خطبة عن ( قَبْل أَنْ تَدْعُونِي فَلاَ أُستجِيبُ لكُمْ)
يناير 14, 2017خطبة عن (لا تنظر إلى عيوب الناس، وانظر إلى عيوبك) (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)
يناير 15, 2017الخطبة الأولى ( أَنْتُمْ مَسْئُولُونَ ، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ) (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (92)، (93) الحجر، وقال تعالى 🙁 ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) (8) التكاثر ،وقال تعالى : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) (36) الاسراء ،وقال تعالى : (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا) (8) الاحزاب ،وفي سنن أبي داود وغيره يقول صلى الله عليه وسلم : (وَإِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ وَأَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عَنِّى فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ». قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. ثُمَّ قَالَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكِبُهَا إِلَى النَّاسِ « اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ »
إخوة الإسلام
لقد خلق الله الإنسان, وجعله خليفته في الأرض ، بما ميزه على سائر الكائنات بالعقل والاختيار, وميزه عن غيره بأنه حر ومسؤول, والمسؤولية: تكليف وإلزام يتحمله الإنسان باختياره, وهذا الإلزام نابع من أصل استخلاف الإنسان من قبل الله تعالى, فهو تعاقد مع الله تعالى, وتعهد بحمل تكاليفه ((إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً)) (الإسراء:34) وهذا التعاقد مغروس بأصل فطرة الإنسان ، قال تعالى : ((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى)) (الأعراف: 172) فالإنسان إذن له عهد وميثاق فطري مع الله ، قَبِلَهُ الانسان بلسان حال الفطرة في الجواب عن سؤاله تعالى: ((أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى)) وله تعاهد آخر من خلال إيمانه برسالة الرسل والأنبياء, وبذلك سوف يُسأل الإنسان يوم القيامة عن الميثاق الذي قطعه على نفسه مع الله عز وجلّ يقول الله تعالى: ((لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً)) (الأحزاب:8) ،وهذه المسؤولية أمام الله تعالى ليست قيوداً تكبل حرية الإنسان كما قد يتصوروها الماديون, بل هو تشويق له ، وليحقق له حياة اجتماعية كريمة تنسجم مع قيم السماء. فوجود الإنسان على الأرض له هدف عظيم, وهذا الهدف يتحقق بحمل تلك الأمانة ، ويكون مسؤولاً عنها أمام الله تعالى ((فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ)) (الأعراف:6) ،والمسؤولية شاملة لجميع بني آدم المرسَل, والمرسَل إليه, وكل حسب مهمته وعمله وعلمه, وما قدمه للعباد والبلاد والبقاع والبهائم. ومسؤولية الإنسان أمام الله تعالى ذات جانبين متلازمين لا تنفك أحدهما عن الأخرى. مسؤولية فردية خاصة, وأخرى اجتماعية عامة. فهو مسئول عن نفسه ، وعن الآخرين ، أما الأولى: فتشمل جميع شؤون الإنسان الخاصة, وما منحه الله من قدرات وطاقات, وما يتعلق به من جوارح, وعقل, وشباب, وعمر, ومال, وأهل.. وما يترتب على ذلك من أعمال وعلاقات، فهو مسؤول أمام الله تعالى عن كل ذلك؛ لأنه وفق العقيدة الإسلامية هو عبد لله لا يملك من نفسه شيئاً, ولا يُسمح له أن يتصرف بها كما يشاء ،إلا وفق ما شرعه الله له, والمسؤوليات الفردية الخاصة كثيرة ، نذكر لكم منها: – أن الانسان مسئول عن إيمانه بربه ، واتباع رسوله وشريعته ، قال تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا) (17) ،(18) الفرقان، ومسئول عن رسوله صلى الله عليه وسلم ففي سنن أبي داود وغيره يقول صلى الله عليه وسلم (وَإِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ وَأَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عَنِّى فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ». قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. ثُمَّ قَالَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكِبُهَا