خطبة عن الصحابي ( سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ )
سبتمبر 2, 2017خطبة عن حديث ( اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا )
سبتمبر 2, 2017الخطبة الأولى (وَاللهُ يَعلَمُ وَأنتُمْ لا تَعلَمُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (216) البقرة
إخوة الإسلام
(وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) ، فما أجملَ أنْ يضع المسلم ذلك نصب عينيه عندما يواجهه أمراً يكرهه، فأنتَ لا تدري أين الخير هل هو فيما تحب أو فيما تكره، فلا تنظر إلى ظاهر الأمور وتغفل عمَّا تنطوي عليه من الحِكَم والفوائد. لأن (اللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) ،ولَنا في قصة الخَضِر مع موسى عليهما السلام عبرةٌ، فانظر كيف كان الخضر يعمل أعمالاً يحسبها موسى عليه الصلاة والسلام شراً فيكلمه فيها، ثم بعد أن يبيِّن له حقيقة الأمر وملابسات الموقف عرف أنَّ ما فعله الخضر هو الخير والصواب؛ وهكذا في حياتك حينما تُفَاجأ بما لا تحب وما لا تريد تذكَّر قصة الخضر مع موسى عليهما السلام، واعلم أن الله أعلم بما يصلحك وهو أحكم الحاكمين، وتذكر في حياتك كم هي الأمور التي كنت تحسبها شراً ثم تبين لك أنها خير ومصلحة لك. وها هو نبيُّ الله يوسف عليه الصلاة والسلام، كاد له إخوته كيداً وأرادوا أن يخفضوا من شأنه ومكانته، فجَعَلَ اللهُ كيدَهم رِفْعَةً ليوسف عليه السلام وجعله عزيز مصر، فإرادة الله غالبة وهي فوق إرادة الكل، وصَدَقَ الله إذ يقول : (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً) النساء 19. فلا مكان في الوجود للمصادفة العمياء، فكل ما يحصل فهو بإرادة الله وحكمته وتقديره، قال سبحانه: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) القمر 49، وقال تعالى : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) الفرقان 2، فكل أمر له حكمة. ولكن هذه الحكمة قد تغيب عن الناس ولا يدركونها. (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة:216].وفي قصة إلقاء أم موسى لولدها في البحر: فأنت – إذا تأملتَ – وجدتَ أنه لا أكره لأم موسى من وقوع ابنها بيد آل فرعون، ومع ذلك ظهرت عواقبه الحميدة، وآثاره الطيبة في مستقبل الأيام، وصدق ربنا: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216]. (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) ومن أجل هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الكرام رضوان الله عليهم الاستخارة في الأمور كما يعلمهم السورة من القرآن، ففي صحيح البخاري :(قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّلَمِىُّ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الاِسْتِخَارَةَ فِى الأُمُورِ كُلِّهَا ، كَمَا يُعَلِّمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُولُ « إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ ، وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ هَذَا الأَمْرَ – ثُمَّ تُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ – خَيْرًا لِي فِي عَاجِلِ أَمْرِى وَآجِلِهِ – قَالَ أَوْ فِى دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِى – فَاقْدُرْهُ لِي ، وَيَسِّرْهُ لِي ، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ ، اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِى – أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِى وَآجِلِهِ – فَاصْرِفْنِي عَنْهُ ، وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ » نعم (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) ، ففي مسند أحمد (عَنْ ثَعْلَبَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَساً يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « عَجِبْتُ لِلْمُؤْمِنِ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَقْضِ لَهُ قَضَاءً إِلاَّ كَانَ خَيْراً لَهُ » فالإنسان وهو يعيش في هذه الدنيا، ومع كثرة المشاغل وتعقيدات الحياة ومتطلباتها، قد يغفل عن هذه الأمور، إلا أنه لا بد له من وقفة مع نفسه، يراجع أموره وشؤونه وأحواله، ويستشعر نعم الله عليه في المنع أو في العطاء، في النقص أو الزيادة، في التأخر أو التعجيل، إنها نعمة يغفل عنها الكثير، بل وربما ظنها البعض نقمة لقصور نظره ومحدودية علمه، وهذا الأمر كما هو متحقق في الأفراد فهو متحقق في الأمة المختارة التي اصطفاها الله عز وجل، (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) … (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) فهذا ثمامة بن أثال – رضي الله عنه – يقع أسيرًا بيد النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه فيَمكث في أسره ثلاث ليال هي خير ليال كانت سبب إسلامه، فكان أسرُه خيرًا له، وهذه المرأة السوداء التي قصَّ لنا البخاري قصتها يوم اتَّهمها قومها بالسرقة فخرجَت مُهاجِرة لتدخل المدينة فترى النبي – صلى الله عليه وسلم – فتُسلم على يدَيه، فكانت تلك المظلمة لهذه المسكينة سببا في دخولها الإسلام. وهذا رجل في بادية في يوم واحد مات حمارُه وكلبُه وديكه، فضاق أهل البيت مما أصابهم، وفي تلك الليلة غزاهم قوم فأخذوا يَستدلون على الخيام بنهيق الحمير ونباح الكلب وصراخ الديك، فأحرقوا كل خيام القرية، إلا خيمة الرجل المسكين، فكان الأمر خيرًا (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) فهذا رسولك محمد- صلى الله عليه وسلم – ذهب ليَعتمر فتعترضه قريش بصُلحِ الحديبية، فلم تَحصل لهم العمرة وضاق بعض الصحابة بهذا الصلح، فكان خيرًا لهم، فسمَّاه الله فتحًا فقال – عز وجل -: ﴿ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 27] (فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا) ، فما أجملَها من عبارة، وما ألطفَه من تقدير!
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (وَاللهُ يَعلَمُ وَأنتُمْ لا تَعلَمُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وتأمّل في أمر يعقوب – عليه السلام – يوم أن خاف على يوسف أن يأكله الذئب؛ ﴿ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴾ [يوسف: 13]، فقد يوسف وفقَد بصره، ولكنه يوم أن فوَّض أمره إلى الله فقال: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ﴾ [يوسف: 83] عاد له يوسف وعاد له بصره.
أيها المسلم
فوِّض أمرك إلى الله في كل ما يَجري حولك، فكل شيء يسير وَفْقَ تقديره – عز وجل – وهو يعلم ونحن لا نعلم، وكن على يقين بأن الله لا يُقدِّر إلا خيرًا، وأن تقديره – عز وجل – لا يَخرج عن أمرين اثنين، إما فضله وإما عدله، وكفى بالله وليًّا وكفى بالله نصيرًا، فما على المؤمن إلا أنْ يأخذ بالأسباب ثم يطمئن إلى حكمة الله وعدله ورحمته، قال تعالى : (وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة 268. وقال تعالى : (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (216) البقرة
الدعاء