خطبة عن (كيف تبني لك بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ؟)
يونيو 12, 2019خطبة عن الصدقة (إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَتَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ)
يونيو 15, 2019الخطبة الأولى ( الله ينادي : يا عبادي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) (53): (55) الزمر ، وقال تعالى : (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (10) الزمر ، وقال تعالى : (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) (56) العنكبوت ، وقال تعالى : (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ) (68) :(73) الزخرف ، وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ « يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِى وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّى فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِى فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ». وفي رواية في سنن ابن ماجة :(عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ مُذْنِبٌ إِلاَّ مَنْ عَافَيْتُ فَسَلُونِي الْمَغْفِرَةَ فَأَغْفِرَ لَكُمْ وَمَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ أَنِّى ذُو قُدْرَةٍ عَلَى الْمَغْفِرَةِ فَاسْتَغْفَرَنِي بِقُدْرَتِي غَفَرْتُ لَهُ وَكُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُ فَسَلُونِي الْهُدَى أَهْدِكُمْ وَكُلُّكُمْ فَقِيرٌ إِلاَّ مَنْ أَغْنَيْتُ فَسَلُونِي أَرْزُقْكُمْ وَلَوْ أَنَّ حَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ وَأَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمُ اجْتَمَعُوا فَكَانُوا عَلَى قَلْبِ أَتْقَى عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي – لَمْ يَزِدْ فِي مُلْكِي جَنَاحُ بَعُوضَةٍ وَلَوِ اجْتَمَعُوا فَكَانُوا عَلَى قَلْبِ أَشْقَى عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي لَمْ يَنْقُصْ مِنْ مُلْكِي جَنَاحُ بَعُوضَةٍ وَلَوْ أَنَّ حَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ وَأَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمُ اجْتَمَعُوا فَسَأَلَ كُلُّ سَائِلٍ مِنْهُمْ مَا بَلَغَتْ أُمْنِيَّتُهُ – مَا نَقَصَ مِنْ مُلْكِي إِلاَّ كَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ مَرَّ بِشَفَةِ الْبَحْرِ فَغَمَسَ فِيهَا إِبْرَةً ثُمَّ نَزَعَهَا ذَلِكَ بِأَنِّى جَوَادٌ مَاجِدٌ عَطَائِي كَلاَمٌ إِذَا أَرَدْتُّ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقُولُ لَهُ : كُنْ فَيَكُونُ ». وفي مسند أحمد : (أَنْ أَبَا ذَرٍّ حَدَّثَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَا عَبْدِى مَا عَبَدْتَنِي وَرَجَوْتَنِي فَإِنِّي غَافِرٌ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَيَا عَبْدِى إِنْ لَقِيتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً مَا لَمْ تُشْرِكْ بِي لَقِيتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ». وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ مُذْنِبٌ إِلاَّ مَنْ أَنَا عَافَيْتُهُ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ « ذَلِكَ بِأَنِّى جَوَادٌ وَاجِدٌ مَاجِدٌ إِنَّمَا عَطَائِي كَلاَمٌ ».وفي مسند البزار (عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : يَا عِبَادِي مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ حَسَنَةً جَزَيْتُ بِهَا عَشْرًا أَوْ أَزْيَدَ ، وَمَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سَيِّئَةً جَزَيْتُهُ بِهَا سَيِّئَةً أَوْ أَغْفِرُ ، وَمَنْ لَقِيَنِي لاَ يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِقُرَابِ الأَرْضِ مَغْفِرَةً ).
