خطبة عن ( اسم الله ( الرَّقِيب )
فبراير 11, 2017خطبة عن ( حقوق الإنسان في الإسلام )
فبراير 13, 2017الخطبة الأولى (أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا .. هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الآخِرَةِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الحج:77) ،وروى البخاري في الأدب المفرد : (عن بُرْمَةَ بْن لَيْثِ بْنِ بُرْمَةَ ، أَنَّهُ سَمِعَ قَبِيصَةَ بْنَ بُرْمَةَ الأَسَدِيَّ ، قَالَ : ” كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الآخِرَةِ ، وَأَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الآخِرَةِ ” .
إخوة الإسلام
المعروف ـ هو فعل الخير ، وإسداؤه للعباد، سواء أكان هذا الخير مالاً : كالصدقة والإطعام وسقاية الماء وسداد الديون او كفالة يتيم ،أو جاهاً : كما في الإصلاح بين المتخاصمين والشفعة ،وبذل الجاه، أو علماً، أو سائر المصالح التي يحتاجها الناس، كحسن المعاملة وإماطة الأذى وعيادة المرضى، وصلة الرحم وغيرها . فالمعروف يشمل كل خير يعمله المسلم، فالكلمة الطيبة معروف، والابتسامة في وجه أخيك معروف، وما يقدمه المرء من مساعدة لقضاء حوائج الناس من قرضٍ حسنٍ ،أو برٍّ، أو هديةٍ أو صدقة, أو إعانةٍ على قضاء حاجةٍ أو تحملِ دينٍ ، أو بعضه معروف، وكذلك السترُ على المسلم والذبُّ عن عرضه وإقالةُ عثرته وإدخالُ السرور عليه وإذهاب همه وغمه، وإعانةُ العاجز والأخرق، وإسعافُ المنقطع وإعانةُ المحتاج، أو غير ذلك من سبل الإحسان، فكل ذلك من المعروف . ولا يخفى على المرء ما لصانع المعروف من أجر عظيم، وثواب كبير، يمنحه العلي الكبير جزاءً لما صنع، ومقابل ما عمل وأبدع؛ لأن المعروف لا يُقبِل على عمله إلا من وفقه الله-تعالى-، والأمر لا يقتصر على أجر الآخرة؛ بل يمنحه الله القبول في الدنيا، فيحبه الناس لمحبة الله له، ففي صحيح البخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا ، فَأَحِبَّهُ . فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ، فَيُنَادِى جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا ، فَأَحِبُّوهُ . فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ » وقال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} (مريم:96)
أيها المسلمون
وإنَّ عمل المعروف واصطناعه بين النَّاس – لهو من أحبِّ الأعمال إلي الله -عزَّ وجلَّ- ومن أعظم القربات إلى الله تعالى ،وإذا أراد الله بعبده خيرًا ،جعل قضاء حوائج الناس على يديه، ومن كثرت نعم الله عليه ،كثر تعلّق الناس به، فإن قام بما يجب عليه لله في هذه النعم ،فقد شكرها وحافظ عليها، وإن قصّر وملّ وتبرّم ،فقد عرّضها للزوال، ثم انصرف الناس عنه. وقد ورد في الحديث: (إن لله أقوامًا اختصهم بالنعم لمنافع عباده، يقرّها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحوّلها إلى غيرهم) أخرجه الطبراني . وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ) ، فهنيئًا لمن يسارعُ في صنع المعروف ،وقضاءِ حوائجِ الناس ،وهنيئًا لمن توسّط في صنع المعروف ،أو مساعدة محتاج، أو تنفيس كربة مكروب مهموم ،لأن الدال على الخير كفاعله ، وفي الحديث المتقدم يقول صلى الله عليه وسلم : (وكلُّ معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة). وقال صلى الله عليه وسلم : (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ شَهْرًا، وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامِ ) أخرجه الطبراني.
