خطبة عن ( نعمة الكلام، وآفات اللسان)
يناير 30, 2017خطبة عن الصحابي: (سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ)
يناير 31, 2017الخطبة الأولى ( مع أسماء الله الحسنى : اسم الله الْوَدُود )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف 180،
وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ »، وقال تعالى: (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ) (13): (15) البروج
إخوة الإسلام
من الأسماء الحسنى التي وردت في كتابه الله العظيم: اسمه تعالى : (الْوَدُود)، قال الله تعالى: (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ) (13): (15) البروج، وقال تعالى : ( وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) (90) هود ، وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) (96) مريم ، ومن دعائه صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي وغيره : (اللَّهُمَّ ذَا الْحَبْلِ الشَّدِيدِ وَالأَمْرِ الرَّشِيدِ أَسْأَلُكَ الأَمْنَ يَوْمَ الْوَعِيدِ وَالْجَنَّةَ يَوْمَ الْخُلُودِ مَعَ الْمُقَرَّبِينَ الشُّهُودِ الرُّكَّعِ السُّجُودِ الْمُوفِينَ بِالْعُهُودِ إِنَّكَ رَحِيمٌ وَدُودٌ وَأَنْتَ تَفْعَلُ مَا تُرِيدُ) ، واسم الله الودود. هو اسم مُحبب إلى القلوب، اسم يُسعدك، اسم مرتبط بالحنان والرحمة والعطف والحُب، ونستشعر الإحساس بهذا الحنان ،وبهذا القرب والحُب ،لأنه يذكرنا باسم الله الودود. واسم الله الودود جاء في القرآن الكريم مرتين، الأولى :في قول الله تبارك وتعالى : { وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ } البروج 14- 15، والثانية في قول الله تبارك وتعالى { … إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ } هود90. واسم الله الودود خاصة من الأسماء التي تشعرك بالقرب الشديد من الله سبحانه وتعالى. فهو سبحانه وتعالى الودود ، المحب للمؤمنين، وهو المحبوب لهم ، ومن محبة الله لعباده رحمته إياهم، ومحبة المؤمنين لله تعالى: طاعتهم له ، وعبادتهم إياه ، وقيل في معنى “الودود”: أن عباده الصالحين يودونه ويحبونه، لما عرفوا من كماله في ذاته وصفاته وغفرانه تعالى. وقيل الودود { عز وجل } : الذي تودد إليك بالنعم قديماً وحديثاً ، من غير استحقاق ولا وجوب ” . وقال الإمام أبو حامد الغزالي : الودود : هو الذي يحب الخير للخلق ، فيحسن إليهم ، ويثني عليهم . فهو سبحانه وتعالى ودود ، فإذا أحب عباده المطيعين فهو فضل منه، وإذا أحبه عباده العارفون ،فلما تقرر عندهم من كريم إحسانه. ، ولهذا كان يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا : (اللَّهُمَّ ذَا الْحَبْلِ الشَّدِيدِ وَالأَمْرِ الرَّشِيدِ أَسْأَلُكَ الأَمْنَ يَوْمَ الْوَعِيدِ وَالْجَنَّةَ يَوْمَ الْخُلُودِ مَعَ الْمُقَرَّبِينَ الشُّهُودِ الرُّكَّعِ السُّجُودِ الْمُوفِينَ بِالْعُهُودِ إِنَّكَ رَحِيمٌ وَدُودٌ وَأَنْتَ تَفْعَلُ مَا تُرِيدُ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هَادِينَ مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلاَ مُضِلِّينَ سِلْمًا لأَوْلِيَائِكَ وَعَدُوًّا لأَعْدَائِكَ نُحِبُّ بِحُبِّكَ مَنْ أَحَبَّكَ وَنُعَادِى بِعَدَاوَتِكَ مَنْ خَالَفَكَ .. » رواه الترمذي ، فهو الودود سبحانه وتعالى ، ابتدأ بحبنا قبل أن نبدأ نحن بحبه. ففي القرآن الكريم يقول عز وجل: ( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) المائدة 