خطبة عن حديث (لَا تَلْعَنُوهُ؛ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)
نوفمبر 4, 2017خطبة عن ( السعادة : أسبابها ومظاهرها)
نوفمبر 4, 2017الخطبة الأولى (طلب العلم ومنزلته) ( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (114) طه ، وقال تعالى : ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9] ، وروى الترمذي بسند حسن : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَنْ يَشْبَعَ الْمُؤْمِنُ مِنْ خَيْرٍ يَسْمَعُهُ حَتَّى يَكُونَ مُنْتَهَاهُ الْجَنَّةُ » ، وروى الحاكم في المستدرك : (عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منهومان لا يشبعان : منهوم في علم لا يشبع، ومنهوم في دنيا لا يشبع)
إخوة الإسلام
من أعظم ما أنعم الله به علينا نحن بني الإنسان، أن خصنا بالعلم والمعرفة ، قال الله تعالى 🙁 وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (31) ،(32) البقرة ، فبالعلم أظهر الله لآدم عليه السلام فضله على ملائكته، وبهذا شرف الله جل جلاله العلم وأهله، فرفع من أقدارهم، وأعلى من منازلهم، فقال تعالى :( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) المجادلة (11) ، وحقا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لَنْ يَشْبَعَ الْمُؤْمِنُ مِنْ خَيْرٍ يَسْمَعُهُ حَتَّى يَكُونَ مُنْتَهَاهُ الْجَنَّةُ » ، ومن هذا الخير الوفير الذي أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به ، قوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (114) طه ، يقول الطبري في تفسيرها : وقل يا محمد: ربّ زدني علما إلى ما علمتني ، فأمره بمسألته من فوائد العلم ما لا يعلم. وقال ابن كثير: أي: زدني منك علما. وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية قال: اللهم رب زدني علما وإيمانا ويقينا ،وقال القرطبي: فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه أن يسأله المزيد منه كما أمر أن يستزيده من العلم. وقال ابن عُيَيْنَة، : ولم يزل في زيادة [من العلم] حتى توفاه الله . ورحم الله تعالى الإمام الماوردي حين قال في النكت والعيون : يحتمل فيها أربعة أوجه : أحدها : زدني أدباً في دينك لأن ما يحتاج إليه من علم دينه لنفسه أو لأمته لا يجوز أن يؤخره الله عنده حتى يلتمسه منه . الثاني : زدني صبرًا على طاعتك وجهاد أعدائك ، لأن الصبر يسهل بوجود العلم .الثالث : زدني علمًا بقصص أنبيائك ومنازل أوليائك .الرابع : زدني علمًا بحال أمتي وما تكون عليه من بعدي .ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي بسند حسن (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي وَزِدْنِي عِلْمًا)
أيها المسلمون
وهناك العديدَ من الآيات البينات التي تحفِّز على العلم والتعلم، وتنبه إلى القدرات الكبيرة للعقل، ومن هذه الآيات: قوله تعالى : ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9]،وقوله تعالى:﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة: 11] ،ومن الملاحظ أن في قول الله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (114) طه ، فلم يرد في القرآن آية أمر الله تعالى فيها رسوله صلى الله عليه وسلم بالاستزادة من شيء إلا من العلم ، كما يقل الله لرسوله ( وقل ربّ زدني مالاً ،أو ربّ زدني جاهاً ، أو ربّ زدني ولداً ) ، إنما قال سبحانه : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (114) طه ، فهذا دليلٌ على فضل العلم عند الله تعالى ولفضل العلم ومنزلته فقد بوب البخاري في صحيحه بابا بعنوان:( بابُ العلم قبل العمل ) وهذا معناهُ أن العلم مقدمٌ على العمل . ومن المعلوم أن الله سبحانه وتعالى قد رفع قدر العلم ، وأعلى مكانة العلماء ، فأنزلهم أعظم منزلة ، وذلك حين استشهدهم على أعظم شهادة – بعد أن شهد بها هو سبحانه ، وأشهد بها ملائكته- فقال تعالى: “شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ” [آل عمران:18]. كما أخبر سبحانه وتعالى أن العلماء هم وحدهم الذين يخشونه حق خشيته ،فقال تعالى : “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ” [فاطر:28] . وفضلهم على من سواهم كما في قوله تعالى : “قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ” [الزمر:9] ،وبين الله سبحانه وتعالى أن العلماء وحدهم هم المؤهلون لعقل معاني آيات كتابه وفهمها فقال تعالى : “وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ” [العنكبوت:43] .كما بين- سبحانه وتعالى – أنه يرفع درجات العلماء في الدنيا والآخرة فقال تعالى : ” يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ” [المجادلة:11] .
