خطبة عن (ولي أمر المسلمين: من هو؟ وما وما هي حقوق الراعي والرعية؟)
أكتوبر 7, 2017خطبة عن ( المرأة تُذْهِبُ لُبَّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ )
أكتوبر 7, 2017الخطبة الأولى (بنو إسرائيل ..وقصة طَالُوتَ وجالوت ..والدروس المستفادة منها )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ..ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام .. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة ،وأدى الأمانة ونصح للأمة ،وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (246) : (251) البقرة
إخوة الإسلام
يقول الله تعالى في كتابه العزيز (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الاعراف 176، فالهدف والمقصود من القصص القرآني ، هو التفكر والاعتبار ، واستخلاص الدروس والعبر ، والاستفادة من نجاحات الآخرين أو اخفاقاتهم .واليوم إن شاء الله موعدنا مع قصة من قصص القرآن الكريم ، إنها قصة طَالُوتَ وجالوت ..والدروس المستفادة منها
فقد كان آخر نبي مَلِك حَكَمَ بني إسرائيل هو ( يوشع بن نون عليه السلام ) ، ثم من بعده انفصل الحكم عن الدين ، فكانت الملوك تسوس بني إسرائيل ، وكانت الأنبياء تهديهم. وترتب على ذلك أن زاد طغيان بني إسرائيل، فكانوا يقتلون الأنبياء، نبيا تلو نبي، ولذلك فقد عاقبهم الله فسلط عليهم ملوكا وحكاما ظلمة وجبارين، أذاقوهم سوء العذاب ، وطغوا عليهم ، وسرقوا منهم مقدساتهم ، ومن بينها تابوت العهد ، وهو التابوت الذي فيه الألواح المقدسة . وكان في هذا التابوت بقية مما ترك آل موسى وآل هارون، وكان بنو إسرائيل يأخذون التابوت معهم في معاركهم لتحل عليهم السكينة ويحققوا النصر. وكان من بين هؤلاء الطغاة الظلمة (جالوت) ، فقد قام بالاستيلاء على أراضي بني إسرائيل عنوة، وقتل أبناءهم ونساءهم، وشردهم من أرضهم ، وفي هذه الفترة أرسل الله نبيا لبني إسرائيل يعظهم ويعلمهم دينهم، وبعدما استولى جالوت على أرضهم ذهب بنو إسرائيل للنبي وقالوا له : “إننا مظلومون، ومشردون”، فرد عليهم قائلا “نعم أنتم كذلك”، فقالوا “لماذا لا نقاتل في سبيل الله تحت رايةِ مَلِكٍ واحدٍ ونسترجع أراضينا”؟ فرد عليهم النبي “هل أنتم على ثقة كاملة أن تقاتلوا إذا كتب عليكم؟”. أجاب بنو إسرائيل : “بلى” سنقاتل مَن طردنا من أراضينا وشردنا وأبعدنا عن أهلنا”. قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُواۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) البقرة 246، عند ذلك قال لهم نبيهم : إن الله قد اختار لكم مَلِكا وهو “طالوت” يقودكم للحرب ، لتحرروا أرضكم ، وتسترجعوا مقدساتكم . قال تعالى : (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا) ، وطالوت هو شاب فقير من أبناء بنيامين ، وكان يعمل مع والده في أرضه، وكان من أبناء الفقراء ، ولم يكن من أبناء الملوك ، لذلك فقد رفضه بنو اسرائيل ، قال تعالى : ( قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ) هكذا قالوا : كيف يحكمنا هذا الرجل الفقير الذي لا مال له ولا جاه ولا ملك ؟؟ فأجابهم نبيهم : إن الله هو الذي اختاره واصطفاه ، ووهبه الجسم القوي الذي يقوى به على القيادة والقتال ، ومنحه ذكاء وفهما وعلما لإدارة مملكته ، وتحقيق النصر على أعدائه ، فقال الله تعالى على لسان نبيهم : (قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) وقال لهم نبيهم: إن علامة ملكه أن يأتيكم التابوت ( الصندوق ) الذي فيه التوراة – فيه طمأنينة من ربكم ، وتثبيت لقلوب المخلصين منكم ، وفيه بقية من بعض أشياء تركها آل موسى وآل هارون، مثل العصا وفُتات الألواح ، تحمله الملائكة، وفي ذلك أعظم علامة وبرهان لكم على أن اختيار طالوت مَلِكًا عليكم هو بأمر الله، إن كنتم مصدقين بالله ورسله. قال الله تعالى : (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) وفي يوم من الأيام ، وقعت المعجزة.. فقد عاد إليهم التابوت تحمله الملائكة ، وعادت إليهم ألواح التوراة ، التي يحملونها معهم في حروبهم وقتالهم لأعدائهم ، وببركتها يتحقق لهم النصر .. ثم تجهز جيش طالوت، وسار الجيش طويلا ، لملاقات عدوهم ، فأحس الجنود بالعطش الشديد..
