خطبة عن قوله تعالى ( وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)
أكتوبر 28, 2017خطبة عن قوله تعالى (هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ)
أكتوبر 28, 2017الخطبة الأولى ( مع الصحابي (عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]، وروى مسلم في صحيحه : (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً ،واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله ،لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ،نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ، وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ، واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل ، إنه الصحابي : ( عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ ) ، أما عن اسمه ونسبه : فهو عمران بن حصين بن عبيد بن خلف بن عبد نهم بن سالم بن غاضرة، وهو من قبيلة خزاعة ، وكنيته أبو نجيد، وقد أسلم في السنة السابعة للهجرة مع أبيه وأخته، وبايع الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام والجهاد ، وقد غزا عمران مع النبي – صلى الله عليه وسلم- غير مرة . وكان ينزل ببلاد قومه ، ويتردد إلى المدينة . وقال : ما مسست ذكري بيميني منذ بايعت بها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . وحمل راية خزاعة في يوم الفتح، وكان رضي الله عنه من سادات الصحابة، أما عن بكاء النّبي صلى الله عليه وسلم من أحد مواقف عمران بن الحُصين، فقد جاءت قريش إلى الحُصَين (والد عمران ) وكانت تعظِّمه – فقالوا له: كلِّم لنا هذا الرجل فإنَّه يذكر آلهتنا ويسبُّهم، فجاؤوا معه حتى جلسوا قريباً من باب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أوسعوا للشيخ – وعمران وأصحابه متوافرون – فقال حُصين: ما هذا الذي بلغنا عنك أنك تشتم آلهتنا وتذكرهم، وقد كان أبوك حصينة وخيراً؟ (وفي رواية: أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إن عبد المطلب كان خيرا لقومه منك ، كان يطعمهم الكبد والسنام وأنت تنحرهم) فقال: «يا حُصَين، إنَّ أبي وأباك في النار؛ يا حصين، كم تعبد من إله» ؟ قال: سبعاً في الأرض وواحداً في السماء، قال: «فإذا أصابك الضرّ من تدعو؟» قال: الذي في السماء، قال: «فيستجيب لك وحده وتشركهم معه، أَرضيته في الشكر أم تخاف أن يغلب عليك؟» قال: ولا واحدة من هاتين؛ قال: وعلمت أنِّي لم أكلم مثله، قال: «يا حُصَين، أسلم تسلم» ، قال: إنَّ لي قوماً وعشيرةً فماذا أقول؟ قال: «قل: اللَّهمَّ، أستهديك لأرشد أمري وزدني علماً ينفعني» فقالها حصين فلم يقم حتى أسلم. فقام إليه عِمْران فقبَّل رأسه ويديه ورجليه، فلما رأى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بكى، وقال: «بكيت من صنيع عمران، دخل حصين وهو كافر فلم يقم إليه عمران ولم يلتفت ناحيته، فلمَّا أسلم قضَى حقَّه فدخلني من ذلك الرِّقَّة» . فلما أراد حصين أن يخرج قال لأصحابه: «قوموا فشيِّعوه إلى منزله» ، فلما خرج من سُدَّة الباب رأته قريش فقالوا: صبأ وتفرقوا عنه.
أيها المسلمون
وإن كان رضي الله عنه قد جاء إسلامه متأخرًا، وذلك في عام خيبر، إلا أنه منذ أقبل على الدين الحق مبايعًا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقد أخذ على نفسه عهدًا ألا تمسَّ يُمناه – التي بايعت النبي – عليه الصلاة والسلام – إلا كل عمل كريم. وقد رزق الله عبده “عمران” شفافيةً في صدره، وصِدقًا في حسِّه، وتفانيًا في عبادته، حتى كأنه من السابقين إلى الإسلام. ومع هذا المثل العالي والتبتُّل الرفيع، كان كثير البكاء والخشية قائلاً: “يا ليتني كنتُ رمادًا تَذروه الرياح!”. أما عن صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم: ففي صحيح مسلم (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي مَسِيرٍ لَهُ فَأَدْلَجْنَا لَيْلَتَنَا حَتَّى إِذَا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ عَرَّسْنَا فَغَلَبَتْنَا أَعْيُنُنَا حَتَّى بَزَغَتِ الشَّمْسُ – قَالَ – فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنَّا أَبُو بَكْرٍ وَكُنَّا لاَ نُوقِظُ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ مَنَامِهِ إِذَا نَامَ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ
ثُمَّ اسْتَيْقَظَ عُمَرُ فَقَامَ عِنْدَ نَبِيِّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَجَعَلَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ وَرَأَى الشَّمْسَ قَدْ بَزَغَتْ قَالَ « ارْتَحِلُوا ». فَسَارَ بِنَا حَتَّى إِذَا ابْيَضَّتِ الشَّمْسُ نَزَلَ فَصَلَّى بِنَا الْغَدَاةَ فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّ مَعَنَا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
