خطبة عن الشهادة وحديث (مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ)
يوليو 1, 2017خطبة عن حديث ( أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ)
يوليو 1, 2017الخطبة الأولى ( احذر: أن تمدح الكافرين ..وتذم المسلمين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ) (196): (198) آل عمران ، وقال تعالى : (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (221) البقرة ، وقال تعالى : (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (139) آل عمران ، وروى البيهقي في سننه وحسنه الألباني لغيره : (عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو : أَنَّهُ جَاءَ يَوْمَ الْفَتْحِ مَعَ أَبِى سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَوْلَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا هَذَا أَبُو سُفْيَانَ وَعَائِذُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« هَذَا عَائِذُ بْنُ عَمْرٍو وَأَبُو سُفْيَانَ الإِسْلاَمُ أَعَزُّ مِنْ ذَلِكَ الإِسْلاَمُ يَعْلُو وَلاَ يُعْلَى ».
إخوة الإسلام
نعم ” الإِسْلاَمُ يَعْلُو وَلاَ يُعْلَى » ، والمسلم رغم ضعفه ، ورغم قلة ما في يده ، إلا أنه يعلو ولا يعلى عليه ، قال تعالى (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (2) ،(3) الحجر .وقال تعالى : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (35)،(36) القلم ، وإذا كان الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، فإن هذا الحكم ينتشر إلى أتباعه من المسلمين، فهم يعلون ولا يعلى عليهم، كذلك قال الله تعالى: { وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ } محمد 35، أقول ذلك : لأننا أصبحنا في زمان نسمع فيه ونرى بعض المسلمين يمدح ويمجد ويبالغ في الثناء على أهل الكفر ، فقد فتن الكثير من المسلمين بما عندهم من تقدم حضاري ، فراحوا ليل نهار يمدحون الكافرين وأخلاقهم ومعاملاتهم ، ويذمون المسلمين ، ونقول لمثل هؤلاء : إن رأس الأخلاق وأهمها الخلق مع الله تعالى ، والأدب معه سبحانه ، وترك عبادة ما سواه ، وهذا متحقق في المسلمين دون الكافرين ، فإن أخطأ مسلم ، أو ساء خلقه ، فهذا لا يعني أن جميع المسلمين ليس فيهم خير ، فإن في ذلك تعميما على كل المسلمين ، ولا بد أن يكون منهم من هو قائم بأخلاق الإسلام ، وبشرع الله تعالى .فمن يفضل أخلاق الكفار على أخلاق المسلمين ، فهذا من الخطأ ، إذ يكفي الكفار سوء خلق ما فعلوه مع ربهم جل وعلا وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام ، فالكفار قد سبوا الله تعالى ، وادعوا له الولد ، وقدحوا في أنبيائه وكذبوهم ، فأي خلق يفيدهم مع الناس إذا كانت أخلاقهم مع ربهم جل وعلا من أسوأ الأخلاق .ثم كيف نرى أخلاق عشرة أو مائة من الكفار ، ونحكم عليهم بأن أخلاقهم جيدة ، ونسينا أخلاق أكثرهم الفاسدة ، فكم غدروا بالمسلمين ، وكم أفسدوا ديارهم ، وكم فتنوهم عن دينهم ، وكم أضاعوا من ثرواتهم ، وكم مكروا وتربصوا وتجبروا وطغوا .. فخلق بعضهم الجيد لا يساوي شيئا أمام خلق أكثرهم القبيح ، فضلا على أن خلقهم هذا لا يقصدون منه نفس الخلق ، وإنما يقصدون منه نفع أنفسهم ، واستقامة أمورهم الدنيوية ، وتحصيل مصالحهم ، في أغلب أحوالهم . فالكفار إذا صدقوا مع المسلمين ،وأدوا الأمانة فهم يفعلون ذلك حتى يدركوا مصلحتهم معهم ؛ فهم ما أظهروا هذا لمصلحتكم ولكن لمصلحتهم هم ، حتى يأخذوا الأموال وحتى ترغبوا فيهم . وهذه الأخلاق إن صحت في معاملاتهم مع المسلمين، ففيهم الكذب والغدر والخيانة والسطو أكثر مما يوجد في بعض البلاد الإسلامية وهذا معلوم ، كما أن تعامل الكثير من هؤلاء الكفار بالأخلاق ، هو مبني على إلزام وقوانين في بلدانهم التي تُلزمهم بمثل هذه الأخلاق ، ويعاقب على تركها ولا سيَّما في الأمور التي تمس المصالح العامة ، ويُوضع فيها قوانين شديدة لمن يُخالف ، فيُعاقب بغرامة مالية كبيرة فتجده حذِرا من فعل شيء من ذلك خوفا من العقوبة الشديدة والغرامات الشديدة؛ ولكن هناك فرق بين من يفعل ذلك خوفا