خطبة عن (أمة واحدة) (أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً)
يناير 17, 2017خطبة عن (الروح، وأين تذهب بعد الموت؟﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾
يناير 18, 2017الخطبة الأولى ( عناية الإسلام بالأيتام والمعوقين والضعفاء )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ) البقرة 177، وقال تعالى : (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) (215) البقرة . وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِى الْجَنَّةِ »وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى) ،وروى البخاري في صحيحه : (عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ رَأَى سَعْدٌ – رضى الله عنه – أَنَّ لَهُ فَضْلاً عَلَى مَنْ دُونَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ » ،وروى الترمذي وغيره : (عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « ابْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ ».
إخوة الإسلام
إن الإحسان إلى الأيتام والضعفاء من المعوقين والعجزة والمحرومين خلق إسلامي رفيع حثنا الإسلام عليه وندبنا إليه , بل وجعله من أفضل الأعمال وأزكاها , قال تعالى : ” لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (177) سورة : البقرة. ويقول صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتقدم : « ابْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ » رواه الترمذي. وهؤلاء جميعا : ( الأيتام والضعفاء من المعوقين والعجزة والمحرومين ) هم في قلب المجتمع المسلم ، ويمثلون نقطة مُضيئة بالحسنات، والأجور العاليات، من ربِّ الأرض والسموات، وذلك لمن نَظَرَ إلى الأمر بعين قلبه، وألقى سمعه إلى أمر الله – تعالى – وبيان رسوله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وإحساسُهُ الإيمانيُّ حاضرٌ لا يغيب. وهم رافدٌ من روافدِ السعادة في مجتمع المسلمين؛ لأنَّهم يملؤون فراغاً روحيّاً صادياً عند مَن أكرمه الله – تعالى – برقة القلب لهم، والحُنُوِّ الدائم عليهم، وهم من أسباب رقة القلوب الحاضرة، والنُّفوس الشاكرة، ويجمعون – مع ذلك – أرواحاً من شتاتها في بوتقة الإيمان؛ لصيانة سلامة المجتمع وحصاد الحسنات، تلك التي تأتلف على سَوْقِ الأفراح إلى القلوب التي تحتوي هؤلاء، فيتحول الأسى والحرمان إلى زهور من العطاء والإكرام، بعيداً عن الأحزان.
أيها المسلمون
أما عن اليتيم : وهو مَن فَقَدَ أباه وهو دون الحُلُم ، فهو حين يفقد والدَه ، يفقد نَبْعَ الحنان والرعاية،، فيكون بعد ذلك محتاجاً إلى من يهتم به ، فاليتيم طفل من بين الأطفال، قد فقَد أباه والعائل الذي يرعاه، فقَد القلب الذي يحنو عليه، والرُّوح الذي كان يَحوطه ويرعاه، فَقَد بموت أبيه كلَّ ذلك، وأسلَمته المقادير إلى الكآبة وتشتُّت البال والحِرمان، فما أحوجه إلى عناية من الرؤوف الرحيم، تَنتشله من تلك الوَحدة، وتجعل له متنفسًا يُسرِّي به عن نفسه! فما أحوجه إلى تشريع حكيمٍ، ووصيَّة كريمة من ربٍّ رحيم؛ تَحفظ عليه نفسه، وتَحفظ له ماله، وتعدُّه رجلاً عاملاً في الحياة، ليس كَلاًّ على غيره، ولا عِبئًا على أُمته، ولا عنصرَ شرٍّ يَنفُث سمومه في أمثالِه الأطفالِ. لهذا كله عُنِي الإسلام – كتابًا وسُنة – بأمر اليتيم، والحثِّ على تربيته، والمحافظة على نفسه وماله، وقد ظهَرت عناية القرآن الكريم بشأن اليتيم منذ أن نزَل، إلى أن أكمَل الله دينه، وأتمَّ على المؤمنين تشريعه، ظهرت حينما عاد الوحي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن فتَر عنه مدة طويلة، توجَّس الرسول منها أن يكون الله قد قَلاه وأبغَضه، فجاءه الوحي وهو في هذا التوجُّس، مؤكدًا له حُسن رعاية الله إيَّاه، وأخذ يُثبت ذلك في نفسه، ويُذكر بعناية الله له قبل النبوَّة، وهو أحوج ما يكون إلى عطف الأبوة التي فقَدها ولم يرَها؛ ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ﴾ [الضحى: 6]، ثم يطلب منه الشكر على تلك النعمة، وأن يكون شكرها – من جنْسها – عطفًا على اليتيم ورحمة به؛ ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ﴾ [الضحى: 9]. ولهذا فقد أوجب الإسلام لليتيم حقوقا حتى يبلغ سن الرشد ومنها : حرمة مال اليتيم : يقول تعالى: {وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} النساء : 2 ، ويقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} النساء: 10 ،ويقول تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} الأنعام: 152، ومن حرمة الايتام : حرمة قهره: يقول الله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} الضحى: 9 ، ومن الحقوق : حق الإكرام لليتيم : يقول الله تعالى: {كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} الفجر: 17 ، وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ »وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى) ، ومنها : حرمة الدع أو(الدفع): الدع: الدفع بجفاء وعنف يقول تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} الماعون 1، 2. ومنها : حق الإطعام لليتيم إن كان محتاجا : يقول تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيرًا} الإنسان: 8 ،ويقول تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ. يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ} البلد: 15 ،16 ، ومنها : حق الإيواء: يقول تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى} الضحى 6 ، ومنها : حق حفظ الميراث حتى بلوغ سن الرشد: يقول تعالى: { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ) (6) النساء ، وقد حذَّر الإسلام أشد الحذر من أكل أموال اليتامى بالباطل وعدَّه من الكبائر؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ))، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: (الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ)؛ (سنن أبي داوود)؛ بل أمر بإعطائهم حقوقَهم كاملة العد والقيمة بلا إبطاء؛ قال الله تعالى: {وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيرًا} [النساء: 2]، فوصف أكل أموالهم بالظلم الكبير، الذي لا يعلم حدوده إلا الله – تعالى – ولهذا كان جزاء من يأكلون أموال اليتامى عاقبة الخسارة والنَّدم. ومنها : حق الإحسان إلى اليتيم : يقول تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى} البقرة: 83 ،ويقول تعالى : {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ} البقرة: 177 ويقول تعالى: {قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} البقرة: 215 ، ومنها : حق القسط وهو العدل : يقول تعالى: {وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} النساء: 127 فحَقَّ الْيَتِيْمِ فِي الرِّعَايَةِ وَالعِنَايَةِ أَكَّدَهُ كِتَابُ اللهِ تَعَالَى وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، فَعَلَى كَافِلِ الْيَتِيْمِ أَنْ يُحْسِنَ إِلَيْهِ كَإِحْسَانِهِ إِلَى بَقِيَّةِ أَوْلاَدِهِ، وَلَمَّا نَزَلَ الأَمْرُ بِرِعَايَةِ حَقِّ الْيَتِيْمِ فِي القُرآنِ الكَرِيْمِ تَحَرَّجَ الْمُسْلِمُونَ فِي مُعَامَلَتِهِمْ لِلْيَتَامَى خَشْيَةَ التَّقْصِيْرِ فِي حَقِّهِمْ؛ فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ؛ فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَسأَلُونَكَ عَنِ اليَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللهَ عَزِيْزٌ حَكِيْمٌ} البقرة 220، فَأَفْهَمَهُمْ أَنَّ الْمُخَالَطَةَ مَعَ العَدْلِ وَالإِصْلاَحِ مِنْ مُقْتَضَى مَا بَيْنَهُمْ مِنَ الأُخُوَّةِ الإِنسَانِيَّةِ وَالدِّيْنِيَّةِ وَالرَّحِمِ. ولقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم حق الضعيفين : اليتيم والمرأة من أولى الحقوق بالرعاية والعناية , فعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ : حَقَّ الْيَتِيمِ ، وَحَقَّ الْمَرْأَةِ) .أخرجه النسائي والألباني في السلسلة الصحيحة ،وكذا جعل صلى الله عليه وسلم خير البيوت البيت الذي فيه يتيم يكرم وشرها البيت الذي فيه يتيم يهان , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: (خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ ، وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ بِإِصْبَعَيْهُ : أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا ، وَهُوَ يُشِيرُ بِإِصْبُعَيْهِ ). أخرجه البُخاري في الأدب المفرد وابن ماجة
