خطبة عن ( الإسلام .. والسلام)
فبراير 2, 2017خطبة عن: علامات قوة الشخصية (فهل أنت قوي الشخصية؟)
فبراير 4, 2017الخطبة الأولى ( المسلم : بالقرآن يعمل، وبه يحكم ) ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : ((فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ )) [الزخرف 43،44 ]. وفي سنن الدار قطني ،وصححه الألباني : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « خَلَّفْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَىَّ الْحَوْضَ ».
إخوة الإسلام
إن الله أنزل الكتاب بالحق ليحكم بين الناس ،ويكون الناس تحت سلطانه، وعدم تحكيم الكتاب والتمسك به يجعلهم على الضلال, لأن الحكم يكون : إما بما أنزل الله ، وإما بالأهواء, فكل حكم مخالف لكتاب الله فهو من الأهواء. والهوى شر صنم يعبد في الأرض من دون الله. فالتمسك بكتاب الله والحكم به بين الناس ،هو أمر من الله لعباده وليس اختيارياً. فلا خيار للمسلمين إلا الحكم بكتاب الله فقط ، ولا يجوز أن يحكم بشيء آخر ، لأن القرآن لا يقبل المشاركة معه في الحكم.
قال تعالى : ” فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ” (الزخرف 43 ، (44). ولما كان الوحي هو أعظم ما ينجو به الناس ، فقد امر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستمسك به ،وهو أمر لكل من أراد الفلاح في الدنيا والآخرة، ولقد استمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن، كما استمسك به أصحابه الكرام، رضي الله عنهم، ومن بعدهم من أجيال المسلمين، فرفع الله لهم ذكرهم، وأعلى به منزلتهم، وقادوا العالم، ونشروا في الناس نور الله . فالتمسك بالوحي فيه الخير كله في الدين والدنيا، وفيه السلامة من كل ضلالة وانحراف، وفيه الثبات ودوام الاستقامة، وفيه السعادة في الدنيا والآخرة. قال السعدي في تفسير الآية: (فَاسْتَمْسِكْ ) أي: فعلاً واتصافاً بما يأمر بالاتصاف به ،ودعوة إليه، وحرصاً على تنفيذه بنفسك وفي غيرك. وقال ابن كثير: أي: خذ بالقرآن المُنزل على قلبك ،فإنه هو الحق، وما يهدي إليه هو الحق المفضي إلى صراط الله المستقيم. وقال القرطبي: ” فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ” يريد القرآن, وإن كذب به من كذب ; فإنك على صراط مستقيم ” يوصلك إلى الله ورضاه وثوابه “.
أيها المسلمون
والتمسك بالقرآن من أعظم أسباب محبة الخلق ، ومن قبلهم الخالق سبحانه وتعالى ، وذلك أن تجعل أمرك كله تبعا للوحى ، فبه تعمل ، وبه تدعو وتنذر ، قال تعالى آمرا نبيه صلي الله عليه وسلم (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) الانعام 106 ، والاعتصام بالكتاب والسنة وخاصة في أوقات الفتن هو المخرج وهو المنجى بتوفيق الله تعالى؛ ومما يؤكد ذلك، ما رواه البيهقي في سننه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا أَوْ عَمِلْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي وَلَنْ تَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَىَّ الْحَوْضَ ». وإن الناظر في أحوال المسلمين اليوم ،يجد أن بعضهم قد أعرض عن الكتاب والسنة، لا قراءة ولا تدبراً ولا عملاً ولا تحاكماً، بل هو متبع لهواه ، ولا شك أن كل من أعرض عن الحق سيقع في الباطل، وكل من بحث عن الهداية في غير الكتاب والسنة فلن يجدها مهما طال عمره. فالاستمساك بالقرآن والالتزام بما فيه، والحركة به، والاقبال عليه، والاكتفاء به، هو طريق الذكر الجميل. وفي قوله تعالى (فَاسْتَمْسِكْ ) فهذا الاستمساك يُوحي بأهمية هذا القرآن، كما يوحي بمدى حاجتنا في هذا الزمان إلى الاستمساك به كاملاً، كي نحسن تجاوز الفتن والمحن من حولنا .. وبعد الأمر بالاستمساك الوثيق بالقرآن يُخاطبك الله أيها المسلم الحبيب مُقرراً لك:
(إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ). وهذا الصراط المستقيم هو الحق الأصيل الثابت، المُتمثل بالقرآن، والمحصور بالإسلام عقيدة وشريعة وحكماً ومنهاج حياة.. ومن الضّروري للمسلم المُعاصر المُستمسك بالقرآن ، أن يكون متيقنا أنه على صراط مستقيم ، وألا يندس إليه شك في هذا اليقين، لأن المسلم المُعاصر يعيش في عصر الخِداع والتمويه وتغيير المفاهيم وتخريب الأفكار، وتحريف المُصطلحات، وهذا الهجوم من أعداء القرآن من اليهود والصليبيين ومن تبعهم من المنافقين والمُنحرفين الشاذين عليه ،بهدف تغيير قيمه ومبادئه وحقائقه، يصبح المسلم أمام هذه الهجمة في حاجة ماسة إلى اليقين الجازم أنه على صراط مستقيم، وأن أعداءه المهاجمين له ،هم على الباطل والهوى،
