خطبة عن : ( رعاية العمال والخدم )
سبتمبر 30, 2017خطبة عن سبحانك ربي ما أرحمك (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)
سبتمبر 30, 2017الخطبة الأولى ( قصة قابيل وهابيل ..والدروس المستفادة منها )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ..ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام .. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة ،وأدى الأمانة ونصح للأمة ،وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ ءَادَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوأَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتي أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ } (27) : (31) المائدة
إخوة الإسلام
يقول الله تعالى في كتابه العزيز (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الاعراف 176، فالهدف والمقصود من القصص القرآني ، هو التفكر والاعتبار ، واستخلاص الدروس والعبر ، والاستفادة من نجاحات الآخرين أو اخفاقاتهم . واليوم إن شاء الله موعدنا مع قصة من قصص القرآن الكريم ، إنها قصة ابني آدم عليه السلام، تلك القصة التي جرت وقائعها مع بداية الوجود الإنساني على هذه الأرض، والتي انتهت أحداثها بقتل الأخ لأخيه، حسداً ، وطمعا ، وظلما ، وعدواناً. فعن ابن عباس وعن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . أنه كان لا يولد لآدم مولود إلا ولد معه جارية ، فكان يزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر ، ويزوج جارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر ، حتى ولد له ابنان يقال لهما : قابيل وهابيل . وكان قابيل صاحب زرع ، وكان هابيل صاحب ضرع . فلما قربا قرب هابيل جذعة سمينة , وقرب قابيل حزمة سنبل , فنزلت النار فأكلت قربان هابيل , وتركت قربان قابيل , فغضب وقال : لأ قتلنك . فقال هابيل : (قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) ( صححه الألباني ) فلما غضب قابيل، أتى أخاه فرفع صخرة فشدخ بها رأسه، وقيل خنقه خنقًا شديدًا. وهنا قال هابيل لقابيل: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوأَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ } (28) ،(29) المائدة، أي أنا أريد ترك مقاتلتك وإن كنت أشد منك واقوى فتتحملُ إثم قتلي مع ما لك من الآثام المتقدمة قبل ذلك. ولما قتل قابيل أخاه هابيل ندم على ذلك فضمه إليه حتى تغيرت رائحته، وعكفت عليه الطير والسباع تنتظر حتى يُرمي به فتأكله، وكره أن يأتي به آدم فيحزنه، ولم يزل يحمله حتى جاء غرابان فاقتتلا أمام قابيل فقتل أحدهما الآخر، فعمد إلى الأرض يحفر له بمنقاره فيها، ثم ألقاه ودفنه وجعل يحثي عليه التراب حتى واراه، فقال عندها قابيل: {يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي} (المائدة/31) ، ثم أخذ يفعل به ما فعل ذاك الغراب، فواراه ودفنه تحت التراب. وقد استحق هذا القاتل بهذه الفعلة الشنيعة العذاب الشديد ، واللعنة والغضب من الله ، لأنه أزهق روحا ، وقتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض ، وقد قَالَ اللَّهُ تَعَالَى في كتابه الكريم : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) النساء 93، بل وكان عليه إثم كل قاتل نفس إلى يوم القيامة ، لأنه أول من سن القتل على ظهر الأرض ، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ »
أيها المسلمون
وفي هذه القصة دروس وعبر، لمن أراد أن يتذكر ، ولمن أراد أن يعتبر ، ومنها : – أن هذا القرآن الكريم كتاب هو من عند الله سبحانه وتعالى ؛ لأن هذه القصة عريقة في القِدَم، ولم يكن للرسول صلى الله عليه وسلم علم بها، وإنما أخبره الله سبحانه وتعالى بأحداثها كما أخبره بأحداث غيرها من القصص، كما قال الله تعالى: { تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} (هود:49)، وذلك لينتفع بها المؤمنون والعقلاء في كل زمان بما فيها من هدايات وعظات. – ونستخلص من أحداث هذه القصة : أن تقوى الله سبحانه وتعالى ، وإخلاص النية له قولاً وعملاً، هي أساس لقبول العمل عند الله سبحانه وتعالى : وشاهد ذلك من القصة قوله: { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } (المائدة:27). وقال الله تعالى:{ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } (الكهف:110) . – ونستخلص من أحداث هذه القصة أيضا: أن الناس في كل زمان وفي كل مكان صنفان : فيهم الأخيار والأبرار ، وفيهم الأشرار والفجار، وشاهد ذلك قول الابن الصالح في هذه القصة (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوأَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ الظَّالِمِينَ ) المائدة (28) ،(29)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قصة قابيل وهابيل والدروس المستفادة منها )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ..ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام .. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة ،وأدى الأمانة ونصح للأمة ،وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونستخلص من أحداث هذه القصة : أن ندم الإنسان على ما وقع منه من أخطاء، لا يرفع عنه العقوبة؛ لأن هذا الندم أمر طبيعي، يحدث لكثير من الناس في أعقاب ارتكابهم للشرور والآثام. ودليل ذلك قوله : (قَالَ يَا وَيْلَتي أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ) ، أما الندم الذي يرفع العقوبة عن الإنسان عند الله تعالى، فهو الندم الذي تعقبه التوبة الصادقة النصوح، والتي تجعل الإنسان يعزم عزماً أكيداً على عدم العودة إلى ما نهى الله عنه في الحال أو الاستقبال، والتأسف على ما فرط في جنب الله، ورد الحقوق والمظالم إلى أهلها. ، قال الله تعالى : (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) (70) ،(71) الفرقان ، وفي الصحيحين كما جاء في حديث الافك جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عائشة (فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ « أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ ، إِنْ كُنْتِ قَارَفْتِ سُوءًا أَوْ ظَلَمْتِ ، فَتُوبِى إِلَى اللَّهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ » ، وروى النسائي في سننه : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِى وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ثُمَّ التَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ ». – ونستخلص من أحداث هذه القصة أيضا : أن رذيلة الحسد إذا تمكنت في النفس، وتأصلت فيها، أوردتها المهالك، وزينت لها البغي والعدوان، والإثم والطغيان، وفي هذه القصة نرى هذا المعنى واضحاً تماماً؛ فإن حسد قابيل لأخيه هابيل كان في مقدمة الأسباب التي حملته على قتله، كما جاء في قوله تعالى :
(إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ ) أما ما جاء في بعض التفاسير من أنَّ الصِّراعَ الذي كان بين ابنَي آدم (قابِيل وهابِيل) ،كان صراعا عاطفيّاً، وناشئاً عن عدم رضا الأخ الأكبر (قابِيل) بالزَّواجِ من شقيقةِ الأصغر (هابِيل)؛ ولعَدم اقتناعه بجمال مظهرها الخارجيِّ، ولرغبته في الزَّواج من شقيقته الجميلةـ فكل ذلك منقول من الرِّوايات الإسرائيليَّة ، ولا يوجد في كتاب الله تعالى ولا سنة نبيه الصحيحة ما يؤكد هذه الأخبار ، ولذلك فعلينا الاعراض والتوقف عن ذلك كله .
الدعاء