خطبة عن قوله تعالى ( مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ )
سبتمبر 23, 2017خطبة عن حديث (إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا)
سبتمبر 23, 2017الخطبة الأولى (قصة مُؤْمِن آلِ فِرْعَوْنَ دروس وعبر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27) وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (26) :(33) غافر
إخوة الإسلام
بعد أن استمعنا إلى هذه الآيات المباركات ، والتي يبين لنا فيها الحق تبارك وتعالى صلف فرعون وغروره ، فقد وقف هذا الطاغية متكبرا وهو يقول: (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) [غافر: 26]، إنها لجرأة شديدة، وتكبر، وغرور، وإساءة للأدب ،فقد نسي هذا الظالم ضعفه، ونسي من خلقه، ونسي من أوجد له اللسان الذي ينطق به، ونسي المعجزة التي رآها أمام عينيه، ثم يستهزئ بقومه في صورة الناصح، وهو يزين لهم الباطل، فقال لهم : (إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الفَسَادَ) [غافر: 26]. وفي هذا المجلس الفاسد الظالم ، والذي ضم رؤوس الكفر والضلال والطغيان ، (فرعون وملأه )، فقد ألهم الله رجلا من أهل الإيمان ليصدح بكلمة الحق ، ويدافع عن أهل الإيمان ، وينصر الله ورسوله ، وينطق بكلمة الحق أمام السلطان الجائر، وهكذا يقيض الله لدينه في كل زمان ومكان رجالا يدافعون عن الحق ، ولا يخشون في الله لومة لائم ،كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين واللفظ لمسلم (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِىَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ » ، وفي رواية لمسلم : « لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ – قَالَ – فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ -صلى الله عليه وسلم- فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا. فَيَقُولُ لاَ. إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ. تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الأُمَّةَ ». وكان رجل ذلك الزمان هو من أطلق عليه (مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ ) ، وقد ذكر الله قصته في كتابه العزيز ليكون لنا فيه قدوة وأسوة في الدعوة إلى الله ،وقول الحق ،وانكار المنكر ،فهذا الرجل المؤمن والذي يكتم إيمانه ،ها هو يتكلم مدافعا عن هذا النبي والرسول الكريم، موسى بن عمران عليه السلام، ومن الملاحظ أنه كان بليغا في عباراته ، متدرجا في طرح أفكاره ، فنراه قد أنكر أولا القول بالقتل، ونسبه للجميع،( أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا ) ولم يخص به فرعون، مع أن فرعون هو من هدد بالقتل؛( وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى) وذلك لعدم المواجهة المباشرة مع فرعون، ثم بين لهم سوء ما أسسوا عليه الرغبة في قتل موسى، فيقول: أتقتلونه لأنه يقول ربي الله؟!. قال تعالى: (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ الله) [غافر: 28]. يقول ابن كثير: (ولا أعظم من هذه الكلمة عند فرعون وهي قوله: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّـهُ} [غافر: 28]، وروى أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (أَلاَ لاَ يَمْنَعَنَّ رَجُلاً مَهَابَةُ النَّاسِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْحَقِّ إِذَا عَلِمَهُ أَلاَ إِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ »
أيها المسلمون
