: إظهار الجميل، وإبطان القبيح، وإضمار الشر مع إظهار الخير لإيقاع الشر، والذي تضمنتْه الآية: إظهار الحسن في مقابلة القبيح لاستدعاء الحسن». فخرج من هذه الجملة أن النفاق إبطان الشر وإظهار الخير لإيقاع الشر المضمر، وأما من أظهر الجميل والحسن في مقابلة القبيح ليزول الشر: فليس بمنافق، لكنه يستصلح، ألا تستمع إلى قوله سبحانه وتعالى (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، فهذا اكتساب استمالة، ودفع عداوة، وإطفاء لنيران الحقائد، واستنماء الود، وإصلاح العقائد، فهذا طب المودات، واكتساب الرجال. «الآداب الشرعية» ،ولذلك كانت المداراة (أو المجاملة) من الأخلاق الحسنة الفاضلة، وذكر العلماء فيها من الآثار والأقوال الشيء الكثير. وقال ابن بطال رحمه الله: المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة. «فتح الباري» ،وقال أحمد بن حنبل: والناس يحتاجون إلى مداراة ورفق، وأمر بمعروف بلا غلظة، إلا رجل معلن بالفسق فقد وجب عليك نهيه وإعلامه . فاعلم أخي المسلم : أن المجاملة لا حرج فيها إذا كانت بهذه النية، وتلك الصفة ، أما إذا ترتبت عليها معصية ، كإقرار على معصية ، أو مشاركة فيها ، فتحرم حينئذ. فالمجاملة على حساب الدين مرفوضة تماماً، ومنهي عنها شرعاً، ويدل على ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي وغيره ، قال صلى الله عليه وسلم: « مَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ ». فالواجب على الإنسان المسلم أن يتخلص من رذائل الأخلاق: مثل الكذب، والنفاق ، والمجاملة على حساب الدين والعقيدة، وذلك بمعرفة الحكم الشرعي أولاً، ثم تمرين نفسه على اجتناب ذلك، واكتساب الأخلاق الكريمة الفاضلة، واحتساب الأجر من الله.
أيها المسلمون
وقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه بابا بعنوان: (باب المداراة مع الناس) وقال فيه: «ويُذكَرُ عن أبي الدرداء: إِنَّا لنُكَشِّرُ في وجوهِ أقوامٍ وإنَّ قُلوبَنا لَتَلعَنُهُم» والكشر: هو ظهور الأسنان، وروى البخاري في صحيحه :(عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَلَمَّا رَآهُ قَالَ « بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ ، وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ » .فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا ، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ » ،وفِي «شَرْحِ مُسْلِمٍ» وَغَيْرِهِ أن هذا الحديث : «فيه مداراة من يتقى فحشه، ولم يمدحه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أثنى عليه في وجهه، ولا في قفاه، إنما تألفه بشيء من الدنيا مع لين الكلام ، ثالثاً: ومن المهم أيضا التفريق بين المداراة المحمودة، وبين المداهنة المذمومة، فقد يخلط الناس بينهما ، قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فهذا غَلِطَ ؛ لأن المداراة مندوبٌ إليها، والمداهنةَ محرَّمة، والفرق أن المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه، وفسرها العلماء بأنها: معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، والمداراة: هي الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وتركُ الإغلاظِ عليه حيث لا يُظهِر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك. «فتح الباري»