إخوة الاسلام
(يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا ) ما أجمله من نداء ، وما أعظمها من كلمات ، (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا ) نداء يطرَبُ به القلبُ، وتسمُو به الروح ، وتسعد به الحياةُ ،﴿يَا عِبَادِيَ﴾، مَن انضوَى تحت هذا النداء، ونالَ هذا الشرفَ ، فقد فازَ فوزًا عظيمًا. ﴿يَا عِبَادِيَ﴾ تسكُبُ السَّكِينةَ في القلبِ، وتُؤمِّنُ مِن الخوف، وهي علامةُ رِضا الربِّ وفضلِه وإنعامِه، قال تعالى: ﴿يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ﴾ [الزخرف: 68- 70]. والنَّفسُ المؤمنة المُطمئنَّةُ التي استقرَّ الإيمانُ في أعماقِها، واطمأنَّت بإخلاصِها، وتوكَّلت على خالِقِها، فقد شرَّفَها ربُّها بالبِشارة العظيمةِ في قولِه تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ [الفجر: 27- 30]. ويصِفُ اللهُ خلقَه بـ “عبادِي”؛ ليُؤنِسَ وحشَتَهم، ويُبشِّرَهم بأنَّه قريبٌ، وليبسُط المرءُ حاجتَه، ويبُثَّ هُمومَه، ويرفع شَكوَاه إلى ربِّه ومولاه، قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: 186]. ﴿يَا عِبَادِيَ﴾ تشرَحُ الصُّدور، وتلفِتُ النَّظرَ إلى رحمةِ الله الغفور ، الذي سبَقت رحمته غضَبَه، فقال تعالى: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الحجر: 49]. ويُنادِي الله تعالى على المُؤمنين بقولِه: ﴿يَا عِبَادِيَ﴾؛ ليتفيَّؤُوا ظِلالَ عبادتِه على أي أرضٍ وتحت أي سماء، فقال تعالى: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾ [العنكبوت: 56]. ﴿يَا عِبَادِيَ﴾ كلمةٌ رقراقةٌ تُحفِّزُ على العمل، وبها نادَى الخالِقُ عبادَه المُؤمنين ليُعلِّمَهم آكَدَ العبادات وعِمادَها، وأجَلَّ الطاعاتِ وأفضَلَها، قال تعالى: ﴿قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ﴾ [إبراهيم: 31]. ﴿يَا عِبَادِيَ﴾ يُنادِي اللهُ بها على المُؤمنين فيرسُمُ لهم دُرُوبَ التقوَى، ويُوجِّهُهم إليها بقولِه: ﴿يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾ [الزمر: 16]، ﴿يَا عِبَادِيَ﴾ حين يسمَعُها المُؤمنُ يشعُرُ أنه يأوِي إلى رُكنٍ شديدٍ، وحِصنٍ عَتِيدٍ، وحمايَةٍ له مِن كل شيطانٍ مَرِيدٍ، قال تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا﴾ [الإسراء: 65]. فالقلبُ المُتَّصِلُ بالله الذي غمَرَت حياتُه العبادةَ والمحبَّةَ لا سُلطانَ للشيطانِ على ذلك القلبِ، ويستحِقُّ أن ينالَ العِصمةَ، وعلى عتَبَتِه يبطُلُ كَيدُ الشيطان. ويصِفُ اللهُ الصالِحِين مِن خلقِه بـ “عبادي”، فيبعَثُ فيهم قُوَّةَ التفاؤُل والتمكِين، ونُورَ الأمل بالنَّصر، وكفَى بالله نَصِيرًا، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء: 105]. ﴿يَا عِبَادِيَ﴾ عبارةٌ طيبةٌ، وأسلُوبٌ لطِيفٌ، ولمسَةٌ حانِيةٌ تستوعِبُ كلَّ المُذنِبِين والمُقصِّرِين إذا تابُوا وأنابُوا، قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53]. وعن ابنِ عباسٍ – رضي الله عنهما -، أن ناسًا مِن أهل الشِّرك كانُوا قد قتَلُوا وأكثَرُوا، وزنَوا وأكثَرُوا، فأتَوا مُحمدًا – صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: إنَّ الذي تقولُ وتدعُو إليه لحَسَنٌ لو تُخبِرُنا أن لِما عمِلنَا كفَّارة، فنزَل قوله تعالى : ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ﴾ [الفرقان: 68]، ونزل قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: 53] .. فيا بارئ الكـونِ في عزٍّ وتمكينِ … وكل شيء جري بالكاف والـنونِ
يا مـن أُحِسُّ به في كل كائـنة … وقد تعاليـتَ عن ظــن وتخميـنِ
في هدأة الليل يـا رب أراك … وفي ضوء النهار وأنداء الرياحيـنِ ..
وفي الصحارى وفي الأنهار تسمعني … لحن الخلود وفي الأطيار تشجيني
وفي وجـودي وفي حِسِّي وعاطفتي … وفي فؤادي وفي رُوحي وتكوينـي
ربي هو الله سـوَّانــــي بقدرتـه … إن ضلَّ أمري لباب الرشد يهديني
أحبتي في الله
من الذي يبسط يده في الليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل ؟ ومن الذي ينادي في كل ليلة هل من تائب فأتوب علية، هل من مستغفر فأغفر له ؟ ومن الذي ينادي: يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرتها لك ولا أبالي ؟ ومن الذي ينادي : يا عبادي إنكم تخطئون في الليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني اغفر لكم ؟ ومن الذي ينادي: ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). ومن الذي يرحم التائبين ويشملهم بعفوه ومغفرته وهو خير الغافرين ؟ ومن الذي عجت ببابه الأصوات فلهجت بالمعذرة والمسائل والحاجات فكان الله ولم يزل بها رحيما ؟
أيها المسلمون
إن الله يغفر للعباد مغفرة لا تدع للعبد ذنبا صغيرا ولا كبيرا إلا محته، وتلك المغفرة التامة، مغفرة لما تقدم وما تأخر ، وتلك المغفرة التامة، مغفرة لما تقدم وما تأخر غفرها الله لنبيه عليه الصلاة والسلام:(لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً)الفتح 2 وجاء عثمان رضي الله عنه وأرضاه إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو يحمل الذهب والفضة، فصبها في حجر النبي (صلى الله عليه وسلم) صدقة لوجه الله، فنزل الوحي على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فأخذ الذهب بيديه، وقلبه بكفه (قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يُقَلِّبُهَا فِي حِجْرِهِ وَيَقُولُ « مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ » رواه الترمذي. وجاء حاطب ابن أبي بلتعة فوقف على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في قصته المشهورة وكتابه لأهل مكة، (فَقَالَ عُمَرُ دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ « إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ». متفق عليه ، ومرت بغي من بغايا بني إسرائيل، كانت على المعاصي والفجور، فمرت على كلب يلهث الثرى فانكسر قلبها وأرادت أن ترحمه، فنزلت إلى البئر فملأت خفها ماء وسقت الكلب فشكر الله لها فغفر ذنوبها. ومر رجل على غصن شوك في طريق المسلمين، فلما رآه قال والله لأنحينه عن طريق المسلمين لا يؤذيهم، فزحزحه عن طريقهم فزحزحه الله عن نار جهنم وغفرت ذنوبه.
أيها الأحبة في الله
يقف العبد بين يدي الله، بين يدي سيده ومولاه، فيناديه رباهُ رباه، يناديه بعد الذنوب والخطايا، والعيوب والرزايا التي قد أقلقت مضجعه ،وآلمته وأكربته ، فلم يجد ملجأ ومنجى إلا إلى الله، فيقف بين يدي الله وقد أحزنته ذنوبه ،وأهمته عيوبه ،وأسرته خطاياه بعد أن ذهبت اللذة، وانقضت الشهوة ،وأعقبها العذاب والهوان، وأصابته بلية المعصية ،فلم يجد إلا ربه ليقف بين يديه معتذرا، ويقف بين يديه نادما تائبا منكسرا. فينادي ربه من صميم قلبه وفؤاده، وهو يعتقد أنه أرحم الراحمين ، ولا أحد أرحم بالخلق من الله بخلقه. ينادي العبد ربه وهو على يقين أن الله أحلم وأرحم، وأن الله أوفى وأكرم، وأنه وإن كانت ذنوبه كبيرة فالله أكبر من كل شيء، وإن كانت عيوبه كثيرة فالله أرحم وهو الغفور الحليم. فيقف بين يدي الله منكسرا، أسيرا حسيرا كسيرا مؤمنا بربه موقنا برحمته، فيناديه: يا ربِ يا رب، وإذا بالله جل جلاله لا ينظر إلى ما مضى من إساءاته ولكن يفرح بإنابته وتوبته، فتفتح أبواب السماوات وتصعد الكلمات والدعوات، فتنتهي إلى ما شاء الله أن تنتهي، فينادي أرحم الراحمين، وينادي خير الغافرين: ففي الصحيحين أن (أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا – وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا – فَقَالَ رَبِّ أَذْنَبْتُ – وَرُبَّمَا قَالَ أَصَبْتُ – فَاغْفِرْ لِي فَقَالَ رَبُّهُ أَعَلِمَ عَبْدِى أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِى . ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا ، فَقَالَ رَبِّ أَذْنَبْتُ – أَوْ أَصَبْتُ – آخَرَ فَاغْفِرْهُ . فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِى أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِى ، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا – وَرُبَّمَا قَالَ أَصَابَ ذَنْبًا – قَالَ قَالَ رَبِّ أَصَبْتُ – أَوْ أَذْنَبْتُ – آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِى . فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِى أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِى – ثَلاَثًا – فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ » ،فإذا غُفرت الذنوب، وسُترت العيوب، وزالت الخطايا، فرح العبد بتوبة ربه عليه، ورأى بشائر فضله وإحسانه أمامه وبين يديه، رأى الكرم والجود، والحلم والرحمة فأزداد فرحا بالله، وإنابة إلى الله، وثقة بالله جل جلاله، وأصبح لسان حاله يقول:يا رب أسئت في ما مضى فأحسن لي فيما بقي من عمري فتغشته سحائب المغفرات، وأفاض الله عليه جزيل وجميل الرحمات، ففتح في وجهه أبواب البر، فانطلق ذلك العبد الموفق إلى أبواب الخير والطاعات فرحا بتوبة ربه عليه، وإنابته وإحسانه إليه، فإذا أراد الله عز وجل أن يسعده بدل له سيئاته حسنات.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الله ينادي : يا عبادي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ليس بيننا وبين الله أحد، ليس بيننا وبين الله ترجمان ولا حجاب ولا جن ولا إنسان، فهو يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل . ففي الصحيحين عن (ابْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – …قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ يُدْنِى الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ ، وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ . حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ . فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ ) ، فليس بين العبد وبين الله أحد، لا يستطيع أحد أن يحرمك من رحمة ربك، ولا يستطيع أحد كائن من كان أن يقفل أبواب فضل الله عليك..
