خطبة عن قوله تعالى (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ)
يوليو 29, 2017خطبة عن خصال الخير وحديث :(مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ)
يوليو 29, 2017الخطبة الأولى : علاقة المؤمن بالكائنات حوله ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :( كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) (25): (29) الدخان
إخوة الإسلام
في الآيات السابقة ، يقول الله سبحانه وتعالى : (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ ) ، فهل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ ، قال العلماء : نعم ، إنه ليس أحد من الخلائق إلا له باب في السماء منه ينزل رزقه ، وفيه يصعد عمله ، فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله ، وينزل منه رزقه ، بكى عليه; وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ، ويذكر الله فيها بكت عليه الارض، وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض آثار صالحة ، ولم يكن يصعد إلى السماء منهم خير ، قالوا : ولهذا فلم تبك عليهم السماء والأرض . وفي سنن الترمذي بسند فيه ضعف (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلاَّ وَلَهُ بَابَانِ بَابٌ يَصْعَدُ مِنْهُ عَمَلُهُ وَبَابٌ يَنْزِلُ مِنْهُ رِزْقُهُ فَإِذَا مَاتَ بَكَيَا عَلَيْهِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ) ، وقال مجاهد : ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا ، فقيل له: أتبكي الأرض ؟ فقال : أتعجب ؟ وما للأرض لا تبكي على عبد ، كان يعمرها بالركوع والسجود ؟ وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل ؟والسماء والأرض لم تبكيا على فرعون وقومه ؛ لأنه لم يكن لهم عمل يصعد إلى الله صالح ، فتبكي عليهم السماء ، ولا مسجد في الأرض ، فتبكي عليهم الأرض . وقال عطاء: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ ) ،قال : بكاؤها حمرة أطرافها .
أيها المسلمون
نعم ،إن الأرض تبكي على موت الصالحين، ولكنها لا تتأسف على موت الكافرين والطغاة، كما يُفهم ذلك من قول الله تعالى: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ) الدخان:29، فهذه السماوات والأرض لا تتأسف على فقد الكافر والطاغية بخلاف المؤمن، فإن الأرض التي يمشي عليها تتأسف لفقده، فقد كان يعمل الخير عليها يمشي إلى الصلاة عليها، ويغدو إلى حلق العلم عليها، ويذهب للدعوة إلى الله فوقها، ويمشي على صعيدها لزيارة إخوانه في الله، وصلة رحمه، وإغاثة ملهوف، وعمل معروف، وإزالة منكر، ونحو ذلك من أنواع الطاعات. ولماذا لا تبكي السماء على فقد المؤمن وهي مصعد عمله، فعن طريقها يصعد عمله الصالح إلى الله، فإذا مات وانقطع عمله تأسفت السماء على فقد هذا العمل الذي كان يصعد عن طريقها، ولا تعجب أخي المسلم من عاطفة هذه الجمادات نحو المؤمن ، وعدم تأسفها للكافر ، فهذا جبل أحد وهو من الجمادات ، يبادل المسلمين مشاعر الحب ،ففي صحيح البخاري : (عَنْ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ » . نعم إن أحداً جبل يحبنا ونحبه، فهذه مشاعر يشارك فيها الجبل المسلمين، وإذا شككت أخي أن لهذه الكائنات والجمادات عواطف نحو المؤمن ، بل ومشاركات فعلية معه ، فانظر إلى مشاركة الشجر والحجر في المعركة القادمة والفاصلة ، والتي سوف تكون بيننا وبين اليهود في آخر الزمان، ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ. إِلاَّ الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ ». ومن دلائل استجابة هذه الجمادات ، وحبها لله خالقها ، وخشيتها منه ، وتسبيحها له سبحانه ، ما جاء في كتابه الكريم ، قال سبحانه وتعالى عن الجبال : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (74) البقرة ومن دلائل استجابة هذه الجمادات ، وتفاعلها مع المؤمن ، وحبها له ، أن حن الجذع اليابس وبكى لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففي صحيح البخاري أن (جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنهما – يَقُولُ : كَانَ الْمَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ فَكَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا ، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ ، وَكَانَ عَلَيْهِ فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ ، حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ ) ، وفي رواية للبخاري أيضا : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنهما – أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ – أَوْ رَجُلٌ – يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا قَالَ « إِنْ شِئْتُمْ » . فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ دُفِعَ إِلَى الْمِنْبَرِ ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِىِّ ، ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فَضَمَّهُ إِلَيْهِ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِىِّ ، الَّذِى يُسَكَّنُ ، قَالَ « كَانَتْ تَبْكِى عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا » ، ومن دلائل استجابة هذه الجمادات ، وتفاعلها مع المؤمن ، وحبها له أن سُمع تسبيح الحصى في أيديهم ، ففي المعجم الأوسط للطبراني (عن أبي ذر الغفاري قال : إني لشاهد عند النبي في حلقة وفي يده حصى فسبحن في يده وفينا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي فسمع تسبيحهن من في الحلقة ثم دفعهن النبي إلى أبى بكر فسبحن مع أبي بكر سمع تسبيحهن من في الحلقة ثم دفعهن إلى النبي فسبحن في يده ثم دفعهن النبي إلى عمر فسبحن في يده وسمع تسبيحهن من في الحلقة ثم دفعهن النبي إلى عثمان بن عفان فسبحن في يده ثم دفعهن إلينا فلم يسبحن مع أحد منا ) ، كما عدا الحجر بثوب موسى صلى الله عليه وسلم ، ليثبت لبني إسرائيل براءته عليه السلام مما نسب إليه ، ففي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلاً حَيِيًّا سِتِّيرًا ، لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ ، اسْتِحْيَاءً مِنْهُ ، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ ، فَقَالُوا مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ إِلاَّ مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ ، إِمَّا بَرَصٌ وَإِمَّا أُدْرَةٌ وَإِمَّا آفَةٌ . وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا لِمُوسَى فَخَلاَ يَوْمًا وَحْدَهُ فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى الْحَجَرِ ثُمَّ اغْتَسَلَ ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا ، وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ وَطَلَبَ الْحَجَرَ ، فَجَعَلَ يَقُولُ ثَوْبِي حَجَرُ ، ثَوْبِي حَجَرُ ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلإٍ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ ، فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ، وَأَبْرَأَهُ مِمَّا يَقُولُونَ ، وَقَامَ الْحَجَرُ فَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَلَبِسَهُ ، وَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ ، فَوَ اللَّهِ إِنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ) ، ومن دلائل استجابة هذه الجمادات ، وتفاعلها مع المؤمن ، وحبها له ، وتعاطفها معه ، أن حجرا بمكة كان يلقي السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الرسالة ، ففي صحيح مسلم : (عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَىَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لأَعْرِفُهُ الآنَ ». وهذه النباتات أيضا لها تفاعل مع المؤمنين ، كما سبق في الحديث السابق :(فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ ) رواه مسلم ،وأيضا ما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله قال : ( …. سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى نَزَلْنَا وَادِيًا أَفْيَحَ فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقْضِى حَاجَتَهُ فَاتَّبَعْتُهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَتِرُ بِهِ فَإِذَا شَجَرَتَانِ بِشَاطِئِ الْوَادِي فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى إِحْدَاهُمَا فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ « انْقَادِي عَلَىَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ». فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ الَّذِى يُصَانِعُ قَائِدَهُ حَتَّى أَتَى الشَّجَرَةَ الأُخْرَى فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ « انْقَادِي عَلَىَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ». فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصَفِ مِمَّا بَيْنَهُمَا لأَمَ بَيْنَهُمَا – يَعْنِى جَمَعَهُمَا – فَقَالَ « الْتَئِمَا عَلَىَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ». فَالْتَأَمَتَا ، قَالَ جَابِرٌ فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ مَخَافَةَ أَنْ يُحِسَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِقُرْبِى فَيَبْتَعِدَ – وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ فَيَتَبَعَّدَ – فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِى فَحَانَتْ مِنِّى لَفْتَةٌ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُقْبِلاً وَإِذَا الشَّجَرَتَانِ قَدِ افْتَرَقَتَا فَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى سَاقٍ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَفَ وَقْفَةً فَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا – وَأَشَارَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ بِرَأْسِهِ يَمِينًا وَشِمَالاً …) ، أخي في الاسلام : وإن كانت هذه الجمادات التي تفاعلت مع المؤمنين هي ممن وُجد على الأرض ، فهناك أيضا مخلوقات في السماء تتعاطف مع المؤمنين ، ففي صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : (سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية علاقة المؤمن بالكائنات حوله ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن لهذه الكائنات من حولنا أحوالا وأقوالا، وتسبيحا وتنزيها، وعاطفة : من حب وكراهية ، وهي تتفاعل مع المؤمنين ، قال سبحانه وتعالى – في قصة سيدنا داود: ﴿ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ ﴾ ص 18 ،وقال تعالى : ﴿ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ﴾ [سبأ: 10]، وقال تعالى : ﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ﴾ [الأنبياء: 79]. فهذه الآيات تدلُّ على أن الجبال تسبِّح، هكذا بصريح الآية ودون تأويل أو تفسير، ويقول – تعالى – في بني إسرائيل الذين زعموا أن المسيح ابن الله: ﴿ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ﴾ [مريم: 90، 91]. فتأمَّل أخي المؤمن هذه الآية، سماء تتفطر وتنقطع أسفًا، وأرض تتشقَّق وتتقلَّص وتتذلل خجلاً، وجبال تخرُّ وتتصدَّع، والإنسان لا يبالي، فهل شعرَتِ الجبالُ بضلال بني الإنسان؟ وكيف علمتْ؟ ويقول – تعالى – في آية جامعة شاملة: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ﴾ [الحج: 18]. لقد تكلَّمت الآية عن سبع عوالم ساجدة لله – تعالى – طوعًا أو كرهًا، أربعة من هذه العوالم من الجمادات على سبيل الرمز، والخامسة من النبات، والسادسة من الحيوان، والسابعة والأخيرة من عالم الإنس، كلُّ هذه العوالم الساجدة من عالم الشهادة، أمَّا المخلوقات الساجدة لجلال الله – سبحانه – من عالم الغيب في السموات والأرض، فالله أعلم بهم، والآية أشارت إليها فقط ضمنًا. فكلُّ من حولنا مخلوقات ساجدة، الشمس بنورها، والقمر بنوره، والنجوم في ارتفاعها، كلها ساجدة، ثم الجبال كذلك والشجر والدواب، نراها أمامنا ولا نشعر بشيء إلا إذا تعلَّمنا شيئًا من علاَّم الغيوب، ومهما نتعلَّم فلا ولن نحيط بشيء من علمه إلا بما شاء – سبحانه ، وإذا كان سجودنا نحن بني البشر هو أن نضع جباهنا ووجوهنا على الأرض؛ تعظيمًا وإجلالاً لله – سبحانه – فكيف تسجد هذه المخلوقات؟ ، قال سبحانه : ( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) الاسراء 44، وفي بدء الخليقة حينما عرض الله – سبحانه وتعالى – الأمانة على السموات والأرض والجبال، وأشفقن من حملها، أدركتِ الجبال ما لم يدركْه الإنسان من صعوبة حمل الأمانة، فهل هي أعقل منَّا نحن؟ إذًا لم يبقَ لنا إلا أن نخشع لربنا ونسبح بحمده، ولا نؤذي مَن حولنا من مخلوقات، نسجد لله ونردِّد قوله – تعالى -: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]. وكلَّما كانت الزيادة طلبنا المزيد، وكلما ازددنا علمًا علينا أن نزداد تواضعًا وإيمانًا بالله، وكلَّما استعرضنا علومنا يجب علينا أن نتذكَّر قوله – تعالى -: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [الإسراء : 85]. وهكذا يجب علينا أن نتدبَّر الكائنات من حولنا؛ لنزداد إيمانًا، فكلُّ الأشياء تنطق بلسان حالها ما نفهمه، وتنطق بلسان مقالها ما لا نفهمه ، قال الله تعالى : ﴿ وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴾ [الذاريات: 20].
الدعاء