خطبة عن (خطبة ابليس:(وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ)
فبراير 26, 2017خطبة عن ( اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ)
فبراير 26, 2017الخطبة الأولى ( الوعظ : هدفه وأهميته، وفقهه وأثره )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه وابن ماجة واحمد : (عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا بَعْدَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ».
إخوة الإسلام
الوعظ هو : زجر مقترن بتخويف ، ونصح وتذكير بالعواقب ، وقال الخليل: هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب.
وقد قيل: “السعيد من وُعِظ بغيره، والشقي مَن اتَّعظ به غيره”؛ فالموعظة هي تنبيه الغافلين على أمر ينبغي أن يؤدُّوه، وهو واجب عليهم وقد غفَلوا عنه، وحضّهم عليه، وهي كذلك زجرٌ للمسرفين على أنفسهم عن مُنكرٍ فعلوه، ونَهيهم عنه. ولقد أخذ الوعظ في كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم مكانًا بارزًا، ومحلًّا كبيرًا؛ وما ذاك إلا لعظيم أثره على القلوب، وحاجة النفوس إليه خاصةً مع كثرة ملابسة الأمور التي تقسِّي القلب، وتشتِّت الذهن؛ ولهذا كان نبيُّنا صلى الله عليه وسلم يتخوَّل أصحابه بالموعظة، فالوعظ من الأبواب العظيمة في مقام الدعوة الى الله , فالواعظ يذكرهم بالله ويجدد عهدهم به ،ويحيي القلوب بذكره ،ويبصرهم بمواطن الخلل في نفوسهم ، ويحررهم من رق الشيطان، وعبودية الدنيا. وقد تولى الله سبحانه وتعالى الموعظة ،فقال تعالى (ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) الطلاق (2) ، وقال تعالى (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) النور (17) ، وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بتذكير الناس ووعظهم فقال تعالى: (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى) الاعلى (9) ،وقال تعالى :(فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ) النساء (63) ، وقال تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) النحل 125، وأمر الله المؤمنين بوعظ الناشزات من الزوجات، فقال سبحانه : (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ ) النساء 34، وقد عني النبي صلى الله عليه وسلم بالموعظة عناية فائقة وأكثر من استعمالها في مناسبات عامة وخاصة ، ومن أمثلة ذلك الحديث المتقدم وفيه : ( وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا بَعْدَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ » . وقد سلك الصحابة رضوان الله عليه طريق الوعظ ، ففي صحيح البخاري (عَنْ أَبِى وَائِلٍ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوَدِدْتُ أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ . قَالَ أَمَا إِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أَنِّى أَكْرَهُ أَنْ أُمِلَّكُمْ ، وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَتَخَوَّلُنَا بِهَا ، مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا ) .
أيها المسلمون
ووعظ الناس بكلام الله تعالى هو أعظم الوعظ؛ لأن القرآن الكريم يتمكن في قلب المؤمن، ويؤثر في قلبه أكبر تأثير، بعكس المؤثرات الأخرى، فلربما تأثر بها الإنسان تأثراً عرضياً أو وقتياً، فما يميز كلام الله تعالى هو أنه إن دخل قلب المؤمن بصدق وإخلاص فإنه لا يخرج منه حتى يموت. وإذا كان كلام الله تعالى له تأثير عجيب على الجمادات ،فكيف لا يكون له تأثير على الإنسان ؛ قال الله تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} الحشر(21) . فالقرآن يرقق القلوب، بل وترق له الأحجار؛ قال الله تعالى:{وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ} البقرة (74). وقد جاءت روايات كثيرة، وقصص مختلفة تبين كيف يؤثر القرآن على القلوب؛ فمن ذلك ما جاء في الصحيحين (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ لِي النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « اقْرَأْ عَلَىَّ » . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ قَالَ « نَعَمْ » . فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الآيَةِ ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا ) قَالَ « حَسْبُكَ الآنَ » . فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ ) ،وهذا التأثر إنما يكون من المؤمن قوي الإيمان، وكلما كان الإيمان قوياً كلما كان الإنسان أقرب إلى ربه وأخشع، كما قال -تبارك وتعالى-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} الأنفال(2) ، وقال تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ} الحج:35،34. ولقد عاتب الله جل وعلا من لا يخشع قلبه من المؤمنين عتاباً لطيفاً فقال تعالى :{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} الحديد(16)،
أيها المسلمون
وللوعظ فوائد عظيمة ، وثمرات متعددة ، ومنها : (1) زجر العاصي والفاجر. (2) تذكير الغافل.(3) تجديد الإيمان وتحريكه في النفوس. (4) تثبيت المهتدي بالله. (5) تعريف الخلق بالخالق. (6) تبصير الناس بشرائع الإسلام وحدوده. (7) كشف مكائد الشيطان وأعوانه من الأنس والجن وجهودهم في إغواء الأمة وإخفاء نور الملة. وهناك بعض الآ داب التي ينبغي للواعظ أن يتحلى بها، ومنها : أن يكون مخلصا في موعظته. وعالما بما يعظ به .