أيها المسلمون
والمجتمع في نظر الإسلام ،هو مجتمع قائم على التعاون بين أفراده، متراص متحاب ، القوي فيه يقف إلى جانب الضعيف، والغني فيه يعين الفقير المحتاج ،ولا مجال فيه للأنانية، لأنّ أعباءَ الدنيا كبيرة ،وبلاياها عظيمة، والمصائب تنزل بالناس من اليتامى والأرامل ، والغرباء والضعفاء والمعسرين. والإنسانُ بمفرده أضعف من أن يصمد بمفرده طويلا تجاه هذه الشدائد والمصائب، فالمرء ضعيف بنفسه ،قوي بإخوانه ، ففي صحيح مسلم ( عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ». فأحبّ الناس إلى الله تعالى هم الذين يسارعون إلى قضاء حوائج الناس وإلى تفريج كروبهم وتخفيف همومهم وإدخال السرور على قلوب المساكين والأرامل واليتامى , والسعادة كل السعادة في من يسّره الله لخدمةَ الناس وأعانه على السعي في مصالحهم، ففي الصحيحين: (أن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ ،قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِى الْحَقِّ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ ،فَهْوَ يَقْضِى بِهَا وَيُعَلِّمُهَا » ، وفي المستدرك للحاكم : ((عن علي ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ” يا علي ، اطلبوا المعروف من رحماء أمتي تعيشوا في أكنافهم ، ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم فإن اللعنة تنزل عليهم . ” يا علي ، إن الله تعالى خلق المعروف وخلق له أهلا فحببه إليهم وحبب إليهم فعاله ووجه إليهم طلابه كما وجه الماء في الأرض الجريبة لتحيي به ويحيى بها أهلها . ” يا علي ، إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة “هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقد قيل: “اصنع المعروف إلى كلِّ أحدٍ ،فإن كان من أهله ،فقد وضعته في موضعه، وإن لم يكن من أهله ، كنت أنت أهله”. وقال عمرو بن العاص -رضي الله عنه-: “في كلِّ شيءٍ سرفٌ ،إلا في إتيان مكرمةٍ ،أو اصطناع معروفٍ، أو إظهار مروءةٍ”. فأي شرفٍ يناله المسلم يوم يسعى على الأرملة والمسكين؟ ، وأي درجةٍ يحظاها فوق درجة المجاهد في سبيل الله أو درجة القائم بالليل والصَّائم بالنَّهار عندما يبذل المعروف ،حيث قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، أَوِ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ » [رواه البخاري ، ومسلم]. فليحرص المسلم على بذل المعروف واصطناعه، وأن يفيض بنعم الله الَّتي أنعم بها عليه على عباد الله، حتَّى تثبت له وتستمر عنده، وينميها له ربّه ،ويبارك له فيها ، وليحذر المسلم من البخل بها ومنعها ،فإذا منعها منعه الله هذه النِّعم وحولها إلى غيره، ممن يحفظونها ويوفون حقَّها فإنَّ من حقِّها أن تبذل لأهلها ومستحقيها؛ وقال الحسن البصري: “لأن أقضي حاجةً لأخي أحبّ إليَّ من عبادة سنة”. وقال جعفر الصَّادق: “إنَّ الله خلق خلقًا من رحمته برحمته لرحمته وهم الَّذين يقضون حوائج الَّناس فمن استطاع منكم أن يكون منهم فليكن”. وكان يحيى بن معاذ يقول: “عجبت ممَّن يبقى معه مالٌ وهو يسمع قوله -سبحانه وتعالى-: {إِن تُقْرِضُوا اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [التَّغابن: 17]. وكان سفيان الثَّوري -رحمه الله- ينشرح صدره إذا رأى سائلًا على بابه ويقول: “مرحبًا بمن جاء يغسل ذنوبي”. وقال أحد العباد: “يتزوج أحدكم فلانه بنت فلان بالمال الكثير، ولا يتزوج الحور العين بلقمة أو تمرة أو خرقة هذا من العجب!”.