من مثل هذه العقوبة ، ومن يفعل ذلك تقربا إلى الله سبحانه وتعالى وإحسانا إلى عباد الله. والذي يفتش في حقيقة أحوالهم ، يجد أن فساد أديانهم ترتب عليها فساد أخلاقهم ، إلا في قليل من المظاهر العامة ، وإلا ففي البيوت تفكك من أشد ما يكون؛ ولا تجد البر الذي هو أعظم البر: بر الأبناء بالآباء والأمهات والتعاملات الحسنة مع الجيران بل يتعاملون في حدود القوانين والرسميات. بل في كثير من بيوت هؤلاء أن الشاب أو الشابة إذا بلغ السادسة عشرة أو السابعة عشرة أو الثامنة عشرة تكون تعامل والدته معه في البيت تعاملها مع شخص نزيل أو مستأجر عندها، حتى يقولون إن بعض الأمهات في آخر الشهر تقدم لولدها أو ابنتها فاتورة: فاتورة بالغسيل وفاتورة بالطعام وفاتورة بــ … فيدفع ، أما من يمدح الكافرين، ويقول إنهم أهل العدل، أو يحبّون العدل، ويكثر ثناءهم في المجالس، ويهين ذكر المسلمين، وينسب إلى الكفار النّصيفة وعدم الظلم والجور؛ فحكم المادح أنه فاسق عاص مرتكب لكبيرة؛ يجب عليه التوبة منها والندم عليها؛
أيها المسلمون
ويقول الله تعالى وهو أصدق القائلين : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} البينة 6, فلا أظن أحداً أصدق وصفاً من الله عز وجل للكافرين, فإنهم شر البرية, وكيف يرجى خيرٌ مقصود لذاته من قوم وصفهم الله بأنهم شر البرية, لا أعتقد أن ذلك يكون أبداً, ولكن ما يوجد فيهم من الصدق والبيان, والنصح في بعض المعاملات, إنما هو مقصود لغيره عندهم, وهو الحصول على المادة والكسب, وإلا فمن رأى ظلمهم وغُشمهم واستطالتهم على الخلق في مواطن كثيرة, عرف مصداق قوله تعالى :{أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} البينة 6,.
أيها المسلمون
وأما بالنسبة لما وقع من كثير من المسلمين, من الغش والكذب والخيانة في المعاملات فإن هؤلاء المسلمين نقصوا من إسلامهم وإيمانهم بقدر ما خالفوا الشريعة فيه من هذه المعاملات ، فلا يعني أن مخالفة بعض المسلمين وخروجهم عن إطار الشريعة في مثل هذه الأمور, لا يعني ذلك النقص في الشريعة نفسها, فالشريعة كاملة, وهؤلاء الذين أساءوا إلى شريعة الإسلام, ثم إلى إخوانهم المسلمين, هؤلاء أساءوا إلى أنفسهم فقط, والعاقل لا يجعل إساءة العامل سوءاً في الشريعة التي ينتمي إليها هذا العامل . ولذلك فإنني أرجو من جميع المسلمين أن تكون لهم حملة قوية في محاربة هذه الأمور التي لا يقرها الإسلام من الكذب والخيانة والغش والخداع وما أشبه ذلك . فلا بد أن نبين للناس أن من كمال الدين كمال الخلق فقد روى الترمذي وغيره بسند صحيح (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( احذر: أن تمدح الكافرين ..وتذم المسلمين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
لقد خاطب الله المؤمنين في معركة أحد بقوله تعالى: { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (139)،(140) آل عمران. فمهما أصاب المؤمنين من أعدائهم من ألم أو قرح فلا يحملهم على الوهن والضعف والتصاغر أمام عدوهم، ومهما كان عدوهم قويا، ويملك أدوات السحق والمحق والمكر والخديعة والقتل، كلا، فالعالي يجب أن يبقى عاليا، والسافل يجب أن يبقى سافلا، ولو تسلط السافل على العالي، ولو انتصر عليه فسامه الألم والقرح، فإن هذا العدو يناله القرح والألم أيضا، كما ينال المؤمنين، ويُهزم كما يَهزم، والأيام دول، ولكن الفرق أن المؤمنين يرجون من الله ما لا يرجوا هؤلاء الكفار، وهم الأعلون دوما، قال تعالى: { وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } النساء (104). فإن ما يصيب المؤمنين على يد الكافرين من النكال إنما هو بقدر الله تعالى، ولو شاء لانتصر منهم، ولكن ليبلو العباد بعضهم ببعض، وقد جعل مثل هذا النكال والعدوان سببا لمعرفة المؤمن الصادق المخلص الصابر من المنافق الكاذب، فتسلط الكافرين على المؤمنين بقضاء الله وقدره، ولم يكن لأجل هوان المؤمنين وإذلالهم، كلا، بل لأجل التمحيص، ومن ثم فيجب على المؤمنين أن يفهموا ذلك، وألا ينسوا أنهم هم الأعلون، في كافة الظروف والأحوال، في حال النصر وفي حال الهزيمة.
الدعاء