خطبة عن قوله تعالى ( لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)
سبتمبر 9, 2017خطبة عن حديث ( أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ)
سبتمبر 9, 2017الخطبة الأولى ( مع الصحابي : (عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]، وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً ،واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ،نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ، وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ،واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل ، إنه الصحابي : (عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ) ، أما عن نسبه : فهو عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ ويكنى (أَبَا السائب) ، وأمه سخيلة بِنْت العنبس بْن وهبان بْن وهب بن حذافة بن جمح. وكان لعثمان من الولد عَبْد الرَّحْمَن والسائب وأمهما خَوْلَةُ بِنْت حَكِيمِ بْن أُمَيَّةَ بْن حَارِثَةَ بْن الأوقص السلمية . وكَانَ عُثْمَانُ شَدِيدَ الأُدْمَةِ لَيْسَ بِالْقَصِيرِ وَلا بِالطَّوِيلِ. كَبِيرَ اللِّحْيَةِ عَرِيضَهَا. وهو أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة ، وعثمان بن مظعون هو أحد من حرم الخمر في الجاهلية وقال: لا أشرب شرابًا يذهب عقلي ويضحك بي من هو أدنى مني ويحملني على أن أنكح كريمتي ، أما عن قصة إسلامه: فقد أسلم عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ أبو السائب بعد ثلاثة عشر رجلا ، وقيل انطلق عثمان بن مظعون، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الرحمن بن عوف, وأبو سلمة بن عبد الأسد، وأبو عبيدة بن الجراح، حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعَرَض عليهم الإسلام، وأنبأهم بشرائعه، فأسلموا جميعًا في ساعةٍ واحدةٍ، وذلك قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وقبل أن يدعو فيها, وقيل في اسلامه أيضا: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِفِنَاءِ بَيْتِهِ بِمَكَّةَ جَالِسًا إِذْ مَرَّ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ. فَكَشَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى الله عليه وسلم – فقال له رسول الله. ص: أَلا تَجْلِسُ؟ قَالَ: بَلَى. فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مُسْتَقْبِلَهُ. فَبَيْنَمَا هُوَ يُحَدِّثُهُ إِذْ شَخَصَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَنَظَرَ سَاعَةً إِلَى السَّمَاءِ. فَأَخَذَ يَضَعُ بَصَرَهُ حَتَّى وَضَعَهُ عَلَى يَمِينِهِ فِي الأَرْضِ. فَتَحَرَّفَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَنْ جَلِيسِهِ عُثْمَانَ إِلَى حَيْثُ وَضَعَ بَصَرَهُ. فَأَخَذَ يُنْغِضُ رَأْسَهُ كَأَنَّهُ يَسْتَفْقِهُ مَا يُقَالُ لَهُ. وَابْنُ مَظْعُونٍ يَنْظُرُ. فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ وَاسْتَفْقَهُ مَا يُقَالُ لَهُ. وَشَخَصَ بَصَرُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى السَّمَاءِ كَمَا شَخَصَ أَوَّلَ مَرَّةٍ. فَأَتْبَعَهُ بَصَرَهُ حَتَّى تَوَارَى فِي السَّمَاءِ. فَأَقْبَلَ عَلَى عُثْمَانَ بِجِلْسَتِهِ الأُولَى. فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا مُحَمَّدُ فِيمَا كُنْتُ أُجَالِسُكَ وَآتِيكَ مَا رَأَيْتُكَ تَفْعَلُ كَفِعْلِكَ الْغَدَاةَ. قَالَ: وَمَا رَأَيْتَنِي فَعَلْتُ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ تَشْخَصُ بَصَرَكَ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ وَضَعْتَهُ عَلَى يَمِينِكَ فَتَحَرَّفْتَ إِلَيْهِ وَتَرَكْتَنِي. فَأَخَذْتَ تُنْغِضُ رَأْسَكَ كَأَنَّكَ تَسْتَفْقِهُ شَيْئًا يُقَالُ لَكَ. قَالَ: أَوَفَطِنْتَ لِذَاكَ؟ قَالَ عُثْمَانُ: نعم. قال: فقال رسول الله. صلى الله عليه وسلم: أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ آنِفًا وَأَنْتَ جَالِسٌ. قُلْتُ: رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. قَالَ عُثْمَانُ: فَذَلِكَ حِينَ اسْتَقَرَّ الإِيمَانَ فِي قَلْبِي وَأَحْبَبْتُ مُحَمَّدًا] . هكذا كان الاسلام يتسرّب ضوؤه الباكر االنديّ من قلب الرسول صلى الله عليه وسلم. إلى قلوب أصحابه.. وكان عثمان بن مظعون هناك، وحدا من القلة التي سارعت الى الله ،وآمنت والتفت حول رسوله في الأيام الأولى من الاسلام فكان من السابقين .. وهاجر عثمان الهجرة الأولى إلى الحبشة في السنة الخامسة للبعثة.