أيها المسلمون
كما جاءت الأحاديث الكثيرة التي تبين فضل العلم وشرف أهله ،وعلو منزلتهم، وسمو مكانتهم ،ففي البخاري (عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ » ،وفي الصحيحين أن النبي قال: « مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ » ، وفي صحيح مسلم : (عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ) ،وفي قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق : (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا) ف (مَنْ) تفيد العموم، والمعنى :طلب العلم ليس للشباب فقط ، بل هو لكل أحد يستطيع ذلك، وكم طلب العلم كبار، وأمراء ووزراء، رجال ونساء فصاروا علماء أجلاء. وفي قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث : (سَلَكَ)، فيه أن الأجر يُنال بمجرد سلوك الطريق، وهذا فيه فضل عظيم، فالسالك لطريق العلم ينال الأجر ولو لم يبلغ درجة العلماء.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (طلب العلم ومنزلته) ( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وكما هو معلوم فإن العلم الممدوح شرعا هو العلم النافع والذي يصحبه عمل، فإن لم يصحب العلم العمل فهو حجة على صاحبه يوم القيامة، وقد كان النبي يجتهد في العبادة ما يعجز اللسان عنه، ويقول أفلا أكون عبدا شكورا.كما حثه ربه تبارك وتعالى على ذلك في نهاية حياته صلى الله عليه وسلم – فقال الله تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم: ” إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا” سورة النصر ،ونظرة الإسلام إلى العلم والمعرفة أدركها السلف الصالح فأبدعوا بها ما أبدعوا من العلوم والمعارف، وكونوا بها ما كونوا من حضارة، واسعة متفتحة، وحققـوا بها ما حققوا من نهوض وتقدم وقوة وعزة ومناعـة للأمة الإسلامية. وبتلك النظرة الإيمانية السليمة ، يمكن أن يحقق الخلف الصالح من الأبناء والشباب في عالم اليوم والغد ما حققه سلفهم في ميدان العلم والمعرفة. فطلب العلم ، والاستزادة منه ميدان فسيح، ومجال واسع عريض، فيه تتسابق الهمم والنفوس العالية، والإرادات والعزائم القوية، والمدارك الكبيرة، وتتنافس فيـه العقول الكبيرة، والقلـوب الواعية والأفكار المتنوعة، فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، فبطلب العلم ، والاستزادة منه ، تقـوى الإرادات ، وتنال الفضائل والمكرمات ، وتتحقق الأماني الشريفة ، والرغبات الحميدة. وبالعلم تتهذب النفوس والضمائر، وتتنور العقول والبصائر، ويستجلب الإنسان لنفسه السعادة، ويستحوذ على الرفعة والكرامة، قليله ينفع، وكثيره يعلي ويرفع، هو الأنيس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، وبذله لأهله قربة؛ وتعلمه لله خشية ، وعلى العبد أن يشكر الله ويحمده على ما فتح عليه من سبل العلم ووفقه لحضور مجالسه، وكلما تعلم العبد عليه أن لا يغفل عن هذا الأمر العظيم، قال سبحانه: “وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ” إبراهيم (7) ،وتعليم العلم للآخرين من أسباب بركة العلم وسببِ حفظه وزيادته، قال تعالى: “فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ” الليل (5) :(7)
الدعاء