خطبة عن :(المجتمع والسفينة) وحديث ( مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا)
فبراير 27, 2017خطبة عن قوله تعالى :(يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ)
فبراير 28, 2017الخطبة الأولى ( تحية الإسلام السلام: فضائلها ، وآدابها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) (86) النساء ،وقال تعالى :(فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً) النور 61 ،وروى البخاري في صحيحه : (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلاَمِ ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ» ، ورى أحمد في مسنده : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ فَلَيْسَ الأَوَّلُ بِأَحَقَّ مِنَ الآخِرِ »
إخوة الإسلام
التحية : مصدر حياه ، ومعناه في اللغة : الدعاء بالحياة ، ثم توسع في إطلاق التحية على كل ما هو في معناها من الدعاء الذي يقال عند الالتقاء ونحوه . والتحية أعم من السلام ، فالسلام نوع من أنواع التحية . وقال الإمام النووي: السلام : هو اسم الله تعالى، فقوله: السلام عليك؛ أي: اسم السلام عليك، ومعناه: اسم الله عليك؛ أي: أنت في حفظه، كما يقال: الله معك، والله يصحَبك، وقيل: السلام بمعنى السلامة؛ أي: السلامة ملازمة لك؛ (مسلم بشرح النووي) ،وروى الشيخانِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ، ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ ، تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ . فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ . فَقَالُوا السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ . فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ . فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ ، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ »، وهكذا شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لنا تحية تميزنا عن غيرنا ، ورتب على فعلها الثواب ، وجعلها حقاً من حقوق المسلم على أخيه ، فتحولت هذه التحية من عادة من العادات المجردة ،إلى عمل يفعله العبد تقرباً إلى الله تعالى ، واستجابة لأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا يصح أن تبدل هذه التحية العظيمة بعبارات أخرى لا تؤدي ما تؤديه تحية الإسلام المباركة ، مثل : صباح الخير ، أو مساء الخير ، أو مرحباً ، أو غير ذلك ، مما قد يستعمله بعض الناس جهلاً أو إعراضاً . وتحية الإسلام هي : ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) هذا أكملها ، وأقلها : (السلام عليكم ) ، ومن فضائل السلام وخصائصه : 1- أنه من خير أمور الإسلام ، ففي الصحيحين ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو – رضى الله عنهما – أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ قَالَ « تُطْعِمُ الطَّعَامَ ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ » ، 2- أنه من أسباب المودة والمحبة بين المسلمين ، والتي هي من أسباب دخول الجنة ، ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا .أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ ». وقال القاضي عياض: والألفة إحدى فرائض الدين، وأركان الشريعة، ونظام شمل الإسلام؛ ، 3- أن كل جملة منه بعشر حسنات ، ففي سنن أبي داود (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ. فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « عَشْرٌ ». ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ فَقَالَ « عِشْرُونَ ». ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ فَقَالَ « ثَلاَثُونَ ». فتأمل – أخي الكريم – في هذا الثواب العظيم من رب كريم، وكم تكون حسناتُنا لو اتبعنا هَدْيَ النبي صلى الله عليه وسلم عند تحية إخواننا المسلمين، ووا عجبًا لكثير من الذين استبدلوا بالسلام تحيةً ما أنزل الله بها من سلطان، ولا شرعها النبي صلى الله عليه وسلم لأمَّته، متبعين في ذلك غير المسلمين! وأعظم الناس أجرا من بدأ بالسلام فعَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلاَمِ » (صحيح أبي داود للألباني ) ، ولما كان أجر إلقاء السلام ورده عظيما فقد رغب الرسول صلى الله