إِلَى النَّاسِ « اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ » ،ومن أعظم النعم المسؤول عنها الإنسان يوم القيامة نعمة الإيمان والهداية, فنعمة الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر من النعم العظيمة التي يسأل عنها الإنسان يقول الله تعالى: ((يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ للإيمان إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)) (الحجرات:17) ،- والإنسان مسؤول عن تزكية وتربية نفسه يقول تعالى: ((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)) (الشمس: 7-10) ،ومن هنا فقد عد القرآن الكريم الخاضع للظلم, والراكن إلى الظالمين ظالماً لنفسه؛ يقول الله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرض قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً)) (النساء:97) ،فهؤلاء إنما صاروا ظالمين لأنفسهم, لأنهم لم يزكوها, ولم يهذبوها على منهاج الله؛ ورضوا بالظلم فكانوا ظالمين. – والانسان مسئول عن نيته في عمله: ففي سنن الترمذي بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ( حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِىَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَرَجُلٌ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي قَالَ بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ قَالَ كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ فُلاَنًا قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ. وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ قَالَ بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ قَالَ كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلاَنٌ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ. وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ فِي مَاذَا قُتِلْتَ فَيَقُولُ أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلاَنٌ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ ». ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلاَثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » – والإنسان مسؤول عن جوارحه وأعضائه ، يقول تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الإسراء:36) ، فهذه الجوارح نِعَمٌ عظيمة، أنعم الله بها على عباده ،والنعمة تستلزم شكر المنعم ،والشكر يتحقق بأن يستعمل هذه النعم لطاعة الله؛ ولذلك فالإنسان مسؤول عما يستعمل به هذه الجوارح ، – الإنسان مسؤول عن كلامه وكل ما يصدر عنه من قول أو عمل صغيراً كان أو كبيراً, ففي مسند أحمد وغيره عن معاذ بن جبل (قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْلُكَ « أَوَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَمْلَكِ ذَلِكَ لَكَ كُلِّهِ ». قَالَ فَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدِهِ إِلَى لِسَانِهِ. قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّا لَنُؤَاخَذُ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ قَالَ « ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ». وفي رواية أحمد « ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِى جَهَنَّمَ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ». وقال تعالى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) (7)،(8) الزلزلة – والإنسان مسؤول عن شبابه وعمره وماله وعلمه وجسمه ، ففي سنن الترمذي (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ ». وفي رواية « لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ » ويقول تعالى:( فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الحجر (92) :(93) ، فالإنسان مسؤول عن النعم الإلهية عليه بصورة شاملة : القوة في الجسد، والسعة في الحال, والشرف الاجتماعي سواء كان علمياً, أو سياسياً, أو اقتصادياً , بل حتى الجمال في الصورة ، وفي معجم الطبراني (عن بن عمر قال سمعت رسول الله يقول : إذا كان