وكان -صلَّى الله عليه وسلَّم- أكرم النَّاس ويعطي عطاء لا يعطيه أحد من البشر، مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الإِسْلاَمِ شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ – قَالَ – فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِى عَطَاءً لاَ يَخْشَى الْفَاقَةَ ). [رواه مسلم]. وهذا جابر بن عبدالله -رضى الله عنهما-: ( يَقُولُ مَا سُئِلَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَالَ لاَ [رواه البخاري ومسلم ]. فمن أراد أن يقيه الله مصارع السوء فعليه القيام ببعض هذه الأعمال، فكل ميسر لما خلق له، ومن وفقه الله للقيام بها كلها أوجلها فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ..
أيها المسلمون
وروى مسلم في صحيحه ( عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ ،قَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ». فلم يكن السلف الصالح -رضوان الله عليهم- يترددون في صنع المعروف بل كانوا أسرع الناس إليه، بنفس راضية، وصدر رحب، فهذا أبو بكر الصديق-رضي الله عنه-حين ولي الخلافة، فكان في كل يوم يأتي بيتاً في عوالي المدينة تسكنه عجوز عمياء، فينضج لها طعامها، ويكنس لها بيتها، وهي لا تعلم من هو، فكان يستبق وعمر بن الـخطاب إلى خدمته . ولما ولي عمر الخلافة خرج يتحسس أخبار المسلمين، فوجد أرملة وأيتاماً عندها يبكون، يتضاغون من الجوع، فلم يلبث أن غدا إلى بيت مال المسلمين، فحمل طعام على ظهره وانطلق فأنضج لهم طعامهم، فما زال بهم حتى أكلوا وضحكوا . ومن صناعة المعروف أيضاً ما ذكر عن علي زين العابدين، فقد كان أناس من أهل المدينة، لايدرون من أين معايشهم، فلما مات فقدوا ذلك الذي كانوا يؤتون بالليل, ولما غسلوه-رحمه الله-وجدوا بظهره أثراً مما كان ينقله بالليل إلى بيوت الأرامل . وهذا عبد الله بن المبارك-رحمه الله-كان ينفق من ماله على الفقهاء، وكان من أراد الحج من أهل مرو إنما يحج من نفقة ابن المبارك، كما كان يؤدي عن المديون دينه ويشترط على الدائن أن لا يخبر مدينه باسمه . ومن صنائع المعروف أيضا الشفاعةُ الحسنة قال الله تعالى (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا) [النساء: 85],
وقال ابن القيم: “كل من أعان غيره على أمر بقوله أو فعله فقد صار شفيعا له”، وفي صحيح البخاري (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ ، أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ « اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا ، وَيَقْضِى اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ – صلى الله عليه وسلم – مَا شَاءَ » ،ومن خير الشفاعات الجمعُ بين زوجين بينها شِقاق، وفي صحيح البخاري (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا خُيِّرَتْ بَرِيرَةُ رَأَيْتُ زَوْجَهَا يَتْبَعُهَا فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَكُلِّمَ الْعَبَّاسُ لِيُكَلِّمَ فِيهِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِبَرِيرَةَ « إِنَّهُ زَوْجُكِ ». فَقَالَتْ تَأْمُرُنِي بِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « إِنَّمَا أَنَا شَافِعٌ ». فهذه شفاعةٌ من سيد الشفعاء لمحب إلى محبوبه وهي من أفضل الشفاعات وأعظمها أجرا عند الله, فإنها تتضمن اجتماع محبوبين على ما يحبه الله ورسوله, ولهذا كان أحب ما لإبليس وجنوده التفريقُ بين هذين المحبوبين. ومن صنائع المعروف العفوُّ عن الغريم, فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيانِهِ تَجَاوَزُوا عَنْهُ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللهُ عَنْهُ”, وفي رواية عند مسلم “فقال الله: أنَا أَحَقُّ بِذا مِنْكَ تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي ” . وأولى الناس بالمعروف هم والداك ثم أهلُك وجيرانُك ثم الأدنى فالأدنى، قال تعالى مخاطباً الأزواج: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء: 19].