أيها المسلمون
فيا من تُريد أن تُذكر وتُعرف ، وتكون مشهوراً وعلماً في الأرض والسماء ، فإن طريقك إلى هذا المقصد النبيل هو القرآن، فعندما تحسن الاستمساك بالقرآن ،فإن الله يذْكُرك محباً لك، وإن أهل السماء يذكرونك محبين لك، وإن الصالحين والصالحات في الأرض يذكرونك مُحبين لك، فهنيئاً لك هذا الذكر ،وهذه الشُّهرة والسمعة في الدُّنيا والآخرة. قال الله عز وجل : (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [الأنبياء: 10] ،وفي صحيح مسلم 🙁 قَالَ عُمَرُ أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ قَالَ « إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ ». فنحن بالقرآن كل شيء ،ونحن بدون القرآن لا شيء، ونحن بدون القرآن لسنا من الله في شيء، فهنيئاً لمن يُذكر بالقرآن،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( المسلم : بالقرآن يعمل، وبه يحكم ) ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
لا بد من التمسك بتحكيم القرآن ،وجعله المصدر الوحيد والأوحد للتشريع ،دون أي مشاركة، ولو كذب به المكذبون ، ولو عارض المعارضون، لأن ذلك سوف يوصلنا إلى رضى الله ، وجنات النعيم ، قال تعالى : ” إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ” (النساء 105). قال ابن كثير : ” يقول تعالى مخاطبا لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ” إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ” أي هو حق من الله ، وهو يتضمن الحق في خبره
وقال القرطبي : ” في هذه الآية تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم وتكريم وتعظيم وتفويض إليه , وتقويم أيضا على الجادة في الحكم . وفي قوله تعالى (بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ) معناه )على قوانين الشرع ; إما بوحي ونص , أو بنظر جار على سنن الوحي ). وهذا أصل في القياس , وهو يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى شيئا أصاب ; لأن الله تعالى أراه ذلك , وقد ضمن الله تعالى لأنبيائه العصمة ; فأما أحدنا إذا رأى شيئا يظنه فلا قطع فيما رآه , ولم يرد رؤية العين هنا ; لأن الحكم لا يرى بالعين . وفيه إضمار آخر , (وامض الأحكام على ما عرفناك من غير اغترار باستدلالهم ). وقال العلماء : ولا ينبغي إذا ظهر للمسلمين نفاق قوم أن يجادل فريق منهم فريقا عنهم ليحموهم ويدفعوا عنهم ; فإن هذا قد وقع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ،وفيهم نزل قوله تعالى : ” وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ” النساء (105). فلا يجوز ترك بعض الحكم بما أنزل الله لأي سبب كان, لأن تركه إتباعاً للأهواء في بعض الحالات قد يؤدي إلى الكفر. قال تعالى : ” وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ” (المائدة 49).
وقال تعالى : ” فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ۚ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ “. هود (12) ،قال القرطبي : ” أي فلعلك لعظيم ما تراه منهم من الكفر والتكذيب تتوهم أنهم يزيلونك عن بعض ما أنت عليه . فإما الحكم بما أنزل الله وإما الحكم بالجاهلية, فأي حكم مخالف لكتاب الله فهو حكم جاهلي. قال تعالى : ” أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ” (المائدة 50)
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير ،الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات ،التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله ،كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات ، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم ، فصارت شرعا متبعا يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولا يفهم من الآية أن الأحكام التي كانت في الجاهلية قبل الإسلام هي المقصودة في هذه الآية فحسب، فالمراد بالحكم الجنس ، والحكم في اللغة يطلق على الحكم والحاكم. فليس المقصود حكم بعينه أو حاكم بعينه. وفي صحيح البخاري : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلاَثَةٌ : مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ ،وَمُبْتَغٍ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ »
الدعاء