54، و (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ) المائدة 119، و (تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) التوبة 118، في هذه الثلاث مواطن الله عز وجل قدم الحب وقدم الرضى وقدم التوبة. والله الودود : فهو يضع الود بين المتحابين ،ويزرع الود في القلوب ،ولا يقدر على ذلك إلا الله جل في علاه. (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) الروم 21 وهذا ما يفسر ما نراه من تآلف وتأقلم ومودة بين الزوجين في وقت وجيز. لأن الله عز وجل هو الذي جعل المودة والرحمة ، والمودة في وقت الصفاء ،والرحمة في وقت المشكلات. وهو الودود سبحانه وتعالى، يتودد إلينا بكل ما نراه من مظاهر الوجود ، فخلقنا ود ، وجمالنا ود ، وطعامنا ود من الله ، وعقولنا ود من الله عز وجل ، والرحمة التي وضعها الله فينا ود منه سبحانه وتعالى ، وقد أعطانا الذرية فهذا ود ، ورزقنا العلاقات الطيبة بيننا وبين أنفسنا وبيننا وبين غيرنا فهذا ود من الله سبحانه وتعالى ، وتسخير هذا الوجود كله تودد من الرب إلينا ، فعلينا أن ننظر إلى كل شيء في حياتنا بعين الود. فالله سبحانه وتعالى يتودد إلينا بهذا. فإذا نظرنا إلى الوجود بهذه النظرة ، فسوف نحترم ونقدر كل نعمة ،وكل عطاء وفضل إلهي. ومن وده سبحانه وتعالى أنه أحيانا إذا أحب عبدا ابتلاه ، ليرفع منزلته عنده ،ويعالجه ويطهره (فعَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ فَمَنْ رَضِىَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ » رواه الترمذي ، والودود عز وجل ،ينفرد بود خاص في الآخرة ، يقول سبحانه وتعالى : (لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ) (94) ،(95) مريم ، ففي هذه الحظات نكون فيها في أشد الحاجة إلى الحميم والصديق والأنيس ، ولا يمكن أن يملئ قلوبنا سوى حب الله عز وجل. قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ) مريم 96، . فحين تتقطع العلاقات ،حيث لا حميم ولا صديق ،ولا قريب ، فكل شيء يتلاشى ،ويظل الحب الإلهي الذي يغمرنا في تلك اللحظات. فالرحمن يجعل لنا ودا ، والرحمن يغمرنا برحماته ، حيث نكون في أمس الحاجة لهذه الرحمة الإلهية. فيجب علينا أن نتودد إلى الله ،وأن يكون حبه عز وجل في قلوبنا أشد من أي شيء آخر. ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ ) البقرة 165
وقال العلماء في معنى الودود أيضا: انه أصفى الحب وأنقاه.. وأعلى درجات الحب. وأصفى الحب الذي ليس فيه حِقد. فتستطيع أن تُحب ،ولكن في نفس الوقت ربما تجد نفسك قد حقدت على هذا المحبوب، أما الله تبارك وتعالى فـ حاشا وكلا، فالله أصفى الحب وأنقاه. وقالوا الودود: الذي يُحَب.. فهو الذي يُحبه عباده الصالحين من ملئ قلوبهم، فيملئ حُبه سمعهم وبصرهم وقلوبهم وجوارحهم ودمائهم وأرواحهم فيكون أحب إليهم من أنفسهم وأولادهم وكل ما في الأرض، ولعل هذا المعنى هو ما أشار إليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين « ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا … ). وفي معنى اسم الله الودود: الذي تقرب إلى أوليائه وتحبب إلى أوليائه بالقرب منهم، وتحبب إلى المذنبين بالرحمة والمغفرة، وتحبب إلى الخلق كل الخلق بالعطاء والرفق في الكون. الودود سبحانه وتعالى الذي يتودد إلى عباده بالحنان والعطف والحب، فيحنوا عليهم ويُحبهم ويُعطيهم. فأنت المُخاطب بهذا الاسم.. فهل لك أن تتخيل ذلك؟!