فعلى الزوج معاشرة زوجه بالمعروف، وعليها كذلك ولهم الأجر العظيم من الله تعالى، بل حتى الطلاق يكون بالمعروف قال تعالى: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) [الطلاق: 2].قال أهل العلم :
أي من غير مقابحةٍ ولا مشاتمةٍ ولا تعنيف, بل يطلقها على وجهٍ جميل وسبيل حسن. وأما صنائع المعروف بالجار ،فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لقد أتى علينا زمان وما أحد أحق بدنياه ودرهمه من أخيه المسلم ، ثم الآن الدنيا والدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه المسلم !! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :” كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة يقول : يا رب هذا أغلق بابه دوني، فمنع معروفه ” قال الألباني في صحيح الأدب المفرد: حسن لغيره.
أيها المسلمون
وإن مجالات وأبواب صنائع المعروف كثيرة ومتعددة ،فهنيئاً لمن أصاب منها بحظ وافر .. وأذكر لكم منها :
1) حب المساكين والدنو منهم . ففي المعجم للطبراني (عن أبي ذر رضي الله عنه قال : أوصاني خليلي بسبع بحب المساكين وأن أدنو منهم وأن أنظر إلى من هو أسفل مني ولا أنظر إلى من هو فوقي وأن أصل رحمي وإن جفاني وأن أكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله وأن أتكلم بمر الحق ولا تأخذني في الله لومة لائم وأن لا أسأل الناس شيئا)
2) ومن صنائع المعروف رقة القلب مع الناس ولينه . قال صلى الله عليه وسلم :” إن لله آنية من أهل الأرض , وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين، وأحبها إليه ألينها وأرقها “قال الألباني في السلسلة الصحيحة :إسناده قوي . 3) ومن صنائع المعروف سلامة الصدر على المسلمين .ففي سنن ابن ماجة (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ قَالَ « كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ ». قَالُوا صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ قَالَ « هُوَ التَّقِىُّ النَّقِيُّ لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْىَ وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ ». قال الألباني في السلسلة الصحيحة :إسناده جيد رجاله ثقات. 4) ومن صنائع المعروف محبة الخير للمسلمين كما نحبه لأنفسنا . لقوله عليه الصلاة والسلام : « لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ » رواه البخاري. 5) ومن صنائع المعروف تعليم الناس الخير .قال تعالى : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ ) (السجدة:24) . وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ » رواه الترمذي وصححه الألباني. 6) وأعلى معلمي الناس الخير من علمهم القرآن : عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ » رواه البخاري. 7) ومن صنائع المعروف تنظيف المساجد وتطييبها . قال تعالى 🙁 وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ )(الحج: من الآية26) . وعَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « عُرِضَتْ عَلَىَّ أَعْمَالُ أُمَّتِى حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِى أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ لاَ تُدْفَنُ ». رواه مسلم . 8) ومن صنائع المعروف الاستغفار للمسلم . وخصوصاً عند موته، وتغسيل الميت وستره والثناء عليه بخير ما لم يعلم فيه غيره ذلك، مما هو من لوازم التشييع والتعزية ،وحمل الطعام لأهل الميت …..الخ . 9) ومن صنائع المعروف صدقة السر . ففي البخاري (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – « وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ » . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) البقرة 271…. 10) ومن صنائع المعروف إدانة المحتاج وانظاره .قال عليه الصلاة والسلام : ” ما من مسلم يقرض مسلما قرضاً مرتين، إلا كان كصدقتها مرة “صححه الألباني في صحيح الجامع… وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِي عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ. فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ. قَالَ لأَنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ وَالْمُسْتَقْرِضُ لاَ يَسْتَقْرِضُ إِلاَّ مِنْ حَاجَةٍ » سنن ابن ماجة
وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم « مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ » ، 11) ومن صنائع المعروف التنفيس عن الغريم . قال صلى الله عليه وسلم :” من نفس عن غريمه، أو محا عنه، كان في ظل العرش يوم القيامة ” صححه الألباني في صحيح الجامع. 12) ومن صنائع المعروف حسن القضاء للدين .لقوله عليه الصلاة والسلام « إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً » رواه البخاري.. ومن صنائع المعروف السعي في قضاء دين الإخوان والتخفيف منها وفك شأن السجين المحبوس في دين .. 13) ومن صنائع المعروف إقالة عثرة المسلم في البيع عند ندمه .لقوله عليه الصلاة والسلام :” من أقال أخاه بيعاً؛ أقال الله عثرته يوم القيامة “قال الألباني في السلسلة الصحيحة: له شاهد قوي. 14) ومن صنائع المعروف السماحة حال البيع والشراء والقضاء والاقتضاء .ففي مسند أحمد (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَدْخَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ رَجُلاً كَانَ سَهْلاً مُشْتَرِياً وَبَائِعاً وَقَاضِياً وَمُقْتَضِياً » وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.. 15) ومن صنائع المعروف استخلاف الغازي في أهله . ففي صحيح مسلم (عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنَ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِى أَهْلِهِ فَقَدْ غَزَا » ولقوله صلى الله عليه وسلم :” من جهز غازياً في سبيل الله؛ فله مثل أجره , ومن خلف غازياً في أهله بخير، و أنفق على أهله؛ فله مثل أجره “قال الألباني في السلسلة الصحيحة: إسناده حسن، رجاله ثقات رجال مسلم.
