خطبة عن (العواصم من الفتن القواصم)
يوليو 22, 2017خطبة عن الصحابي: (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ )
يوليو 22, 2017الخطبة الأولى عن قوله تعالى : ( كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ، كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } [المائدة : 78-79] .
إخوة الاسلام
لقد قصر المسلمون في هذا الزمان في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد أدى هذا التقصير إلى عواقب وخيمة ، ومشكلات جمة ، فبتقصير المسلمين في جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بدأ الكثير من الناس يتهاونون في النوافل والمستحبات ، وانتهى الأمر بترك الفرائض والواجبات. وبدأ الكثير من الناس في فعل المكروهات، وانتهى بهم الأمر إلى الوقوع في الفواحش والمنكرات. ولقد قصَّ الله تعالى علينا أخبار الأمم السابقة والعواقب الوخيمة التي انتهوا إليها حين شاعت فيهم الانحرافات والمخالفات دون أن يرفع أحد منهم رأساً أو يقول كلمة ، فقال الله تعالى : (كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } المائدة 79 ، فقد أجرم هؤلاء القوم مرتين : مرة حين وقعوا في المعاصي والآثام ، ومرة أخرى حين تركوا المعاصي تشيع فيهم دون أن تسود فيهم روح التناهي عنها . وقد جاء في الحديث ما يفسر تدرجهم نحو الحال التي استوجبت لهم اللعن ، ففي سنن أبي داود (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ يَا هَذَا اتَّقِ اللَّهِ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ». ثُمَّ قَالَ (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) إِلَى قَوْلِهِ (فَاسِقُونَ) ثُمَّ قَالَ « كَلاَّ وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَىِ الظَّالِمِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا ». لقد طال العهد بصالحي بني إسرائيل فبدأت المناكر تزحف إلى حياتهم عن طريق أهل الأهواء والشهوات ، وكان فيهم صالحون فقاموا ونهوا أصحاب المعاصي ووعظوهم ولكن هؤلاء تأصل فيهم المنكر وصار النزوع عنه أمراً عسيراً ، وكان الأمر يتطلب من صالحيهم جلداً وصبراً إلا أن درجة الصبر والمجاهدة عند أولئك الصالحين لم تكن كافية بحيث يشكلون تياراً نشطاً يحاصر أولئك العصاة ويشعرهم بالشذوذ والإثم ..وكانت المرحلة التالية أن سيطر شعور العجز والضعف على أولئك الصالحين مما جعلهم يخالطون أهل المعاصي ويرضون عن أعمالهم أو يظهر للناظر أنهم كذلك فضاعت معالم الحق وجاءت أجيال تالية فنشأت في الانحراف وشبت فيه وصار التفريق بين المعروف والمنكر أمراً عسيرا لكل الناس . وكانت العاقبة أن ضرب الله قلوبهم بعضهاً ببعض ، وهذه العبارة في الحديث النبوي ترمز إلى حالة من الفوضى المصحوبة بالعذاب ، فإن كل مجتمع مهما بلغ من الفضل والرقي لا يستغنى عن شريحة فيه تتمثل فيها المثل العليا لذلك المجتمع ، وهي شريحة ( الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر) فهي التي تحفظ عليه وجوده المعنوي المتمثل في عقيدته وأخلاقه وضوابط علاقاته ، وهؤلاء يمثلون الخيرية في ذلك المجتمع ، ففي صحيح مسلم : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ ». فإن هؤلاء الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر يملكون من العزيمة والإيمان والمصابرة والمجالدة ما يجعل همَّ مجتمعهم هو همهم الأكبر ، فيسعد بهم ذلك المجتمع ، إذ يحفظون عليه توازنه واستقامته ، قال تعالى : { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ } [آل عمران : 104] . وقد جرت سنة الله في الابتلاء أن تلقى ( فئة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ) تلقى الأذية والعنت ممن حولها ، وما ذلك إلا لأنها تسير في الاتجاه المضاد لأهل الشهوات والأهواء ، فإن الذي يظن أنه باستطاعته أن يسير في