أما هذه الأم التي مات عنها زوجها، وهي ذات منصب وجمال، وترَك لها أيتامًا، فتَأَيَّمت عليه، وحبَست نفسها على خِدمتهم، حتى تغيَّر لونها، وانطَفأ جمالها، ونسِيت وسائل الزينة ومظاهر الجمال في سبيل هَيْمنتها على الأيتام، وفي سبيل تربيتهم والمحافظة عليهم، أما هذه السيدة، فحسْبها مكانةً عند الله، قولُ الرسول – عليه الصلاة والسلام كما في سنن أبي داود (عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ كَهَاتَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». وَأَوْمَأَ يَزِيدُ بِالْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ « امْرَأَةٌ آمَتْ مِنْ زَوْجِهَا ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى يَتَامَاهَا حَتَّى بَانُوا أَوْ مَاتُوا ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( عناية الإسلام بالأيتام والمعوقين والضعفاء )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن أطفال اليوم هم اللَّبنات الرطبة التي يُشيد على كاهلها – في المستقبل – بناءُ المجتمع، فهم رجال الغد، وبقدر ما يُبذل في تربيتهم وتقويمهم، بقدر ما يكون للأُمة من مكانة وعزَّة، وبقدر ما يُهملون، فتتمكَّن من قلوبهم أساليب الانحراف، يكون للأمة من اختلالٍ وضَعْف في القوى المُوجِّهة لها، القائمة بشؤونها. ومن هذا المنطلق فقد عني الإسلام بالأطفال اللقطاء، (واللقيط هو الذي لا يُعرف له أب ولا أم) وهو الذي يجده الناس بالقرب من المسجد، أو في السوق أو في أي مكان، نتيجة جريمة ارتُكبت ولكن الإسلام لا يؤاخذ إنساناً بذنب غيره، قال تعالى : (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الزمر 7، فإذا كان الأب والأم قد ارتكبا الفاحشة فهذا لم يرتكب شيئاً لذلك ينبغي العناية به، وفي الفقه الإسلامي باب في كل مذهب من المذاهب اسمه باب اللقيط، أحكام اللقيط، ماذا يُصنع باللقيط، فهذا إنسان له حرمة الإنسانية، ينبغي أن يرعى هو ابن سبيل كما قال العلامة رشيد رضا: إنه أحق بكلمة ابن السبيل من غيره، لأنه وجد في الطريق، فالسبيل أمه وأبوه، وهو ابن السبيل وقد أوصى القرآن بابن السبيل في سوره المكية والمدنية قال تعالى :(وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) الاسراء 26، فلابد أن نعنى بهؤلاء المحرومين ، وهذا هو ديننا ، ولا نريد أن نتعلم من الغرب، عندنا من تراثنا من كتاب ربنا ومن سنن نبينا ومن فقه فقهائنا ومن تربية مربينا ما يغنينا عن الاستيراد من غيرنا، فينبغي أن نعنى بالطفولة ونعنى بالمعوقين خاصة ، والضعة والمحرومين ونعنى باليتامى ونعنى باللقطاء ونعنى بكل طفل، لينشأ في تربة إسلامية في أرض إسلامية، فهذا هو دين الرحمة، والإسلام رحمة الله للعاملين، وهو أكثر ما يكون رحمة للضعفاء من الناس، وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم. وتتضاعف هذه المسؤولية علينا إذا كان الطفل معوقاً، أصابه عوقاً من هذه الآفات التي تصيب الناس، العمى، العرج، فقد السمع، فقد البصر، فقد حاسة من الحواس، أو جارحة من الجوارح، أو كان متخلفاً عقلياً، أو نحو ذلك مما يبتلى به الناس،
فهذه ابتلاءات من الله تبارك وتعالى، لا نستطيع لها دفعاً، ولا نملك أمامها إلا التسليم والصبر على ما ابتلانا الله تعالى به، ولكن ينبغي ألا يجعلنا هذا نهمل الطفل المعوق، والحضارة الإسلامية كان فيها أناس من أصحاب هذه العاهات، وبلغوا مبلغاً عظيماً من العلم والفضل، منهم الأعمى، ومنهم الأعرج، ومنهم ،ومنهم، وأُلفت في ذلك كتب عن قصص هؤلاء وحكايات هؤلاء، فبعضهم من الذكاء بمكان وبعضهم من النبوغ بمكان، فمن ينسى أبا العلاء المعري أو بشار بن برد أو غيرهم، من ينسى عبد الرحمن الأعرج من رواة الحديث، من ينسى ومن ينسى …، فهؤلاء يمكن أن يكونوا أناس لهم شأن في الحياة، وكم رأينا من مشايخنا من علماء الأزهر وغيرهم من علماء المسلمين، من تفوق في علمه وكان نابغة في عصره وعلامة دهره، ولا نزال إلى اليوم نعرف من هؤلاء الكثير، فيستطيع هؤلاء إذا يسرت لهم السبل، أن يكونوا شيئاً مذكوراً في المجتمع، ومن حسن حظنا أن عصرنا هذا يعني بهذا الصنف من الناس بالمعوقين ويجعل لهم مكاناً أي مكان في الحياة، ونحن المسلمين لنا النصيب الأوفى من المعوقين في العالم، ففي فلسطين، وفي الشيشان، في أفغانستان، في الصومال، في البوسنة والهرسك، في كوسوفو، في بلاد شتى آلاف وعشرات الآلاف ومئات الآلاف من المعوقين من الأطفال ومن الكبار فعلينا أن نُعنى بهؤلاء المساكين، فليس المسكين فقط من فقد المال، إنما من فقد القدرة على الحركة كغيره.
الدعاء