خطبة عن (المجاملات، والنفاق، والفرق بينهما)
يناير 12, 2017خطبة عن (أَنْتُمْ مَسْئُولُونَ، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ) (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ)
يناير 14, 2017الخطبة الأولى (قَبْل أَنْ تَدْعُونِي فَلاَ أُستجِيبُ لكُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين 🙁 وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (104) آل عمران، وقال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) آل عمران 110وروى الإمام أحمد في مسنده :(عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ أَنْ قَدْ حَفَزَهُ شَيْءٌ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ خَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَداً فَدَنَوْتُ مِنَ الْحُجُرَاتِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَدْعُونِي فَلاَ أُجِيبُكُمْ وَتَسْأَلُونِي فَلاَ أُعْطِيكُمْ وَتَسْتَنْصِرُونِي فَلاَ أَنْصُرُكُمْ » . وفي سنن الترمذي ومسند احمد : (عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ ».
إخوة الإسلام
لقد وصف الله هذه الأمة في كتابه المبين ،أنها خير الأمم التي أخرجت للناس، وقيد هذه الخيرية بأمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر، فإذا تركت هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أضاعت نصيبها من هذه الخيرية،
قال ابن كثير – رحمه الله – عند تفسير هذه الآية: روى البخاري في صحيحه بسنده إلى أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) قَالَ خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ ، تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلاَسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الإِسْلاَمِ .
وكما جاء في الأحاديث السابقة ، والآيات المتقدمة ، فإن إهمال هذا الواجب وعدم العناية به – أعني واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – من أسباب رد الدعاء وعدم النصر . ولا شك أن هذه مصيبة عظيمة، فمن عقوبات ترك هذا الواجب أن يخذل المسلمون ،وأن يتفرقوا وأن يسلط عليهم أعداؤهم، وأن لا يستجاب دعاؤهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وهذه الأحاديث والآيات المتقدمة وأمثالها ، تفيد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبيان ما يترتب على تركه من عموم العقاب، وانتشار المنكرات، وتمكن العصاة، وكثرة الشرور، وذلك مما يبين أهمية هذا الواجب، ولزوم الأمة القيام به أتم قيام. وإن أهمية هاتين الفريضتين وخطورة التهاون فيهما تظهر في النقاط التالية:
أولا: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم أسباب النصر على الأعداء ،والتمكين في الأرض، قال عز من قائل: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ» الحج 40 ،41، فهؤلاء هم المستحقون لنصر الله ومن صفاتهم تعظيمهم لفريضتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ثانيا: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طوق النجاة للأمم ، قال جل وعلا: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) الأعراف 165، فالنجاة إنما كانت للذين ينهون عن السوء. ثالثاً: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الفلاح يقول أصدق القائلين: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران 104. رابعاً: أن نصيب كل مسلم من الإيمان على قدر نصيبه من هاتين الفريضتين ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: « مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ »رواه مسلم. وفي رواية: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ » رواه مسلم. خامساً: أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موجب للعقوبات الإلهية ومانع من إجابة الدعاء قال صلى الله عليه وسلم: « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ » رواه الترمذي وأحمد وغيرهما . سادساً: أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب الفتن واختلاف القلوب فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ يَا هَذَا اتَّقِ اللَّهِ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ». ثُمَّ قَالَ (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) إِلَى قَوْلِهِ (فَاسِقُونَ) ثُمَّ قَالَ « كَلاَّ وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَىِ الظَّالِمِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا ». رواه أبو داود و الترمذي وهو حديثٌ حسن.
وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا رائعا ،بين فيه صلى الله عليه وسلم حقيقة النهي عن المنكر ،وأثره في النجاة من المهالك ، فعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ – رضى الله عنهما – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا ، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا ، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا . فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا ، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا » رواه البخاري. سابعاً: أن التهاون في هاتين الفريضتين العظيمتين من موانع إجابة الدعاء ومنع العطاء وتوالي الهزائم والنكبات هكذا أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم وهو الذي لا ينطق عن الهوى فقد روى الإمام أحمد في مسنده (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ أَنْ قَدْ حَفَزَهُ شَيْءٌ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ خَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَداً فَدَنَوْتُ مِنَ الْحُجُرَاتِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ
« يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَدْعُونِي فَلاَ أُجِيبُكُمْ وَتَسْأَلُونِي فَلاَ أُعْطِيكُمْ وَتَسْتَنْصِرُونِي فَلاَ أَنْصُرُكُمْ » . ثامناً: أنه إذا كثر الخبث وفشا المنكر ولم يُغيَّر، عمَّ العذاب الصالح والطالح، فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أوحى الله إلى جبريل أن اقلب مدينة كذا وكذا بأهلها قال: يا رب! إن فيهم عبدك فلاناً لم يعصك طرفة عين! قال: به فابدأ؛ فإن وجهه لم يتمعر فيّ ساعةً قط» رواه الطبراني في معجمه . وروى البخاري ومسلم عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ وَهُوَ يَقُولُ « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ ». وَعَقَدَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ عَشَرَةً. قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ « نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ ». فكيف يكثُرُ الخَبَث؟!فإنَّ المنكَر إذا أُعلن في مجتمع، ولم يجد مَن ينكره ويحذر الناس من خطره وضرره ؛ فإن سوقـه تقوم، وعوده يشتد، وسلطته تَظْهَر، ورواقَه يمتد، ويصبح دليلاً على تمكُّن أهل المنكر وقوَّتـهم، وذريعةً لاقتداء الناس بهم، وتقليدهم إيَّاهم، وما أحرصَ أهلَ المنكر على ذلك! بهذا وغيره يظهر الخطر الذي يحدق بالأمة جراء التهاون في هاتين الفريضتين العظيمتين.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على كل مسلم، كل على قدر استطاعته، وبحسب منزلته ومكانته، بيد أن أهل الحل والعقد ،وأصحاب الكلمة والرأي من الدعاة والعلماء، والوجهاء والكبراء عليهم من الواجب ما ليس على غيرهم، فالأب مسؤولٌ عن أسرته وأهله ،والمدير مسؤول عن إدارته أو مدرسته وفي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالإِمَامُ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهْىَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ » . قَالَ فَسَمِعْتُ هَؤُلاَءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ » . فعلى الأمة أن تكون يداً واحدة على من يريد خرق السفينة بالشر والفساد، رائدنا في ذلك الإخلاص، والحكمة، والرفق والأناة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (قَبْل أَنْ تَدْعُونِي فَلاَ أُستجِيبُ لكُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
اعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حصن أمان للمجتمع فإذا أُفلت زمام هذا الأمر وطوي بساطه، وقّلَّ أنصاره ونكست رايته، وأهمل علمه وعمله، فشت الضلالة، وشاعت الجهالة، وفسدت البلاد، وهلك العباد. وتفاقمت المحرمات، وانتشار الفواحش والمنكرات، كما شاع الفساد في كثيرٍ من الجوانب العقدية والشرعية؛ والأخلاقية والفكرية، مما ذهبت معه الغيرة، وهتكت من أجله الأعراض، وانتشرت معه الأفكار المضللة، والمبادئ المنحرفة، وتطاول فيه الفساق من الرجال والشباب والنساء ، وهنا يتساءل الناس: أين الغيرة الإسلامية؟! وأين الحمية الدينية؟! بل أين النزعة الإنسانية، والشهامة العربية، وأين الفتوة والرجولة، أتراها نزعت من النفوس؟! نعم إذا كثر الخبث واستمرأته النفوس وتعامت عنه العيون وتبلدت عن إنكاره الألسن والقلوب فهو من علامات موتها والعياذ بالله، فالميت هو الذي لا يحس (وما لجرح بميت إيلام). أما من كان له قلب حي، يملؤه الإيمان وحب الدين والغيرة على حدود الله فإنه لا يألف المنكر ولا يتطبع معه وإن كثر، ولا يغتر بالباطل وإن انتفش. ومن أراد أن يرى أثر ترك هاتين الفريضتين في نزول البلاء وتوالي المحن فلينظر في البلاد التي تعاني القتل والظلم والاضطراب ،وليسأل العقلاء من أهل تلك البلاد عن تقصير أهلها بالأمر في المعروف والنهي عن المنكر، وكيف أنهم ألفوا المنكرات واستساغوها حتى لا تكاد ترى لها مُنكِرا، وأضاعوا المعروف فلا تكاد ترى به آمرا، حتى حل بهم من النقمة والبلاء ما لا يخفى.
أيها المسلمون
يقول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: « مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ ». فيا ليتنا نأمر أنفسنا وأولادنا بطاعة الله، فإننا لو أصلح كل واحد منا نفسه ومن تحت يده لصلح مجتمعنا كله، ولكن ضيعنا أنفسنا وتركنا واجبنا حتى عم البلاء وعظمت المصيبة، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أمركم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن تبادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم يرقق بعضها بعضًا، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا يبيع دينه بعرض من الدنيا. ومن هذه الفتن التي حذر منها المصطفى – صلى الله عليه وسلم – الملاهي وهذه الآلات التي جلبت كل أنواع البلاء من الغناء والصور الخليعة والكذب والزور وتدريس النشء كل خلق ذميم، أذهبت الأوقات، وصدت عن ذكر الله، وعن الصلاة وقضت على الأخلاق ،وفتحت أبواب الشرور بأنواعها، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، عمت الخيانة والاختلاس، والسفور والتبرج، وعدم المبالاة في الخروج على تعاليم الإسلام، غزا بها أعداء الله أمة الإسلام فكانت وللأسف أروج بضاعة، وتغلغلت في البيوت وألهت الكبير والصغير وصعب التخلص منها
إلا على ذوي الألباب والبصائر النافذة الذين امتلأت قلوبهم من خشية الله ،وتروت من معين كتاب الله وسنة رسوله ،ونبتت لحومهم ونمت عظامهم على طيب الحلال، فهم ينظرون بنور الله ويهتدون بسنة رسول الله فهؤلاء هم المتقون، لم يشغلهم عن طاعة الله أهل ولا مال، فضلًا عن الملاهي والمغريات وما يصد عن ذكر الله من المخدرات والمفترات، عرفوا الدنيا فاكتفوا منها بالقليل وعبروها للآخرة كعابري سبيل، وانتقلوا منها بذكر جميل،
أما الذين أشربت قلوبهم حبها، وكان همهم التلذذ بطيب عيشها، وقطعوها في شهواتهم وما تدعوهم أنفسهم إليه ،لا يقفون على حد من الحلال أو الحرام ،فإنه يخشى عليهم أن يكونوا من الذين قال الله فيهم: ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ﴾ الأحقاف: 20
الدعاء