عليه وسلم أمته في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم ( إِذَا لَقِىَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ فَإِنْ حَالَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ أَوْ حَجَرٌ ثُمَّ لَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ أَيْضًا) (صحيح أبي داود للألباني). وقال النووي: إذا سلَّم عليك إنسان ثم لقيته عن قرب، يُسَنُّ لك أن تسلم عليه ثانيًا وثالثًا وأكثر؛ (الأذكار للنووي). وروى البخاري (في الأدب المفرد) عن عمر بن الخطاب قال: كنت رديف أبي بكرٍ، فيمر على القوم فيقول: السلام عليكم، فيقولون: السلام عليكم ورحمة الله، ويقول: السلام عليكم ورحمة الله، فيقولون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال أبو بكرٍ: فضلنا الناس اليوم بزيادة كثيرة؛) (صحيح الأدب المفرد للبخاري للألباني). كما روى البخاري (في الأدب المفرد) ومالك في الموطإ (أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَيَغْدُو مَعَهُ إِلَى السُّوقِ قَالَ فَإِذَا غَدَوْنَا إِلَى السُّوقِ لَمْ يَمُرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى سَقَاطٍ وَلاَ صَاحِبِ بَيْعَةٍ وَلاَ مِسْكِينٍ وَلاَ أَحَدٍ إِلاَّ سَلَّمَ عَلَيْهِ – قَالَ الطُّفَيْلُ – فَجِئْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَوْمًا فَاسْتَتْبَعَنِي إِلَى السُّوقِ فَقُلْتُ لَهُ وَمَا تَصْنَعُ فِي السُّوقِ وَأَنْتَ لاَ تَقِفُ عَلَى الْبَيِّعِ وَلاَ تَسْأَلُ عَنِ السِّلَعِ وَلاَ تَسُومُ بِهَا وَلاَ تَجْلِسُ فِي مَجَالِسِ السُّوقِ قَالَ وَأَقُولُ اجْلِسْ بِنَا هَا هُنَا نَتَحَدَّثْ. قَالَ فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَا أَبَا بَطْنٍ – وَكَانَ الطُّفَيْلُ ذَا بَطْنٍ – إِنَّمَا نَغْدُو مِنْ أَجْلِ السَّلاَمِ نُسَلِّمُ عَلَى مَنْ لَقِيَنَا.) (صحيح الأدب المفرد للبخاري للألباني).
أيها المسلمون
وإلقاء السلام سنة مؤكدة ،وأما رده فواجب عيناً ، إذا قصد به شخص واحد ، وعلى الكفاية إن قصد به جماعة ، فإن رد جميعهم فهو أفضل ،والواجب في الرد أن يكون مثل السلام ، وإن زاد عليه فهو أفضل ، لكن لا ينقص عنه ، فمن سلم فقال : السلام عليكم ورحمة الله ، فجوابه : وعليكم السلام ورحمة الله ، وإن زاد : وبركاته ، فهذا أفضل ، لكن لا يجوز الاقتصار في الجواب على : ( وعليكم والسلام ) فقط ، لأنها دون السلام ، قال تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ) النساء 86 ،وقال ابن كثير رحمه الله تعالى : أي : إذا سلم عليكم المسلم فردوا عليه أفضل مما سلم ، أو ردوا عليه بمثل ما سلم ، فالزيادة مندوبة ، والمماثلة مفروضة . ومما يعتبر جواباً غير سائغ شرعاً أن يرد بقوله أهلا ومرحبا ، أو نحوها ، مكتفياً بها ، وذلك لأنها ليست بجواب شرعي للسلام ، ولأنها أنقص من السلام بكثير ، فإن قوله : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وما تحمله من معانٍ عظيمة أفضل من قول القائل : أهلا ومرحباً ، ولكن لا بأس بقولها لا على أنها رد السلام ، إنما يرد السلام ، ويقولها بعد ذلك ، فقد ثبت في الصحيحين قول النبي صلى الله عليه وسلم : « مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ » ، وغير ذلك . والسنة في السلام والجواب الجهر ، لأن السلام هو التلفظ بقولك : ( السلام عليكم) ، والإشارة باليد وغيرها لا تعتبر سلاماً ، وأما الجواب فإنه يجهر به حتى يسمع المسلم ، لأنه إن لم يسمعه فإنه لم يجبه ، إلا أن يكون هناك عذر يمنع سماعه . والسلام تحية أهل الجنة: قال الله تعالى: ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 23، 24]، وقال سبحانه: ﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [يونس: 10]، وقال جل شأنه: ﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ﴾ [الأحزاب: 44]، وقال سبحانه: ﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ﴾ [الواقعة: 25، 26]. واليهود يحسُدُون المسلمين على السلام: لما روى أحمدُ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا حَسَدَتْكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى السَّلاَمِ وَالتَّأْمِينِ ». (صحيح الجامع للألباني ).