أيها المسلمون
فَاللهُ وَدُودٌ ، إِنَّهُ يُوِدُّ عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ وَيُحِبَّهُمْ، وَيُوِدُّهُ عِبَادُهُ وَيُحِبَّونَهُ؛ فَاللهُ، وفِي هَذَا الِاسْمِ الْكَرِيمِ الْعَظِيمِ ، حَثًّ لِلْمُذْنِبِينَ عَلَى أَنْ يَتُوبُوا ، وَلِلْمُفَرِّطِينَ أَنْ يَعُودُوا ، قَالَ الإِمَامُ اِبْنُ جَرِيرٍ ، رَحِمَهُ اللَّهُ : فَإِنَّ اللهَ ذُو مَحَبَّةٍ لِمَنْ أَنَابَ وَتَابَ إِلَيهِ ، يُوِدُّهُ وَيُحِبُّهُ “، فَيُودِّدُهُمْ إِلَى خَلْقِهِ . وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ : فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ هُوَ ( الْوَدُودُ ) عَلَى الإِطْلَاقِ ، الْمُحِبُّ لِخَلْقِهِ , وَالْمُثْنِي عَلَيْهِمْ، وَالْمُحْسِنُ إِلَيهِمْ , ثُمَّ يَجِبُ عَلَيهِ أَنْ يَتَوَدَّدَ إِلَى رَبِّهِ بِاِمْتِثَالِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ , كَمَا تَوَدَّدَ إِلَيهِ بِإِدْرَارِ نِعَمِهِ وَفَضْلِهِ , وَيُحِبَّهُ كَمَا أَحَبَّهُ ، وَمِنْ حُبِّ الْعَبْدِ للهِ رِضَاهُ بِمَا قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ ، وَحُبُّ الْقُرْآنِ وَالْقِيامُ بِهِ ، وَحُبُّ الرَّسُولِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ، وَحُبُّ سَنَّتِهِ وَالْقِيامُ بِهَا وَالدُّعَاءُ إِلَيْهَا . إِنَّ رَبَّنَا هُوَ الْوَدُودُ لِكَثْرَةِ إِحْسَانِهِ ، وَهُوَ الْمُسْتَحَقُّ أَنْ يُوَدَّ فَيُعْبَدُ وَيُحْمَدُ . قَالَ الإِمَامُ السَّعْدِيُّ: فَهُوَ الْمُتَوَدِّدُ إِلَى خَلْقِهِ بِنُعُوتِهِ الْجَمِيلَةِ ، وَآلَائِهِ الْوَاسِعَةِ ، وَأَلْطَافِهِ ، وَنِعَمِهِ الْخَفِيَّةِ وَالْجَلِيَّةِ ، فَهُوَ الْوَدُودُ يُحِبُّ أَوْلِيَاءَهُ، وَأَصْفِيَاءَهُ وَيُحِبُّونَهُ ، فَهُوَ الَّذِي أَحَبَّهُمْ ، وَجَعَلَ فِي قُلُوبِهُمُ الْمَحَبَّةَ ؛ فَلَمَّا أَحَبُّوهُ؛ أَحَبَّهُمْ حُبًّا آخَرَ جَزَاءً لَهُمْ عَلَى حُبِّهِمْ . فَالْفَضْلُ كُلُّهُ رَاجِعٌ إِلَيْهِ ، فَهُوَ الَّذِي وَضْعَ كُلَّ سَبَبٍ يَتَوَدَّدُهُمْ بِهِ ، وَيَجْذِبُ قُلُوبَهُمْ إِلَى وُدِّهِ ، تَوَدَّدَ إِلْيْهِمِ بِذِكْرِ مَا لَهُ مِنْ النُّعُوتِ الْوَاسِعَةِ ، الْعَظِيمَةِ ، الْجَمِيلَةِ الْجَاذِبَةِ لِلْقُلُوبِ السَّلِيمَةِ ، وَالأَفْئِدَةِ الْمُسْتَقِيمَةِ ، فَإِنَّ الْقَلُوبَ وَالأَرْوَاحَ الصَّحِيحَةَ مَجْبُولَةٌ عَلَى مَحَبَّةِ الْكَمَالِ ، وَاللهُ تَعَالَى لَهُ الْكَمَالُ التَّامُّ الْمُطْلَقُ . تَوَدَّدَ لَهُمْ بِآلَائِهِ وَنِعَمِهِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي بِهَا أَوْجَدَهُمْ ، وَبِهَا أَبْقَاهُمْ وَأَحْيَاهُمْ ، وَبِهَا أَصْلَحَهُمْ ، وَبِهَا أَتَمَّ لَهُمُ الأُمُورَ ، وَبِهَا كَمَّلَ لَهُمُ الضَّرُورِيَّاتِ وَالْحاجِيَاتِ وَالْكَمَالِيَّاتِ ، وَبِهَا هَدَاهُمْ لِلْإِيمَانِ وَالإِسْلَامِ ، وَبِهَا هَدَاهُمْ لِحَقَائِقِ الإِحْسَانِ ، وَبِهَا يَسَّرَ لَهُمُ الأُمُورَ ، وَبِهَا فَرَّجَ عَنْهُمُ الْكُرُبَاتِ، وَأَزَالَ الْمَشَقَّاتِ ، وَبِهَا شَرَعَ لَهُمُ الشَّرَائِعَ ، وَيَسَّرَهَا ، وَنَفَى عَنْهُمْ الْحَرَجَ ، وَبِهَا بَيَّنَ لَهُمُ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ، وَأَعْمَالَهُ ، وَأَقْوَالَهُ ، وَبِهَا يَسَّرَ لَهُمْ سُلُوكَهُ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ذَلِكَ شَرْعًا وَقَدَرًا ، وَبِهَا دَفَعَ عَنْهُمُ الْمَكَارِهَ وَالْمَضَارَّ ، كَمَا جَلْبَ لَهُمُ الْمَنَافِعَ وَالْمَسَارَّ ، وَبِهَا لَطَفَ بِهِمْ أَلْطَافًا ، شَاهَدُوا بَعْضَهَا ، وَمَا خِفِيَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا أَعْظَمُ . فَجَمِيعُ مَا فِيهِ الْخَلِيقَةُ مِنْ مَحْبُوبَاتِ الْقَلُوبِ ، وَالأَرْوَاحِ ، وَالأَبْدَانِ : الدَّاخِلِيَّةِ وَالْخَارِجِيَّةِ ، الظّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ ؛ فَإِنَّهَا مِنْ كَرَمِهِ وُجُودِهِ ، يَتَوَدَّدُ بِهَا إِلَيْهِمْ ، فَإِنَّ الْقَلُوبَ مَجْبُولَةٌ عَلَى مَحَبَّةِ الْمُحْسِنِ إِلَيهَا ، فَأَيُّ إِحْسَانٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا الإِحْسَانِ، الَّذِي يَتَعَذَّرُ إِحْصَاءُ أَجْنَاسِهِ، فَضْلًا عَنْ أَنْوَاعِهِ ، وَأَفْرَادِهِ! وَكُلُّ نِعْمَةٍ مِنْهُ تَمْتَلِئُ بِهَا قَلُوبُ الْعِبَادِ مِنْ مَوَدَّتِهِ ، وَحَمْدِهِ ، وَشُكْرِهِ ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ . وَمِنْ تَوَدُّدِهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، أَنَّ الْعَبْدَ يَشْرُدُ عَنْهُ ؛ فَيَتَجَرَّأُ عَلَى الْمُحَرِّمَاتِ ، وَيُقَصِّرُ فِي الْوَاجِبَاتِ ؛ وَاللهُ يَسْتُرُهُ ، وَيَحْلُمُ عَنْهُ ، وَيُمِدُّهُ بِالنِّعَمِ ، وَلَا يَقْطَعُ عَنْهُ مِنْهَا شِيئًا ،
ثُمَّ يُقَيِّضُ لَهُ مِنَ : الأَسْبَابِ ، وَالتَّذْكِيرَاتِ ، وَالْمَوَاعِظِ ، وَالإِرْشَادَاتِ ، مَا يَجْلُبُهُ إِلَيْهِ ؛ فَيَتُوبُ إِلَيهِ وَيُنِيبُ ؛ فَيَغْفِرُ لَهُ تِلْكَ الْجَرَائِمَ ، وَيَمْحُو عَنْهُ مَا أَسْلَفَهُ مِنْ الذُّنُوبِ الْعَظَائِمِ ، وَيُعِيدُ عَلَيهِ وُدَّهُ وَحُبَّهُ . وَلَعَلَّ هَذَا – وَاللهُ أَعلمَ – سِرُّ اِقْتِرَانِ الْوَدُودِ بِالْغُفُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ( وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) [البروج 14] .