دروب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مقوماً للمعوج ومحارباً للأهواء والشهوات وناصراً للمظلوم ثم لا يلحقه شيء مما لحق بهم فهو واهم في ذلك وإلى هذا أشار لقمان وهو يعظ ابنه حين قال الله تعالى على لسانه : { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } [لقمان : 17] ، وقد توعد الله سبحانه وتعالى بالعذاب الأليم لمن وقف في وجه الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والمحاربين لهم ، فقال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ) [آل عمران : 21-22] .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الآثار المترتبة على ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر تسليط الأعداء: فإن الله جلَّ وعلا قد يبتلي المجتمع التارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأن يسلِّط عليهم عدوًّا خارجيًّا، فيؤذيهم، ويستبيح بيضَتهم، وقد يأخذ بعض ما في أيديهم، وقد يتحكَّم في رقابهم وأموالهم. ومن الآثار المترتبة على ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر – عدم إجابة الدُّعاء: فالمسلمون التاركون لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ عندما ينـزل بهم العقاب؛ يتَّجهون إلى الله عزَّ وجلَّ؛ يدعونه، ولكنَّه لا يستجيب لهم؛ ففي سنن الترمذي : (عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ ». وفي مسند الامام أحمد : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ أَنْ قَدْ حَفَزَهُ شَيْءٌ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ خَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَداً فَدَنَوْتُ مِنَ الْحُجُرَاتِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَدْعُونِي فَلاَ أُجِيبُكُمْ وَتَسْأَلُونِي فَلاَ أُعْطِيكُمْ وَتَسْتَنْصِرُونِي فَلاَ أَنْصُرُكُمْ » ، ومن الآثار المترتبة على ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر – الأزَمات الاقتصاديَّة: فقد تحلُّ الأزمات الاقتصاديَّة بالمجتمع المفرِّط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتتلاطَمُ به أمواج الفقر والضَّوائق، ويذوق الويلات من الحرمان. ولعلَّ من أجلى الصور وأوضحها: الدَّمار الاقتصادي الذي يلحقُ المجتمعات المسلمة بسبب إهمال النهي عن المنكر في شأن الرِّبا، مما جرَّ على المجتمعات الإسلامية مآسي عظيمة من تفاقُم في المستويات المعيشيَّة والاقتصاديَّة، فيزيد الفقير فقرًا إلى فقره، ويزيد الغني ثراءً، فيصبِحُ المال دُولةً بين الأغنياء، وتسيرُ الأمَّة إلى هاوية الدَّمار البعيد. قال تعالى : (فَهَلْ يَنْتَظرُونَ إلا مثْلَ أَيَّام الَّذينَ خَلَوْا منْ قَبْلهمْ قُلْ فَانتَظرُوا إنِّي مَعَكُمْ منَ المُنْتَظرينَ) (سورة يونس: 102 ). ومن الآثار المترتبة على ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر : الوقوع في الشهوات والإغراق فيها: فلا شكَّ أنَّ ترك الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر هو سبب غرق أبناء المجتمع في الملذَّات والأهواء التي تقعدُ بهم عن معالي الأمور. ومن الآثار المترتبة على ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر – الإهمال في أخذ العدَّة: سواء أكانت عدَّة معنويَّة بقوة القلوب وشجاعتها، أو عدَّة ماديَّة محسوسة تجهَّز لمقاومة الأعداء؛ فإن الاستعداد لا يتقنُه ولا يلتفتُ إليه إلا أصحاب الهمم، المعرِضون عن السَّفاسف، أما صرعى الشَّهوات؛ فليسوا أهلاً لذلك؛ بل إنَّ مجرَّد الكلام عن الحرب يرعِبُهم؛ فضلاً عن خوض المعارك، وركوب الأهوال. فعليكم إخوتي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا تكونوا من أولئك الذين قال الله تعالى فيهم :(كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } المائدة 79
الدعاء