أيها الأحبة في الله
ومن سحائب المغفرة التي تُمطر على العبد فيغفر الله بها ذنوبه، ويستر بها عيوبه أن يكون العبد كثير الاستغفار، كثير الإنابة إلى الله الحليم الغفار. فمن أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية. وكان (صلى الله عليه وسلم) يستغفر الله في اليوم أكثر من مئة مرة، فكثرة الاستغفار باب من أبواب الرحمة. فاستغفر الله قائما وقاعدا، واستغفر الله ذاهبا وراجعا. وإن ذهبت وأنت تطلب رزقك استغفرت الله عند خروجك لأنه ربما حُرم العبد الرزق بسبب الذنب. وإن رجعت إلى بيتك وأويت إلى أهلك أكثرت من الاستغفار لربك خشيت أن تكون ظلمت أو أسأت أو أخطأت، فترجع إلى بيتك وأنت مغسول من الذنوب والخطايا. فأكثر من الاستغفار ، فإن الاستغفار سبب من أسباب الرحمة، ولذلك كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يستغفر الله، ويستفتح الصلاة بالاستغفار، ويسأل ربه أن يغسله من الذنوب والخطايا بالماء والثلج والبرد.فالذنوب شؤمها عظيم، وبلائها وخيم وعاقبتها سيئة: فكم من ذنب قاد إلى حرمان الرزق. وكم من ذنب أظلم به القلب. وكم من ذنب طُمست به البصيرة. وكم من ذنب فسدت به العيال. وكم من ذنب ذهبت به الأموال. وكم من ذنب كان سببا في سوء الخاتمة والعياذ بالله وسوء الحال. فالذنوب بريد إلى الكفر، وطريق إلى الكفر، فعلى العبد أن يفر منها إلى أرحم الراحمين، وخير الغافرين، وأن يستيقن أن الله حليم رحيم: وفي مسند أحمد (عَنْ يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ بِالْفُسْطَاطِ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ تَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شِبْراً تَقَرَّبَ إِلَيْهِ ذِرَاعاً وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ ذِرَاعاً تَقَرَّبَ إِلَيْهِ بَاعاً وَمَنْ أَقْبَلَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَاشِياً أَقْبَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ مُهَرْوِلاً وَاللَّهُ أَعَلَى وَأَجَلُّ وَاللَّهُ أَعَلَى وَأَجَلُّ وَاللَّهُ أَعَلَى وَأَجَلُّ ». ومن الأسباب التي تعين على مغفرة الله للعبد بره لوالديه، وصلته لرحمه، وحسن ظنه بالمسلمين، وسلامة صدره، وما يكون منه من الإحسان كالعطف على الفقراء والضعفاء ، وقضاء ديون المعسرين، وتفريج الكربات عن المكروبين فإنها سحائب رحمة من أرحم الراحمين. ويقف العبد بين يدي الله يوم القيامة، فتعظم عليه الذنوب وتكثر منه الخطايا والعيوب، ففي صحيح مسلم (أَنَّ حُذَيْفَةَ حَدَّثَهُمْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تَلَقَّتِ الْمَلاَئِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَقَالُوا أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا قَالَ لاَ. قَالُوا تَذَكَّرْ. قَالَ كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتْيَانِى أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ الْمُوسِرِ – قَالَ – قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَجَوَّزُوا عَنْهُ ». فمن أسباب الرحمة رحمة العباد، والإحسان إليهم، وشملهم بالعفو والمغفرة، فمن عامل الناس بالسماحة عامله الله بالرحمة، والراحمون يرحمهم الرحمن .
الدعاء