وأن يكون رفيقا في موعظته. وأن يصبر على أذى الناس. وأن يكون عاملا بما يأمر الناس وينهاهم به. وان يكون فصيح اللسان لا يلحن في موعظته. وأن يكون متبعا للسنة معظما لأثار السلف. وأن يكون ورعا في مسائل الحلال والحرام ، وقافا عند حدود الله
أيها المسلمون
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ، وقدوة طيبة في وعظه : فمن الهدي النبويِّ في الوعظ: التعميم في الخطاب: «ما بال أقوام»، هذا هو الأصل المطَّرد، والأعمُّ الأغلب في وعظه صلى الله عليه وسلم، ويندر أن ينصَّ على شخصٍ بعينه؛ فإنَّ النفوس تكره وتنفر من مثل هذا. وكذا الإيجاز والاختصار، وعدم الإطالة إلا نادرًا لمصلحةٍ عارضةٍ. واغتنام المناسبات، واهتبال الفرص، فهو صلى الله عليه وسلم لم يكن يجعل للوعظ هيئةً معيَّنةً لا يخرج عنها، بل كانت حياته دعوةً، ودعوته حياةً، فهو يرى مشهدًا من المشاهد، فيغتنمه ليربط الصحابة بمعنى من المعاني الشريفة، فمثلًا : في صحيح مسلم (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلاً مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ فَمَرَّ بِجَدْىٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ ثُمَّ قَالَ « أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ ». فَقَالُوا مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ وَمَا نَصْنَعُ بِهِ قَالَ « أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ ». قَالُوا وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ لأَنَّهُ أَسَكُّ فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ فَقَالَ « فَوَ اللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الوعظ : هدفه وأهميته، وفقهه وأثره )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن فقه الوعظ والواعظ : أن يكون خطاب الوعظ معتمدا على الكتاب والسنة ،وأقوال العلماء الموثوق بهم , فإنه يقبح بالواعظ أن تخلو موعظته من آي القرآن ،وحديث النبي صلى الله عليه وسلم ،وتكون مجرد خواطر وأفكار وقصص ,
ومن فقه الوعظ أن يجمع الواعظ بين أسلوب الترغيب والترهيب في موعظته , فلا يقتصر على الترهيب فيقنط الناس من رحمة الله ولا يقتصر على الترغيب فيؤمن الناس من عذاب الله ومكره, وأن يراعي أحوال السامعين , فإن كان الغالب عليهم التقصير والغفلة غلب جانب الوعيد والخوف من عذاب الله وغضبه ,وإن كان الغالب عليهم الصلاح والاستقامة غلب جانب الوعد والرجاء ، كما ينبغي على الواعظ أن يكون حريصا في وعظه على جمع الكلمة على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , وتأليف القلوب وحث الناس على لزوم الجماعة وطاعة ولى الأمر والإصلاح بين الراعي والرعية وكل ما يحقق ذلك كما كان أئمة السنة يعتنون بذلك وهو دليل على بصيرة الواعظ وكمال نصحه للأمة. ويجب على الوعاظ أن يرشدوا الناس إلى العلم ويدلوهم على أهله ويرغبونهم في التفقه في الدين ولا يصرفونهم عنه ، وإلقاء الموعظة ارتجالا من أهم الأساليب المؤثرة على السامعين ولا يحصل لهم ملل ولا سآمة, واذا كان الواعظ يرفع صوته ويحرك يده ويتفاعل مع الكلام تأثر السامع بموعظته روى مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلاَ صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ « صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ ». وإذا نبع الكلام من القلب لامس شغاف القلوب وخالطها وإذا لم يخرج من القلب لم يصل إلى القلب وصار وبالا على صاحبه. ومن فتح له في باب الوعظ فليستعن بالله و ليغتنم عمره وليقبل على هذا العمل الجليل ولا يكسل ، وليحذر تخذيل الشيطان ومداخله فإن الشيطان لعنه