خطبة عن (لَوْ رَآكَ رَسُولُ اللَّهِ لأَحَبَّكَ) إنه التابعي (الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ)
يناير 26, 2017خطبة عن (ما عجب الله منه ،وما أعجب رسوله)
يناير 29, 2017الخطبة الأولى (وقفات مع حديث:( ارْحَمُوا تُرْحَمُوا ،وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللَّهُ لَكُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام أحمد في مسند ،والبخاري في الأدب المفرد (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ « ارْحَمُوا تُرْحَمُوا وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللَّهُ لَكُمْ وَيْلٌ لأَقْمَاعِ الْقَوْلِ وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ »
إخوة الإسلام
في هذا الحديث الشريف ، يرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأخلاق الفاضلة ، والآداب السامية ، ويحذرنا من سيئ القول ، والإصرار على الذنب ،ولنعلم بداية أن في العمل بالمنهج النبوي راحة للنفس, ومتعة للوجدان والضمير ، ولا يكون ذلك إلا لمن ترجم هذا الخير واقعا عمليا في حياته ،لينال مثوبة رب العالمين , ويحس بروعة هذا الدين ، ويفتخر بأنه من أتباع خاتم النبيين , لا من أتباع الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا , وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ،وفي قوله صلى الله عليه وسلم ( ارْحَمُوا تُرْحَمُوا ) بيان بأنه من أراد رحمة الله ، فعليه أن يرحم غيره من مخلوقات الله ، وأن يكون رحيما بمن حوله ، فالجزاء في الإسلام من جنس العمل ، والجزاء الأخروي ثوابًا، أو عقابًا بمثل فعل الإنسان في الدنيا، سواء أكان الفعل مما ورد الشرع الحنيف بالحث عليه، أو بالنهي عنه. وكثيرا ما اشتملت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى ، أن الجزاء في الآخرة من جنس عمل الإنسان في الدنيا ، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : «فمن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة» ، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم « من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله له بكل عضو منه عضوًا من النار، حتى يعتق فرجه بفرجه» وقوله صلى الله عليه وسلم : «من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة» وقوله صلى الله عليه وسلم : «من بنى مسجدًا يبغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة» وقوله صلى الله عليه وسلم : «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سلك الله به طريقًا من طرق الجنة» وقوله صلى الله عليه وسلم : «من صلى على واحدة صلى الله عليه عشرًا»
وقوله صلى الله عليه وسلم : «من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها، تاب الله عليه» ، و قوله صلى الله عليه وسلم : « من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله» ، وهكذا فمن كان بالخَلق رحيما ، استحق رحمة الله ، لأن الرحمة صفة من صفات الحق ،والتي شمل الله تعالى بها عباده , فلذا كانت أعلاماً اتصف بها البشر , فندب إليها الشارع في كل شيء حتى في قتال الكفار ، والذبح ،وإقامة الحجج ،وغير ذلك والرسول صلى الله عليه وسلم كأنه يقول لنا : فلتكن الرحمة سجيتك والرفق خلقك ، أما تحب أن يرحمك الله ,وكما قال صلى الله عليه وسلم « الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) ( رواه الترمذي وغيره) , وقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين « هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ » وقال صلى الله عليه وسلم في صحيح الأدب المفرد للبخاري ” من رحم ولو ذبيحة، رحمه الله يوم القيامة”. وقال البوني : فإن كان لك شوق إلى رحمة من اللّه , فكن رحيماً لنفسك ولغيرك ولا تستبد بخيرك , فارحم الجاهل بعلمك , والذليل بجاهك , والفقير بمالك , والكبير والصغير بشفقتك ورأفتك , والعصاة بدعوتك , والبهائم بعطفك ورفع غضبك , فأقرب الناس من رحمة اللّه أرحمهم لخلقه , فكل ما يفعله من خير دق أو جل فهو صادر عن صفة الرحمة
أيها المسلمون
أما قوله صلى الله عليه وسلم ( وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللَّهُ لَكُمْ ) فالجزاء أيضا من جنس العمل، فمن غفر ، غُفر له لأنه سبحانه وتعالى يحب أسماءه وصفاته، والتي منها العفو ،ويحب من خلقه من تخلق بها ، وقوله صلى الله عليه وسلم (وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللَّهُ لَكُمْ ) هي كقوله تعالى ( وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) النور 22 قال الشنقيطي : فيه الأمر من الله للمؤمنين إذا أساء إليهم بعض إخوانهم المسلمين أن يعفوا عن إساءتهم ويصفحوا , وقوله تعالى (أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ) فيه دليل على أن العفو والصفح عن المسيء المسلم ،من موجبات غفران الذنوب , والجزاء من جنس العمل
أيها المسلمون
وأما قوله صلى الله عليه وسلم (وَيْلٌ لأَقْمَاعِ الْقَوْلِ) ، فالأقماع بفتح الهمزة :جمع قمع بكسر القاف وفتح الميم وتسكن , وهو الإناء الذي يجعل في رأس الظرف ليملأ بالمائع ، وقد شبه استماع الذين يستمعون القول ولا يعونه ،ولا يعملون به ،بالأقماع التي لا تعي شيئاً مما يفرغ فيها , فكأنه يمر عليها مجتازاً كما يمر الشراب في القمع , وقال الزمخشري : من المجاز ويل لأقماع القول وهم الذين يستمعون ولا يعون أي الذين لا يعون أوامر الشرع ولا يتأدبون بآدابه ،