وبعد أن سرت الطمأنينة في نفس هذا الرجل المؤمن، فقد استمع القوم إليه، أخذ هذا الرجل المؤمن يتدرج في الاستدلال على بطلان دعواهم ، فقال (وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ )، ففي قوله (مِن رَّبِّكُمْ) إعلان بأن ما جاء به موسى هو الحق. وهكذا انطلق هذا الرجل من رحم الفساد والضلال؛ ليُعلي كلمة الحق، ويدافع عنها بكل ما أُوتي من فصاحة وبلاغة، وفَهمٍ دقيق وعميق للقضية التي يناضل من أجلها، لقد رسخ في قلب الرجل إيمانه ، والفهم العميق للواقع المحيط به ، وطبيعة المخاطبين بالدعوة إلى الحق،ويستمر هذا الرجل في مخاطبة القوم قائلا : (يَا قَوْمِ لَكُمُ المُلْكُ اليَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ الله إِن جَاءَنَا) [غافر: 29]، وهكذا يستنهض قومه معه في مواجهة فرعون، وهو يقدم الموعظة والنصيحة لكل الحضور، فهو يذكرهم بما هم فيه من النعم والملك، ثم يحذرهم من زوال الملك لقدرة الله على ذلك، وهو بذلك يهيج فيهم الفطرة التي لا ترضى ربا سوى الله، وتعمق بغير تصريح بأن خضوعهم لفرعون إذلال لأنفسهم، وبعدا عن الفطرة التي خلقوا عليها. ثم أخذ يذكرهم بأقوام كانوا قبلهم، لهم قوة وتكبروا، فتلك بيوتهم خاوية، ولقد كان تاريخ الأمم السابقة يتناقل جيلا بعد جيل، أو من خلال ما يبينه المرسلين لأقوامهم ، قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ) [غافر: 30-31]. وبعد أن انتهى من التذكير بحوادث الدنيا التي حدثت لغيرهم، أخذ ينذرهم عذاب الآخرة، فقال الله تعالى على لسانه 🙁 وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) غافر (32) ،(33) ، و(يَوْمَ التَّنَادِ) هو يوم القيامة ،ففي ذلك اليوم تنادي الملائكة على أهل الموقف، وينادي أصحاب الأعراف على أصحاب الجنة وأصحاب النار، وينادي أصحاب الجنة أصحاب النار، وأصحاب النار أصحاب الجنة، وهكذا يستمر هذا الرجل المؤمن في النصح، ولكنه في هذه الجولة يوقظ فيهم ما كان من عهد قريب ،حين جاءهم يوسف بالبينات فلم يصدقوه، وظلوا على شك مما جاء به من الدلائل الواضحة على صدقه، قال تعالى : (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ الله مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ) [غافر: 34]،
أيها المسلمون
ومن التلميح إلى التصريح ، ومن الاسرار إلى الإعلان ، فها هو الرجل المؤمن يعود مرة أخرى، ولكنه في هذه المرة يلقيها مدوية صريحة، فبعد الإرشاد والتلميح، وبعد الترغيب والترهيب، أخذ يدعوهم إلى ما آمن به مبينا حقيقة الدار الآخرة، وحقيقة دار الدنيا، وكاشفا عن ميزان الحساب، وموضحا أن الإيمان بالله هو أساس قبول الأعمال ودخول الجنة، يستوي في ذلك الذكر والأنثى، وأن الرزق فيها لا نهاية له ، قال تعالى : (وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) [غافر: 38-40].
ثم يوقظ فيهم الحس والضمير بأسلوب رقيق ، قائلا : (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِالله وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى العَزِيزِ الغَفَّارِ * لاَ جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلاَ فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى الله وَأَنَّ المُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ) [غافر: 41-43]. وفي نهاية حديثه وموعظته ودعوته إلى الحق ، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، فوض أمره لله ،فهو سبحانه من يملك هداية البشر ، وهو وحده من يصرف القلوب ،فقال الله تعالى على لسانه : { وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ. فَوَقَاهُ اللَّـهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} [غافر: 44 -45]، وفي هذا دليل واضح على أن التوكل الصادق على الله، وتفويض الأمور إليه