هنا قال المَلِك والقائد (طالوت) لجنوده: إن الله مبتليكم ومختبركم ، ليرى صدق إيمانكم ، ومدى طاعتكم لأمر الله وولي أمركم ، سوف نصادف نهرا في طريقنا ، فلا يشرب منه أحد ، ومن خالف أمري ، وشرب منه ، فليخرج من الجيش، لأن أصحاب المخالفات والمعاصي لا يتحقق بهم نصر ، بل هم سبب من أسباب الهزيمة ، ومن لم يشرب من النهر رغم عطشه الشديد، أو بل ريقه فقط ، فليبق معي في الجيش ، فهؤلاء هم الصادقون في إيمانهم ، المطيعون لأمر الله ، وأمر قائدهم ،وبالفعل ، فقد مروا بالنهر ، فشرب معظم الجنود منه، مخالفين بذلك أمر الله ، وأمر ملكهم وقائدهم ، وخرجوا من الجيش ،ولم يبق من الجنود بالجيش إلا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، ولكن جميعهم من الصادقين في إيمانهم ،الأقوياء في أجسامهم ،الشجعان عند لقائهم بعدوهم ، قال تعالى : (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ )
أيها المسلمون
أصبح عدد أفراد جيش طالوت قليلا، وكان جيش العدو بقيادة ( جالوت ) كبيرا وقويا، فشعر بعض -هؤلاء الصفوة- من بني إسرائيل أنهم أضعف من جالوت وجيشه ،فقالوا: كيف نَهزم هذا الجيش الكثير العدد من الجبارين ؟ ، فلا طاقة لنا بهذه الجيوش الكبيرة ، وهنا توقفوا عن المسير ، وجبنوا أمام عدوهم ، إلا فئة قليلة منهم ،قال تعالى : ( فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ) ، وهنا قال المؤمنون من جيش طالوت، وكان عددهم قليلا : إن النصر ليس بالعدد والعدة والعتاد، وإنما النصر من عند الله ، قال الله تعالى : (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) ، وهنا برز الطاغية المتجبر (جالوت) قائد جيش العدو ، في دروعه الحديدية ، ومتقلدا سلاحه، وهو يطلب أحدا من جيش بني اسرائيل أن يبارزه.. وخاف منه جنود طالوت جميعا، فإنه رجل غير عادي ، ومعروف بالقوة والبأس الشديد ، وهنا برز من جيش بني اسرائيل راعي غنم صغير وهو( داود ) . كان داود رجلا مؤمنا بالله، وكان يعلم أن الإيمان بالله هو القوة الحقيقية في هذا الكون التي يُهزم بها الأعداء ، وأن العبرة ليست بكثرة العدد والسلاح، ولا بضخامة الأجسام وكان الملك طالوت قد وعد المقاتلين من بن اسرائيل : أن من يقتل جالوت يصير قائدا على الجيش ويتزوج ابنتي.. ولم يكن داود يهتم بهذا كثيرا ، ولم يكن يأبه لهذا الإغراء.. بل كان يريد أن يقتل جالوت لأن جالوت رجل جبار وظالم وعدو لله ، وهنا سمح الملك لداود أن يبارز جالوت. وتوجه الجميع بالدعاء والتضرع إلى الله أن ينصرهم على عدوهم وتقدم داود بعصاه الصغيرة التي يرعى بها غنمه ، ومعه خمسة أحجار ومقلاعه (وهو نبلة يستخدمها الرعاة).. وتقدم جالوت وهو مدجج بالسلاح والدروع.. فسخر جالوت من داود ،وأهانه وضحك منه ومن فقره وضعفه وسلاحه، وهنا وضع داود حجرا قويا في مقلاعه ، وطوح به في الهواء وهو يقول : باسم الله ، الله أكبر ، وأطلق الحجر، فكانت المفاجأة فقد أصاب الحجر جالوت بإذن الله فقتله. وبدأت المعركة بين الجيشين بعد أن فقد العدو قائده ( جالوت )، وانتصر جيش بني إسرائيل بقيادة (طالوت) على جيش جالوت. قال تعالى: ( وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ )
أيها المسلمون
وتُختم الآيات والقصة بقول الله تعالى : (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) ، إنها سنة من سنن الله في خلقه ، ألا وهي سنة الدفع والمدافعة؛ فماذا لو لم يتم قتل جالوت؟ ،هذا الكافر العنيد المتجبر الظالم؟ لو لم يقتل سيَفْتِن المؤمنين، وسينشر الفساد في الأرض. نعم، إن فضل الله على العالَمين عظيم وعظيم جدًّا؛ إذ لو لم يُشْرَع قِتال الظَّلَمة والمشركين لفسدت الأرض باستعلاء الكفر وانتشار الظلم، والله تعالى لا يرضى بالظلم، بل شرع دفع الظلم ومقاومة الظالمين؛ لمنع ظلمهم، وتقليم أظفارِهم، والأخذ على أيديهم؛ كيلا يتمادَوْا في ظلمهم فيعُمَّ الفساد الأرض، فلا بد من مقاومة الفساد وإزالته من أجل إصلاح الحياة لجميع البشر مؤمنين وغير مؤمنين. وهكذا أصبح داود -عليه السلم- ملكا ، واختاره الله نبيا لبني إسرائيل، فجمع الله على يديه النبوة والملك مرة أخرى. وهذا ما سوف نتعرف عليه في قصة نبي الله داود عليه السلام
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (بنو إسرائيل ..وقصة طَالُوتَ وجالوت ..والدروس المستفادة منها )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ..ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام .. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة ،وأدى الأمانة ونصح للأمة ،وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد كان لأحداث هذه القصة تأثير في نفوس المسلمين ، فحينما قص عليهم القرآن قِصَّةَ فئةٍ مؤمنة مرت بها ظروف وأحداث كالتي يمرون بها، ثم كان عاقبتها النصر والغلبة، فكان لِقُرْب نزولها من أحداث غزوة بدر ومقدماتها وقْع وتثبيت لقلوب المؤمنين، والأمل في النصر، وكان ذلك بمثابة تهيئة وتعبئة نفسية ومعنوية (قبيل غزوة بدر).
ومن الدروس المستفادة من هذه القصة أيضا : أن الله يؤتي ملكه من يشاء ،وهو سبحانه المتصرف في ملكه ، ويختار من عباده من يشاء والله واسع عليم ،وفي هذا تعليم لكل مسلم أن عطاءات الله لا يملكها إلا هو، ولذلك لا فضل لأحد على أحد، فما علينا إلا أن نستشعر هذا المعنى حتى تعيش القلوب في راحة وطمأنينة، ومن الدروس المستفادة : أن الله ذكر لنا صفات الحاكم الصالح ؛ وذلك عندما تحدثت الآيات عن طالوت وأن الله عز وجل أعطاه بسطة في العلم والجسم، وهكذا يكون الحاكم الصالح ، فلابد أن تتوافر فيه مؤهلات تؤهله للحكم وقيادة المسيرة . ومن الدروس المستفادة : أن الابتلاء سنة إلهية ، فحين خرج طالوت مع بني إسرائيل ، فقد تعرض لابتلاءات ومواقف اختبار، قد غربلت جيش طالوت ،وهنا برزت الفئة المؤمنة القليلة المختارة, ذات الموازين الربانية, والابتلاء صفة من صفات المؤمنين والصبر عليه خلق من أخلاقهم، وقد أخبرنا ربنا سبحانه وتعالى بهذا الابتلاء في آيات كثيرة ومنها:
قوله تعالى: ” أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ” [ البقرة: 214 ]. ويقول تعالى ” وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ” [ آل عمران: 141- 142 ]. ومن الدروس المستفادة : أن هذه القصة أظهرت طبيعة اليهود واعتراضهم على أمر الله تعالى ومن ثم أمر نبيه، وطلباتهم المتكررة.، وأن النصر يأتي بعد الصبر والثبات والتحمل وقبلها إخلاص النية لله تعالى. ومن الدروس المستفادة : أهمية الدعاء وأثره في ساعات المواجهة ، وأوقات الشدة ، وعند ملاقاة الأعداء .
الدعاء