خطبة عن ( نسألك ربنا رضاك والجنة )
أكتوبر 7, 2017خطبة عن (قصة طَالُوتَ وجالوت والدروس المستفادة)
أكتوبر 7, 2017الخطبة الأولى ( من هو ولي أمر المسلمين؟ وما هي حقوق الراعي والرعية؟ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) النساء (59) ،وروى مسلم في صحيحه :(عَنْ يَحْيَى بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ سَمِعْتُ جَدَّتِي تُحَدِّثُ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ يَقُولُ « وَلَوِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا ». وفي رواية له : « إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ – حَسِبْتُهَا قَالَتْ – أَسْوَدُ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا ».
إخوة الإسلام
سؤال لا بد لكل مسلم أن يكون على دراية بإجابته ، وعلى يقين بمدلوله ، وهو : من هو ولي أمر المسلمين والذي يجب عليهم السمع والطاعة له؟والتي وردت في قوله تعالى:(أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، ووردت في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله : (فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا ) ،وما هي حقوق الرعية على الراعي المسلم ؟ وما هي حقوق الراعي على رعيته ؟ ،والإجابة : إن ولي أمـر المسلمين ، والذي تجب علينا طاعته ، والسمع والطاعة لأمره ،هو الوالي الذي يتولى أمر دين المسلمين ، لأن هذا هو أمر المسلمين ،فليس للمسلمين أمر غير دينهم ، فبه صاروا أمة ، وبه تحققت شخصيتهم، وبه وُجــد كيانهم السياسي ،وأما من يتولى أمرا آخر غير دين الاسلام ، كالذي يحكم بغير ما أنزل الله ،أو يحكم بالنظام الدستوري العلماني ، أو بالنظام الديمقراطي الليبرالي ،أو يحكم بالفكر القومي الإشتراكي ، أو غير ذلك مما هو سوى النظام الإسلامي المحتكم إلى شريعة الله تعالى ، فهذا ليس وليا لأمر المسلمين ، فكيف يُولى هذا أمر أمة الإسلام ، وقد تولى أمرا غير أمرها؟ ، وكيف يسمى بولي أمر المسلمين وهو يحكم بغير الاسلام ؟، وكيف يسمى أميرا للمؤمنين ، وهو يخالف أمر الله ورسوله ؟ ، ولهذا وردت النصوص الواضحة الجلية الآمرة بطاعة ولاة الأمر بقيد إقامة الدين كما في الحديث الصحيح السابق الذي رواه الامام مسلم :
« إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ – حَسِبْتُهَا قَالَتْ – أَسْوَدُ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا ».نعم ، (يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ) ، أما إذا قادنا بغير كتاب الله فلا سمع ولا طاعة ،وهناك شاهد آخر يوضح لنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ولي أمرنا هو من يقيم الدين فينا ، ويحكم الشرع فينا ، ففي صحيح البخاري(أن رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِى قُرَيْشٍ ، لاَ يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلاَّ كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ »، ففي قوله صلى الله عليه وسلم (مَا أَقَامُوا الدِّينَ ) ، فولي أمرنا هو من يقيم فينا الدين ، والدين هو الكتاب والسنة الصحيحة واجماع المسلمين ،فالحكم بكتاب الله ، أي تحكيم الشريعة ، وإقامة الدين ، شرط في صحة ولاية من تولى أمر المسلمين ، والذي تجب عليهم طاعته والسمع له ،وليس المقصود بذلك أن ولي أمر المسلمين هو معصوم لا يخطئ ، لا ، بل وقد وردت أحاديث تبين أنه إن وقع من ولي أمر المسلمين الشرعي خطأ أو ظلم في الرعية ، ولكنه لا يبلغ الكفر البواح ، أي لم يبلغ مبلغ التنكر للشريعة ، ولا نبذ التحاكم إليها ، ولا ترك إقامة الدين ، وإنما هو ظلم في أمور دنياهم ، أو كما ورد في بعض الأحاديث ” أَثَرَةٌ ” ، ففي صحيح البخاري (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « سَتَكُونُ أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا » ،قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ «تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِى عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِى لَكُمْ »
ففي هذه الحالة لا يجوز منازعة ولي الأمر في أمور الدنيا، لئلا يؤدي ذلك إلى ضرب وحدة الأمة ، فالحفاظ على وحدتها أولى من إزالة ظلم السلطة في الأمور الدنيوية ، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم :(عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِى أُمَيَّةَ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَقُلْنَا حَدِّثْنَا أَصْلَحَكَ اللَّهُ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالَ دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَبَايَعْنَاهُ فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِى مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ قَالَ « إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ ». فإذا ظهر من ولي الأمر أو في السلطة التابعة له الكفر البواح ، فلا سمع ولا طاعة ، والكفر البواح الظاهر الجلي :هو في مخالفة أمر الله وشريعته وأحكامه ، والعمل لغير دين الاسلام ، وإنكار ما هو من الدين بالضرورة . فإذا كان المسلمون عاجزين عن تغيير هذا المنكر فعليهم إن يعدوا العدة ، ـ ومن إعداد العدة إرجاع المسلمين إلى دينهم بالدعوة الإسلامية ، وتأهيل القيادات الإسلامية التي تقود الأمة إلى إيجاد كيانها السياسي الذي يتحقق به ظهور دينها في الأرض ، وتقيم به شريعة الإسلام ، وتحمله إلى العالم بالجهاد ، ومن إعداد العدة توجيه الأمة إلى ميادين الجهاد ، حيث يصبغ الله تعالى جنوده بصبغة الحق مع القوة ويضرب بهم أعداء الأمة ، عندما يحشد الإسلام أجناده ،وما كان من الأحكام والقوانين التي بها تتحقق مصلحة الجماعة جماعة المسلمين فعلى جماعة المسلمين التقيد بها ، حتى لو كان الحاكم كافرا ، من أجل تحقق مصلحة الجماعة ، وعود نفعها عليهم ، لا من اجل طاعة الكافر المتغلب ، فلا طاعة له ولا كرامة ولا نعمة عين ، وأما الأحكام الخاصة فينظر كل امرئ في مصلحة نفسه ، ولا تجب عليه طاعة سلطان كافر ، بل يجب على المسلم البراءة منه ومن طاعته ، ولو اعتقد طاعته من أجل سلطانه أثم ، ففي الصحيحين : (حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ « نَعَمْ » فَقُلْتُ هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ « نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ ». قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ « قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ ». فَقُلْتُ هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ « نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا. قَالَ « نَعَمْ قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ « تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ». فَقُلْتُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ قَالَ « فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ ». وفي سنن ابن ماجة وغيره عن : (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « سَيَلِى أُمُورَكُمْ بَعْدِى رِجَالٌ يُطْفِئُونَ السُّنَّةَ وَيَعْمَلُونَ بِالْبِدْعَةِ وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلاَةَ عَنْ مَوَاقِيتِهَا » فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُهُمْ كَيْفَ أَفْعَلُ قَالَ « تَسْأَلُنِي يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ كَيْفَ تَفْعَلُ لاَ طَاعَةَ لِمَنْ عَصَى اللَّهَ ». أما الذين يقولون أنه على المسلمين أن يكونوا خاضعين مطيعين لكل من تغلب عليهم ، ولو حكمهم بغير ما أنزل الله ، ولو أقام فيهم شريعة غير الشريعة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى ولو كان من غير المسلمين ، حتى ولو كانوا شياطين في جثامين إنس ، فإن مثل هؤلاء يريدون هدم الإسلام بالكلية ، وقد غلطوا في فهم حديث واحد ، وتركوا قطعيات الدين المدلول عليها بنصوص كثيرة لا تحصى ، فالله تعالى أوجب على هذه الأمة أن تنصب الإمامة لتحكم بالشريعة وتجاهد لإعلاء كلمة الله تعالى ، فكيف تؤمر بطاعة الشياطين ؟ وحازت هذه الأمة الخيرية ، وصارت خير أمة أخرجت للناس ، لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وتجاهد في الله حق جهاده ، وإنما يقام هذا كله في إمامة شرعية ، يقام بها الدين في كل مناحيه وصوره، وتقود أمم الأرض كلها إلى سعادة البشرية .
أيها المسلمون
وبعد أن تعرفنا على من هو ولي أمر المسلمين ، فواجب علينا أن نتعرف على حقوق كل من الراعي والرعية في الاسلام ، فمن حقوق الرعية على ولي الأمر المسلم : أولاً: إقامة العدل بين الرعية : فقد أمر الله بالعدل في الحُكم؛ فقال -تعالى-: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [النساء: 58].
وفي مسند الإمام أحمد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-« إِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَقْرَبَهُمْ مِنْهُ مَجْلِساً إِمَامٌ عَادِلٌ وَإِنَّ أَبْغَضَ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَشَدَّهُ عَذَاباً إِمَامٌ جَائِرٌ » ، ثانيًا: من حقوق الرعية على ولي الأمر المسلم : الحكم بشرع الله تعالى : فالتحاكم لشرع الله فرضٌ قطعي بالكتاب والسنة والإجماع؛ قال الله تعالى :
﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 49، 50]. ثالثًا: من حقوق الرعية على ولي الأمر المسلم : النصح للرعية: فيعمل ولي الأمر على جلب ما فيه النفع لهم، ودفع ما فيه الضرر، وليأخذ على أيدي الفاسدين المفسدين، من أصحاب الدعوات الهدامة، والعقائد الباطلة؛ لمنع شرورهم، وحماية الأمة من فسادهم. ففي الصحيحين أن(رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ » ، رابعًا: من حقوق الرعية على ولي الأمر المسلم : الحلم والرفق بالرعية: فمن حقوقهم عليه أن يرفق بهم، ولا يشق عليهم؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: « اللَّهُمَّ مَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ ». رواه مسلم.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من هو ولي أمر المسلمين؟ وما هي حقوق الراعي والرعية؟ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونستكمل الحديث عن حقوق الرعية على الراعي المسلم : فمن حقوق الرعية على ولي الأمر المسلم: مشاورة أهل الرأي من الرعية: قال الله تعالى : ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].
وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ مَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ كَانَ أَكْثَرَ مَشُورَةً لأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ) رواه أحمد وغيره ، سادسًا: من حقوق الرعية على ولي الأمر المسلم: تفقد أحوالهم وألا يحتجب عنهم: فإن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا مِنْ إِمَامٍ أَوْ وَالِى يُغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوِى الْحَاجَةِ وَالْخَلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ إِلاَّ أَغْلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ » رواه أحمد ، سابعًا: من حقوق الرعية على ولي الأمر المسلم: أخذ حق الضعيف من القوي: فمن حقوقهم عليه أن يأخذ الحق من غنيِّهم لفقيرهم؛ وفي خطبة أبي بكر الصديق، قال: والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله. ثامنًا: من حقوق الرعية على ولي الأمر المسلم: الدفاع عنهم: فإن الدفاع عن الرعية وأموالهم وأعراضهم من واجبات الإمام؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم كما في البخاري : « كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) ، تاسعًا: من حقوق الرعية على ولي الأمر المسلم:أن يختار الأشخاص الأكْفاء للعمل معه: فعَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي قَالَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ « يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْىٌ وَنَدَامَةٌ إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِى عَلَيْهِ فِيهَا ». رواه مسلم. عاشرًا: من حقوق الرعية على ولي الأمر المسلم: أن يكافئ المحسن، ويعاقب المسيء: فلا بد من محاسبة الولاة وأرباب المناصب والعمال؛ فيكافئ المحسن، ويأخذ على يد المقصِّر والمسيء؛ ففي الصحيحين (عَنْ أَبِى حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاً مِنَ الأَسْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ – قَالَ عَمْرٌو وَابْنُ أَبِى عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ – فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا لِي أُهْدِىَ لِي قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ « مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِىَ لِي. أَفَلاَ قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لاَ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ ». ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ « اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ». حادي عشر: من حقوق الرعية على ولي الأمر المسلم: أن يكون قدوة في الخير للرعية: لأن الناس على دين أمرائهم؛ أي: يسيرون بسيرتهم؛ فعلى الحاكم أن يكون إمامًا في الحق والخير، قال الله -تعالى- حاكيًا دعوة الصالحين: ﴿ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].
أيها المسلمون
وبعد أن تعرفنا على :من هو ولي أمر المسلمين؟ ، وما هي حقوقهم عليه؟ ، نأتي إلى حقوق الراعي المسلم على رعيته : فمن حقوق الراعي على رعيته : أولا : اعتقاد ولايته وأن الله – جل وعلا – قد جعله إماما للمسلمين: فإذا اعتقدنا الولاية، اعتقدنا أنهم يجب طاعتهم ويجب على الناس أن يسلموا بولايتهم، وألا يخرجوا عنهم، فعَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ) رواه مسلم ،ثانيا : من حقوق الراعي على رعيته : طاعته في المعروف ظاهرًا وباطنًا: فعَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ حَقٌّ ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالْمَعْصِيَةِ ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ » رواه البخاري ، ثالثا : من حقوق الراعي على رعيته : النصح له وتبيين الحق بلطف: فمن الحقوق الواجبة لولاة أمور المسلمين: أمرهم بالحق بلطف، فنبين لهم الحق ونعرفهم به بأسلوب طيب حسن، وألا يكون ذلك بالعنف، وهذا من النصيحة الداخلة في حديث تميم الداري ، كما في الصحيحين (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا لِمَنْ قَالَ « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ». رابعا : من حقوق الراعي على رعيته : عدم الخروج عليه : سواء أكان ذلك الخروج بعدم طاعته ، أو بالسلاح والسيف، أو بالقول، وهو من المحرمات الشرعية فإن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِىَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ». رواه مسلم ، خامسا : أداء الزكاة والصدقات لهم: فمن حقوقهم أداء الصدقات إليهم والزكوات الواجبة، خصوصا في الأموال الظاهرة، كما أمر الله – عز وجل – بذلك في قوله سبحانه -: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [ التوبة: 103]. ، سادسا : عدم غش الأئمة بالثناء الكاذب: فمن حقوق الراعي أيضا: ألا يكتب الإنسان أو يتكلم بثناء كاذب عليهم، بل يكون صادقا في كلامه، ولا يَغُرَّ الولاة بثناء كاذب، فإن الكذب من المحرمات التي لا يجوز للإنسان أن يتكلم بها ، سابعا : إعانتهم على الخير: فمن حقوق الوالي والراعي على الرعية: إعانته على الخير، وإعانته على القيام بالأعمال التي أناطها الله به، فكلما وجدنا سبيلا إلى إعانته على أي عمل من الأعمال الصالحة، تقربنا لله – عز وجل – بإعانته على ذلك العمل وتيسير الأمور، لجعل الأعمال التي يؤديها على أكمل الأحوال وأتم المناهج، انطلاقا من قول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}
[ المائدة: 2 ].
الدعاء