أيها المسلمون
ومن أحكام السلام وآدابه : – إفشاؤه وإظهاره وإعلانه بين الناس ، حتى يكون شعاراً ظاهراً بين المسلمين، لا يخص به فئة دون أخرى ، أو كبيراً دون صغير ، ولا من يعرف دون من لا يعرف ، وتقدم حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، وتقدم أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” أفشوا السلام بينكم ” . وَقَالَ عَمَّارٌ ثَلاَثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ ، وَبَذْلُ السَّلاَمِ لِلْعَالَمِ ، وَالإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ ) البخاري. ومما ورد في ذم من ترك التسليم قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح الأدب المفرد للبخاري (عن أبي هريرة قال: ” أبخل الناس الذي يبخل بالسلام، وإن أعجز الناس من عجز بالدعاء”. – ويشرع تبليغ السلام ، وتحمله ، وعلى المبلغ أن يرد السلام ، ففي صحيح مسلم (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهَا « إِنَّ جِبْرِيلَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلاَمَ ». قَالَتْ فَقُلْتُ وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ) . – والأفضل في الابتداء بالسلام أن يسلم الصغير على الكبير ، والماشي على الجالس ، والراكب على الماشي ، والقليل على الكثير ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ » رواه البخاري – ومن السنة إعادة السلام إذا افترق الشخصان ثم تقابلا ، بدخول أو خروج، أو حال بينهما حائل ثم تقابلا ، ونحو ذلك ، ففي حديث المسيء صلاته أنه كلما ذهب ورجع سلم ورد عليه النبي صلى الله عليه وسلم السلام ، فقال ذلك ثلاث مرات . وقال أنس رضي الله عنه : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتماشون ، فإذا استقبلتهم شجرة أو أكمة فتفرقوا يميناً وشمالا ً، ثم التقوا من ورائها سلم بعضهم على بعض ،ومن المعلوم أن السلام تحية للمؤمنين خاصة ، فلا يجوز إلقاؤه على غيرهم ، ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلاَ النَّصَارَى بِالسَّلاَمِ فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِى طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ ». أما إن حضر المسلم موضعاً فيه اخلاط من المسلمين والكافرين ، فيسلم ويقصد المسلمين ، ففي حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلاَطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ وَفِى الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ خَمَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ ثُمَّ قَالَ لاَ تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا. فَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- … ) رواه البخاري ومسلم ، وإذا سلم الكافر فإنه يرد عليه بمثله ففي صحيح مسلم (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالُوا لِلنَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يُسَلِّمُونَ عَلَيْنَا فَكَيْفَ نَرُدُّ عَلَيْهِمْ قَالَ « قُولُوا وَعَلَيْكُمْ ». ويجوز السلام على النساء من المحارم ، أما غيرهن : فيجوز إذا أمنت الفتنة بهن وعليهن ، وهذا يختلف باختلاف النساء ، والأحوال ، والمواضع ، فليست الشابة كالعجوز ، ولا من دخل بيته فوجد فيه نسوة فسلم عليهن كمن مر بنساء لا يعرفهن في الطريق ، وأما المصافحة للنساء الأجانب فلا يجوز مطلقاً ، ومن أدلة ذلك ، ما رواه أحمد وغيره أُمَيْمَةَ بِنْتَ رُقَيْقَةَ تَقُولُ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي نِسْوَةٍ فَلَقَّنَنَا « فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ ». قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا. قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَايِعْنَا. قَالَ « إِنِّي لاَ أُصَافِحُ النِّسَاءَ إِنَّمَا قَوْلِي لاِمْرَأَةٍ قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ » .وفي صحيح البخاري : (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يُبَايِعُ النِّسَاءَ بِالْكَلاَمِ بِهَذِهِ الآيَةِ ( لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا ) قَالَتْ وَمَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَدَ امْرَأَةٍ ، إِلاَّ امْرَأَةً يَمْلِكُهَا .