سبب للحفظ والوقاية من كل سوء، وقد دلت هذه الآية الكريمة، على أن فرعون وقومه أرادوا أن يمكروا بهذا المؤمن الكريم وأن الله وقاه، أي حفظه ونجاه، من أضرار مكرهم وشدائده بسبب توكله على الله، وتفويضه أمره إليه. ولا تتركنا الآيات نفكر ماذا آل إليه كلا من الفريقين، ولكن القرآن يصرح بأن الله حفظ المؤمن من سيئات مكر آل فرعون، وحل بفرعون وآله أشد العذاب، قال تعالى: (فَوَقَاهُ الله سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ العَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُواًّ وَعَشِياًّ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ) [غافر: 45-46].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (قصة مُؤْمِن آلِ فِرْعَوْنَ دروس وعبر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن أهم الدروس والعبر المستفادة من هذه القصة : إنَّ هذا الرجل المؤمن لم يفسد فطرته قربه من الحاكم وصلته به، فلم يتأثر بذلك الطغيان الفرعوني، بل بقي إيمانه قوياً، يزداد يوماً بعد يوم، وهذا يعني أنَّ المؤمن الحق، لا يُنقص إيمانه كيد الكافرين، وظلم الظالمين. وأن هذا الرجل كان قويَّ الإيمان، راسخ الاعتقاد، صلباً ثابتاً، والدليل على ذلك، تقديمه الإيمان على متاع الدنيا الزائل، وعرض الحياة الرَّخيص، مقارنة بما عند الله تعالى. كما أظهر إيمان هذا الرجل، الاختراق الذي أصاب البيت الداخلي لفرعون، ففرعون رغم ادعائه بأنه الإله ولا إله غيره، إلا أنه لم يستطع أن يحمي أنصاره ومقربيه من أن يؤمنوا بتلك الدعوة، التي حاربها بشتى السبل، ليظهر عجز فرعون عن حماية من حوله، فيظهر هذا الرجل المؤمن، لتلحق به بعد ذلك زوجة فرعون نفسه. كما تبين هذه القصة: نجاح نبي الله موسى في دعوته، حيث استطاع الوصول إلى موقع متقدم، ليكسب أفراداً من طبقة قريبة من قادة الكفر، فجنَّد هؤلاء لصالح الدعوة، ليكونوا عوناً له ليتجنّب كيد فرعون ومكره. ومن الدروس المستفادة : أنَّ مؤمن آل فرعون، يدلِّل على أنَّ الدَّعوة لا تحتجب عن أناس دون أناس؛ لأنهم من عائلة معينة أو طبقة رفيعة. فالإيمان حينما يدخل في النفوس ويشع نوره في ظلمات الصدور والقلوب، فإنَّها تنشرح لما فيه من حقيقة وتصوّر، وتعلن ولاءها أولاً وأخيراً له ولخدمته والتضحية في سبيله. ومن الدروس المستفادة : أنَّ مؤمن آل فرعون – كما تصوّر الآيات- لم يكن فردا سلبياً، بل كان إيجابياً مبادراً، مؤثراً فاعلاً، باذلاً ما في وسعه لجلب المصالح للدعوة وحمايتها، وإقناع النَّاس بما تحمله هذه الدعوة الربانية المباركة، كما سيتم بيانه لاحقاً. كما أظهرت قصته فن التدرج في الحوار؛ حيث أن هذا المؤمن تدرج مع القوم في نصحهم وتعريفهم بما جاء به موسى عليه السلام، وهو في بداية الأمر كان مدافعا عن موسى، ساعيا لمنعهم من قتله، إلى أن كشف النقاب عن حقيقة ما في قلبه. ومن الدروس المستفادة : جواز كتمان الحق إذا خشي الإنسان على نفسه التهلكة؛ فإنه وهو كاتم إيمانه في أول الأمر ذكرت قصته على سبيل المدح، أما في شريعتنا فالدليل واضح في قوله تعالى: (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ) [النحل: 106]، وهي رخصة وإن كان قول الحق والصدع به أمام أعداء الله أولى؛ لما فيها من إظهار عزة الإسلام لمن يقوى على ذلك، ومن الدروس المستفادة : الكشف عن مدى الصلف والغرور والجهالة التي يعيش فيها أهل الكفر، والعناد الذي تنطوي عليه صدورهم رغم وضوح الأدلة والحجج والبراهين. ومن الدروس المستفادة : كشف النقاب عن كيف يستغل الحاكم الظالم شعبه، ويستغلهم لهواه والخضوع له، وعلى الدعاة التماس الطرق والسبل لتوضيح الأمر لمثل هؤلاء.
الدعاء