« يَا فُلاَنُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّىَ مَعَنَا ». قَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ. فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ فَصَلَّى ثُمَّ عَجَّلَنِي فِي رَكْبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ نَطْلُبُ الْمَاءَ وَقَدْ عَطِشْنَا عَطَشًا شَدِيدًا. فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ سَادِلَةٍ رِجْلَيْهَا بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ فَقُلْنَا لَهَا أَيْنَ الْمَاءُ قَالَتْ أَيْهَاهْ أَيْهَاهْ لاَ مَاءَ لَكُمْ. قُلْنَا فَكَمْ بَيْنَ أَهْلِكِ وَبَيْنَ الْمَاءِ. قَالَتْ مَسِيرَةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. قُلْنَا انْطَلِقِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَتْ وَمَا رَسُولُ اللَّهِ فَلَمْ نُمَلِّكْهَا مِنْ أَمْرِهَا شَيْئًا حَتَّى انْطَلَقْنَا بِهَا فَاسْتَقْبَلْنَا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ مِثْلَ الَّذِى أَخْبَرَتْنَا وَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا مُوتِمَةٌ لَهَا صِبْيَانٌ أَيْتَامٌ فَأَمَرَ بِرَاوِيَتِهَا فَأُنِيخَتْ فَمَجَّ فِي الْعَزْلاَوَيْنِ الْعُلْيَاوَيْنِ ثُمَّ بَعَثَ بِرَاوِيَتِهَا فَشَرِبْنَا وَنَحْنُ أَرْبَعُونَ رَجُلاً عِطَاشٌ حَتَّى رَوِينَا وَمَلأْنَا كُلَّ قِرْبَةٍ مَعَنَا وَإِدَاوَةٍ وَغَسَّلْنَا صَاحِبَنَا غَيْرَ أَنَّا لَمْ نَسْقِ بَعِيرًا وَهِىَ تَكَادُ تَنْضَرِجُ مِنَ الْمَاءِ – يَعْنِى الْمَزَادَتَيْنِ – ثُمَّ قَالَ « هَاتُوا مَا كَانَ عِنْدَكُمْ ». فَجَمَعْنَا لَهَا مِنْ كِسَرٍ وَتَمْرٍ وَصَرَّ لَهَا صُرَّةً فَقَالَ لَهَا « اذْهَبِي فَأَطْعِمِي هَذَا عِيَالَكِ وَاعْلَمِي أَنَّا لَمْ نَرْزَأْ مِنْ مَائِكِ ». فَلَمَّا أَتَتْ أَهْلَهَا قَالَتْ لَقَدْ لَقِيتُ أَسْحَرَ الْبَشَرِ أَوْ إِنَّهُ لَنَبِيٌّ كَمَا زَعَمَ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ ذَيْتَ وَذَيْتَ. فَهَدَى اللَّهُ ذَاكَ الصِّرْمَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فَأَسْلَمَتْ وَأَسْلَمُوا. وعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ – رضى الله عنه – قَالَ كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – عَنِ الصَّلاَةِ فَقَالَ « صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ » رواه البخاري ، وكان عمران – رضى الله عنه – واحدا من النمط العزيز؛ مما جعل الخليفة “عمر بن الخطاب” – رضى الله عنه – يرسله إلى أهل البصرة؛ ليُعلِّمهم ويُفقِّههم في أمور دينهم، وقد عرف الناس فضله وخيره وتقواه، فأقبلوا عليه مستضيئين به متبرِّكين، وقد عبَّر الحسن وابن سيرين – رحمهما الله – عن ذلك بقولهما: “ما قدم البصرة من أصحاب رسول الله – صلى الله وسلم – أحد يَفضُل عمران بن حصين”. وبالَغ الرجل في التبتُّل والتقوى والزهد؛ حتى صار كواحد من الملائكة، يُحدِّثهم ويحدِّثونه، ويصافحهم ويصافحونه. فقد كانت الملائكة تسلِّم عليه – رضي الله عنه – حتى اكتوى لأجل الاستشفاء من المرض، فتركت الملائكة السلام عليه، ثم ترك الاكتواء ، فعادت الملائكة تسلِّم عليه، وفي هذا يقول – رضي الله عنه-: “نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن الكيِّ، فابتُلينا، فاكتَوينا، فما أفلحْنا ولا أنجحْنا”؛ رواه الترمذي ، وعن مطرف قال أرسل إلي عمران بن حصين في مرضه فقال : إنه كانت تسلم علي يعني الملائكة فإن عشت فاكتم علي ، وإن مت فحدث به إن شئت. وقد بذل الصحابي الجليل عمران – رضى الله عنه العلم للناس ونلحظ ذلك من كثرة من تعلموا على يديه ،وقد عُرف بالفطنة وسرعة البديهة ويتضح ذلك من هذا الموقف: عن حبيب بن أبي فضالة المالكي قال لما بني هذا المسجد مسجد الجامع قال: وعمران بن حصين جالس فذكروا عنده الشفاعة فقال رجل من القوم: يا أبا نجيد إنكم لتحدثونا بأحاديث ما نجد لها أصلاً في القرآن، فغضب عمران بن حصين وقال للرجل: قرأت القرآن، قال: نعم، قال: وجدت فيه صلاة المغرب ثلاثًا وصلاة العشاء أربعًا، وصلاة الغداة ركعتين والأولى أربعا والعصر أربعًا، قال: لا، قال: فعمن أخذتم هذا الشأن ألستم أخذتموه عنا وأخذناه عن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، أوجدتم