وتُكرَه الإشارة بالسلام، سواء أكان ذلك باليد أو بغيرها ، بدون التلفظ بالسلام؛ لأن ذلك تشبُّهٌ بغير المسلمين، وقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتشبَّهَ بهم. روى الترمذي عن عمرو بن العاص: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا لاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلاَ بِالنَّصَارَى فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الإِشَارَةُ بِالأَصَابِعِ وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الإِشَارَةُ بِالأَكُفِّ » (صحيح الترمذي للألباني). وأما من كان بعيدًا، بحيث لا يسمع التسليم، فإنه يجوز السلام عليه إشارة، ويتلفظ مع ذلك بالسلام؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني). وقد اعتاد كثيرٌ من المسلمين على إلقاء السلام على المعارف فقط، وهذا مخالفٌ لسنَّة نبينا صلى الله عليه وسلم، الذي حثنا على إلقاء السلام على مَن نعرفه ومَن لا نعرفه مِن المسلمين. فقد روى الشيخانِ البخاري ومسلم : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ قَالَ « تُطْعِمُ الطَّعَامَ ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ » ،وقال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم: (وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ)؛ أي: تسلِّم على كل مَن لقيتَه، عرفته أم لم تعرفه، ولا تخص به من تعرفه، كما يفعله كثيرٌ من الناس؛ (مسلم بشرح النوي). وقال النووي أيضًا: هذا الحديث فيه دليلٌ على بذل السلام لِمَن عرفتَ، ولِمَن لم تعرف، وإخلاص العمل فيه لله تعالى، لا مصانعةً ولا ملقًا، وفيه مع ذلك استعمال خُلق التواضع، وإفشاء شِعار هذه الأمة؛ (مسلم بشرح النووي). وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { إذَا سَلَّمْت فَأَسْمِعْ فَإِنَّهَا تَحِيَّةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } قَالَ النَّوَوِيُّ أَقَلُّهُ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِالسُّنَّةِ فَإِنْ شَكَّ اسْتَظْهَرَ . وَإِنْ دَخَلَ مَكَانًا فِيهِ أَيْقَاظٌ وَنِيَامٌ فَالسُّنَّةُ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْمِقْدَادِ قَالَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجِيءُ مِنْ اللَّيْلِ فَيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا لَا يُوقِظُ نَائِمًا وَيَسْمَعُ الْيَقْظَانُ فَإِنْ لَقِيَ جَمَاعَةً يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا وَيَكْرَهُ أَنْ يَخُصَّ أَحَدَهُمْ بِالسَّلَامِ ؛ لِأَنَّهُ يُوَلِّدُ الْوَحْشَةَ } ومِن السنَّة: إلقاء السلام على الأطفال؛ لأن ذلك يغرس في نفوسهم شِعار الإسلام منذ الصغر، فيعتادون على ذلك في باقي حياتهم. ففي صحيح مسلم (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ عَلَى غِلْمَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ). قال القرطبي – تعليقًا على تسليم النبي صلى الله عليه وسلم على الأطفال -: هذا مِن خُلقه العظيم صلى الله عليه وسلم، وفيه تدريبٌ للصغير، وحضٌّ على تعليم السُّنن، ورياضةٌ لهم على آداب الشريعة فيه؛ (تفسير القرطبي).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( تحية الإسلام السلام: فضائلها، وآدابها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومِن السنَّة أن يبدأ المسلم بإلقاء السلام قبل أن يستأذن على أخيه المسلم. روى أبو داود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَيَدْخُلُ عُمَرُ ).(صحيح أبي داود للألباني). وروى أبو داود عَنْ رِبْعِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِى عَامِرٍ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ فِي بَيْتٍ فَقَالَ أَلِجُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِخَادِمِهِ « اخْرُجْ إِلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الاِسْتِئْذَانَ فَقُلْ لَهُ قُلِ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ ». فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَدَخَلَ ).(صحيح أبي داود للألباني). وروى البخاري (في الأدب المفرد) عن أبي هريرة – فيمن يستأذن قبل أن يسلِّم – قال: “لا يؤذَنُ له حتى يأتيَ بالمفتاح؛ يبدأ بالسلامِ”؛ (صحيح الأدب المفرد للألباني ). وإذا كان المسلِم جالسًا مع إخوانه ثم قام ليفارقهم، فالسنَّة أن يسلِّم عليهم. روى أبو داود عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ فَلَيْسَتِ الأُولَى بِأَحَقَّ مِنَ الآخِرَةِ ».(صحيح أبي داود للألباني ) . ويُكرَه إلقاء السلام على من يقرأ القرآن، أو من هو مشغول بالدعاء أو التلبية في الحج أو العمرة، ولكن إذا سلَّم عليه أحد، وجَب عليه رد السلام؛ (الأذكار للنووي). كما يُكرَه إلقاء السلام على المؤذِّن أثناء أذانه، ولكن لو سلَّم عليه أحد، وجَب عليه رد السلام بلفظه المعتاد؛ لأن ذلك يسيرٌ لا يُبطِل الأذانَ، ولا يُخِلُّ به؛ (الأذكار للنووي). أما عن إلقاء السلام والرد عليه أثناء خطبة الجمعة: فيسن لمن دخل المسجد والإمام يخطب أن يصلي ركعتين تحية المسجد، وليتجوَّز فيهما، ثم يجلس وينصت للإمام، ولا يلقي السلامَ على أحد من المصلين، وإذا ألقى عليه أحدٌ السلام، لا يرد بالقول، ولكن يشير بيده فقط، وإذا عطس أحدٌ فلا يشمِّته؛ (المغني لابن قدامة). ومِن السنَّة أن يسلِّم المسلم على الأموات عند زيارة المقابر، ويدعوَ لهم بالرحمة. روى مسلمٌ عن بريدة، قال: قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ – فِي رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ – السَّلاَمُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ – وَفِى رِوَايَةِ زُهَيْرٍ – السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَلاَحِقُونَ أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ ) .