16) ومن صنائع المعروف إجراء نهر، أو ماء سبيل، أو سقاية حاج، أو حفر بئر، أو منيحة عنز، أو لقحة من إبل …وكل هذه صنائع معروف وبعضها صدقات جارية .. 17) ومن صنائع المعروف إطعام الطعام، وخصوصاً تفطير الصائم …لقوله صلى الله عليه وسلم :” من ختم له بإطعام مسكين محتسباً على الله عز وجل دخل الجنة ” صححه الألباني في السلسلة الصحيحة… وفي الحديث الآخر : ( فَلْيَتَّقِيَنَّ أَحَدُكُمُ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ » رواه البخاري . 18) ومن صنائع المعروف الجود باللباس لمن يحتاجه .قال عليه الصلاة والسلام : ” أفضل الأعمال: إدخال السرور على المؤمن ؛ كسوت عورته , وأشبعت جوعته , أو قضيت حاجته “حسنه الألباني في صحيح الترغيب. 19) ومن صنائع المعروف إنزال الناس منازلهم . ففي سنن أبي داود وغيره (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ ». 21) ومن صنائع المعروف الوقوف مع أصحاب البلايا . لقوله صلى الله عليه وسلم “: كن مع صاحب البلاء، تواضعاً لربك، وإيماناً ” صححه الألباني في السلسلة الصحيحة. ومن صنائع المعروف إصلاح ذات البين , الإفراغ من الدلو لأخيك , الإيثار ، إعانة الصانع والصنع للأخرق ، تبشير المسلم , الحلم والعفو , حمل المتاع للضعيف ,
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا .. هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الآخِرَةِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما عن الثمرات والآثار التي تحصل من فعل الخير وصناعة المعروف والإحسان إلى الخلق فأمر يرخص عنده كل غالٍ ، ويصغر عنده كل كبير ، فمن ذلك: 1- صرف البلاء وسوء القضاء في الدنيا: عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ » رواه ابن ماجة. وأخرج الطبراني في الأوسط : قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ” إن صدقة السر تطفئ غضب الرب وإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء ” 2- ومن ثمرات فعل الخير وصناعة المعروف :دخول الجنة: ففي المعجم الكبير للطبراني (عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة وإن أول أهل الجنة دخولا الجنة أهل المعروف) وفي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِى الْجَنَّةِ فِى شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِى النَّاسَ ». 3- ومن ثمرات فعل الخير وصناعة المعروف :مغفرة الذنوب والنجاة من عذاب وأهوال الآخرة: ففي الصحيحين واللفظ لمسلم (أَنَّ حُذَيْفَةَ حَدَّثَهُمْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تَلَقَّتِ الْمَلاَئِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَقَالُوا أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا قَالَ لاَ. قَالُوا تَذَكَّرْ. قَالَ كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ الْمُوسِرِ – قَالَ – قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَجَوَّزُوا عَنْهُ ». فاصنعوا المعروف عباد الله لكي تنالوا مغفرة الله تعالى وتدخلوا جنته، وأحسنوا إلى عباد الله, وأدوا إليهم حقوقهم الواجبة والمستحبة حتى يحسن الله إليكم, وييسر لكم أموركم, ويفرج عنكم كربكم في الدنيا والآخرة،
أيها المسلمون
ولصناعة المعروف آداب، يتعلق بعضها بالصانع ، وبعضها بالمصنوع له. ومن الآداب المتعلقة بمن صنع له المعروف: 1- شكر الله عز وجل أولاً، إذ هو المنعم الحقيقي، فهو أولى بالحمد من كل أحد، قال الله {يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون} [النحل:83] قال عون بن عبد الله : إنكارهم إياها : أن يقول الرجل: لولا فلان أصابني كذا وكذا، ولولا فلان لم أصب كذا وكذا. [الدر المنثور ] وقد أسدي إلى بعض السلف معروف، فشكر الله ، ثم عاد إلى صاحبه في اليوم الثاني فشكره على معروفه، وقال: استحييت من الله أن أضيف شكرك إلى شكره. 2- شكر صاحب المعروف فعن أبي هريرة قال ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ لاَ يَشْكُرِ النَّاسَ لاَ يَشْكُرِ اللَّهَ » رواه الترمذي وغيره ، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنِ اسْتَجَارَ بِاللَّهِ فَأَجِيرُوهُ وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ ». رواه النسائي ، وعن أسامة بن زيد قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ » [الترمذي ] ، 3- أن يقبل المعروف الذي أسدي إليه، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْئاً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْأَلَهُ فَلْيَقْبَلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ »رواه أحمد ، ومن الآداب المتعلقة بصانع المعروف: 1- إخلاصه وإسراره بالعمل وعدم انتظار العوض من الناس، قال تعالى : { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا } [الإنسان:9] وعَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِى كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيَقْرِى الضَّيْفَ وَيَفْعَلُ كَذَا. قَالَ « إِنَّ أَبَاكَ أَرَادَ شَيْئاً فَأَدْرَكَهُ ». أي الأجر من الناس بالثناء. ومن الإخلاص الإسرار بالمعروف، قال تعالى { إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [البقرة:271] ، 2- أن يبذله لمن يستحقه ويحتاج إليه من إنسان أو حيوان، وأن يبذله للبر والفاجر بل والكافر. ففي الصحيحين (عَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا ، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ ، إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ » ، وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « قَالَ رَجُلٌ لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ . فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ . فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ . فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِى يَدَىْ زَانِيَةٍ ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ . فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ ، لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ . فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَىْ غَنِىٍّ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى غَنِىٍّ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ ، عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِىٍّ . فَأُتِىَ فَقِيلَ لَهُ أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا ، وَأَمَّا الْغَنِىُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ » ، 3- أن يعلم أن معروفه نوع من المعاملة مع الله قبل أن يكون معاملة مع الخلق، (فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِى فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي. قَالَ يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِى فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ اسْتَسْقَاكَ عَبْدِى فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي » رواه مسلم .
4- أنه يقع عند الله بمكان مهما صغر شأنه عند الله، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِى النَّاسَ » رواه مسلم . عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا فَأَطْعَمْتُهَا ثَلاَثَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا فَذَكَرْتُ الَّذِى صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ » رواه مسلم .. 5- أن يبادر إلى حاجة أخيه ولو لم يطلبها منه، جاء مديون إلى سفيان بن عيينة يسأله العون على قضاء حاجته، فأعانه ثم بكى، فقالت له زوجته: ما يبكيك؟ فقال: أبكي أن أحتاج أخي فلم أشعر بحاجته حتى سألني. 6- المسارعة بالخير والمسابقة إليه {فاستبقوا الخيرات} [البقرة:148] وعَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « التُّؤَدَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ فِي عَمَلِ الآخِرَةِ » رواه أبو داود . 7- أن يستصغر معروفه ولا يمن به، قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } [البقرة:264]
الدعاء