خطبة عن (عيادة المريض:فضائلها،وسننها، وآدابها)
يناير 21, 2017خطبة عن (فتنة المال: صورها وعلاجها). (أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ)
يناير 22, 2017الخطبة الأولى ( إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رَوَى الْبُخَارِيُّ في صحيحه ( عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ الْبَدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم “إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت) .
إخوة الإسلام
الحياء زينة النفس البشرية ، وتاج الأخلاق بلا منازع ، وهو البرهان الساطع على عفّة صاحبه وطهارة روحه ،
ولئن كان الحياء خلقا نبيلا يتباهى به المؤمنون ، فهو أيضا شعبة من شعب الإيمان التي تقود صاحبها إلى الجنة ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ وَالإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ وَالْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاءِ وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ » رواه الترمذي ،والحق أن الحياء رافد من روافد التقوى ؛ لأنه يلزم صاحبه فعل كل ما هو جميل ، ويصونه عن مقارفة كل قبيح ، ومبعث هذا الحياء هو استشعار العبد لمراقبة الله له ، ومطالعة الناس إليه ، فيحمله ذلك على استقباح أن يصدر منه أي عمل يعلم منه أنه مكروه لخالقه ومولاه ، ويبعثه على تحمّل مشقة التكاليف ؛
ومن أجل ذلك جاء اقتران الحياء بالإيمان في غير ما موضع من النصوص الشرعية ، في إشارة واضحة إلى عظم هذا الخلق وأهميته . وقد عُرف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخلق واشتُهر عنه ففي الصحيحين،( عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ – رضى الله عنه – قَالَ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا ) ، وهكذا نشأ الأنبياء جميعا على هذه السجيّة ، فلا عجب إذا أن يصبح الحياء هو الوصية المتعارف عليها ، والبقية الباقية من كلام النبوة الأولى ، والتي يبلغها كل نبي لأمته .
أيها المسلمون
وللحياء في حياتنا صور متعددة ، ومنها : حياء الجناية ، ومعناه : الحياء من مقارفة الذنب مهما كان صغيراً ، وذلك انطلاقا من استشعار العبد لمخالفته لأمر محبوبه سبحانه وتعالى ، ومن هذا الباب اعتذار الأنبياء كلهم عن الشفاعة الكبرى حينما يتذكرون ما كان منهم من خطأ – وإن كان معفوا عنه – ،وكان الإمام أحمد بن حنبل يكثر من قول :
إذا ما قـال لي ربي أما استحييت تعصيني
وتخفي الذنب من خلقي وبالعـصيـان تأتينـي
فـما قـولي له لـمـا يعاتـبـني ويُقـصـيـني
وهناك نوع آخر من الحياء ، وهو الحياء الذي يتولد من معرفة العبد لجلال الرب ، وكمال صفاته ، ويكون هذا الحياء دافعا له على مراقبة الله على الدوام ؛ لأن شعاره هو قول القائل : ” لا تنظر إلى صغر الخطيئة ، ولكن انظر إلى عظم من عصيته ” . ويمكن أن يُضاف نوع ثالث ، وهو حياء النساء ، ذلك الحياء الذي يوافق طبيعة المرأة التي خُلقت عليها ، فيزيّنها ويرفع من شأنها ،واستمع إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إذ تقول كما جاء في مسند أحمد وغيره (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَدْخُلُ بَيْتِي الَّذِى دُفِنَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبِى فَأَضَعُ ثَوْبِي فَأَقُولُ إِنَّمَا هُوَ زَوْجِي وَأَبِى فَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ مَعَهُمْ فَوَ اللَّهِ مَا دَخَلْتُ إِلاَّ وَأَنَا مَشْدُودَةٌ عَلَىَّ ثِيَابِي حَيَاءً مِنْ عُمَرَ.) فإذا اكتمل الحياء في قلب العبد ، استحيا من الله عز وجل ومن الناس ، جرّه حياؤه إلى الاستحياء من الملائكة الكرام ، ولهذا جاء في صحيح مسلم : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ الثُّومِ – وَقَالَ مَرَّةً مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ – فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ ». ولقد جسّد النبي صلى الله عليه وسلم الحياء في سلوكيات عملية ، تدرّب المرء على هذا الخلق النبيل ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ». قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَسْتَحْيِى وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَ « لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ » رواه الترمذي ،وهذا التصوير النبوي لخلق الحياء ، يدلّنا ويرشدنا إلى أسباب وصول أمتنا لهذا المستوى من الذلّ والمهانة ، إننا لم نستح من الله حق الحياء ؛ فأصابنا ما أصابنا ، ولو كنا على المستوى المطلوب من خلق الحياء ، لقدنا العالم بأسره ، فالحياء ليس مجرّد احمرار الوجه وتنكيس الرأس ، بل هو معاملة صادقة ، وإخلاص تام في حق الخالق والمخلوق .
