خطبة عن (الخمر والمخدرات والمسكرات: تناولها وبيعها من منظور إسلامي)
فبراير 1, 2017خطبة عن ( اسم الله : ( الْوَكِيلُ )
فبراير 1, 2017الخطبة الأولى(تحذير الناس (مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ،الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)(6) سورة الناس ،وقال تعالى : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) 200 : 201 الاعراف، وروى الترمذي في سننه : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ثُمَّ قَرَأَ : (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) » (البقرة: 268) الآيَةَ، وروى الإمام أحمد في مسنده (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُحَدِّثُ أَنْفُسَنَا بِالشَّيْءِ لأَنْ يَكُونَ أَحَدُنَا حُمَمَةً أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتكَلَّمَ بِهِ. قَالَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى لَمْ يَقْدِرْ مِنْكُمْ إِلاَّ عَلَى الْوَسْوَسَةِ ». وَقَالَ الآخَرُ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى رَدَّ أَمْرَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ ».
إخوة الإسلام
معلوم لدينا أن الشيطان عدو للإنسان ، فقد قال الله تعالى : (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) فاطر(6) ومن منطلق هذه العداوة فقد اتخذ الشيطان عهدا على نفسه ألا يترك الانسان يعبد الرحمن ، فقال تعالى على لسان الشيطان (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) (17) الاعراف ،وقال تعالى : (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) (39) :(42) الحجر ، ومن هنا كانت وسوسة الشيطان ملازمة للإنسان ، فالوسوسة هي كل ما يلقيه الشّيطان في القلب من حديثُ النّفس، والأفكارُ السّيّئةُ الّتي تراودها ، وكل ما يقع في النّفس من عمل الشّرّ وما لا خير فيه ، فهي من وسوسة الشيطان ، يقول ابن عبّاس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى: ﴿ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ ﴾، قال: (الشّيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر خنس). ومن المعلوم أن أول وسوسة حدثت من الوسواس الخناس إبليس – نعوذ بالله منه ومن وساوسه- كانت لأبينا آدم وأمنا حوَّاء عليهما السلام، قال سبحانه: ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ﴾ [الأعراف: 20].
وهذه الوسوسة تحدث في خفاء، فالوسواس الخنَّاس لا يراه الناس عندما يوسوس لهم. وهي تختلف من شخص لآخر ، ومنها ما هو عملي ومنه ما هو اعتقادي. ومن رحمة الله بعباده أن جعل كيد الشيطان على بني آدم منحصرًا في شيء واحد فقط ، وهو الوسوسة، فليس له سلطان على ابن آدم إلا بالوسوسة فقط، فالشيطان يوسوس للإنسان، ويزين له المعصية، ويهونها عليه، ويثبطه عن الطاعة، ويكسله عنها، لكنه لا يجبر الإنسان على الوقوع في المعصية،
ولكن لا يستطيع الشيطان أن يكبل الإنسان بالحديد ثم يدفعه للمعصية، فهو فقط يوسوس ويزين ويقبل على الإنسان بخيله ورجله، ويعد ويمني، ويستخدم هذه الأساليب الماكرة والتي استخدمها مع أبي البشر آدم وزوجه حينما أوقعهما في المعصية، ومع ذريته من بعده ، ولهذا قال الله عز وجل: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [إبراهيم:22].
ولا بد أن يعلم الإنسان أن الشيطان يعرف مواطن الضعف عند كل إنسان، وينفذ إليه من مواطن الضعف عنده، وله خطوات على ابن آدم حتى يوقعه في المعصية، فهو لا يأتي الإنسان ويقول له مثلا: لا تصلّ! وإنما يقول: انتظر قليلا قليلا! فافعل كذا! وافعل كذا! حتى تفوته صلاة مع الجماعة، ثم لا يزال به حتى يخرج وقتها إن استطاع ذلك .
وهو لا يقول: افعل الزنا مثلا! وإنما يأتيه بخطوات حتى يوقعه في الزنا ولهذا قال عز وجل: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) [البقرة:168].