يوم القيامة دعا الله عبدا من عبيده فيوقف بين يديه فيسأله عن جاهه كما يسأله عن ماله ) فكل نعمة مسؤول عنها, ومسؤوليته هي أن يسخر ما منحه الله تعالى في طاعته ومرضاته, وان لا يعتبره نعمة ذاتية خاصة به, وإنما هي منة مَنَّ الله تعالى بها عليه, وشكر النعم أداء حقها, وهو أن يستخدمها فيما أمره الله تعالى ،قال تعالى : (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (8) التكاثر ،والإنسان مسؤول عن أهله: فكما أنه مسؤول عن نفسه فكذلك هو مسؤول عن أهله ، في تربيتهم, وهدايتهم, وإرشادهم إلى شرعة الله تعالى, وحفظهم من الانحراف عنها, وأَمرهم بما يأمر به نفسه, ونهيهم عما ينتهي عنه, يقول تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)) (التحريم:6) ،وفي صحيح البخاري (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالإِمَامُ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهْىَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ » ..قَالَ فَسَمِعْتُ هَؤُلاَءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَنْتُمْ مَسْئُولُونَ ، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ) (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إذا أيقن الإنسان بأنه مسئول فلابد أن يعد للسؤال جوابا ، ولا بد للإنسان من أن يسأل نفسه ليحدد موقفه في كل حركته، سواء كانت في الجانب الفكري الذي يلتزم فيه خطاً فكرياً معيّناً، أو في جانب الكلمة التي يحركها في خطابه للآخرين، أو في عمله الذي يتصل به في موقفه في ما يريد الله تعالى له أن يعمله أو يتركه، وفي ما يريد له أن يتعامل به مع الآخرين، وفي كل مواقفه، رفضاً أو قبولاً أو تأييداً أو عدم تأييد، وفي علاقاته بالإنسان الآخر بالحياة، سلباً أو إيجاباً. فما دمت مسئولا فاسأل نفسك من الآن ، وقبل كل عمل ، وقبل كل كلمة ، بل قبل كل حركة ، ماذا سوف تجيب ربك يوم القامة إذا ما سئلت عنها . فلا تحرِّك رجلاً ـ ولا تؤخّر أخرى حتى تسأل لماذا ،تقدّمت وعلى أي أساس، ولماذا تأخرت وعلى أيّ أساس. فلا تندفع في حركتك في الحياة على أساس ما توحي به غريزتك أو شهوتك، أو أن تتحرك على أساس اللامبالاة، بحيث لا تدرس نتائج عملك أو خلفياته. فإن عقلك مسؤول عنه، فلا تحركه إلا في ما يرفع مستوى حياتك وحياة الآخرين، وإن قلبك الذي ينفتح على عاطفتك أنت مسؤول عنه ، فلا تحرّك عاطفتك في خط هواك، فحبك عندما تحب أنت عنه مسؤول، و بغضك عندما تبغض أنت عنه مسؤول ، قال تعالى : { يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) الشعراء (88)، (89) ،والله تعالى لا يُعفي أحداً من المسؤولية، ولا يعفي أحداً من السؤال، حتى الأنبياء، فنحن نقرأ هذه الآية الكريمة: { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) } الاعراف،. فعندما يبعث الله رسولاً إلى الناس، فإنه سبحانه كما يسأل الناس الذين أُرسل إليهم هذا الرسول، هل استمعتم إليه وآمنتم به؟ هل سرتم على الخط المستقيم الذي أمركم به؟ فإنّه سبحانه وتعالى يسأل المرسَلين أيضاً: كيف أديتم الدعوة وبلغتم الرسالة؟ وكيف استجاب لكم قومكم أو تنكّروا لكم في ذلك؟ فالرسل مسؤولون والناس مسؤولون، فهو سبحانه لا يعفي أحداً من المسؤولية والسؤال ، لأن المسؤولية شاملة للناس كلهم، وكل إنسان مسؤول بحسب حجمه الفكري وقدراته العلمية وظروفه الطبيعية وما وهبه الله من نعم ،لقي الفضيل بن عياض رجلا ؛ فقال له الفضيل : “كم عُمُرك ؟ قال الرجل : ستون سنة قال الفضيل : إذا أنت منذ ستين سنة تسير إلى الله توشك أن تصل فقال الرجل : إنا لله وإنا إليه راجعون ، قال الفضيل : هل تعرف معناها ؟؟ قال : نعم أعرف أني عبد الله وأني إليه راجع
فقال الفضيل : يا أخي ، من عرف أنه لله عبد ، وأنه إليه راجع ، فليعلم أنه موقوف بين يديه ، ومن علم أنه موقوف فليعلم انه مسؤول ، ومن علم أنه مسؤول فليعد للسؤال جوابا فبكى الرجل وقال ما الحيلة ؟؟ قال الفضيل : يسيرة قال وما هي يرحمك الله ؟ قال : تُحسن فيما بقى ، يغفر الله لك ما قد مضى وما بقى فإنك إن أسأت فيما بقى أُخذت بما مضى وما بقى ”
الدعاء