وقال جل ذكره ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَْـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) الأعراف 179 فهم الذين يغفلون عما حولهم من آيات الله في الكون وفي الحياة , والذين يغفلون عما يمر بهم من الأحداث ،فلا يرون فيها يد الله … أولئك كالأنعام بل هم أضل ..فللأنعام استعدادات فطرية تهديها , أما الجن والإنس فقد زودوا بالقلب الواعي والعين المبصرة والأذن الملتقطة , فإذا لم يفتحوا قلوبهم وأبصارهم وأسماعهم ليدركوا , وإذا مروا بالحياة غافلين لا تلتقط قلوبهم معانيها وغاياتها , ولا تلتقط أعينهم مشاهدها ودلالاتها , ولا تلتقط آذانهم إيقاعاتها وإيحاءاتها … فإنهم يكونون أضل من الأنعام الموكولة إلى استعداداتها الفطرية الهادية …ثم هم يكونون من ذرء جهنم ! وقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ , وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ , إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ) الأنفال 20-22 فجعلهم تعالى من جنس البهائم لصرفهم جوارحهم عما خلقت له ، ثم جعلهم شرها ،لأنهم عاندوا بعد الفهم , وكابروا بعد العقل , وفي ذكرهم في معرض التشبيه بهذا الأسلوب غاية في الذم
وقوله صلى الله عليه وسلم (وَيْلٌ لأَقْمَاعِ الْقَوْلِ) فأقماع القول أيضا هم الذين يسمعون المواعظ ولا يتعظون، و يُذكَّرون فلا يتذكروا- تهاوناً، أو تكاسلاً، أو تكبراً، أو استهزاءً. نعوذ بالله من ذلك كله. فنحن نقرأ ونسمع الكثير من المواعظ والأحاديث والآيات من جميع مصادر المعلومات. ولكن يا ترى كم من تلك المواعظ نتقيد به ونعمل ؟ وكم نصرُّ على المعاصي التي نعلم حقيقتها؟ وكثير منا يقول إن هذه المعصية صغيرة و تلك حقيرة و لكن لا يعلمون إن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة، و تفتك بصاحبها و تعمل به ما تعمله الكبيرة. في صحيح البخاري (عَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه – قَالَ إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالاً هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ ، إِنْ كُنَّا نَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – الْمُوبِقَاتِ ) وفي مسند الإمام أحمد (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ ». ولقد علّمَ رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس عن صغائر الذنوب بطريقة عمليّة و جميلة: روى الطبراني عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من حنين نزلنا فقراً من الأرض – أرض فقيرة- ليس فيها شيء فقال النبي صلى الله عليه و سلم: ( اجمعوا، من وجد شيئاً فليأت به، و من وجد عظماً أو سناً فليأت به )، قال سهل: فما كان ساعة حتى جعلناه ركاماً – أي جعل المكان كومة كبيرة مجتمعة-
فقال النبي صلى الله عليه و سلم: ( أترون هذا؟ فكذلك تجمع الذنوب على الرجل منكم، كما جمعتم هذا، فليتق الله تعالى رجل، فلا يذنب صغيرة و لا كبيرة فإنها محصاة عليه) وقال الله تعالى : (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) الكهف (49)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية وقفات مع حديث:( ارْحَمُوا تُرْحَمُوا ،وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللَّهُ لَكُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأما قوله صلى الله عليه وسلم ( وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) ، أي للعازمين على المداومة عليها { الذين يصرون على ما فعلوا } يقيمون عليها فلم يتوبوا ، ولم يستغفروا ، ( وهم يعلمون ) أي حال يصرون في حال علمهم بأن ما فعلوه معصية ، أو يعلمون بأن الإصرار أعظم من الذنب ، أو يعلمون بأنه يعاقب على الذنب ). هكذا يتوعد هؤلاء المصرين على المعصية بالهلاك والعذاب الأليم ،فهؤلاء الأشرار على النقيض من أهل الخير الذين قال تعالى فيهم ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ , أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) آل عمران 135 -136 ،والفاحشة أبشع الذنوب وأكبرها , ولكن سماحة هذا الدين لا تطرد من يهوون إليها من رحمة الله , ولا تجعلهم في ذيل القافلة ..قافلة المؤمنين ..إنما ترتفع بهم إلى أعلى مرتبة …مرتبة المتقين ..على شرط واحد , شرط يكشف عن طبيعة هذا الدين ووجهته .. أن يذكروا الله فيستغفروا لذنوبهم , وألا يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أنه الخطيئة , وألا يتبجحوا بالمعصية في غير تحرج ولا حياء .. وبعبارة أخرى أن يكونوا في إطار العبودية لله , والاستسلام له في النهاية , فيظلوا في كنف الله وفي محيط عفوه ورحمته وفضله ،والإسلام لا يدعو بهذا إلى الترخص , ولا يمجد العاثر الهابط , إنما هو يقيل عثرة الضعف , ليستجيش في النفس الإنسانية الرجاء , كما يستجيش فيها الحياء ! فالمغفرة من الله ــ ومن يغفر الذنوب إلا الله ؟ ــ تخجل ولا تطمع , وتثير الاستغفار ولا تثير الاستهتار , فأما الذين يستهترون ويصرون فهم هنالك خارج الأسوار , موصدة في وجوههم الأسوار
الدعاء