أيها المسلمون
ولنا مع هذا الحديث وقفات وتأملات ، لنستلهم منها الدروس والعبر : الوقفة الأولى :أن في قوله صلى الله عليه وسلم: (إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت ) قولان لأهل العلم في تفسيرها: الأول: أنه ليس على سبيل الأمر ،وإنما هو على سبيل الذم والنهي عنه ،ولهم وجهان في تفسير هذا القول: أحدهما: أنه أمر بمعنى التهديد والوعيد وله نظائر في القرآن، قال تعالى: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) فصلت (40) ، والمعنى إذا لم يكن عندك حياء فاعمل ما شئت والله مجازيك على فعلتك. .. ثانيهما: أنه أمر بمعنى الخبر: والمعنى: من لم يكن عنده حياء فعل كل ما يستنكر، ومن كان عنده حياء منعه عن كل قبيح ،كما جاء في الصحيحين : « إِنَّ كَذِبًا عَلَىَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ ، مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ » والمعنى : أي فقد تبوأ مقعده، … وكلا الوجهين جائز في اللغة ، والقول الثاني: أن الحديث أمر على ظاهره، يفعل المؤمن ما يشاء ،من قول ،أو تصرف ،إذا كان لا يستحي من فعله عادة ،لا من الله ولا من خلقه ،فيفعله ولا يضره كلام الناس، إذا كان من أفعال الطاعات وجميل الأخلاق. الوقفة الثانية مع الحديث : أن الحياء من شعب الإيمان ، وله فضل عظيم ،وهو عمل قلبي يبعث العبد على فعل الجميل ،وترك القبيح من منكر ودنيء ،فكل ما أفضى إلى ترك السوء وفعل الحسن فهو من الحياء المحمود شرعا ،أما ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وترك السؤال عن مسائل العلم ،والسكوت عن بيان الحق ،فهذا ضعف وخور ،وليس من الحياء ،وإن ادعاه الناس ،ولذلك قالت أم المؤمنين عَائِشَةُ رضي الله عنها كما في البخاري (نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ). فكل ما أدى إلى ترك الحقوق والتساهل فيها ،فهو عجز ومهانة ،والضابط في تمييز الحسن والقبيح دلالة الشرع، وليست أهواء الناس وأعرافهم الفاسدة. ومن تمام الحياء أن يدع المرء ما يستهجنه قومه مما سكت عنه الشرع لأنه من المروءة. ومن علامة الاستحياء أن يتجنب المرء المواطن التي يستحيا منها. الوقفة الثالثة مع الحديث : أن الحياء من العبد ممدوح في كل حال وفي كل أمر ،وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها ،يعرف فرحه وغضبه واستبشاره وكراهيته في وجهه الشريف ، فلا يذم الحياء من العبد ولو هضم حقه وانتقصه الناس ولذلك ورد في الصحيحين: (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ » ، وفي الصحيحين أيضا : (عَنْ أَبِى السَّوَّارِ الْعَدَوِىِّ قَالَ سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ ،قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ » ، فينبغي على المؤمن أن يلازم الحياء في سائر أحواله الخاصة والعامة وفي جميع معاملاته ولا يلتفت لأوهام الناس وآرائهم الفاسدة فإنها لا تغني عن الحق شيئا. ، الوقفة الرابعة مع الحديث : أن الحياء يدعو لكل خير ،وعاقبته حسنة في الدنيا والآخرة ، وكلما ازداد العبد حياء ،ازداد إيمانا وبرا ،حتى يبلغ منزلة الكمال ،ولذلك ورد في صحيح مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم في حق عثمان رضي الله عنه :« أَلاَ أَسْتَحِى مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِى مِنْهُ الْمَلاَئِكَةُ ». وقال الحسن رضي الله عنه : (الحياء والتكرم خصلتان مِن خصال الخير لم يكونا في عبد إلا رفعه الله عز وجل بهما). وإذا ترك العبد الحياء كله ذهب إيمانه وارتكب المحرمات وترك الفضائل لخلو قلبه من مهابة الله ومهابة الناس وإذا نقص حياؤه نقص إيمانه وبره بقدر ما نقص من حيائه ،والناس في هذا الباب مقل ومكثر. وأولى الناس بالحياء هم أهل العلم ،وأهل الفضل ،ويقبح بالناسك أن يكون صفيق الوجه لا حياء له.