في كل أربعين درهما درهم وفي كل كذا وكذا شاة كذا وفي كل كذا وكذا بعير كذا أوجدتم هذا في القرآن ، قال لا قال فعمن أخذتم هذا أخذناه عن نبي الله صلى الله عليه وسلم وأخذتموه عنا ، قال وجدتم في القرآن (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الحج (29) ،فهل وجدتم هذا طوفوا سبعا واركعوا ركعتين خلف المقام ،أوجدتم هذا في القرآن ، عمن أخذتموه ،ألستم أخذتموه عنا وأخذناه عن نبي الله صلى الله عليه وسلم ،ووجدتم في القرآن لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام ، قال لا ،قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « لاَ جَلَبَ وَلاَ جَنَبَ وَلاَ شِغَارَ فِي الإِسْلاَمِ وَمَنِ انْتَهَبَ نُهْبَةً فَلَيْسَ مِنَّا » أسمعتم الله يقول لأقوام في كتابه: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) (42): (48) المدثر
قال حبيب أنا سمعت عمران يقول الشفاعة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع الصحابي : (عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومما رواه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ففي صحيح البخاري (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ – رضى الله عنهما – قَالَ جَاءَ نَفَرٌ مِنْ بَنِى تَمِيمٍ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « يَا بَنِى تَمِيمٍ ، أَبْشِرُوا » . قَالُوا بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا . فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ ، فَجَاءَهُ أَهْلُ الْيَمَنِ ، فَقَالَ « يَا أَهْلَ الْيَمَنِ ، اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ » . قَالُوا قَبِلْنَا . فَأَخَذَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يُحَدِّثُ بَدْءَ الْخَلْقِ وَالْعَرْشِ ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا عِمْرَانُ ، رَاحِلَتُكَ تَفَلَّتَتْ ، لَيْتَنِي لَمْ أَقُمْ ) ، وفي البخاري : (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُعْرَفُ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ قَالَ « نَعَمْ » . قَالَ فَلِمَ يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ قَالَ « كُلٌّ يَعْمَلُ لِمَا خُلِقَ لَهُ – أَوْ لِمَا يُسِّرَ لَهُ – »وفي صحيح مسلم : (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ». قَالُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ وَلاَ يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ».
أيها المسلمون
أما عن مرضه ووفاته : فلقد حقق إيمان عمران بن حصين أعظم نجاح حين أصابه مرض موجع لبث معه ثلاثين عاما ، ما ضَجِر منه ولا قال أُفّ ، بل كان مثابرا على عبادته ، وإذا هوّن عليه عواده بكلمات مشجعة ،ابتسم لهم وقال : إن أحب الأشياء الى نفسي ، أحبها الى الله ، وقال له بعضهم: إنا لنبأس لك لما نرى فيك، قال: فلا تبتئس بما ترى، فإن ما ترى بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر، ثم تلا هذه الآية: {وَمَآ أَصَابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} الشورى 30. وكَانَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ يَنْهَى عَنِ الْكَيِّ فَابْتُلِيَ فَاكْتَوَى فَكَانَ يَعَجُّ وَيَقُولُ: لَقَدِ اكْتَوَيْتُ كَيَّةً بِنَارٍ مَا أَبْرَأَتْ مِنْ أَلَمٍ وَلا شَفَتْ مِنْ سَقَمِ. وأَوْصَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فَقَالَ: إِذَا مُتُّ فَخَرَجْتُمْ بِي فَأَسْرِعُوا الْمَشْيَ وَلا تَهَوَّدُوا بِي كَمَا تَهَوَّدُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. وَلا تُتْبِعُونِي نَارًا وَلا صَوْتًا. وكان أوصى لأمهات الأولاد له بوصايا. فقال: أيما امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ صَرَخَتْ عَلَيَّ فَلا وَصِيَّةَ لَهَا. وأَوْصَى عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ َأَنْ يَجْعَلُوا قَبْرَهُ مُرَبَّعًا وَأَنْ يَرْفَعُوهُ أَرْبَعَ أَصَابِعَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. وعَنْ بِنْتُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَشَدُّوا عَلَيَّ سَرِيرِي بِعِمَامَةٍ وَإِذَا رَجَعْتُمْ فَانْحَرُوا وَاطْعَمُوا. وَقد تُوُفِّيَ رضي الله عنه بِالْبَصْرَةِ عام 52هـ فِي خِلافَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ.
فرضي الله عنه وعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين ، وجمعنا بهم في جنات النعيم
الدعاء