ولا يجوز إلقاء السلام على من بداخل الحمام، ويحرم على الموجود داخله ردُّ السلام. ففي الصحيحين (عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِى الْجَهْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِيِّ فَقَالَ أَبُو الْجَهْمِ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَيْهِ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ ). وإذا سلَّم المسلم على مسلم أصمَّ لا يسمع، فينبغي أن يتلفظ بلفظ السلام؛ لقدرته عليه، ويشير باليد؛ حتى يحصلَ الإفهام، ويستحق الجواب، فلو لم يجمع بينهما لا يستحق الجواب، وكذلك لو سلم عليه أصمُّ وأراد الرد، وجب عليه أن يتلفظ باللسان، ويشير بيده؛ ليحصل به الإفهام، ويسقط عنه فرض الجواب؛ (الأذكار للنووي). وإذا سلَّم أحدنا على أخرس، فأشار الأخرس باليد، سقط عنه الفرض؛ لأن إشارتَه قائمة مقام العبارة، وكذلك لو سلَّم علينا أخرس بالإشارة، وجب علينا الردُّ باللفظ؛ (الأذكار للنووي). أما عن إلقاء السلام على الفاسق والمبتدع:
أولًا: يجب علينا أن ننصح الفاسق أو المبتدع بالحكمة والموعظة الحسنة، مع ذكر الأدلة الشرعية من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن نسلك جميع السبل الممكنة في نصحه مع التحلي بالصبر، فإذا لم يتوقف الفاسقُ عن فسقه، والمبتدع عن بدعته، فإننا لا نسلِّم عليه؛ زجرًا له ولأمثاله، ولكن إذا سلَّم علينا وجب علينا ردُّ السلام. روى البخاري عن الحسن البصري، قال: ليس بينك وبين الفاسق حرمةٌ؛ (صحيح الأدب المفرد للألباني ).
وقال النووي: يستحب هجرانُ أهل البدع والمعاصي الظاهرة، وترك السلام عليهم، ومقاطعتهم تحقيرًا لهم وزجرًا؛ (مسلم بشرح النووي). ومع الأمر بإفشاء السلام فقد ورد ذم من يبخل بالسلام بوصفه ( أبخل الناس ) ، فقد روى أحمد عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ إِنَّ لِفُلاَنٍ فِي حَائِطِي عَذْقاً وَإِنَّهُ قَدْ آذَانِي وَشَقَّ عَلَىَّ مَكَانُ عَذْقِهِ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « بِعْنِي عَذْقَكَ الَّذِى فِي حَائِطِ فُلاَنٍ ». قَالَ لاَ. قَالَ « فَهَبْهُ لِي ». قَالَ لاَ. قَالَ « فَبِعْنِيهِ بِعَذْقٍ فِي الْجَنَّةِ ». قَالَ لاَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « مَا رَأَيْتُ الَّذِى هُوَ أَبْخَلُ مِنْكَ إِلاَّ الَّذِى يَبْخَلُ بِالسَّلاَمِ » قال المناوي : ( أبخل الناس ) أي أمنعهم للفضل وأشحهم بالبذل ؛ ( من بخل بالسلام ) على من لقيه من المؤمنين ممن يعرفهم وممن لا يعرفهم ، فإنه خفيف المؤنة عظيم المثوبة ، فلا يهمله إلا من بخل بالقربات ، وشح بالمثوبات ، وتهاون بمراسم الشريعة ؛ أُطلق عليه اسم البخل لكونه منع ما أمر به الشارع من بذل السلام ، وجعله ( أبخل ) لكون من بخل بالمال معذور في الجملة ، لأنه محبوب للنفوس عديل للروح بحسب الطبع والغريزة ، ففي بذله قهر للنفس ؛ وأما السلام فليس فيه بذل مال ، فمخالف الأمر في بذله لمن لقيه قد بخل بمجرد النطق ، فهو أبخل من كل بخيل
الدعاء