أيها المسلمون
وبينما المهاجرون في دار هجرتهم يعبدون الله، ويتدارسون ما معهم من القرآن، إذِ الأنباءُ تواتيهم أنَّ قريشًا أَسْلَمَتْ، وسجدت مع الرسول لله الواحد القهار. هنالك حمل المهاجرون أمْتِعَتَهُم وطاروا إلى مَكَّة تَسْبِقُهم أشواقُهم، ويحدوهم حنينهم. بَيْدَ أنَّهم ما كادوا يقتربون من مشارِفِها حتَّى تبيَّنوا كذب الخبر الذي بلغهم عن إسلام قريش، فرأوا أنهم قد عجلوا، ولكن أنّى يذهبون وهذه مكة على مرمى البصر؟! وقد سمع مشركو مكة بمقدَم الصَّيد الذي طالما رَدُّوه ونصبوا شباكهم لاقتناصه. ويومئذٍ، كان الجوار تقليدًا من تقاليد العرب، فإذا دخل رجلٌ مُستَضْعَف جوار سيّد قرشي، أصبح في حمًى منيع. لم يظفَر بِالجوار إلاّ قليلٌ منهم، أمَّا عثمان بن مظعون فقد ظفِر بجوار الوليد بن المغيرة، ودخل مكة آمنًا مطمئنًا. ولكن .. ! لمَّا رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من البلاء، وهو يغدو ويروح في أمان الوليد بن المغيرة، قال: والله إن غدوّي ورواحي آمنًا بجوار رجل من أهل الشرك، وأصحابي وأهل ديني يَلْقَوْنَ من البلاء والأذى ما لا يُصيبُني – لنقص كبير في نفسي. فمشَى إلى الوليد بن المغيرة فقال له: يا أبا عبد شمس وَفَتْ ذِمَّتك، وقد ردَدْتُ إليك جوارك. فقال له: لم يا ابن أخي؟ لعله آذاكَ أحدٌ من قومي؟ قال: لا، ولكني أرضى بجوار الله، ولا أريد أن أستجير بغيره. فانطلِقْ إلى المسجِدْ فارْدُدْ عَلَيَّ جِواري علانيةً. فانطلقا حتَّى أتيا المسجد، فقال الوليد: هذا عثمانُ قد جاء يردُّ عليَّ جواري. قال عثمان: صدق، ولقد وجدتُه وفيًّا كريمَ الجوار، ولكنني أحبَبْتُ ألاّ أستجيرَ بِغَيْرِ الله. ثُم انصرف عثمان – ولبيد بن ربيعة في مجلس من مجالس قريش ينشدهم – فجلس معهم عثمان فقال لبيد: أَلا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلا اللَّهَ بَاطِلُ ، فقال عثمان: صدقت. قال لبيد: وَكُلُّ نَعِيمٍ لا مَحَالَةَ زَائِلُ ، فقال عثمان: كذبت؛ نعيم الجنة لا يزول. فقال لبيد: يا معشر قريش، واللهِ ما كان يؤذَى جليسُكم، فمتى حدث هذا فيكم؟ فقال رجلٌ مِنَ القَوْمِ: إن هذا سفيهٌ فارَقَ دِينَنَا، فلا تجِدَنّ في نفسك من قوله. فردَّ عليه عثمان بن مظعون حتى سرى أمرهما. فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فأصابها، والوليد بن المغيرة قريب، يرى ما يحدث لعثمان، فقال: أما والله يا بن أخي إن كانت عينك عمّا أصابها لغنيّة، لقد كانت في ذمة منيعة. فقال عثمان: بل – والله – إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله.. وإني لفي جوار مَنْ هو أَعَزُّ منك وأقدرُ يا أبا عبد شمس! فقال له الوليد: هلمَّ يا ابن أخي، إن شِئْتَ فَعُدْ إلى جواري. قال ابن مظعون: لا. وغادر ابن مظعون هذا المشهد وعينه تضجّ بالألم، ولكنَّ روحه تتفجر عافية، وصلابة، وهو ينشد:
فَإِنْ تَكُ عَيْنِي فِي رِضَا اللَّهِ نَالَهَا يَدَا مُلْحِدٍ فِي الدِّينِ لَيْسَ بِمُهْتَدِي
فَقَدْ عَوَّضَ الرَّحْمَنُ مِنْهَا ثَوَابَهُ وَمَنْ يَرْضَهُ الرَّحْمَنُ يَا قَوْمِ يَسْعَدِ
فَإِنِّي وَإِنْ قُلْتُمْ غَوِيٌّ مُضَلَّلٌ لأَحْيَا عَلَى دِينِ الرَّسُولِ مُحَمَّدِ
أُرِيدُ بِذَاكَ اللَّهَ وَالْحَقُّ دِينُنَا عَلَى رَغْمِ مَنْ يَبْغِي عَلَيْنَا وَيَعْتَدِي