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( المجاملات ، والنفاق ، والفرق بينهما )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والشخص الذي لا يجامل الناس غالباً ما يخسرهم جميعا ،لأنه لا يدرك مدى أهمية المجاملة، بل هي ركن من أركان فن التعامل مع الآخرين على المستوى الفردي والجماعي ،وحتى الدولي، وبالنظر للشخص الذي ينكر ضرورة المجاملة ويتوكأ في معاملته على الصراحة ، غالباً ما نجده ثقيل الظل لدى البعض ، لا يطاق ، وفي النهاية هو الخاسر، فقد فطرت القلوب على حب المدح والثناء، والمجاملة،، والعاقل يميز بين من يستحق المجاملة ، ومن لا يستحقها ، والظرف المناسب لها ، فلا نكون مجاملين على حساب مصالحنا ،ولا نكون صريحين لحد الوقاحة، فهناك فرق وطريق وسط بينهما ،وعلى العاقل أن يتقن السير عليه. فلو تحدثنا عن بعض الأمور التي يجب فيها المجاملة لما أحصيناها وخاصة مع من نصافحهم بكثرة كالأصدقاء والأقارب ، لأدركنا كم يجب ألا نستصغر في تعاملنا مع الآخرين أي فعل أو كلمة تقال، وسُئِل سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – السؤال التالي: في بعض الظروف تقتضي المجاملة بألا نقول الحقيقة، فهل يعتبر هذا نوعا من الكذب؟ ،فأجاب الشيخ بقوله: هذا فيه تفصيل، فإن كانت المجاملة يترتب عليها جحد حق أو إثبات باطل لم تجز هذه المجاملة. أما إن كانت المجاملة لا يترتب عليها شيء من الباطل إنما هي كلمات طيبة فيها إجمال ولا تتضمن شهادة بغير حق لأحد ولا إسقاط حق لأحد فلا أعلم حرجا في ذلك. ففي صحيح البخاري : (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « وَيْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ ، قَطَعْتَ عُنَقَ صَاحِبِكَ » . مِرَارًا ثُمَّ قَالَ – « مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ فُلاَنًا ، وَاللَّهُ حَسِيبُهُ ،وَلاَ أُزَكِّى عَلَى اللَّهِ أَحَدًا، أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ»
أيها المسلمون
والخلاصة .. أن المجاملة لا يهدف صاحبها إلى خداع الناس.. ولا إلى تحقيق مآرب عاجلة.. وربما مكشوفة.. وممجوجة .. وإنما المجاملة هنا حسن تعامل.. وتغليب لحب الخير.. وتعود على رقي الذوق.. وتقدير لمشاعر الناس.. ومعرفة بطبائع البشر.. والحياة.. وقد تكون تلافياً لشر رجل فيه شر.. أو دفعاً لفحشه .. وهذا أيضاً مطلوب.. وفيه حكمة.. ويدل على عقل.. فإن العاقل يبعد عن مخالطة الأشرار.. ولكنه يعلم أنه لابد أن يلتقي بهم في شوارع الحياة.. فيجاملهم.. ويصحبهم في هذه الأوقات معروفاً.. حتى يفارقوه.. ويفارقهم.. وقد كفته المجاملة كثيراً من شرهم.. وخلصه التجمل من مظاهر فحشهم.. وسار كل إلى وجهته. (فالمجاملة) مطلوبة وجميلة حتى مع الأشرار ،دفعاً لشرهم ،وارتفاعاً عن النزول إلى فحشهم، فإذن هي ـ أي المجاملة ـ مطلوبة من باب أولى مع الأخيار.. والطيبين.. وأصحاب الخلق الجميل.. ومع الزملاء والجلساء ،ومع الرؤساء والمرؤوسين.. ومع الناس كافة.. وهي تختلف – كما قدمنا – جذرياً عن النفاق ، اختلاف الدسم عن السم ، والجمال عن القبح ، والبياض عن السواد.. المجامل قلبه طيب.. وقصده حسن.. والمنافق قلبه أسود.. وقصده سيئ.. المجامل يهديك هدية جميلة.. والمنافق يريد أن يخدعك ويوقعك.. والمجامل يوزع تلك الهدايا الدقيقة على الناس ولو لم يكن محتاجاً إليهم.. ولكنها خلق أصيل يصدر منه صدور النور من الشمس والعطر من الزهور.. والمجاملة عطر اجتماعي بالفعل.. فهي تجعل العلاقات بين الناس ذات رائحة جميلة.. وانطباع طيب.. واحساس أن الدنيا بخير.. فكل فاضل في هذه الدنيا، نقابله، أو نعامله، أو نبايعه، أو نزامله، هو مكسب حقيقي، لأن الإنسان هو أثمن ما في هذه الحياة، وهو أكرم المخلوقات، فإذا ظفرنا به خلوقاً، ذوقاً، مجاملاً، باسماً، أشرقت أمامنا الحياة، وأحسسنا أن الكون جميل.. وأن الناس بخير.. وأن المعروف يدوم.. فالمجاملة هي أشجار خضراء ، تظلل الحياة الاجتماعية.. وتقيها من الحرارة.. وتلطفها ، وتجعل الأنسام العليلة تهب عليها.
الدعاء