خطبة عن قوله تعالى ( يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ)
أغسطس 5, 2017خطبة عن قوله تعالى ( لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ)
أغسطس 5, 2017الخطبة الأولى ( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : ( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (40) فصلت
إخوة الإسلام
لقد اختلف أهل التأويل في المراد بالإلحاد في الآية السابقة ، فقال بعضهم : أريد به معارضة المشركين القرآن باللغط والصفير استهزاء به . وعن قتادة قال: (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا) أي يكذبون في آياتنا . وعن السدي : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا) قال : يشاقون ويعاندون . وقال ابن زيد: (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا) قال : هؤلاء أهل الشرك ، وقال آخرون : أريد به الخبر عن تبديلهم معاني كتاب الله . فعن ابن عباس قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا) قال : هو أن يوضع الكلام على غير موضعه . وكل هذه الأقوال التي ذُكرت هي متقاربة المعاني ، وذلك لأن اللحد والإلحاد : هو الميل ، وقد يكون ميلا عن آيات الله ، وعدولا عنها بالتكذيب بها ، ويكون بالاستهزاء مكاء وتصدية ، ويكون مفارقة لها وعنادا ، ويكون تحريفا لها وتغييرا لمعانيها . فالإلحاد في آيات الله: يشمل الميل بها عن الصواب، بأي وجه كان: إما بإنكارها وجحودها، وتكذيب من جاء بها، وإما بتحريفها وتصريفها عن معناها الحقيقي، وإثبات معان لها، ما أرادها الله منها. وفي التفسير الميسر : إن الذين يميلون عن الحق، فيكفرون بالقرآن ويحرفونه، لا يَخْفَون علينا، بل نحن مُطَّلعون عليهم. أفهذا الملحد في آيات الله الذي يُلقى في النار خير، أم الذي يأتي يوم القيامة آمنًا من عذاب الله، مستحقًا لثوابه؛ لإيمانه به وتصديقه بآياته؟ فاعملوا- أيها الملحدون- ما شئتم، فإن الله تعالى بأعمالكم بصير، لا يخفى عليه شيء منها، وسيجازيكم على ذلك. وفي هذا وعيد وتهديد لهم.
أيها المسلمون
وآيات الله عز وجل تنقسم إلى قسمين: آيات كونية، وآيات شرعية: فالآيات الكونية: هي ما يتعلق بالخلق والتكوين، مثال ذلك قوله تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [فصلت: 37] ، وقوله تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) [الروم: 20] ، وقوله تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (23) وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) [الروم: 22-25]، فهذه الآيات كونية وإن شئت، فقل: كونية قدرية، وكانت آية من آيات لله، لأنه لا يستطيع الخلق أن يفعلوها، فمثلاً: لا يستطيع أحد أن يخلق مثل الشمس والقمر، ولا يستطيع أن يأتي بالليل إذا جاء النهار، ولا بالنهار إذا جاء الليل، فهذه من الآيات كونية. والإلحاد فيها يكون : بأن ينسبها إلى غير الله استقلالاً أو مشاركة أو إعانة، فيقول مثلا : هذا من الولي الفلاني، أو: من النبي الفلاني، أو: شارك فيه النبي الفلاني أو الولي الفلاني، أو: أعان الله فيه، قال الله تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِير) [سبأ: 22]،فنفى الله تعالى كل شيء يتعلق به المشركون بكون معبوداتهم لا تملك شيئاً في السماوات والأرض استقلالاً أو مشاركة ولا معينة لله عز وجل، ثم جاء بقوله تعالى : ( وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَه) [سبأ: 23]، فلما كان المشركون قد يقولون: نعم، هذه الأصنام لا تملك ولا تشارك ولم تعاون، ولكنها شفعاء، قال الله تعالى ( وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَه ) [سبأ: 23]، فقطع كل سبب يتعلق به المشركون. أما القسم الثاني من الآيات: فهي الآيات الشرعية: وهي ما جاءت به الرسل من الوحي، كالقرآن العظيم وهو آية، لقوله تعالى: ( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) [البقرة: 252] ،وقوله تعالى : (وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) العنكبوت (50) ،وقال تعالى معقبا على قولهم هذا :(أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِم )العنكبوت-51 فجعله الله آيات.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ويكون الإلحاد في الآيات الشرعية: إما بتكذيبها أو تحريفها أو مخالفتها: فتكذيبها:أن يقول: ليست من عند الله، فيكذب بها أصلاً، أو يكذب بما جاء فيها من الخبر مع تصديقه بالأصل، فيقول مثلاً: قصة أصحاب الكهف ليست صحيحة، وقصة أصحاب الفيل ليست صحيحة والله لم يرسل عليهم طيراً أبابيل. وأما الالحاد بالتحريف، فيكون بتغيير لفظها، أو صرف معناها عما أراد الله بها ورسوله، مثل أن يقول: استوى على العرش، أي: استولى،أو: ينزل إلى السماء الدنيا، أي: ينزل أمره. – وأما بمخالفتها، فبترك الأوامر أو فعل النواهي. فقد قال الله تعالى في المسجد الحرام: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) [الحج: 25]، فكل المعاصي إلحاد في الآيات الشرعية، لأنه خروج بها عما يجب لها، إذ الواجب علينا أن نتمثل الأوامر وأن نجتنب النواهي، فإن لم نقم بذلك، فهذا إلحاد.فعندما قال ربنا عزَّ وجل: ﴿ لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ﴾ (آل عمران: 130 ) ، فالمقيم على الربا يؤوِّل هذه الآية على غير ما يريد الله سبحانه وتعالى، ويقول: أنا لا آكل الربا أضعافاً مضاعفة، أنا آكله بنسبٍ قليلة، فهذا تأويلٌ لا يرضي الله، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ﴾ البقرة (279) ،ومن الإلحاد الطَعْنُ في الآيات، أو عدم قبولها، أو الاستخفاف بها، أو السخرية منها، أو عدم قبول ما تدل عليه، تقول له مثلا : هذا الزلزال دليل على قدرة الله عزَّ وجل، ودليل على أن الله يعاقب هؤلاء الذين ابتلاهم به، فيقول لك: هذه حركة القشرة الأرضيَّة لا تعني أكثر من ذلك، فمن الإلحاد في الآيات الطعن فيها، أو الاستخفاف بها، أو السخرية منها، أو عدم قبول ما تدل عليه، أو تأويل الآيات تأويلاً على خلاف ما هي عليه، أو تزويرها، أو اللغو فيها، وإذا علمتَ أيها المؤمن أن الله يعلم فلابد أن تستقيم: فإن الله سبحانه وتعالى يعلم السرَّ والجهر ، أي أن الإنسان حينما يعلم أن الله يعلم سره وجهره فقد حُلَّت مشكلته مع الله، لأنه إذا أيقن أن الله يعلم فلابدَّ من أن يستقيم على أمر الله، فربنا عزَّ وجل يقول: ﴿ لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ﴾ ، فالله مطلعٌ عليك، مطلعٌ على ظاهرك وعلى باطنك، وعلى سرِّك وعلانيَّتك، وعلى خلوتك وجلوتك، ولمجرَّد أنك موقنٌ أن الله مطلعٌ عليك فلابدَّ من أن تلتزم أمره، وأن تبتعد عما نهى عنه
الدعاء