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع أسماء الله الحسنى : اسم الله الْوَدُود )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وَمِنْ كَمَالِ مَوَدَّتِهِ سبحانه وتعالى للتَّائِبِينَ: أَنَّهُ يَفْرَحُ بِتَوبَتِهِمْ أَعْظَمَ فَرَحٍ، وَأَنَّهُ أَرْحَمُ بِهِمْ مِنْ وَالِدَيْهِمْ ،وَأَوْلَادِهِمْ ،وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَأَنَّ مَنْ أَحَبَّهُ مِنْ أَوْلِيَائِهِ كَانَ مَعَهُ، وَسَدَّدَهُ فِي حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ، وَجَعَلَهُ مُجَابَ الدَّعْوَةِ وَجِيهًا عِنْدَهُ.
وَآثَارُ حُبِّهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَأَصْفِيَائِهِ لَا تَخْطُرُ بِبالٍ ، وَلَا تُحْصِيهَا الأَقْلَامُ . وَأَمَّا مَوَدَّةُ أَوْلِيَائِهِ لَهُ فَهِيَ رُوحُهُمْ وَرَوْحُهُمْ ، وَحْيَاتُهُمْ وَسُرُورُهُمْ ، وَبِهَا فَلاَحُهُمْ وَسَعَادَتُهُمْ ، بِهَا قَامُوا بِعُبُودِيَّتِهِ ، وَبِهَا حَمَدُوهُ وَشَكَرُوهُ ، وَبِهَا لَهَجَتْ أَلْسِنَتُهُمْ بِذِكْرِهِ ، وَسَعَتْ جَوَارِحُهُمْ لِخِدْمَةِ دِينِهِ ، وَبِهَا قَامُوا بِمَا عَلَيْهُمْ مِنَ الْحُقُوقِ الْمُتَنَوِّعَةِ ، وَبِهَا كَفُّوا قَلُوبَهُمْ عَنِ التَّعَلُّقِ بِغَيْرِهِ ، وَكَفُّوا جَوَارِحَهُمْ عَنْ مُخَالَفَتِهِ ، وَبِهَا صَارَتْ جَمِيعُ مَحَابِّهِمْ تَبَعًا لِهَذِهِ الْمَحَبَّةِ . فَإِنَّهُمْ لَمَّا أَحَبُّوا رَبَّهُمْ؛ أَحَبُّوا أَنْبِيَاءَهُ ، وَرُسُلَهُ ، عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ ، وَأَوْلِيَاءَهُ ، وَأَحَبُّوا كُلَّ عَمَلٍ يُقْرِّبُ إِلَيْهِ ، وَأَحَبُّوا مَا أَحَبُّهُ مِنْ زَمانٍ وَمَكَانٍ ، وَعَمَلٍ وَعَامِلٍ ، وَصَارَتْ أَوَقَاتُهُمْ كُلُّهَا مَشْغُولَةً بِالتَّقَرُّبِ إِلَى مَحْبُوبِهِمْ . وَكُلُّ هَذِهِ الآثَارُ الْجَمِيلَةُ الْجَلِيلَةُ ، مِنْ آثَارِ الْوُدِّ الَّذِي تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيهِمْ مَحْبُوبُهُمْ ، وَتَقْوَى هَذِهِ الأُمُورُ بِحَسْبِ مَا فِي الْقَلْبِ مِنَ الْحُبِّ للهِ ، الَّذِي هُوَ رَوْحُ الإِيمَانِ الدَّالُّ، وَالدَّاعِي إِلَى التَّوْحِيدِ ، وَالتَّعَبُّدِ . إِنَّ اللهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، لَيْسَ لَهُ مَثِيلٌ فِي ذَاتِهِ وَأَوْصَافِهِ ، فَمَحَبَّتُهُ فِي قُلُوبِ أَوْلِيَائِهِ لَيْسَ لَهَا مَثِيلٌ وَلَا نَظِيرٌ، فِي أَسْبَابِهَا وَغَايَاتِهَا ، وَلَا فِي قَدْرِهَا وآثَارِهَا ، وَلَا فِي لَذَّتِهَا وَسُرُورِهَا ، وَفِي بَقَائِهَا وَدَوامِهَا ، وَلَا