خطبة عن دعاء (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)
أكتوبر 14, 2017خطبة عن ( من مواقف أصحاب الرسول )
أكتوبر 14, 2017الخطبة الأولى ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (194) البقرة ، وقال تعالى:(وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (36) التوبة ، وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (123) التوبة
إخوة الاسلام
إن المتأمل والمتدبر في الآيات السابقة ، يجد أن جميعها قد خُتمت بقوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) ،وقد وردت هذه العبارة ثلاث مرات في القرآن الكريم ، وكلها وردت بعد أمر المؤمنين بجهاد الشرك والمشركين ،
وفي كل آية من هذه الآيات يخبرنا الله سبحانه وتعالى بمعيته للمتقين ،والسؤال : لماذا خُتمت هذه الآيات بقوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) ؟؟ ،والاجابة : هناك من الناس من يقاتل لهواه ،وهناك من يقاتل لرفعة اسمه، واظهار بطولاته ،وهناك من يقاتل لغنيمة يكتسبها، أو لمصلحة دنيوية يحصل عليها ،حتى لو سمى قتاله جهاداً ، وهناك من يقاتل حمية وعصبية ، وهكذا ، فليس كل مقاتل يقاتل حبا لله ، وطاعة له، واعلاء لكلمته ، ففي الصحيحين : (عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ». فحين ختم الله تعالى هذه الآيات بقوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) ، ليؤكد لنا أن المؤمن حينما يقدم على عمل أي عمل ، صغيرا كان أو كبيرا ،فليراقب الله عز وجل في عمله من عدة أوجه : أولها : مراجعة نيته ومدى إخلاصه لله في هذا العمل ، وثانيها : موافقة هذا العمل لشرع الله ، ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . فقوله تعالى : ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ أي اعلموا علم اليقين أنكم إذا اتقيتم الله في مقاصدكم بجهادكم لإعلاء كلمته، وتجردتم به عن أغراضكم النفسية ومنافعكم الشخصية، واتقيتم الله بالتزامكم حدوده في الجهاد صيانة لجانب العقيدة، فإن الله مع المتقين، بتوفيقه لهم، وتسديده لخطاهم، وجبره لنقص قوتهم، وتأييدهم بما شاء، حتى يتحقق لهم النصر والتمكين في الأرض كما وعدهم ﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 111]. ولن يخلف الله وعده ، إلا إذا لم تحصل التقوى من المجاهدين ، إما باختلاف مقاصدهم وانحرافهم عن واجب الجهاد، وإما بسوء أعمالهم، فإن الله هو القائل : (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) الرعد 11.
أيها المسلمون
(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) ، فحينما يبلغ المؤمن درجة التقوى ، ومنازل المتقين ، هنالك ينال العبد حب الله ، قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) التوبة 4 ، وهذا الحب يثمر مجموعة من الثمرات اليانعة المزهرة ، والتي ينعم الله بها على عبده المؤمن ، ومن هذه الثمرات : أولها : أن صاحب التقوى يكون من أكرم الناس عند الله تعالى، قال عز وجل: « إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» الحجرات 13، ولهذا لا بد أن تكون التقوى هي معيار التفاضل ، فلا التفاخر بالأنساب، أو التكاثر بالمال، أو التعالي بالمناصب ، وثاني ثمار التقوى : أنه بالتقوى ينال المسلم رحمة الله تعالى، فقال عز وجل: «وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» الانعام 155، ثالثها : أن التقوى تكون سببًا لنصرة الله وعونه وتأييده لعباده قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ» النحل 128، رابعها : من ثمرات التقوى : سعة الرزق، ونيل الخيرات لقوله تعالى: « وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» الاعراف 96، وقد سئل موسى بن أعين عن قوله :{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين} فقال : تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة أن يقعوا في الحرام فسماهم متقين . خامسها : من ثمرات التقوى وحصادها المثمر : أن يجد المسلم تفريجا الكرب وتيسيرا للأمور ودفعا لكيد الأعداء، لقوله تعالى: «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً» الطلاق 2، وقال الماوردي : «من يتق اللَّه في اجتناب معاصيه، يجعل له من أمره يسـرًا في توفيقه للطاعة». سادسها : أن التقوى هي السبيل إلى الجنة ،والمنجى من النار كما وعد ربنا سبحانه وتعالى، بأن التقى يكون من أهل الجنة، قال تعالى: «تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا» مريم 63، وكذلك تكون بها نجاته من النار، قال تعالى: « وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا» (71)، (72) مريم ، سابعها : أنه بالتقوى ينال الفرد المؤمن مقام موالاة الله جل جلاله له؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [الجاثية: 19]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 34].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وبالتقوى يجعل الله جل جلاله للعبد المؤمن فرقانًا يُميِّز به الأشياء؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29]، قال أبو بكر الجزائري في أيسـر التفاسير: (يجعل لكم فُرقانًا: نورًا في بصائركم تُفرِّقون به بين النافع والضَّار، والصالح والفاسد)، ولعلَّ هذا النور الرَّباني للعبد يأتي من العلم المتأتِّي من التقوى والمقترن بها؛ قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 282]. وبالتَّقوى يُحصل العلم الرَّباني، فبالعلم يَعرِفُ العبدُ ربَّهُ، ويعبده حق عبادته، وبالعلم يفهم العبد دورَه في الحياة، وكيف يكون خليفة نافعًا وعبدًا صالحًا، وبالعلم يعي العبد حقيقة علاقته بالآخرين، قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 282]،
أيها المسلمون
ألا فكونوا لله طائعين ، وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وطريقته سائرين ، وعما نهى عنه معرضين ، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)، فهي معية خاصة بهم ، دون غيرهم ، ومن كان الله معه فمن عليه؟ ومن كان الله عليه فمن معه؟ فكن لله كما يريد ، يكن لك فوق ما تريد ،ومن وجد الله فماذا فقد؟ ، ومن فقد الله فماذا وجد؟ فأثبت أخي على دينك ، واعلم أن الله معك حافظا ومؤيدا ومعينا وهاديا ،وأرفع راسك إلى عنان السماء ، فقد أكرمك الله بنعمة الاسلام والهداية الى الصراط المستقيم
الدعاء