فالشيطان له خطوات على بن آدم حتى يوقعه في المعصية، وحتى يثبطه عن الطاعة، وحري بالعاقل الذي يريد السعادة في الدنيا والآخرة أن يحذر هذا العدو اللعين، وأن يحذره غاية الحذر، وأن يجاهده أشد المجاهدة، وأن يستحضر دائما بأن هذا الشيطان كان هو السبب في إخراج أبينا آدم من الجنة، وأنه ما سأل الله -تعالى- أن ينظره إلى يوم القيامة إلا ليتمكن من إغواء ما يستطيع من بني آدم حتى يدخلوا النار معه. قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: “جهاد الشيطان مرتبتان: إحداهما: جهاده على دفع ما يلقى إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان، والثانية: جهاده على دفع ما يلقى إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات، فالجهاد الأول يكون بعده اليقين، والثاني: يكون بعده الصبر، قال عز وجل: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة:24] فبالصبر يدفع الشهوات، وباليقين يدفع الشكوك والشبهات”.
أيها المسلمون
ولكن قبل أن نسترسل في طرق وسوسة الشيطان ،وصورها وعلاجها ، لابد أن نتعرف أولا على أنواع الوسوسة في صدور الناس ، فالوسوسة ليست كلها من الشيطان ولكنها أنواع ، وذلك تبعاً إلى نوع المُوسوس ، وهي كالآتي :
النوع الأول: وسوسة النفس الأمارة بالسوء: فإن النفس توسوس لصاحبها وتأمره بعمل السوء، قال تعالى ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (ق:16)، وقال تعالى :(فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (30) المائدة ، ولكن هل النفس الأمارة بالسوء توسوس لصاحبها من تلقاء نفسها؟ ،أم يوجد من يحثها على ذلك؟ ، والجواب : أن القرين (أي الشيطان المُوكل بالإنسان) هو من يحثها ويأمرها بالوسوسة لصاحبها بفعل السوء ،فنفس الإنسان مجبولة على فعل الخير والشر معاً ، قال تعالى (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) (7) :(9) الشمس فالشيطان يستطيع أن يحث النفس على الأمر بالسوء لصاحبها ،من باب الشر الموجود فيها. ففي صحيح مسلم (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ ». قَالُوا وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « وَإِيَّايَ إِلاَّ أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلاَ يَأْمُرُنِي إِلاَّ بِخَيْرٍ ». فقرين الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأمره إلا بالخير، لأنه عليه الصلاة والسلام قد شُق صدره ،وغُسلَ قلبه من جبريل عليه السلام بمشيئة الله عز وجل فصارت نفسه خالصة الطهارة والنقاء
فمقدرة الشيطان على الوسوسة لبني آدم تتفاوت بتفاوت طهارة ونقاء أرواحهم ، وصفاء قلوبهم ، فمثلا : تجد أناساً محفوظين من وسوسة الشيطان لهم بإقتراف جريمة الزنا أو جريمة السرقة، بينما هنالك من هم غير محفوظين من ذلك، لأن أرواحهم أقل نقاء وطهارةً. النوع الثاني من الوسوسة : وسوسة الشيطان القرين: قال تعالى : ( قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَٰكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) (ق:27 )، وفي صحيح مسلم : (أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلاً. قَالَتْ فَغِرْتُ عَلَيْهِ فَجَاءَ فَرَأَى مَا أَصْنَعُ فَقَالَ « مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ أَغِرْتِ ». فَقُلْتُ وَمَا لِي لاَ يَغَارُ مِثْلِى عَلَى مِثْلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ ». قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَمَعِيَ شَيْطَانٌ قَالَ « نَعَمْ ». قُلْتُ وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ قَالَ « نَعَمْ ». قُلْتُ وَمَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « نَعَمْ وَلَكِنْ رَبِّى أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ ». فالقرين هو الشيطان الموكل بالإنسان في الدنيا، فهو يوسوس للإنسان بمعصية الله عز وجل ،وبترك الطاعات والنوافل ،وكل ما هو أولى، عن طريق النفاذ في جسمه ،والوصول إلى قلبه، ففي الصحيحين (عَنْ صَفِيَّةَ ابْنَةِ حُيَيٍّ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – مُعْتَكِفًا ، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ ، فَانْقَلَبْتُ فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي . وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – أَسْرَعَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ » . فَقَالاَ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِى مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا – أَوْ قَالَ – شَيْئًا » النوع الثالث من الوسوسة :وسوسة شياطين الإنس ، وشياطين الجن: قال تعالى ( كَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِيْنَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوْحِيْ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوْرًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوْهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُوْنَ) الأنعام 112 فهنالك شياطين من الإنس وشياطين من الجن توسوس إلى الإنس ، كما أن هنالك شياطين من الجن توسوس للجن ، وفي سنن الترمذي قال صلى الله عليه وسلم « إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالْجِنِّ قَدْ فَرُّوا مِنْ عُمَرَ » وهناك فرق بين وسوسة شياطين الإنس ،ووسوسة شياطين الجن ، فوسوسة شياطين الإنس للإنسان تكون بإلقائهم إليه ما يضره ولا ينفعه ،وليس بكلام خفي لأن الإنسان يرى شياطين الإنس وهم يرونه، وأما وسوسة شياطين الجن للإنسان تكون بكلام خفي لأنه لا يراهم وهم يرونه. وإبليس هو مصدر الوسوسة للإنسان ، لأنه رأس الشر ، فهو من يأمر الشياطين بالوسوسة للإنسان : إما من خلال النفس الأمارة بالسوء ، وإما من خلال الشيطان القرين، ففي صحيح مسلم (عَنْ جَابِرٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ – قَالَ – فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ ». قَالَ الأَعْمَشُ أُرَاهُ قَالَ « فَيَلْتَزِمُهُ ». ولقوله تعالى ( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ* وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ ۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ) (سبأ: 20-21)، فهذه الآيات الكريمة ،تُشير بوضوح ،إلى أن رأس الشر ومصدر الوسوسة هو إبليس ،وأن اللوم يوم القيامة يُلقى على إبليس ،وليس على الشيطان القرين ،أو على النفس الأمارة بالسوء ،أو على شياطين الإنس، أو على شياطين الجن، وذلك لأنه هو رأس الشر.
وفي آخر الزمان تكثر الشياطين، وتكثر معهم الفتن، والشكوك والريب في الدين والعقائد، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: (إِنَّ فِي الْبَحْرِ شَيَاطِينَ مَسْجُونَةً، أَوْثَقَهَا سُلَيْمَانُ، يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ، فَتَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ قُرْآنًا)، مقدمة صحيح مسلم. ومن المعلوم أن الوسوسةَ : ( أو حديث النفس ) تتعب المؤمنين وتشقي المسلمين، والله الرحمن الرحيم لا يحاسبهم عليها، ولا يعاقبهم إذا لم يتكلموا بالوسوسة أو لم يعملوا بها، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلُوهُ إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. قَالَ « وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ ». قَالُوا نَعَمْ. قَالَ « ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ ».
أيها المسلمون
وكثيرا ما تكون وسوسة الشيطان للإنسان في أعمال الطاعات والعبادات التي يتقرب بها المسلم لرب الأرض والسموات ففي مسند أحمد ( عَنْ سَبْرَةَ بْنِ أَبِى فَاكِهٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لاِبْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الإِسْلاَمِ فَقَالَ لَهُ أَتُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ – قَالَ – فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ أَتُهَاجِرُ وَتَذَرُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ. وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ – قَالَ – فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ – قَالَ – ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ فَقَالَ هُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ وَيُقَسَّمُ الْمَالُ – قَالَ – فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ ». فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَمَاتَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّةٌ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ». ومن وسوسة الشيطان في العبادات : أولا: الوسوسة في الطهارة: ففي سنن الترمذي بسند ضعيف (عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ لِلْوُضُوءِ شَيْطَانًا يُقَالُ لَهُ الْوَلْهَانُ فَاتَّقُوا وَسْوَاسَ الْمَاءِ ». وشُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يَجِدُ فِي الصَّلاَةِ شَيْئًا أَيَقْطَعُ الصَّلاَةَ؟ قَالَ: «لاَ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا»، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: «لاَ وُضُوءَ إِلَّا فِيمَا وَجَدْتَ الرِّيحَ أَوْ سَمِعْتَ الصَّوْتَ». البخاري
وبالوسوسة يفضي إلى كثرة إراقة الماء حال الوضوء أو الاستنجاء -أو التردد في طهارة الماء ونجاسته بلا ظهور علامات النجاسة ،ثانيا : الوسوسة في الصلاة : ففي الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِذَا نُودِىَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ الأَذَانَ ، فَإِذَا قُضِىَ الأَذَانُ أَقْبَلَ ، فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ فَإِذَا قُضِىَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِى كَمْ صَلَّى ، فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهْوَ جَالِسٌ » ، وفي الصحيحين : (عَنْ سَعِيدٍ وَعَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ شُكِىَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاَةِ قَالَ « لاَ يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا » ، وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى الْعَلاَءِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِى الْعَاصِ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلاَتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَىَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزِبٌ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاَثًا ». قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّى). وفي صحيح البخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَىَّ صَلاَتِي ، فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ ، فَأَخَذْتُهُ ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبُطَهُ عَلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِى . فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا » ، وفي سنن النسائي : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلاَنًا نَامَ عَنِ الصَّلاَةِ الْبَارِحَةَ حَتَّى أَصْبَحَ. قَالَ « ذَاكَ شَيْطَانٌ بَالَ فِي أُذُنَيْهِ ». وفي مسند أحمد : (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي صَلَّيْتُ فَلَمْ أَدْرِ أَشَفَعْتُ أَمْ أَوْتَرْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِيَّايَ وَأَنْ يَتَلَعَّبَ بِكُمُ الشَّيْطَانُ فِي صَلاَتِكُمْ مَنْ صَلَّى مِنْكُمْ فَلَمْ يَدْرِ أَشَفَعَ أَوْ أَوْتَرَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا تَمَامُ صَلاَتِهِ » ، وحتى يحفظك الله سبحانه من الوسوسة في الصلاة، ويحفظ عليك عبادتك، فعليك بدعاء الاستفتاح هذا في أول كل صلاة: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرَكَ»، ثُمَّ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ثَلَاثًا، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا» ثَلَاثًا، «أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ، وَنَفْثِهِ»، ثُمَّ يَقْرَأُ). سنن أبي داود والترمذي ، ومن صور وسوسة الشيطان للمسلمين ،أنه يسعى جاهدا بالوسوسة في قلوب المسلمين بإثارة الشكِّ والريب في أعراض بعضهم، في أعراض الدعاة والمخلصين، وسائر المسلمين ، فالوسواس الخناس هو الذي يثير الفتن بين المسلمين، وينشر الضغائن والأحقاد، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ» رواه مسلم ، أي يسعى في التحريش بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن وغيرها. ومن صور الوسوسة : الوسوسة في المعاملات وبين التجار بالغش والغبن طمعا في الأرباح: عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نُسَمَّى السَّمَاسِرَةَ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ! إِنَّ الشَّيْطَانَ، وَالإِثْمَ يَحْضُرَانِ البَيْعَ، فَشُوبُوا – واخلطوا – بَيْعَكُمْ بِالصَّدَقَةِ»، رواه الترمذي
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية(تحذير الناس (مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ،الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
واعلم أيها المسلم أن الشيطان لا ينام ، ولن يتوانى عن محاولاته المتكررة لإغوائك وإبعادك عن الطريق المستقيم..
وهو لا يعمل وحدة بل له فريق عمل متكامل، له أتباع من الجن والانس والدواب.. ولا ييأس من عمله ومن محاولاته المتعددة بل يفرح ويرتاح حينما يخرجك عن الطريق السوي…والشيطان خبير في تقنيات التواصل : يستعمل معك الكلام والهمس والصوت والصورة والاشارة …يأتيك من كل الجوانب، ويغريك ويمنيك وله في ذلك طرق متعددة ينتقيها على حسب ضحيته وأحوالها… وسوف نذكر بعض طرقه علنا نتقي شره: الطريقة الأولى: يقول لك أكفر فلو فعلتها ارتاح باله ،ولم يحمل لك هما ، فهذا ما يريده الطريقة الثانية: إن سلمت من الأولى فإنه يزين لك بدعة من عمل أو قول فتظن أنك على حق و تنسى أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ،الطريقة الثالثة: فإذا سلمت من الأولى ثم الثانية انتقل بك إلى الثالثة وهي عمل كبيرة من الكبائر حتى يجعلك تذنب ولكن مع التوبة والاستغفار يغفر لك الله كما قال اهل العلم لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار. الطريقة الرابعة: فإذا سلمت من الطرق السابقة جاء لك بصغيرة تكون معك كل الوقت ومعظمه حتى تنقص من حسناتك وعلو درجاتك في الجنة مع الصديقين والشهداء. وإن شاء الله بالتوبة تُغفر تلك الصغائر ،الطريقة الخامسة: فإذا تبت من كل ذلك فأنت تعتبر الآن في المراتب العالية عند إبليس. فيأتي لك بطريقة خامسة وهي أن يشغلك بالأقل أجراً من الأعلى. فيجعل همك مثلاً على إماطة الأذى وبالرغم من أنها من الإيمان إلا أنها ليست الأعلى أجراً وهكذا ، الطريقة السادسة: إذا سلمت من كل ذلك ، استخدم أصعب وأقوى أساليبه التي لم يسلم منها الأنبياء عليهم الصلاة السلام. وهي تسليط الأهل والاقربين ومن حولك من الناس لإلهائك وإشغالك بأمور الدنيا وأيضا مضايقاتك المتعددة: لشتمك وإهانتك وإيذائك… ولن تنجو منها إلا بالصبر والصلاة وكثرة الاستغفار…
أيها المسلمون
ونأتي إلى طرق الوقاية والعلاج ، وكيفية التغلب على وساوس الشيطان : 1- الالتجاء إلى الله تعالى بصدق وإخلاص في أن يذهب الله عنك هذا المرض، نادي ربك وخاطبه وثق به فهو كاشف الهم ومزيل الكرب. قال تعالى : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) 62 النمل ، 2- الإكثار من قراءة القرآن والمحافظة على الذكر لا سيما أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم والاستيقاظ، ودخول المنزل والخروج، ودخول الحمام الخروج منه، والتسمية عند الطعام والحمد بعده وغير ذلك، وننصحك بشراء كتاب الأذكار للإمام النووي ومعاودة القراءة فيه دائماً.
3- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ،قال تعالى : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (200): (201) الأعراف ، ، 4- الانتهاء عن الاسترسال مع خطواته الخبيثة في الوسوسة، وهذا من أنفع الأدوية لإذهاب الوسواس وعلاجه؛ كما هو مجرب، فأعظم العلاج للوسواس هو الإعراض عنه وعدم تصديقه، فلو وسوس لك بأن وضوءك انتقض فلا تلتفت إليه، وإذا خيل لك الإحساس بنزول سائل فلا تقبل منه، واسمع لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم في صحيحه أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا حَتَّى يَقُولَ لَهُ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ ». وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ثُمَّ قَرَأَ (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) ». رواه الترمذي. وقَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: [إِذَا وَجَدَ الْمُسْلِمُ فِي قَلْبِهِ، أَوْ خَطَرَ بِبَالِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يَحِلُّ لَهُ النُّطْقُ بِهَا؛ مِنْ كَيْفِيَّةِ الْبَارِي جَلَّ وَعَلَا، أَوْ مَا يُشْبِهُ هَذِهِ، فَرَدَّ ذَلِكَ عَلَى قَلْبِهِ بِالْإِيمَانِ الصَّحِيحِ، وَتَرَكَ الْعَزْمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، كَانَ رَدُّهُ إِيَّاهَا مِنَ الْإِيمَانِ، بَلْ هُوَ مِنْ صَرِيحِ الْإِيمَانِ، لَا أَنَّ خَطَرَاتٍ مِثْلَهَا مِنَ الْإِيمَانِ]. صحيح ابن حبان ، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم من ابتلي بهذه الوسوسة إلى الإعراض عن هذا الخاطر الشيطاني، والالتجاء إلى الله تعالى في إذهابه، وترك الاسترسال معه، فالتمادي في الوسوسة لا يقف عند حد، فلا تظن أن علاج الوسواس هو تكرار الفعل بل المطلوب هو البقاء على الأصل، ومن ذلك أن الأصل بقاء الطهارة فلا تزول إلا بيقين، وقد تقرر عند العلماء أن اليقين لا يزول بالشك، 5- ومن علاج الوسواس أن يتحلى المسلم بالثقة بالله وقوة القلب والعزيمة ويوقن ضعف الشيطان وكيده. وليعلم أن ارتفاع معنوياته ومستواه النفسي له أثر عظيم و دور كبير بإذن الله في حصول علاجه وتخلصه من الوسواس. قال تعالى ( فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ) النساء 76. وقال تعالى ( وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) آل عمران 139. 6- أن يكثر العبد من ذكر الله والتدبر فيه خاصة الفاتحة والمعوذات وسورة البقرة. فإن لذكر الله أثر عظيم في اطمئنان القلب و طهارته وذهاب صدأه وقسوته ووحشته من الشبهات المحرقة والشهوات المظلمة.
قال تعالى ( الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) الرعد 28. وإذا ثبت أن الوسواس ناشئ عن مرض نفسي فلا بأس في تعاطي العلاج النفسي ، 7- ومن أعظم الأسباب لعلاج الوسوسة :هو مجالسة الصالحين ،وحضور مجالس العلم، والحذر من مجالسة أصحاب السوء ،أو الانفراد والانعزال عن الناس،
الدعاء