فِي سَلاَمَتِهَا مِنْ الْمُنَكِّدَاتِ وَالْمُكَدِّرَاتِ، مِنْ كُلِّ وَجْهٍ . وَرَبُّنَا ، سُبْحَانَهُ ، وَدُودٌ ، يُحِبُّ أَوْلِيَاءَهُ ، وَيُحِبُّ مَنْ أَطَاعَهُ ، يُحِبُّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ ، وَيُحِبُّ الصَّابِرِينَ الْمُتَوَكِّلِينَ ، وَيُحِبُّ التَّوَّابِينَ الْمُتَطَهِّرِينَ ، وَيُحِبُّ الصَّادِقِينَ الْمُحْسِنِينَ ، وَيُحِبُّ جَمِيعَ الطَّائِعِينَ ، وَلَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ الْكَافِرِينَ ، وَلَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ الْمُسْرِفِينَ ، وَلَا يُحِبُّ الْمُخْتَالِينَ الْمُسْتَكْبِرِينَ ،
يُحِبُّ أَنْ يُطَاعَ أَمْرُهُ ، وَيَفْعَلَ الْعَبْدُ مَا يُحِبُّهُ رَبُّهُ وَيَرْضَاهُ مِنْ سَدِيدِ الأَقْوَالِ ، وَصَالِحِ الأَعْمَالِ ، وَأَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَيهِ بِاِمْتِثَالِ أَمْرِهِ ، وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ ، وَحُبِّ كَلاَمِهِ ، سُبْحَانَهُ ، وَحُبِّ رَسُولِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَسُنَّتِهِ ، وَالْاِجْتِهَادِ فِي مُتَابَعَتِهِ ، فَبِذَلِكَ تُنَالُ مَحَبَّةُ اللَّهِ وَمَوَدَّتُهُ ، قَالَ تَعَالَى :{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} آل عمران 31 . إِنَّ كُلَّ هَذَا الْكَوْنِ تَوَدُّدٌ مِنَ اللهِ إِلَى عِبَادِهِ، يَتَوَدَّدُ إِلَينَا بِالنِّعَمِ وَهُوَ الْغَنِيُّ عَنَّا، فَالْكَوْنُ، وَالْمَجَرَّاتُ وَالسَّمَاوَاتُ، وَالأَرْضُ وَمَا فِيهَا، وَالشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ، وَالأَمْطَارُ، وَالْ خَيْرَاتُ، وَكُلُّ شَيٍء سَخَّرَهُ اللهُ، عزَّ وجلَّ، لِهَذَا الإِنْسَانِ هُوَ فِي الأَصْلِ وُدٌّ مِنَ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، لِعِبَادِهِ .فَأَنْتَ لَمْ تَكُنْ شَيئًا مَذْكُورًا، خَلَقَكَ تَنْعَمُ مِنْ أَوِّلِ لَحْظَةٍ ، قَالَ تَعَالَى: (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) [البلد 8-10]. وإِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، إِذَا أَحَبَّ أّحْسَنَ، وَرَحِمَ، وَأَكْرَمَ؛ فَحُبُّ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، لِلْمُؤْمِنِينَ ثَابِتٌ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ (54) المائدة ، ومَحَبَّةُ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، لِلْمُؤْمِنِ تَعْنِي: حِفْظُهُ، وَتَأْيِيدُهُ، وَنَصْرُهُ ،وَإِكْرَامُهُ، وَإِنْزَالُ الرَّحْمَةِ عَلَى قَلْبِهِ، وَإِنْزَالُ السَّكِينَةِ عَلَيْهِ، وَإِغْنَاؤهُ بِكُلِّ مَا يَحْتَاجُ ، هَذَا مِنْ حُبِّ الإِلهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، لِعِبَادِهِ . فَهُوُ يُكْرِمُ عِبَادَهُ، ونِعَمُهُ مَظْهَرٌ لِحُبِّهِ لِعِبَادِهِ