الوقفة الخامسة مع الحديث: أن الحياء نوعان من حيث المصدر: الأول: حياء فطري طبيعي ،يخلقه الله ويوجده في جبلة العبد ،بحيث ينشأ من الصغر متصفا بالحياء ،فيجتنب القبيح ويفعل الحسن ،بلا تكلف ،وهو قليل في الناس ،وصاحبه يحميه الله من الصبوة والمعاصي منذ نعومة أظفاره ،كحال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهذا من أجمل الأخلاق ،ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحياء لا يأتي إلا بخير). وقال الجراح الحكمي: (تركت الذنوب حياء أربعين سنة ثم أدركني الورع). ومن رزق هذا فليحمد الله وليحافظ على هذه النعمة الجليلة. الثاني: حياء مكتسب ،وهو الذي يتخلق المرء به ويكتسبه بالتعلم والتربية والمجاهدة والمصابرة والتفكر ،ولم يكن الحياء من خلقه ،وهذا حال كثير من الناس ،لم يعرفوا بالحياء في نشأتهم ثم تعرفوا عليه ،وربوا أنفسهم ودربوها على الحياء ،ثم تخلقوا به ،وهذا من خصال الإيمان
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
الوقفة السادسة مع الحديث: أن مشاهدة القلب لصفات الجلال والجمال لله ،والتفكر في آلاء الله مع التقصير في حق الله بشكر هذه النعم، تورث المؤمن الحياء، وأن التعرف على فضائل الحياء وثوابه ،يعين على الاتصاف بالحياء ،وصحبة أهل المروءة والحياء تكسب الحياء ،والتفكر في الآثار المترتبة على ترك الحياء يحمل المرء على التحلي بالحياء ، وعدم الزهد فيه والتفكر في أن خلق الحياء يستر العيوب ويجعل لصاحبه مودة بين الناس ويكسبه الصيت الحسن مما يرغب في الحياء ،ولذلك قال أبو حاتم: (إن المرء إذا اشتد حياؤه صان ودفن مساوئه ونشر محاسنه). ( وبالضد من ذلك ،مصاحبة أهل الوقاحة والسفه تورث السفه وقلة الحياء والجهل بفضل الحياء يزهد المرء فيه وكثرة الذنوب
واتباع الهوى تجعل القلب خال من الحياء. الوقفة السابعة مع الحديث: أنه لما ترك كثير من الناس الحياء ،وفضائل الأخلاق ،صاروا لا يبالون من ارتكاب قبائح الأمور ،والمجاهرة بها في المجتمع ، ولذا انتشر في كثير من المجتمعات المسلمة اظهر الفواحش والمنكرات ، وقل الناصح من قبل الولاة ، وهذا سببه ضعف الإيمان ،والافتتان بحب الدنيا ،وطول الأمل ،ولهذا قال عمر رضي الله عنه: (من قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه). وكان المسلمون الأوائل يغلب عليهم الحياء، ويستترون بالمعاصي تحت رحمة الله وعفوه، وكان الحياء يظهر في مجالسهم وطرقاتهم وأسواقهم ،ولذلك ينبغي على الأولياء أن يربوا أهلهم وأولادهم على الحياء ،وينبغي على العالم والمعلم مراعاة ذلك في تلاميذه. الوقفة الثامنة مع الحديث : أن جلباب الحياء ، هو أعظم ما تستتر به المرأة المسلمة، وله أثر عظيم في صلاح أقوالها وأفعالها وتصرفاتها ،قال ربيط بني إسرائيل: (زين المرأة الحياء وزين الحكيم الصم). وإذا تسلحت به خفضت صوتها ،ولزمت بيتها إلا لحاجة ،واعتزلت نوادي الرجال ،ولم تزاحمهم حياء من الله ،وغلب عليها الستر والصيانة ،وربما تركت شيئا من مصالحها خوفا من خدش الحياء كحال نساء السلف المتعففات العابدات ،أما إذا تركت المرأة الحياء ، فقد فسد طبعها ،وقل سترها ،وبرزت للرجال ،وظهرت مساوئها ، وتشبهت بالرجل ،كحال كثير من نساء الزمان ،اللاتي يكثرن من مخالطة الرجال ويظهرن زينتهن للأجانب ،ولا يتحرجن عن كل ما يخدش الحياء ،وقوة المرأة وعزها وجمالها في التحلي بالحياء ،وضعف المرأة وذلها وقبحها في ترك الحياء لا كما يظنه السفهاء وأهل الفتنة. ولقد كانت العرب في جاهليتها الأولى تستحيي؛ فهذا أبو سفيان قبل إسلامه عندما وقف أمام هرقل ليسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبر عن نفسه – كما جاء في حديثه الذي أخرجه البخاري ومسلم – فقال: ((فَوَ اللَّهِ لَوْلاَ الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَىَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ )) وقال عنترة: وأغُضُّ طرفي إن بدَتْ لي جارتي … حتى يواري جارتي مأواها ، وقال الشاعر: إذا لم تخشَ عاقبةَ الليالي ولم تستَحْيِ فاصنع ما تشاءُ
فلا واللهِ ما في العيش خيرٌ ولا الدنيا إذا ذهَب الحياءُ
يعيشُ المرء ما استحيا بخيرٍ ويبقى العُودُ ما بقي اللحاءُ
أيها المسلمون
وأهم الفوائد من الحديث: – إذا ترك المرء الحياء، فلا تنتظروا منه خيرًا. – الحياء كله خير. – الحياء أصل الأخلاق الكريمة. – الحياء من خصال الإيمان، وحسن الإسلام. – الحياء يبعد عن فضائح الدنيا والآخرة. – الحياء دليل على كرم السجية، وطيب المنبت. – الحياء صفة من صفات الأنبياء والصحابة والتابعين. – يُعَدُّ صاحبها من المحبوبين من الله والناس. – وفيه أن من الأخلاق الكريمة التي كان عليها أهل الجاهلية ما هو من ميراث النبوة الأول.
الدعاء