وَيُهَاجِرُ عُثْمَانُ إِلَى الْمَدِينَةِ، حَيْثُ لا يُؤَرِّقُهُ أَبُو جَهْلٍ هُنَاكَ، وَلا أَبُو لَهَبٍ. وَلا أُمَيَّةُ. وَلا عُتْبَةُ ، وَفِي دَارِ الْهِجْرَةِ الْمُنَوَّرَةِ، يَتكشفّ جوهر عثمان بن مظعون وتستبين حقيقته العظيمة الفريدة، فإذا هو العابد، الزاهد، المتبتل، الأوّاب، وإذا هو الراهب الجليل، الذكي الذي لا يأوي إلى صومعة يعتزل فيها الحياة؛ بل يملأ الحياة بعمله، وبجهاده في سبيل الله. أجل إنه راهب الليل فارس النهار، بل راهب الليل والنهار، وفارسهما معًا! قال سعد بن أبي وقاص: رد رسول الله صلى الله عليه وسلم التبتل على عثمان بن مظعون ولو أذن له لاختصينا. فكان عابدًا مجتهدًا من فضلاء الصحابة وقد كان هو وعلي بن أبي طالب وأبو ذر رضي الله عنهم قد همّوا أن يختصوا ويتبتلوا, فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. ونزلت فيهم ، قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93]. وأتى عثمان بن مظعون يوما النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنّي لا أحبّ أن ترى امرأتي عورتي, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ولِمَ؟”, قال: أستحيي من ذلك وأكرهه, قال صلى الله عليه وسلم: “إنّ الله جعلها لك لباسًا، وجعلك لها لباسًا، وأهلي يرون عورتي، وأنا أرى ذلك منهم”, قال: أنت تفعل ذلك يا رسول الله؟ قال: “نعم”, قال: فمن بعدك, فلمّا أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إنّ ابن مظعون لَحَييٌّ سِتّيرٌ”. وما ان ذاق حلاوة الاستغراق في العبادة حتى همّ بتقطيع كل الأسباب التي تربط الناس بمناعم الحياة.. فمضى لا يلبس الا الملبس الخشن، ولا يأكل الا الطعام الجشب.. وفي سنن الترمذي أن (عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ يَقُولُ إِنَّا لَجُلُوسٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى الْمَسْجِدِ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ مَا عَلَيْهِ إِلاَّ بُرْدَةٌ لَهُ مَرْقُوعَةٌ بِفَرْوٍ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَكَى لِلَّذِي كَانَ فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ وَالَّذِى هُوَ الْيَوْمَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَيْفَ بِكُمْ إِذَا غَدَا أَحَدُكُمْ فِي حُلَّةٍ وَرَاحَ فِي حُلَّةٍ وَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ صَحْفَةٌ وَرُفِعَتْ أُخْرَى وَسَتَرْتُمْ بُيُوتَكُمْ كَمَا تُسْتَرُ الْكَعْبَةُ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مِنَّا الْيَوْمَ نَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ وَنُكْفَى الْمُؤْنَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لأَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْكُمْ يَوْمَئِذٍ ». وكان بديهيا، وابن مظعون يسمع هذا، أن يزداد اقبالا على الشظف وهربا من النعيم.. ففي مسند الامام أحمد: (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ دَخَلَتْ عَلَىَّ خُوَيْلَةُ بِنْتُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الأَوْقَصِ السُّلَمِيَّةُ وَكَانَتْ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ قَالَتْ فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ بَذَاذَةَ هَيْئَتِهَا فَقَالَ لِي « يَا عَائِشَةُ مَا أَبَذَّ هَيْئَةَ خُوَيْلَةَ ». قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ امْرَأَةٌ لاَ زَوْجَ لَهَا يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ فَهِيَ كَمَنْ لاَ زَوْجَ لَهَا فَتَرَكَتْ نَفْسَهَا وَأَضَاعَتْهَا – قَالَتْ – فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَجَاءَهُ فَقَالَ « يَا عُثْمَانُ أَرَغْبَةً عَنْ سُنَّتِي ». قَالَ فَقَالَ لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنْ سُنَّتَكَ أَطْلُبُ. قَالَ « فَإِنِّى أَنَامُ وَأُصَلِّى وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَنْكِحُ النِّسَاءَ فَاتَّقِ اللَّهَ يَا عُثْمَانُ فَإِنَّ لأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَصُمْ وَأَفْطِرْ وَصَلِّ وَنَمْ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع الصحابي : ( عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد أيها المسلمون