الله له مداخل كثيرة على العامل تعوقه عن العمل ، من أخطرها أن يوسوس له بقوله : كيف تعظ الناس وتذكرهم وأنت مفرط في العمل مقصر في ذات الله واقع في الذنوب . وهذا باطل لا ينطلي على أهل البصيرة فتقصير العبد لا ينافي مشاركته في الوعظ ولا يسقطه عنه ، فلا يترك الخير لأجل بعض الذنوب لأنه لا أحد يسلم من هذا ولو ترك ذلك لعم الشر وذهب الخير واندرس الإسلام والله المستعان . ويجب على الواعظ أن يراعي تحقيق مراد الله ورسوله في خطابه ووعظه والسعي في إصلاح أديان الناس وتعبيدهم لله ولا يكون همه إرضاء الناس وإلقاء ما يوافق أهوائهم ويطربهم فإن العامة في كل عصر يولعون بسماع الغرائب والعجائب والخرافات والمضحكات ويكرهون سماع الحق وتقويمهم ، فلا يكترث لهم ولا يفرح بسوادهم وليجعل رضا الله نصب عينيه. واللائق بالواعظ أن يتحلى بالورع وتكون هيئته السكينة والوقار وزيه زي الصالحين ويتجافى عن الدنيا وألا يخالف فعله قوله ، وكل واعظ ليس عليه سيما الصلاح قل أن ينفع الله به ويتأثر به الناس.
أيها المسلمون
وأقدم لكم نماذج من مواعظ الصحابة رضوان الله عليهم ليكون لنا فيهم أسوة وقدوة حسنة : فمن مواعظ الصِّدِّيق رضي الله عنه: خطب أبو بكرٍ رضي الله عنه الناس، فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال: “إنَّه ستفتح لكم الشام، فتأتون أرضًا رفيعةً حيث تمتَّعون فيها من الخبز والزيت، وستبنى لكم بها مساجد، فإيَّاكم أن يعلم الله عز وجل أنَّكم إنَّما تأتونها تلهِّيًا! إنَّما بنيت للذِّكر”. ومن مواعظ الفاروق عمر رضي الله عنه:- “ما أبالي على أيِّ حالٍ أصبحت! على ما أحبُّ، أم على ما أكره؛ ذلك بأنِّي لا أدري الخيرة فيما أحبُّ أم فيما أكره”. ومن مواعظ ذي النُّورين رضي الله عنه: “ما من عاملٍ يعمل عملًا إلاَّ كساه الله عز وجل رداء عمله”. ويروى عنه أنَّه قال: “ما أسرَّ أحدٌ سريرةً إلا أبداها الله على صفحات وجهه، وفلتات لسانه”. وقال مرةً رضي الله عنه: “لو أنَّ عبدًا دخل بيتًا في جوف بيتٍ فأدمن هناك عملًا، أوشك الناس أن يتحدَّثوا به، وما من عاملٍ يعمل إلا كساه الله رداء عمله؛ إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًا فشرٌّ”. ومن مواعظ أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: قوله في وصيَّته المشهورة لكُميل بن زيادٍ : “يا كُميل بن زيادٍ، إنَّ هذه القلوب أوعيةٌ، وخيرها أوعاها للعلم، احفظ عنِّي ما أقول لك: الناس ثلاثةٌ: عالمٌ ربَّانيٌّ، ومتعلِّمٌ على سبيل نجاةٍ، وهمجٌ رعاعٌ أتباع كلِّ ناعقٍ، يميلون مع كلِّ ريحٍ، لم يستضيئوا بنور العلم، ولمك يلجؤوا إلى ركنٍ وثيقٍ. يا كُميل بن زيادٍ، العلم خيرٌ من المال؛ العلم يحرسك وأنت تحرس المال، المال ينقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق. يا كُميل بن زيادٍ، محبة العالم دينٌ يدان، تكسبه الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته، ومنفعة المال تزول بزواله، العلم حاكمٌ والمال محكومٌ عليه. يا كميل، مات خزَّان المال وهم أحياءٌ! والعلماء باقون ما بقي الدهر؛ أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة”. وكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضى الله عنها أَنِ اكْتُبِي إِلَىَّ كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ وَلاَ تُكْثِرِي عَلَىَّ. فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ رضى الله عنها إِلَى مُعَاوِيَةَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ
« مَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ ». وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ.(رواه الترمذي).
الدعاء