أيها المسلمون
كيف نحقق هذا الاسم من الناحية الايمانية ؟ ، يكون ذلك بالآتي : المعايشة الدائمة للقرآن الكريم والسنة المطهرة وذلك من خلال الآيات والأحاديث التي تتحدث عن نعم الله على عباده. وتسخير نعم الله على طاعته ولا يستعان بها على معصيته. وحب ما يحبه الله وبغض ما يبغضه الله. والحرص على طلب العلم الشرعي لتقوية المعرفة والصلة بالله عز وجل واعلى هذه العلوم هو العلم بأسماء الله وصفاته. وكثرة التقرب الى الله عز وجل بالنوافل بعد الفرائض والمداومة عليها. وكثرة تودد الله بالنعم الى عبادة يولد لدى العبد الحياء من الله الذي بدوره يدفع الى الاخلاص والتعظيم في العبادة. ومن جمال ديننا العظيم ان الاعمال الصالحة التي تنفع الناس ترتقي الى مستوى العبادات. وأما الأسباب التي تستجلب بها محبة رب الأرباب فمن ذلك : 1- معرفة نعم الله على عباده، التي لا تعد ولا تحصى ، قال تعالى :
(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا) النحل 18، وقد جبلت القلوب على محبة من أحسن إليها، والحب على النعم من جملة شكر المنعم، 2- معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله فمن عرف الله أحبه ومن أحب الله أطاعه ومن أطاع الله أكرمه ومن أكرمه الله أسكنه في جواره ومن أسكنه في جواره فطوبى له. 3- ومن أعظم أسباب المعرفة الخاصة: التفكر في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء وفي القرآن شيء كثير من التذكير بآيات الله الدالة على عظمته وقدرته وجلاله وكماله وكبريائه ورأفته ورحمته وبطشه وقهره وانتقامه إلى غير ذلك من أسمائه الحسنى وصفاته العليا، فكلما قويت معرفة العبد بالله قويت محبته له ومحبته لطاعته وحصلت له لذة العبادة من الصلاة والذكر وغيرهما على قدر ذلك. 4- ومن الأسباب الجالبة لمحبة الله عز وجل معاملة الله بالصدق والإخلاص ومخالفة الهوى فإن ذلك سبب لفضل الله على عبده وأن يمنحه محبته. 5- ومن أعظم ما تستجلب به المحبة كثرة ذكر الله تعالى فمن أحب شيئا أكثر من ذكره وبذكر الله تطمئن القلوب، ومن علامة المحبة لله دوام الذكر بالقلب واللسان. 6- ومن أسباب محبة الله لعبده: كثرة تلاوة القرآن الكريم بالتدبر والتفكر ولا سيما الآيات المتضمنة لأسماء الله وصفاته وأفعاله الباهرة ومحبة ذلك يستوجب به العبد محبة الله ومحبة الله له. 7- ومن أسباب المحبة تذكر ما ورد في الكتاب والسنة من رؤية أهل الجنة لربهم وزيارتهم له واجتماعهم يوم المزيد فإن ذلك تستجلب به المحبة لله تعالى
الدعاء