ومن بعض كلماته: قال عثمان بن مظعون يعاتب أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح، وهو ابن عمه وكان يؤذيه في إسلامه وكان أمية شريفًا في قومه في زمانه ذلك:
أتيم بن عمرو للذي جاء بغضة *** ومن دونه الشرمان والبرك أكـتع
أأخرجتني من بطن مكة آمنا *** وأسكنتني في صرح بـيضاء تقـذع
تريش نبالا لا يواتيك ريشها *** وتبـرى نـبالا ريشها لـك أجمع
وحـاربت أقواما كراما أعزة *** وأهلكت أقواما بهم كنـت تفزع
ستعلم إن نابتـك يوما ملمة *** وأسلمك الأوباش ما كـنت تصنع
أيها المسلمون
ونأتي إلى الخاتمة إلى الوفاة: فمما جاء في وفاة عثمان بن مظعون ما رواه البخاري في صحيحه : (أَنَّ أُمَّ الْعَلاَءِ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِمْ قَدْ بَايَعَتِ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ طَارَ لَهُ سَهْمُهُ فِي السُّكْنَى حِينَ أَقْرَعَتِ الأَنْصَارُ سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ . قَالَتْ أُمُّ الْعَلاَءِ فَسَكَنَ عِنْدَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ ، فَاشْتَكَى ، فَمَرَّضْنَاهُ حَتَّى إِذَا تُوُفِّىَ وَجَعَلْنَاهُ فِي ثِيَابِهِ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقُلْتُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ . فَقَالَ لِي النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ » . فَقُلْتُ لاَ أَدْرِى بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « أَمَّا عُثْمَانُ فَقَدْ جَاءَهُ – وَاللَّهِ – الْيَقِينُ وَإِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِى وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي » . قَالَتْ فَوَاللَّهِ لاَ أُزَكِّى أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا ، وَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ قَالَتْ فَنِمْتُ فَأُرِيتُ لِعُثْمَانَ عَيْنًا تَجْرِى ، فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ « ذَلِكَ عَمَلُهُ » ، وفي سنن الترمذي : (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَبَّلَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَهُوَ مَيِّتٌ وَهُوَ يَبْكِى. أَوْ قَالَ عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ). وفي موطإ الإمام مالك : (عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِى النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَمُرَّ بِجَنَازَتِهِ : « ذَهَبْتَ وَلَمْ تَلَبَّسْ مِنْهَا بِشَيْءٍ ». وتوفي رضي الله عنه في شعبان سنة ثلاث ،وكان أول من دفن ببقيع الغرقد ،يقول عبيد الله بن أبي رافع قال: أول من دفن ببقيع الغرقد عثمان بن مظعون، وفي سنن البيهقي : (عَنِ الْمُطَّلِبِ قَالَ : لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ أُخْرِجَ بِجَنَازَتِهِ فَدُفِنَ أَمَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاً أَنْ يَأْتِيَهُ بِحَجَرٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَمْلَهُ فَقَامَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ قَالَ كَثِيرٌ قَالَ الْمُطَّلِبُ قَالَ الَّذِى يُخْبِرُنِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ ذِرَاعَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ حَسَرَ عَنْهَا ، ثُمَّ حَمَلَهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَقَالَ : « لِيُعْلَمَ بِهَا قَبْرُ أَخِي وَأَدْفِنَ إِلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي ».
الدعاء